آخر الأخبارالمعارف القرآنيةمحاضرات إسلاميةمحاضرات رمضانيةملف شهر رمضان

مسارات التَّعاطي مع القرآن

12شهر رمضان 1445 - 23 مارس 2024 - محفل أنس القرآن بمسجد مؤمن في المنامة

مسارات التَّعاطي مع القرآن

أعوذ بالله السَّميع العليم مِن الشَّيطان الغويّ الرَّجيم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا مُحمَّد وعلى آله الطِّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحِبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
كم هو مُلتقى قُرآنيٌّ جميل.
يملأُ العقل بنفحات القُرآن، ويملأُ القلب والرُّوح، ويملأُ الوجدان.
في الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ».( )
ما أجمل هذه الملتقيات القُرآنيَّة! نعيش فيها نداوةَ الرُّوح، ونداوةَ الإيمان، ونداوةَ الطُّهر.
اقرأوا القُرآن ما استطعتم، فخيرُ الذِّكر القُرآن.
أكثروا مِن تلاوة القُرآن وخاصَّة في هذا الشَّهر الفضيل، شهرُ القُرآن.
فآيةٌ مِن كتاب الله تعدل ختمة كاملة في غيره مِن الشُّهور، فأكثروا مِن تلاوة القُرآن، ومِن حفظ القُرآن.
وهنا بعضُ إشاراتٍ سريعة في هذه الكلمة العاجلة.
مسارات التَّعاطي مع القرآن
لتلاوة القُرآن، وللتَّعاطي مع القُرآن بعض مُكوِّنات:
المسار الأوَّل: أنْ نعيش عُشقًا حقيقيًّا للقُرآن
بقدر ما نعيش العُشق القُرآنيّ، نعيش قِيمة التِّلاوة القُرآنيَّة، كونوا عُشَّاقًا للقرآن، وليس قُرَّاءً فقط.
هناك قارئ للقُرآن لا يرتقي إلى مستوى درجة العُشق القُرآنيّ.
كلَّما ارتقينا إلى درجة العُشق القُرآنيّ (الانصهار، الذَّوبان، الهَيام مع القُرآن)، كلَّما ارتقى هذا العُشق القُرآنيّ، ارتقت درجة القارئين للقرآن، فكونوا عُشَّاقًا حقيقيِّين للقُرآن.
في هذا الشَّهر نصنعُ العشقَ القُرآنيّ، في هذا الشَّهر نصنعُ الهَيامَ القُرآنيّ.
امتحن وجدانك: كم هي درجة العُشق القُرآنيّ في هذا الوجدان؟
امتحن قلبك: كم فِيه مِن هَيام؟
وأيُّ هَيامٍ للقُرآن؟
إذًا كونوا عُشَّاقًا للقرآن، وأنتم العُشَّاق للقُرآن، فارتقوا بمستوى عُشقِكم للقرآن، وبمستوى انصهار وجدانِكم مع القُرآن، وكلَّما ارتقى هذا العشق، وكلَّما ارتقى هذا الانصهار ارتقت درجة القارئين للقُرآن.
العُشق، الهَيام، الحبُّ القُرآنيّ.

المسار الثَّاني: درجة عالية مِن التَّدبُّر في القُرآن الكريم
تأمَّلوا وتدبَّروا في كلِّ فقرة، وفي كلِّ مقطع، وفي كلِّ آية؛ ستجدون عطاءات ربانيَّة كبيرة تملأ عقلكم، وتملأ فِكركم، وتملأ ثقافتكم، وتملأ وجدانكم، وتملأ كلَّ حياتكم.
تأمَّلوا، تدبَّروا بقدر ما تملكون مِن قُدرات التَّدبُّر، الذين يتدبَّرون القُرآن يستوعبون معاني القُرآن.
رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) يتدبَّر القُرآن لكنَّها قمَّة التَّدبُّر.
عليُّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) يتدبَّر القُرآن لكنَّها قمَّة التَّدبُّر.
الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) يتدبَّر القُرآن ولكنَّها قمَّة التَّدبُّر.
الأولياء الصَّالحون يتدبَّرون القُرآن.
كن مِن المتدبِّرين، فبقدر ما تستطيع أنْ ترتقي بوعيك القُرآنيّ، بثقافتك القُرآنيَّة، بتدبُّرك القُرآنيّ ارتقِ، فإنَّك تزداد في مقاماتك القُرآنيَّة.
أصحاب القُرآن لهم مقامات كثيرة، فإنَّك ترتقي هذه المقامات بمقدار ما يرتقي العُشق القُرآنيّ، وترتقي هذه المقامات بمقدار ما يرتقي الوعي القُرآنيّ والتَّدبُّر القُرآنيّ.
قفوا عند لقطات القُرآن العظيمة، فإنَّ القُرآن يحدِّثكم عن السَّماء، عن الأرض، عن الحياة، عن الدُّنيا، عن الآخرة، عن كلِّ شيئ، فكونوا مع القُرآن، مع مفاهيم القُرآن، مع فِكر القُرآن، مع ثقافة القُرآن.
إذًا هناك عُشقٌ لا بدَّ أنْ يتزاوج مع وعي، ووعيٌ قُرآنيٌّ لا بدَّ أنْ يتزاوج مع عُشق قُرآنيّ، عُشقٌ بلا وعي تنخفض قِيمته، ووعيٌ بلا عشق تضعف قِيمته، فهنا وعيٌ، وهنا عُشق، وهنا هَيام، وهنا تدبُّر، وهنا تأمُّل.
هذه مرحلة مِن مراحل التَّعاطي مع القُرآن.

المسار الثَّالث: عيشوا القُرآن أخلاقًا، وسُلوكًا، وطاعةً صادقةً لله.
القُرآنُ يعلُّمنا كيف نكون الأتقياء
القُرآنُ يعلُّمنا كيف نكون الصَّالحين
القُرآنُ يعلُّمنا كيف نكون الطَّاهرين
الطَّاهرين في كلِّ سُلوكِنا، في كلِّ مسارنا، في كلِّ حياتنا، الطَّاهرين في بيوتنا، الطَّاهرين في شوارعنا، الطَّاهرين في أسواقنا، الطَّاهرين في كلِّ مواقعنا.
مِن القُرآن نتعلَّم، مِن القُرآن نصنع هذا السُّلوك، وأيُّ سلوكٍ أنقى مِن سلوكٍ يصنعه القُرآن، وأيُّ مسارٍ أعظم مِن مسارٍ تصنعه آيات الله.
إذًا مِن القُرآن نتربَّى، كونوا تلامذة للقرآن، قِيمتكم حينما تكونوا تلامذة حقيقيِّين للقُرآن، كونوا التَّلامذة الحقيقيِّين للقُرآن، كونوا التَّلامذة الذين يتعلَّمون مِن نفحات القُرآن، مِن كلمات القُرآن، مِن تدبُّر القُرآن:
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. (محمَّد/24)
لا نريد للقلوب أنْ تكون مُقفلة، نريد للقلوب أنْ تكون مفتوحة على القُرآن، نريد للعقول أنْ تكون مفتوحة على القُرآن، نريد للمشاعر أنْ تكون مفتوحة على القُرآن.
إذًا وجدانٌ وانصهار، ووعيٌ وبصيرة، والتزامٌ وسُلوك، حينما تتزاوج هذه المسارات الثَّلاثة يرتقي مستوى العلاقة مع القُرآن.

المسار الرَّابع: كونوا الدُّعاة القُرآنيِّين
وهو أرقى المسارات.
أنْ نصنع عقلنا القُرآنيّ مطلوب وجميل جدًّا.
أنْ نصنع وجداننا القُرآنيّ مطلوبٌ.
أنْ نصنع قِيَمنا القُرآنيَّة مطلوبٌ.
أنْ نصنع سلوكنا القُرآنيّ مطلوبٌ.
ولكن أنْ نصنع كلَّ القُلوب، وكلَّ العقول، وكلَّ مسارات الحياة فهذا مرتبة عالية جدًّا.
أنت تالٍ للقُرآن، وقارئ للقُرآن، وداعية للقُرآن.

كيف نكون دُعاة للقرآن؟
حينما نحرِّك مفاهيم القُرآن في داخل بيوتنا، في شوارعنا، في أسواقنا، في كلِّ مواقع حياتنا، القُرآن يجب أنْ يتحرَّك.
القُرآن لا ينطلق في المساجد فقط، ولا في الحُسينيَّات فقط، ولا في مناسباتنا الدِّينيَّة فقط، بل يُراد للقُرآن أنْ يتحرَّك على الأرض:
نريد أنْ نصنع أُسرة قُرآنيَّة.
نريد أنْ نصنع شارعًا قُرآنيًّا.
نريد أنْ نصنع مسارات قُرآنيَّة، سوقًا قُرآنيَّة، أجواءً قُرآنيَّة.
كلَّما استطعنا أنْ نحرِّك القُرآن في أيِّ مساحة مِن مساحات الحياة نكون القُرآنيِّين، نكون الدُّعاة القُرآنيِّين.

إذًا هذه مكوِّنات أربعة، بقدر ما نرتقي بها يرتقي مستوى علاقتنا بالقُرآن، فعمِّقوا العلاقة مع القُرآن وخاصَّة في هذا الشَّهر الذي هو شهر القُرآن، في كلِّ الشُّهور يجب أنْ تستمر علاقتنا مع القُرآن، لكن لهذا الشَّهر خصوصيَّة، لشهر رمضان خصوصيَّة في العلاقة مع القُرآن، في تلاوة القُرآن، في تدبُّر القُرآن، في الانصهار مع القُرآن، في تمثُّل القُرآن، في أنْ نكون دُعاة قرآنيِّين، وبذلك نكون قد استطعنا أنْ نحيي هذه البرامج الدِّينية القُرآنيَّة.

أنا أُهنِّئكم كثيرًا على هذا البرنامج الرَّبانيّ الكريم الطَّيِّب، على هذا المحفل القُرآنيّ الجميل الذي يملأ القلب والرُّوح، ويملأ العقل والفِكر والوجدان والمشاعر.
أتمنَّى أنْ تكون هذه المناسبات، وأنْ تكون مساجدنا ومآتمنا محافل قُرآنيَّة.

نحن اليوم في عصرٍ يريدون فيه أنْ يسرقوا شبابنا، وأنْ يسرقوا بناتنا، وأنْ يسرقوا كلَّ أجيالنا، فنريد أنْ نقرِّبهم إلى القُرآن، ونريد أنْ نربطهم بالقُرآن، وبمسارات القُرآن.
فاجعلوا القُرآن يتحرَّك في كلِّ المواقع، انطلقوا مِن هذه التِّلاوة الرَّبانيَّة العذبة الجميلة إلى منطلقات الحياة، تحملون القُرآن وعشق القُرآن، وأنت مع زميلك في المدرسة تحدَّث عن القُرآن، وأنت مع زميلك في الشَّارع، في السُّوق، في أيِّ موقع تحدَّث عن القُرآن، اجعلوا القُرآن همَّكم، اجعلوا القُرآن نفحات قلوبكم، اجعلوا القُرآن مواقع عقولكم، فخيرُ ذكرٍ هو القُرآن، وخيرُ عطاءٍ هو القُرآن، وخيرُ مسارٍ هو القُرآن.
أسأل الله لكم كلَّ التَّسديد، وكلَّ التَّوفيق، وأشدُّ على يد المشايخ الطَّيِّبين الذين يعنون بهذا المشروع القُرآنيّ، ونسأل الله لكم كلَّ تسديدٍ، وكلَّ توفيقٍ، وكلَّ تأييد.
وفي هذه المواقع القُرآنيَّة يُستجاب الدُّعاء، فأكثروا مِن الدُّعاء، سائلين المولى القدير أنْ يوفِّقنا جميعًا، وأنْ يحمي كلَّ أوضاعنا في خطِّ الله، وفي خطِّ الإسلام، وفي خطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى