حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 586: السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (2)

هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (24 ذو القعدة 1441 هـ – الموافق: 16 يوليو 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين (الرَّجل، والمرأة)

الحديث مستمرٌّ حول هذا العنوان: (السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين).
عنوان من أخطر العناوين!
وموضوع من أخطر المواضيع، أو الموضوعات!
العلاقة بين الرَّجل والمرأة، بين الشَّاب والشَّابة، علاقة خطيرة جدًّا إذا لم تحصَّن.
إذا لم تُسيَّج.
إذا لم توضع لها ضوابط.
إذا انفلتت تُشكِّل كارثة عظمى.
تُشكِّل خطرًا مدمِّرًا لكل الواقع.
وبقدر ما تقوى هذه السِّياجات يقوى التَّحصين في مواجهة واحدةٍ من أخطر حبائل الشَّيطان.
العلاقة بين الرَّجل والمرأة، وخاصَّة بين الشَّاب والشَّابة هذه من أخطر حبائل الشَّيطان.
الغريزة الجنسيَّة إذا لم تُسيَّج، ولم تحصَّن وإذا ما انفلتت، فإنَّها تدمِّر الحياة.
ولذلك يعتمد صُنَّاع الفساد الأخلاقيِّ في العالم (التَّرويج لانفلات العلاقة بين الجنسين) من خلالِ التَّرويج لبرامج فاسقة، وعبر مختلف الوسائل، وخاصَّة (الفضائيَّات)، و(أدوات التَّواصل).
إذًا، الحديث عن (السِّياجات) المحصِّنات التي تحفظ العلاقة بين الجنسين في مسارها السَّليم النَّظيف، وتحصِّنها من أنْ تنفلت لتشكِّل كارثة كبرى.
الحديث عن السِّياجات التي تحصِّن العلاقة بين الجنسين في مواجهة (مشاريع الانفلات الجنسيِّ).
تقدَّم الحديث عن السِّياج الأوَّل، والمحصِّن الأوَّل، وهو (السِّتر الشَّرعيُّ للمرأة).
لقد تحدَّثنا عن هذا في الحديث الماضي.
السِّتر الشَّرعيُّ من أهم المحصِّنات التي تحمي العلاقة بين الرَّجل والمرأة.
ونتابع الحديث حول هذه المحصِّنات، وحول هذه السِّياجات.

السِّياج الثَّاني: غضُّ البصر

فنذكر السِّياج الثَّاني، المحصِّن الثَّاني، وهو: غضُّ البَصر.
هذا محصِّن.
هذا يحمي العلاقة بين الرَّجل والمرأة من أنْ تنفلت انفلاتًا جنسيًّا شهوانيًّا مُدمِّرًا.
غضُّ البصر – سنتحدَّث عنه، وما المقصود منه.
إنَّنا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ …﴾.
ما معنى الغضُّ؟ سيأتي الحديث عنه.
الخطاب للمؤمنين بأنْ يغضُّوا من أبصارهم، وأنْ لا ينظروا إلى امرأة أجنبيَّة.
سيأتي الحديث عمَّا هو المقصود بالمرأة الأجنبيَّة.
والآية – هنا – تأمر بغضِّ البصر، غضُّوا من أبصاركم.
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ …﴾ (سورة النُّور: الآية 30).
يبدو أنَّ هناك علاقة وثيقة جدَّا بين غضِّ البصر – تحصين البصر -، وبين حفظ الفروج.
فبقدر ما نحصِّن أبصارنا فنحن نحمي ونحصِّن فروجنا.
إنَّ الفروج كناية عن الحالة الجنسيَّة، والوضع الجنسي عن الإنسان.
إنَّ هذا الوضع الجنسي يحتاج إلى تحصين.
يحتاج إلى توجيه.
ومن أحد المحصِّنات والموجِّهات لحماية الفروج هو غضُّ البصر.
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ …﴾
يوجد طهر.
يوجد نقاء.
يوجد تقوى.
يوجد صلاح.
ثمَّ الآية تقول: ﴿… إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (سورة النُّور: الآية 30).
النَّظرة قد لا يَعلم ببواعثها أحدٌ إلَّا الله تعالى!
أنا أنظر، لكن هل أنَّها نظرة بريئة؟
هل أنَّها نظرة مشبوهة؟
ربما النَّاس لا يعلمون أنَّني أرسلت نظرة إلى امرأة!
امرأة أرسلت نظرةً إلى رجل!
ما هي دوافع هذه النَّظرة؟
ما هي بواعثها؟
لكن الله تعالى مطَّلع.
الله يعلم أنَّ هذه النَّظرة التي صدرت منِّي تجاه امرأة أجنبيَّة، أو صدرت من المرأة تجاه رجل أجنبيٍّ.
الله سبحانه يعلم أنَّ بواعثها نظيفة، أو أنَّ بواعثها مشبوهة، ﴿… إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.

الخطاب بالغضِّ للنِّساء أيضًا

﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ …﴾.
كما أنَّ الخطاب للمؤمنين الذُّكور، فإنَّ الخطاب للمؤمنات أيضًا فيما هو نظرهنَّ إلى الرِّجال الأجانب.
﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ …﴾ (سورة النُّور: الآية 31).
إذًا الآية تأمر بالغضِّ ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ …﴾.

معنى غضُّ الأبصار

ما معنى الغضُّ؟
هناك تفسيران للغضِّ عند المفسِّرين عند العلماء.

الرَّأي الأوَّل:
هناك مَن يفسِّر الغضَّ بإطباق الجفن على الجفن.
بمعنى يغمض عينيه.
هذا هو الذي حيث تطبق جفًّا على جفن.
هذا يُسمَّى غضًّا.

الرَّأي الثاني:
الغض ليس هو إطباق الجفن، وإنَّما هو كسر النَّظر، وعدم التَّحديق، وخفض النَّظر بحيث لا يملأ النَّاظر عينيه من النَّظر للمرأة، أو تملأ المرأة عينيها من النَّظر للرُّجل.
هذا غضٌّ، لذلك الآية تقول: ﴿… يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ …﴾، يخفضوا، وأنْ لا يحدِّقوا بقوَّة!
طبعًا يختلف الحكم فيما إذا فسَّرنا الغضَّ بأنَّه إطباق العين، وفيما إذا ما فسَّرنا الغضَّ بمعنى كسر النَّظر، خفض النَّظر، عدم التَّحديق الزَّائد في النَّظر.
فإذا قلنا: إنَّ الغضُّ هو الإطباق، فهذا يعني أنَّ الآية تنهى عن النَّظر (مطلق النَّظر)، ولا تسمح أساسًا بالنَّظر للمرأة الأجنبيَّة وفق حيثيَّات – سيأتي الحديث عنها -.
فالغض يعني أنَّ الرَّجل ممنوع أنْ ينظر إلى امرأة أجنبيَّة مطلقًا، والمرأة كذلك ممنوعة أنْ تنظر إلى رجل أجنبيٍّ.
وإذا قلنا: إنَّ الغضَّ هو (كسر النَّظر، وخفضه)، فالآية لا تنهى عن أصلِ النَّظر، بل تأمر بخفض النَّظر بحيث لا يكون هناك تحديق مركَّز مشدود إلى مواضع الإثارة.
إنَّنا إذا حاولنا الرُّجوع إلى سبب نزول هذه الآية فقد يلقي ضوءًا على دلالة المصطلح، ودلالة هذه المفردة.

سبب نزول هذا النصِّ القرآنيِّ

نقرأ عن سبب نزول هذا النصِّ القرآنيِّ فــ: «عن أبي جعفر (عليه السَّلام)، قال: استقبل شابٌّ من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النِّساء يتقنَّعن خلف آذانهن – ولعلَّه لم ينزل الحجاب بشكل كامل -، فنظر – هذا الشَّابُّ – إليها وهي مقبلة، فلمَّا جازت نظر إليها – تابع النَّظر، وأخذ يلاحقها بنظراته، ولم تكن نظرةُ عابرة، فالنَّظرة الأولى قد تكون مفاجئة، أمَّا استمرار النَّظر ليس نظرًا عابرًا، ولا مفاجئًا، فصار يتابع، ويُحدِّق، فنظر إليها وهي مقبلة، فلمَّا جازت نظر إليها، وأخذ يتابعها -، ودخل في زقاق قد سمَّاه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها – بمعنَّى أنَّه أصرَّ على متابعة النَّظر، وهو مشدود لهذه المرأة-، واعترض وجهه عظم في الحائط، أو زجاجة فشقَّ وجهه – فقد وعيه، وهو مشدود في نظرات مشبوهة، مشحونة بشهوة جنسيَّة حتَّى اصطدم بعظم بحائط أو بزجاجة فشق وجهه -، فلمَّا مضت المرأة نظر فإذا الدِّماء تسيل على صدره، وثوبه – استيقظ من أَسْر النَّظرة -، فقال: والله لآتينَّ رسول اللَّه وسائل الشيعة (صلَّى الله عليه وآله)، ولأخبرنَّه – هذه كانت حيثيَّات، ونزعات وتوجهات وسلوك النَّاس في ذلك العصر -.
فقال: والله لآتينَّ رسول اللَّه، ولأخبرنَّه، فأتاه، فلمَّا رآه رسول اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) قال له: ما هذا؟
فأخبره.
فهبط جبرئيل (عليه السَّلام) بهذه الآية: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (سورة النور: الآية 30)». (وسائل الشيعة 20/192 الحر العاملي)

فمن خلال هذه القصَّة يظهر أنَّ الشَّابَّ كان يلاحق المرأة بنظرات مركَّزة، ومشحونة بالشَّهوة، والالتذاذ الجنسيِّ، وليست مجرَّد نظرات عابرة وبريئة.
وفق سبب هذا النُّزول قد نُلقي ضوءًا على دلالة مصطلح: ﴿… يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ …﴾.
وعلى كلِّ حال، فالنَّظرة المتبادلة بين الرَّجل والمرأة الأجنبيَّة – سيأتي الحديث، أنَّها غير الزَّوجة، غير المحارم -، إذا لم تحكمها ضوابط فإنَّها ستتحول إلى (مصيدة) خطيرة من مصائد الشَّيطان!
إذا لم نحصِّن هذه النَّظرة، وإذا لم نحمها، وإذا لم نسيِّجها ستتحوَّل إلى مصيدة خطيرة من مصائد الشَّيطان، وإلى (سهم من سهام إبليس اللَّعين).

فلنقرأ بعض النُّصوص – بعض الروايات، والأحاديث – الواردة في هذا الشَّأن.

•قال رسول الله (صلَّى الله عليه والِهِ) – في حديث قدسيٍّ -، رسول الله يتحدَّث عن الله (عزَّ وجلَّ)، يعني: الله يتحدَّث، – الحديث القدسيُّ ليس قرآنًا لكنه حديث الله على لسان رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ) يقول: «النَّظرة سهم مسموم من سهام إبليس، مَنْ تركها من مخافتي -الله يقول: مَن ترك هذه النَّظرة من مخافتي – أبدلتهُ إيمانًا يجد حلاوته في قلبه» (ميزان الحكمة 4/3292، محمَّد الريشهري).
إذا ترك الإنسان النَّظرة المشبوهة، النَّظرة المحرَّمة إلى امرأة أجنبيَّة، أو تركت المرأة النَّظر إلى رجل أجنبيٍّ، أبدلهُ الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه.

•حديث آخر للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «مَنْ ملأ عينه من حرام …» – «ملأ» تعبير يعني نظر نظرةً مُشبَّعة، مركَّزة، مشحونة بالنَّهم الجنسيِّ، «مَنْ ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النَّار إلّا أنْ يتوب َويرجع» (ميزان الحكمة 4/3291، محمَّد الريشهري)، فإذا تاب ورجع، فإنَّ الله خير الغافرين، «إلَّا أنْ يتوبَ ويرجع».

•حديث ثالث عنه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «اشتدَّ غضب الله (عزَّ وجلَّ) على امرأةٍ ذات بعلٍ مَلَأت عينها من غير زوجها، أو غير ذاتِ مَحرم منها» (ميزان الحكمة 4/3291، محمَّد الريشهري)
رجل أجنبيٌّ قد حدَّقت فيه، ونظرت فيه نظرات محرَّمة مشحونة بدوافع شهوانيَّة شيطانيَّة، هذه المرأة يشتدُّ غضب الله عليها، وهي متزوِّجة، وتملك زوجًا، وتنشدُّ بنظراتها إلى رجال أجانب، نظرات مشحونة بالنَّزق والهوى النَّفسي، هذه يشتدُّ غضب الله عليها.

•وفي كلمةٍ عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «العيونُ مصائد الشَّيطان» (ميزان الحكمة 4/3288، محمَّد الريشهري)
إنَّ الشَّيطان يستخدم من النَّظرات ومن العيون وسائل ومصائد يصطاد بها شبابًا، شابَّات، رجالًا، نساءً، يصطادهم من خلال العيون.
يوظِّف العيون توظيفًا شيطانيًّا إبليسيًّا فيصطاد، «العيون مصائد الشَّيطان».

•وعن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال: «يا ابن جندب، إنَّ عيسى بن مريم (عليه السَّلام) قال لأصحابه …: إيَّاكم والنَّظرة، فإنَّها تزرعُ في القلب الشَّهوة، …» – النَّظرة تؤجِّج، تحرِّك، تحفِّز في الدَّاخل شهوة الجنس: «…، فإنَّها تزرعُ في القلب الشَّهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمَن جعل بصَرَه في قلبِهِ، ولم يجعلْ بصرَهُ في عينيه» (ميزان الحكمة 4/3288، محمَّد الريشهري)

النَّظرة الخطأ

هنا سؤال يُطرح: ماذا عن النَّظرة التي تقع خطأً وبدون قصد؟
إنسان يمشي في الشَّارع وقعت عينه على امرأة.
على جسد امرأة.
على شعر امرأة.
على صدر امرأة.
هذه النَّظرة نظرة مفاجِئة غير مقصودة.
غير مخطَّط لها.
غير مسبوقة بقصد.
هل أنَّ هذه النَّظرة لها حكم؟
هل يُحاسب عليها الإنسان؟
إنسان في السُّوق، في الشارع، في أيِّ مكان اصطدم نظرُه بامرأة متبرِّجة غير متستِّرة، فنظر إلى أجزاء من بدنها، هذه النَّظرة المفاجئة، هذه النَّظرة غير المقصودة ما حكمها؟
ماذا عن النَّظرة التي تقع خطأ، أو بدون قصد؟

نقرأ في مجموعة أحاديث الجواب عن هذا السُّؤال:

•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «لا تُتْبِع النَّظرةَ النَّظرة لك الأولى، وعليك الآخرة» (ميزان الحكمة 4/3292، محمَّد الريشهري).
إنَّ النَّظرة الأولى لستَ محاسبًا عليها، لأنَّها غير مقصودة حتَّى لو دخل شيئ من الفوران الجنسيِّ، أو الشَّهوة!
فإذا لم تنطلق في نظرتك للمرأة عن قصد، وكانت النَّظرةُ نظرةً مفاجِئة بحيث اصطدم نظرك بها، أو بشعرها، أو بأيِّ جزء من بدنها، فتحرَّكت في داخل الشَّهوة الجنسيَّة، فهذه النَّظرة لا تحاسب عليها، لأنَّها غير مقصودة، وغير موجَّهة.
لكن لو كرَّرت النَّظرة الثَّانية، فهنا تُحاسب، لذلك الحديث يقول: «لا تُتْبِع النَّظرةَ النَّظرة»، فالنَّظرة الأولى لك، لأنَّك لم تكن قاصدًا، أمَّا النَّظرة الثَّانية عندما كرَّرت النَّظر، فهذه نظرة تحاسب عليها، «لا تُتْبِع النظرةَ النَّظرة لك الأولى، وعليك الآخرة».

•وفي حديث آخر عنه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إيَّاك والنَّظرة بعد النظرة، فإنَّ الأولى لك والثَّانية عليك» (ميزان الحكمة 4/3292، محمَّد الريشهري).
النَّظرة التي وقعت بلا قصد، مفاجِئة، هذه لا تتحمَّل أنت مسؤوليَّتها، لكنَّك لو كرَّرت النَّظر، عاودت النِّظر، تابعت النِّظر، هنا المسؤوليَّة.

•وقال جرير: «سألتُ رسول الله (صلَّى الله عليه والِهِ) عن نظر الفجاءة، …» النَّظر المفاجِئ، فاجأتك صورة امرأة، فاجأتك امرأة، فوقع نظرك، هذه نظرة مفاجِئة، «…، فأمرني أنْ أصرف بصري» (ميزان الحكمة 4/3292، محمَّد الريشهري).
تفاجأت بالنَّظر إلى امرأة، اصرف بصرك.
فجأة وقع نظرك على امرأة، اصرف بصرك.

•في حديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «مَنْ نظر إلى امرأة، فرفع بصره إلى السَّماء، …»، نظرة إلى امرأة بلا قصد، بشكل مفاجئ، «…، فرفع بصره إلى السَّماء، أو أغمض بصرَهُ لم يرتد إليه بصرُهُ حتَّى يزوِّجُهُ اللهُ من الحور العين» (ميزان الحكمة 4/3292، محمَّد الريشهري).

مجموعة مسائل

هنا مجموعة أسئلة فقهيَّة تحتاج إلى معالجة، وجواب.
السُّؤال الأوَّل يقول: متى تكون النَّظرة إلى المرأة الأجنبيَّة نظرة محرَّمة؟
إنَّ المرأة الأجنبيَّة المقصود بها في مصطلح الفقهاء، والمصطلح الشَّرعيِّ هي غير الزَّوجة، وغير المحارم، فالزَّوجة ليست امرأة أجنبيَّة، وكذلك المحارم كالأمِّ، والجدَّة، والعمَّة، والخالة، والأخت لسنَ أجنبيَّات.
متى تكون النَّظرة إلى المرأة الأجنبيَّة نظرة محرَّمة؟

هنا في الجواب على هذا السُّؤال يوجد رأيان فقهيَّان:

الرَّأي الأوَّل يقول: تكون النَّظرةُ محرَّمةً إذا كانت بِرِيبة، وتلذُّذ.
أمَّا هل النَّظرة تشمل الوجه والكفَّين، أو النَّظرة تختص ببقيَّة الجسد؟!، فهذا سيأتي في السُّؤال الثَّاني.
والتَّفصيل في مواقع النَّظر في جسد المرأة، ومواقع النَّظر في جسد الرَّجل، هذه مسألة ستأتي، أمَّا هنا فالتَّعرُّض إلى طبيعة النَّظرة، وهُويَّة النَّظرة.
الرَّأي الأوَّل يقول: تكون النَّظرةُ محرَّمةً إذا كانت بِرِيبة، وتلذُّذ.
أنْ ينظر الرَّجل إلى امرأة بريبة وتلذُّذ، هذه نظرة محرَّمة، أمَّا إذا لم يكن فيها ريبة وتلذُّذ، فهي نظرة غير محرَّمة – طبعًا – إلى المناطق التي يجوز النَّظر إليها.

ما المقصود بالرِّيبة، والتَّلذُّذ؟

الرِّيبة: خوف الوقوع في الحرام، أو الميل النَّفسيُّ للوقوع في الحرام.
إذا نظرت إلى امرأة هل أقع في الحرام؟
هل أنساق إلى الحرام؟
هل أقع في مصيدة الحرام؟
أم فقط يوجد ميل نفسيٌّ للحرام؟
تارة مجرَّد الميل النَّفسي، وتارة أقع في الحرام؟
في كلا الحالتين هذه ريبة.
النَّظرة التي توقعني في الحرام، أو تخلق حوافزَ الحرام في داخلي هذه نظرة تسمَّى نظرة مريبة.
هذه نظرة محرَّمة.
حتَّى إلى الوجه المستثنى – كما سيأتي -، وحتَّى للكفَّين!
هذا معنى الرِّيبة.

التَّلذُّذ: أنْ يحسَّ في قلبه بوجود لذَّة محرَّمة في النَّظر إلى المرأة.
يعني فوران الغريزة الجنسيَّة، فهذا تلذُّذ.
هذا الفوران الدَّاخليُّ الشَّهوانيُّ يُعتبر تلذُّذًا.
يعرف الإنسان أنَّه إذا نظر للمرأة يحدث هذا الفوران الدَّاخليُّ، هذه اللَّذة الشَّهوانيَّة الجنسيَّة، فهذا تلذُّذ.
لأنَّه قد يقول إنسان: لو نظر إنسان إلى امرأة جميلة، فأعجبته؟
هل هذا الإعجاب هو تلذُّذ محرَّم؟
هل محرَّم أنْ ينخلق في داخلي إعجاب بامرأة؟
الإعجاب غير الرِّيبة والتَّلذُّذ.
ربما أعجب بجمال المرأة، وإبداعات الخالق في صنعها؟!
لكن لا تتحرَّك في داخلي الشَّهوة الجنسيَّة، ولا ينخلق في داخلي نزوع إلى الحرم، فهذه قد لا نقول بحرمتها إلَّا إذا تقوده إلى التَّلذُّذ الجنسي، أو الرِّيبة.
إذًا، الرَّأي الأوَّل النَّظرة المحرَّمة هي التي تكون بريبة وتلذُّذ.
أمَّا إذا لم تكن بريبة وتلذُّذ، فليست نظرة محرَّمة إلَّا إذا كانت إلى بقيَّة جسد المرأة الذي لا يُشترط فيه أنْ تكون النَّظرة بريبة وتلذُّذ – كما سيأتي في السُّؤال الثَّاني -.
هذا هو الرَّأي الأوَّل.

الرَّأي الثَّاني: أنْ تكون النَّظرة محرَّمة مطلقًا سواء أكانت برِيبة وتلذُّذ أم بدونهما.

أصل النَّظر للمرأة محرَّم، سواء كان للوجه والكفَّين، أم لبقيَّة البدن، وسيأتي التفصيل لهذا.
إذًا ليس من شروط النَّظرة لتكون محرَّمة أنْ تكون بريبة وتلذُّذ، فمطلق النَّظر للمرأة، ومطلق النَّظر للرَّجل فيما لا يصحُّ النَّظر إليه هو نظرة محرَّمة.
إلَّا أنْ تكون هناك ضرورات – كما سيأتي -.
هذا السُّؤال الأوَّل.

السُّؤال الثَّاني – وأترك الجواب عنه إلى اللِّقاء القادم -: هل أنَّ النَّظرة المحرَّمة تتَّسع إلى جميع بدن المرأة الأجنبيَّة (غير الزَّوجة، وغير المحارم)؟
وأكرِّر حينما نعبِّر بالمرأة الأجنبية، يعني ليست زوجة، وليست من المحارم.
فإذا قلنا: إنَّ هناك نظرة محرَّمة، وهناك نظرة مباحة.
هل أنَّ النَّظرة المحرَّمة تتَّسع لكلِّ بدن المرأة؟
وهل تتَّسع لكلِّ بدن الرَّجل؟
أم هناك مواقع يحرم فيها النَّظر مطلقًا، ومواقع يحرم فيها النَّظر إذا كان بتلذُّذ وريبة؟
النَّظر إلى الوجه، والكَّفَّين، أو القدمين على بعض الآراء، هذا جائز ما لم يكن بريبة، وتلذذ؟
أمَّا النَّظر لبقيَّة البدن، فهو محرَّم سواء كان بريبة وتلذُّذ أم بدون ريبة وتلذُّذ، وهو أنْ ينظر إنسان إلى سَاقَي المرأة!
إلى صدر المرأة!
إلى شعر المرأة!
حرام بريبة وتلذُّذ أم بدون ريبة وتلذُّذ؟
بينما النَّظر للوجه، النَّظر للكَّفَّين، النَّظر للقدمين على رأي بعض الفقهاء، هذا النَّظر هو المشروط ألَّا يكون بريبة، ولا تلذُّذ.

يأتي الحديث تفصيلًا في بقيَّة المسائل.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى