السيد محمد حسين فضل اللهحديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 585: السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة) – في الذِّكرى العاشرة لرحيل المرجع الكبير السَّيِّد محمَّد حسين فضل الله – في ذكرى رحيل العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفيّ

هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (17 ذو القعدة 1441 هـ – الموافق: 9 يوليو 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
أتناول في هذا اللِّقاء ثلاثة عناوين:

العنوان الأوَّل: السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة)

العنوان الثَّاني: في الذِّكرى العاشرة لرحيل المرجع الكبير السَّيِّد محمَّد حسين فضل الله

العنوان الثَّالث: في ذكرى رحيل العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفيِّ

العنوان الأوَّل: السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة)

كان العنوان: (شبابُنا ومعركة الانتصار على الشَّيطان)
وتناولت الكلمة الماضية مجموعة استعدادات؛ من أجل الانتصار على الشَّيطان أهمُّها ثلاثة استعدادات:

الاستعداد الأوَّل: الاستعاذة باللهِ تعالى من الشَّيطان في كلِّ المواقع
﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ …﴾ (سورة الأعراف: الآية 200)

الاستعداد الثَّاني: الإكثار من ذِكر الله تعالى، ومن الصَّلاة والتِّلاوة

الاستعداد الثَّالث: إغلاق المنافذ التي يُحاول الشَّيطان أنْ يدخل من خلالها
(مجالس اللَّهو، مجالس المعصية، مخالطة الفسَّاق، البرامج والمواقع المحرَّمة، …)

إنَّ شبابَنا في هذا العصر – عصر الفساد، وعصر الانحراف، وعصر هيمنة وسائل الشَّيطان – بكلِّ تموُّجاته، ومثيراته حينما ينتصر الشَّباب على كلِّ هذا الواقع الفاسد يحملون وسامًا كبيرًا، فقد سمَّاهم النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلهِ) – الشَّباب بالخصوص – إخوته الَّذين يأتون في آخرِ الزّمان!
لأنَّهم جاءوا في زمن الانحرافِ، فقَبَضوا على دينهم.
ولأنَّهم جاهدوا من أجل دين الله تعالى.
لذلك كانوا يستحقُّون هذا الوسام الكبير!
أخطر الحبائل
ومتابعة لهذا الموضوع أتناول هذا العنوان: (المرأة من أخطر الحبائل التي يعتمدها الشَّيطان)
ذَكَرْنا في الحديث الماضي: إنَّ الشَّيطان يمتلك مجموعة وسائل؛ من أجل إسقاط الإنسان، وخاصَّة الشَّباب، وتأتي المرأة كوسيلة من وسائل الشَّيطان يوظِّفها؛ من أجل اصطياد الكثير من الشَّباب.
ولذلك الإسلام وضع في العلاقة بين الجنسين مجموعة محصِّنات.
سياجات الإسلام ومحصِّناته للمرأة والرَّجل
هذه العلاقة بين الرَّجل والمرأة، بين الشَّاب والشَّابة إذا لم تحصَّن، فإنَّها تتحوَّل إلى مواقع تُنتج كوارثَ، لذلك الإسلام قد اهتمَّ كثيرًا بهذا الجانب، ووضع محصِّنات، ووضع سياجات تحمي العلاقة بين الجنسين.
فالعلاقة بين الجنسين إذا لم تكن (مُحصنَّة)، ولا (مسيَّجة) كان لها آثار مُدمِّرة!
ما هي السِّياجات التي وضعها الإسلام؟
وضعها الدِّين؟
وضعها القرآن الكريم؟؛ لحماية العلاقة بين الذَّكر والأنثى؟
بين الرَّجل والمرأة؟
بين الشَّاب والشَّابة؟
هناك سياجات.
هناك محصِّنات.
أحاول أنْ أُلقي ضوءًا سريعًا على هذه السِّياجات.
نوعان من السِّياجات
نُصنِّفُ السِّياجات التي وضعها الإسلام؛ لتحصين العلاقة بين الرَّجل والمرأة.
وبين الذَّكر والأنثى إلى صنفين:
1-السِّياجات الدَّاخليَّة
2-السِّياجات الخارجيَّة
هناك نوعان من السِّياجات، ولا بدَّ أنْ تتوافق، وتتكامل هذه السِّياجات.
ماذا أعني بالسِّياجات الدَّاخليَّة؟
وماذا أعني بالسِّياجات الخارجيَّة؟
الصِّنف الأوَّل: السِّياجات الدَّاخليَّة
هي صنع المضمون الدَّاخليِّ عند الإنسان.
صنع المحتوى الرُّوحيِّ في داخل الإنسان.
كلُّ السِّياجات الخارجية تسقط وتنهار إذا لم يكن هناك محصِّن داخليٌّ.
حتَّى نحفظ الإنسان من الزَّيغ.
من الانحراف.
من السُّقوط في حبائل الشَّيطان، لا بدَّ أنْ نصنع في داخله قوَّة تحصِّنه.
قوَّة روحيَّة.
قوَّة إيمانيَّة.
قوَّة أخلاقيَّة، تحميه من الانهيار أمام هَجَمات الشَّيطان.
إنَّ صنع المحتوى الرَّوحيِّ الدَّاخليِّ هو مُسيِّج، وهو المسيِّج الأساس الذي يحمي سلوك الإنسان، ويحصِّنه من السُّقوط في منزلقات الشَّيطان.
فالتَّقوى تحمي الإنسان من الانزلاقات، والسُّقوط في حبائل الشَّيطان، فهذا محصِّن.
إلَّا أنَّنا نسمِّيه محصِّنًا داخليًّا وهو أساس، وبغيابه لا تنفع المحصِّنات الخارجيَّة.
ولا تنفع السِّياجات الخارجيَّة.
إذًا، عندنا محصِّنٌ داخليٌّ، سِياج داخليٌّ.
السِّياجات الخارجيَّة: هي التي تحمي المحتوى الدَّاخليَّ الرُّوحيَّ.

الصِّنف الثَّاني: السِّياجات الخارجيَّة
يوجد عندنا مخزون داخليٌّ روحيٌّ إيمانيٌّ.
توجد قوَّة داخليَّة إيمانيَّة.
ولكن نحتاج أيضًا إلى سياج خارجيٍّ يحميها، ويحافظ على العلاقة بين الجنسين.
فما هي السِّياجات الخارجيَّة التي وضعها الإسلام؛ لحماية العلاقة بين الشَّباب والشَّابات؟
بين الرِّجال والنِّساء؟

هناك مجموعة من السِّياجات، أتناول السّياج الأوَّل في هذا الحديث.
هناك مجموعة سياجات خارجيَّة تحمي، المحتوى الدَّاخليَّ، وتحصِّن العلاقة بين الجنسين.

السِّياج الأوَّل: السِّتر الشَّرعيُّ للمرأة
الإسلام شرَّع السِّتر الشَّرعيَّ للمرأة.
هذا سياج يحمي العلاقة من الانزلاق.
هذا يحمي العلاقة من السُّقوط في حبائل الشَّيطان، وهو السِّتر الشَّرعيُّ للمرأة – كما أنَّ هناك ستر للرَّجل طبعًا، لكن حديثنا عن السِّتر الشَّرعي للمرأة -، وهو يحمي العلاقة بين الجنسين حماية كبيرة تسيِّج المحتوى الدَّاخليَّ.

السِّتر الشَّرعي للمرأة ماذا نقصد به؟
وما هي المواصفات التي وضعها المشرِّع؟
وضعها الإسلام؟
وضعها القرآن الكريم في ستر المرأة؟
في لباس المرأة؟

هناك مجموعة مواصفات فقهيَّة شرعيَّة متى توفَّرت توفَّر عنوان السِّتر الشَّرعيِّ للمرأة، ومتى غابت أو غاب بعضُها غاب عنوان السِّتر الشَّرعيِّ للمرأة!

ما هي المواصفات التي حدَّدها الفقه الإسلاميُّ؟
حددها القرآن الكريم لزيِّ المرأة؟
هناك زيٌّ خاصٌّ للمرأة، هذا الزَّيُّ، هذا اللِّباس، هذا السِّتر مطلوب أنْ يتوافر على مجموعة اشتراطات، متى توفَّرت هذه الاشتراطات كان زيًّا شرعيًّا.
كان لباسًا شرعيًّا.
ومتى فُقِد بعضُها، فَقَدَ هذا اللِّباس عنوان السِّتر الشَّرعيِّ.
ما هي هذه المواصفات التي وضعتها الشَّريعة؟
وضعها القرآن الكريم؟
وَضَعها الفقهاء لستر المرأة؟
للباس المرأة؟
لزيِّ المرأة؟

الشَّرط الأوَّل: أنْ يكون هذا الزَّيُّ، هذا اللِّباس ساترًا مغطِّيًا لبدن المرأة.
أنْ يكون لباس المرأة، الزَّيُّ التي ترتديه مغطِّيًا لبدنها، وهنا ثلاثة آراء فقهيَّة:
الرَّأي الفقهيُّ الأوَّل: يرى وجوب ستر البدن بكامله بدون استثناء.
المرأة مطلوب منها أنْ تستر بدنها كاملًا، حتَّى الوجه والكفَّين!
هذا رأي، وإنْ كان ليس رأيًا مشهورًا، إلَّا أنَّه رأي فقهيٌّ.

الرَّأي الفقهيُّ الثَّاني: المرأة مطلوب أنْ تستر جميع بدنها باستثناء الوجه والكفَّين.
مسموح للمرأة أنْ تكشف الوجه، وتكشف الكفَّين ما لم يترتَّب على ذلك عنوان أكبر، وهو عنوان المفسدة. العنوان الأوَّليُّ لا مشكلة وفق هذا الرَّأي بأنْ تكشف المرأة وجهَها، وأنْ تكشف الكفَّين.
هذا الرَّأي الثَّاني.

الرَّأي الفقهيُّ الثَّالث: يستثني الوجه، والكفَّين، والقدمين.
مسموح للمرأة أنْ تكشف الوجه، والكفَّين، والقدمين.
فالشَّرط الأوَّل، مطلوب من المرأة أنْ تغطِّي جميع بدنها، مع مراعاة الآراء، والاستثناءات المذكورة.

الشَّرط الثَّاني: ألَّا يكون شفَّافًا يحكي لون البشرة
قلنا: أنْ يغطِّي بدنها، لكن هناك شرط أيضًا، ألَّا يكون هذا اللِّباس المغطِّي للبدن شفَّافًا يحكي لون البشرة، وإلَّا لم يتحقَّق عنوان السِّتر الشَّرعيِّ.
أنْ تلبس لباسًا شفَّافًا رقيقًا يحكي لون البشرة، هذا لا يسمَّى سترًا.
لربما غطَّى البدن بكامله إلَّا أنه ليس تغطية حقيقيَّة.
إنَّ وجود لباس شفَّاف يحكي لون البشر هذا لا يُشكِّل سترًا.

المطلوب هو أنْ يكون اللِّباس مغطِّيًا للبدن بشرط ألا يكون شفَّافًا رقيقًا يحكي لون البشرة.
هذا الشَّرط الثَّاني.

الشرط الثَّالث يشترط في لباس المرأة ألَّا يكون بشكل فيه إثارة.
لربما لباس المرأة يغطِّي البدن، وليس رقيقًا إلَّا أنَّه مصنوع بشكل فيه إثاره، بحيث تثير الرَّجل.
تثير الشَّهوة الجنسيَّة عند الرَّجل!
فإنَّ هذا ليس سترًا شرعيًّا وإنْ غطَّى البدن! حتَّى وإن لم يكن رقيقًا.
فوجوده بطريقة فيها إثارة، يفقده عنوان الستر الشرعيِّ.
فيُشترط إلى جانب أنْ يكون اللِّباس مغطِّيًا جميع البدن، وألَّا يكون شفَّافًا رقيقًا، هو ألَّا يكون بشكل فيه إثارة بمعنى ألَّا تكون المرأة متبرِّجة، فالتبرُّج لا يكون دائمًا بكشف أجزاء من البدن!
نعم، ﴿… وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى …﴾ (سورة الأحزاب: الآية 33)، حيث كانت المرأة في الجاهليَّة تكشف جزءًا من صدرها، من رأسها، إلَّا أنَّ التبرُّج يكون أحيانًا من خلال اللِّباس نفسه.
أي: قد يكون اللِّباس فيه تبرُّج!
التَّبرُّج هو إظهار المرأة محاسنها، وزينتها للنَّاس.

من مظاهر التَّبرّجٌ
1-الزِّينة
تستعمل المرأة لونًا من الزِّينة المثيرة، هذا تبرج!
يمكن الجسد مستور إلَّا أنَّ وجود هذه الزِّينة المثيرة، هذا يعتبر تبرُّجًا، وهذا مَنْهِيٌّ عنه.
المرأة هكذا لا تكون متستِّرة سترًا شرعيًّا..

2-الألوان الصَّارخة
من ألوان التَّبرُّج الألوان الصَّارخة.
تستعمل ألوانًا صارخة تجتذب، هذا شكل من أشكال التَّبرُّج.

3-أنْ تُجسِّم مواضع من جسدها
من أشكال التَّبرُّج في لباس المرأة هو أنْ تجسِّم مواضعَ من بدنها مثيرةً.
كلباس ضاغط يبرز أحجامًا من جسد المرأة، فيؤدي إلى الإثارة، وهذا لون من ألوان التَّبرُّج.

يضيف بعض الفقهاء شرطين آخرين:
الشَّرط الأوَّل: أنْ لا تتزيَّ المرأة بزيِّ الرَّجل إذا كان الزَّيُّ خاصًّا بالرَّجل.

أمَّا إذا أصبح زيًّا مُشْتَرَكًا بين الرَّجل والمرأة فَقَدَ خصوصيَّته، لكن يوجد لباسٌ يشكِّل زيًّا خاصًّا للرِّجال، فهنا بعض الفقهاء يشترط – هذا رأي عند بعض الفقهاء – ألَّا تتزيَّ المرأة بزيِّ الرجل.

الشَّرط الآخر: ألَّا تتزيَّ المرأة بزيِّ الكُفَّار
ويضيف بعض الفقهاء أيضًا شرطًا: ألَّا تتزيَّ المرأة بزيِّ الكُفَّار كَلِبْسِ الصَّليب مثلًا! هذا زيُّ الكفار – غير المسلمين – أهل الكتاب.

فالمواصفات المتقدِّمة الأساس: أنْ يغطِّي اللِّباسُ البدنَ.
ألَّا يكون رقيقًا شفَّافًا.
ألَّا تكون فيه إثار، وتبرُّج.
هذه الشُّروط الأساس الثَّلاثة.
فالمواصفات المتقدِّمة للباس المرأة تمثِّل (الجانب الثَّابت) مهما تغيَّر الزَّمان، والمكان.
يعني قد يقول البعض: هذه شروط كانت في عهد الإسلام الأوَّل، أمَّا الآن لا توجد ضرورة لها.
ولا توجد حاجة لها!
لا، إنَّ الحاجة لهذه المواصفات مستمرَّة إلى آخر الدُّنيا؛ لأنَّها هي التي تحصِّن، وتحمي.
لم تكن حاجة في عصر الرِّسالة فقط، بل إنَّها حاجة مستمرَّة.

هناك مَن يدعو إلى إلغاء هذه الشُّروط، حيث الزَّمن قد تغيَّر، حيث الضَّرورات تغيَّرت.
لا، الشُّروط المركزيَّة الأساس في لباس المرأة هذا أمرٌ ثابت لا يتغيَّر.
نعم، هناك جانب يمكن أنْ يتغيَّر وهو الشَّكل.
أمَّا الثَّوابت الأساس لا تتغيَّر.
المواصفات الثَّلاثة المذكورة لا تتغيَّر؛ لأنَّ الإنسان هو الإنسان.
والشَّيطان هو الشَّيطان.
والشَّهوة هي الشَّهوة.
ما كان التَّبرج في زمن الرِّسالة يستثير الرَّجل، واليوم ما عاد يستثيره؟!
بل أصبح اليوم أكثر إثارةً.
التَّبرُّج المعاصر أكثر إثارة من تبرُّج الجاهليَّة الأولى.
المرأة حينما تتعرَّى.
حينما تتكشَّف ما كانت في ذلك اليوم تثير الرِّجال، وشهوات الرِّجال، واليوم ما عادت تثير؟!
إذًا، الحاجة لهذه المواصفات الأساس حاجة مطلوبة.
نعم هناك جانب متغيِّر وهو شكل اللِّباس إذ يمكن أنْ يتغيَّر بشرط أنْ يحتفظ بالضَّوابط الشَّرعية الثَّلاثة.
نعم، يفضَّل الأشكال الأقوى تجسيدًا للمعايير الشَّرعيَّة، والأكثر حِشْمَةً.

مع أنَّ الكثير من بنات الجيل الجديد يتسامحنَ في دِقَّة تطبيق (المواصفات)!

اليوم جاءتنا (موضات) اسمها (موضات إسلاميَّة)!
اسمها زيٌّ إسلاميٌّ، ولكنَّها (موضات) صارخة بألوانها، وبأشكالها ممَّا تندمج ضمن التَّبرُّج..

الكثير من بنات الجيل الجديد يتسامحنَ في دقَّة تطبيق (المواصفات)، و(المعايير الشَّرعيَّة) فِيما يلبسنَ من (أزياء جديدة) يُروَّج لها بأنَّها (أزياء إسلاميَّة)، وهي أبعد ما تكون عن المواصفات الإسلاميَّة!
الحديث له تتمة إنْ شاء الله تعالى.

العنوان الثَّاني: في الذِّكرى العاشرة لرحيل المرجع الكبير السَّيِّد محمَّد حسين فضل الله (قدِّس سرُّه)

تمرُّ هذه الأيَّام الذِّكرى العاشرة لرحيل المرجع الكبير السَّيِّد محمَّد حسين فضل الله (رضوان الله عليه).
وشخصيَّة في هذا الحجم الاستثنائيُّ تفرض نفسَها على ذاكرة الأجيال.

كثيرون هم الَّذين يَغيبون عن الذَّاكرة.
وكثيرون هم الَّذين يبقى وجودهم هامشيًّا.
والسَّيِّد فضل الله (قدِّس سرُّه) ليس كذلك، فهو فَرَض نفسَه على كلِّ الذَّاكرة – ذاكرة الأجيال -، لماذا؟
فهو الفقيه المتميِّز.
وهو المفكِّر المُبدع.
وهو الأديب الماهر.
وهو الكاتب المتمكِّن.
وهو الدَّاعية الجريئ.
وهو المربِّي الكبير.
وهو السِّياسيُّ الخبير.
وهو القائد البصير.
وهو الرَّوحانيُّ المتوقِّد.
وهو المرجع المجدِّد.
وتزدحم العناوين في هذه الشَّخصيَّة!
ليس صعبًا أنْ نجد مرجعًا متميِّزًا.
أو فقيها متميِّزًا، أو أديبًا، أو مفكِّرًا، أو كاتبًا، أو داعيةً، أو مربِّيًا، أو سياسيًّا، أو عِرفانيًّا، أو قائدًا، أو مجاهدًا، أو أيَّ عنوان كبير.

ولكن أنْ نجد شخصيَّةً تزدحم في داخلها العناوين الكبيرة، فهذا أمر استثنائيٌّ.
فقيه متميِّز ممكن.
قائد سياسيٌّ متميِّز ممكن كثيرًا.
ولكن أنْ نجد شخصيَّةً تزدحم في داخلها العناوين الكبيرة، فهذا أمر استثنائيٌّ، وهذا أمر نادر!
المرجع السَّيِّد محمَّد حسين فضل الله (قدِّس سرُّه) هو أحد هذه الشَّخصيَّات الاستثنائيَّة، والنَّادرة!
ولعلَّ السِّرَّ الكبير في توهُّج هذه الشَّخصيَّة، وفي جاذبيَّتها الكبيرة هو (ربَّانيَّته، وروحانيَّته).
مَنْ عايشه عن قرب اكتشف الكثير من هذه الرَّبَّانيَّة، والرَّوحانيَّة.
وقد تجلَّت في صلواته.
وأدعيته.
وأذكاره.
وفي كلماته.
ومواعظه.
وإرشاداته.
وفي أخلاقِهِ.
وممارساتِه.
وحتَّى حينما نقرأُه مفكِّرًا، وأديبًا، وشاعرًا.
وحتَّى حينما نقرأُه مجتهدًا وفقيهًا.
وحتَّى حينما نقرأُه سياسيًّا.
نراه روحانيًّا مملوءًا بعشق الله تعالى.
ونراه ربَّانيًّا ذَاب في الله سبحانه.
وهكذا عاش، وهكذا مات.
وسيبقى في ذَاكرة الأجيال.
وفي وعيهم.
وفي وجدانهم.
وفي كلِّ حَرَاكهم.
تغمَّدَهُ الله تعالى بالرَّحمة، والرضوان، وحشره مع الأخيار، والأبرار.

العنوان الثَّالث: في ذكرى رحيل العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفي (رضوان الله عليه)
خمسة وثلاثون عامًا مضت على رحيل العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفي، ولا زال في ذَاكرة هذا الوطن، لأنَّه عنوان لا يمكن أنْ ينمحِي من هذه الذَّاكرة.
العناوين لا تنمحي!
قد يأتي إنسان على هامش الحياة، فهذا ينتهي، أمَّا الَّذي يصبح عنوانًا لوطن.
عنوانًا لأمَّة.
عنوانًا لمرحلة، فهذا لا ينتهي.
العنوان لا ينتهي؛ لأنَّه عنوان لا يمكن أنْ ينمحي من هذه الذَّاكرة.
كان الحاضر في حياتِهِ كلَّ الحضور، ولذلك يبقى حاضرًا وإنْ رحل عن هذه الحياة.
يبقى حاضرًا في الذَّاكرة، والوجدان، وفي كلِّ الواقع.
ومطلوبٌ جدًّا أنْ نُجدِّد اللِّقاء مع هذه الشَّخصيَّات؛ لكي تتجذَّر العلاقةُ معهم، وهذا التَّجذُّر له قيمتُه الكبرى؛ حيث يُؤصِّل لحركة الأجيال، بقدر ما تتأصَّل العلاقة مع جذور الأصالة في هذه الأمَّة.
تتأصَّل الحركة في منطلقاتها.
في أساليبها.
في أهدافها.
وهذا التَّجذُّر له قيمته الكبرى، حيث يؤصِّل لحركة الأجيال.
من أهمِّ الوسائل لحماية الأصالةِ في حركة الأجيال أنْ يبقى لهذه الرُّموز الدِّينيَّة حضورٌ مستمرٌّ، ومتجدِّد.
فليس للتَّرف الفكريُّ أنْ نُجدِّدَ الحديث عن رجال الفقه، والفكر، والجهاد، والعطاء في تاريخ أمَّتنا.
وفي تاريخ أوطاننا.
إذا كان العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفيُّ (قُدِّس سرُّه) قد مضى على رَحيلة خمسة وثلاثون عامًا، فأجيالٌ كبيرة من هذا الوطن لم تعاصره.
أجيال مضت.
وأجيال أتت.
وأجيال سوف تأتي.
فمسؤوليَّة الَّذين عاصروه.
ومسؤوليَّة الَّذين قَرَأوه أنْ يعرِّفُوه للأجيال في ذِكرى رحيله، وفي أيَّة مناسبة أخرى.
ألَّا نلتزم بأنْ نذكر برجالنا في مناسبات رحيلهم فقط، وربَّما الكثير نسيناهم حتَّى في هذه المناسبات! في كلِّ مناسباتنا يجب أنْ نذكِّر برموزنا.
بشخوصنا.
برجالنا.
بعلمائنا.
بفقهائنا.
بمفكِّرينا.
فمسؤوليَّة الَّذين عاصروه.

ومسؤوليَّة الذين قرأوه – وربما لم يعاصروه لكن قَرَأوه – أنْ يعرِّفُوه للأجيال في ذِكرى رحيله.
وفي أيَّة مناسبة أخرى.
العلَّامة السَّيد أحمد الغريفيُّ عَلَمٌ بارز تجاوزت شهرته هذا الوطن في علمِهِ.
في ثقافته.
في خلقِهِ.
في روحانيَّته.
في عطائِه.
في جهادِه.

فهو خرِّيج مدرسة النَّجف الأشرف، حيث تتلمذ على يد أَساتذة كبار من طراز السَّيِّد الخوئيِّ (قدِّس سرُّه).
والسَّيِّد الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدر (قدِّس سرُّه).
والسَّيِّد محمَّد تقي الحكيم (قدِّس سرُّه).
والسَّيِّد محيي الدِّين الغريفي (قدِّس سرُّه).
والدَّكتور الفضلي (قدِّس سرُّه).
وغيرهم فقهاء كبار معروفون.
ممَّا صنع منه (نموذجًا راقيًا)، هذا التَّتلمُذ على هذه النَّماذج الرَّاقية.
صنع منه (نموذجًا راقيًا).
وعالمًا فاضلًا.
وناشطًا كبيرًا.
وحوزويًّا مثقَّفًا.
ليس كلُّ الحوزويِّين مثقَّفين.
وليس كلُّ المثقَّفين حوزويِّين.
أنْ تتزاوج الحوزة مع الثَّقافة، هذا أمر قد لا يتوفَّر في كلِّ إنسان.

السَّيِّد الغريفيُّ (قدِّس سرُّه) زَاوج بين أنْ يكون حوزويًّا.
وأنْ يكون أكاديميًّا.
وأنْ يكون مثقَّفًا.
وأنْ يكون مفكِّرًا.
وأنْ يكون داعيةً.
ممَّا صنع منه (نموذجًا راقيًا).
وعالمًا فاضلًا.
وناشطًا كبيرًا.
وحوزويًّا مثقَّفًا.

ويجب ألَّا ننسى دور والدِه العلَّامة الكبير السَّيِّد علوي الغريفي (قدِّس سرُّه)، حيث كان المؤسِّس لبناء هذه الشَّخصيَّة.

ففي ظلِّ مدرسة هذا الوالد نشأ السَّيِّد أحمد (قدِّس سرُّه)، ونهل الكثير من فيوضاتها العلميَّة، والرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة، والسُّلوكيَّة، وتشرَّب عشقَ الحوزة، ودراساتها.
وإذا كان لنا أنْ نتحدَّث عن منظومة الأساتذة العِظام الَّذين تتلمذ عليهم السَّيِّد أحمد الغريفي (قدِّس سرُّه)، فيجب أنْ لا ننسى خصوصيَّة علاقته بأُستاذه الشَّهيد السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (قدِّس سرُّه)، هذه الخصوصيَّة التي استطاعت أنْ تصنع منه (نموذجًا راقيًا) كطالب حوزة.
وعالمِ دين.
ورجلِ تقوى.
وناشطٍ كبير.
وداعيةٍ فاعل.
ومُرَبٍّ أصيل.
ومثقَف واعٍ.
وإنسانِ رسالةٍ.
ومجاهدٍ صلبٍ.
هذه مدرسة الشَّهيد الصَّدر (قدِّس سرُّه).
ويكفي السَّيِّد أحمد الغريفي (قدِّس سرُّه) أنْ يكون واحدًا من تلامذة هذه المدرسة.
وأعتذر حيث لا تتَّسع كلمة عاجلة أنْ تنفتح على شخصيَّة في حجم شخصية السَّيِّد أحمد الغريفي (قدِّس سرُّه).

وأتمنَّى على ولدنا العزيز السَّيِّد محمَّد هادي الغريفي أنْ يُعجِّل في إنجاز مشروع الكتابة عن والده.

هذا المشروع الذي سوف يُعطِي – بإذن الله تعالى – (إضاءات كبيرة) على شخصيَّة العلَّامة السَّيِّد أحمد الغريفي (قدِّس سرُّه).

ويبقى كلُّ الذين عاصروه يتحمَّلون الكثير من مسؤوليَّة التَّعريف به، فَلَدَى ما بقي من هؤلاء ثروة من معلومات لا بدَّ أنْ تُحفظ.

ولا بدَّ أنْ تنشر وإلَّا لضاع الكثير من تاريخ الشَّخصيات الكبيرة، وفي ذلك خسارة كبرى، وهنا الحاجة إلى مؤسَّسات متخصِّصة تُعْنَى بشأن التُّراث، وبشأن رجال العلم، والفكر، والثَّقافة، فما أكثر ما ضاع تراث!
وضاع تاريخ لغياب المهتمِّين بهذا الشَّأن.
وغياب المؤسَّسات المتصدِّية لذلك.
هناك جهود فرديَّة، لكنَّها تعجز من أنْ تنهض بهذا العِبْء الكبير، وهي جهود مشكورة، وكان لها عطاؤها الكبير.
لكن لو تآزرت الجهود وتَمَأْسَسَت لكان العطاء أكبر وأكبر!
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى