حديث السبت

حديث السبت (2): الطَّاعة والالتزام في العلاقات الزَّوجيَّة – ليلةِ النِّصفِ من شهر رمضان – كلمة أخيرة 

حديث السبت تاريخ: السبت 12 شهر رمضان 1445هـ - الموافق: 22 مارس 2024 م | مسجد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) بالقفول - البحرين

عناوين الحديث

الكلمة الأولى: الطَّاعة والالتزام في العلاقات الزَّوجيَّة

الكلمة الثَّانية: ليلةِ النِّصفِ من شهرِ رمضان

كلمة أخيرة

 

هنا بعض كلمات:

الكلمة الأولى: الطَّاعة والالتزام في العلاقات الزَّوجيَّة

أصناف العبادة

في الأسبوع الماضي صنَّفنا العبادة إلى:

(1) عبادة بالمعنى الخاص

ومثَّلنَا لها بالصَّلاة والصِّيام والدُّعاء والذِّكر والتِّلاوة.

 

(2) عبادة بالمعنى العام

وهي كلُّ طاعةٍ في أيِّ موقعٍ من مواقعِ الحياة.

ومثَّلنا لها ببعض الأمثلة.

– أنْ تصافح أخًا مؤمنًا في الله فهذه عِبادة بالمعنى العام.

– أنْ تزور عبدًا صالحًا قربة إلى الله أنت عابد، وهذه الزِّيارة عِبادة ومِن أفضل العبادات، وهذه عِبادة بالمعنى العام.

– أنْ تقضي حاجة مؤمنٍ هذه عِبادة بالمعنى العام.

ونُضيفُ هنا أمثلةً أخرى للعبادةِ بالمعنى العام.

من هذه الأمثلة:

الطَّاعة والالتزام في العلاقات الزَّوجيَّة

فالزَّوج الملتزم بمسؤوليَّاته الزَّوجيَّة هو عابدٌ لله، وكذلك الزَّوجة.

 

توجيهاتٌ للرَّجل والمرأة لإنتاج علاقة زوجيَّة صالحة:

• {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً …}. (سورة الرُّوم: الآية 21)

أ- توجيهاتٌ للرِّجال

• {… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ …}. (سورة النِّساء: الآية 19)، هذا خطاب للرِّجال.

أنْ تُعاشر زوجتك بالمعروف أنت عابد ومِن أفضل ألوان العبادات.

مشكلتنا أنَّنا حصرنا العبادة في المعنى الخاص، حصرناها في الصَّلاة، والدُّعاء، والذِّكر، صحيح هذه عبادات ومِن أرقى أنواع العبادات، لكنَّ الزَّوج إذا كان يؤدِّي حقوق الزَّوجة طاعة لله، التزامًا بأمرِ الله فهو عابدٌ لله، يقول اللهُ تعالى: {… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ …}، أنْ تعاشر زوجتك بالمعروف أنت طائع لله، أنت عابد لله، فهذه عبادة بالمعنى العام.

• عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «…، ومَنِ اتَّخَذَ زَوجَةً فَليُكرِمها، …».[1]

إكرام الزَّوجة عبادة مِن العِبادات.

• وعنه (صلَّى الله عليه وآله): «أحسَنُ النَّاسِ إيمانًا أحسَنُهُم خُلُقًا وألطَفُهُم بِأَهلِهِ، وأنا ألطَفُكُم بِأَهلي».[2]

• وجاء في المستدرك للشَّيخ النُّوري، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «فَأَيُّ رَجُلٍ لَطَمَ امرَأَتَهُ لَطمَةً، أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ مالِكَ خازِنَ النِّيرانِ فَيَلطِمُهُ عَلى حُرِّ وَجهِهِ سَبعينَ لَطمَةً في نارِ جَهَنَّمَ».[3]

هذه بعضُ توجيهاتٍ للرِّجال.

 

ب- وهناك توجيهاتٌ للنِّساء

المرأة حينما تؤدِّي حقوق الزَّوج هي في أرقى مستويات العبادة.

• ذكر الحرُّ العاملي في الوسائل: “جاء رجلٌ إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فقال: “إنَّ لي زَوجَةً إذا دَخَلتُ تَلَقَّتني، وإذا خَرَجتُ شَيَّعَتني، وإذا رَأَتني مَهمومًا قالَت: ما يُهِمُّكَ؟ إنْ كُنتَ تَهتَمُّ لِرِزقِكَ فَقَد تَكَفَّلَ لَكَ بِهِ غَيرُكَ، وإنْ كُنتَ تَهتَمُّ بِأَمرِ آخِرَتِكَ فَزادَكَ اللهُ هَمًّا”.

فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «إنَّ للَّهِ عُمَّالًا وهذِهِ مِن عُمَّالِهِ، لَها نِصفُ أجرِ الشَّهيدِ».[4]

هذه المرأة مِن عمَّال الله، وهذا عنوانٌ كبيرٌ أعطاه النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) لامرأة أحسنت المعاشرة مع زوجها.

• في الحديث كما جاء في الوسائل عن أبي إبراهيم [الإمام الكاظم] (عليه السَّلام): «جِهَادُ المَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ».[5]

إذًا يا أحبَّائي عنوان العبادة يتَّسع، في أيِّ موقع مِن مواقع الحياة تطيع الله أنت عابد، ليس في المسجد فقط، المسجد منطلق، العبادة بالمعنى الخاص تشحننا، تصنعنا، توجِّهنا، تخلق عندنا المسار الإيمانيّ في كلِّ حركة الحياة.

مِن المسجد أنت تنطلق، لا لتبقى في المسجد، لتتحرَّك في الشَّارع وأنت طائع لله، لتتحرَّك في السُّوق وأنت طائع لله، لتتحرَّك في داخل البيت وأنت طائع لله، لتتحرَّك في كلِّ علاقاتك وأنت طائع لله.

المسجد صنع وعيك وأخلاقك وقِيمك، هذه قِيمة المسجد، وهذه قِيمة العِبادة في المسجد، وهذه قِيمة ثواب الصَّلاة في المسجد، بقدر ما تصنع مِنك إنسانًا يعيش درجة عالية مِن التَّقوى، درجة عالية مِن الصَّلاح، درجة عالية مِن الإيمان يكون المسجد قد حقَّق أهدافه، وتكون هذه المناسبات المباركة قد حقَّقت أهدافها، شهر رمضان يصنع منك إنسانًا صالحًا، نبيلًا، طاهرًا، تقيًّا، صادقًا، أمينًا، هذه أهداف العبادة.

العِبادة بالمعنى العام انطلاقٌ في طاعةِ الله في كلِّ المسارات.

 

الكلمة الثَّانية: ليلة النِّصفِ من شهر رمضان

نقترب مِن ليلةِ النِّصفِ مِن شهرِ رمضان وهي ليلة عظيمة، وتصادف ذكرى ولادة مولانا الإمام الحَسن المجتبى (عليه السَّلام).

وحينما يكون الحديث عن السِّبط المجتبى (عليه السَّلام)؛ تتداعى إلى أذهاننا قضيَّة هي مِن أخطر القضايا، إنَّها قضيَّة (الأقلام التي تلاعبت بأوراق التَّاريخ)، وكان نصيب الإمام الحَسن (عليه السَّلام) مِنها نصيبًا وافرًا وكبيرًا.

يجب أنْ نقرأ التَّاريخ قراءة بصيرة وواعية؛ لكي نؤسِّس لأُمِّتنا انتماءً تاريخيًّا أصيلًا، وبقدر ما يتأصَّل الوعي التَّاريخيّ يتأسَّس الانتماء التَّاريخي الأصيل.

وليس الغرض مِن قراءة التَّاريخ هو استحضار الخلافات والصِّراعات التي حدثت في التَّاريخ، وإنَّما الهدف صناعة وعيٍ بصيرٍ؛ ينطلق مِن رؤية بصيرة تصحِّح الكثير مِن الغبش التَّاريخي الذي صنعته أقلامٌ هدفها العبث وتشويش الرُّؤية، مِمَّا انعكس على حاضر الأُمَّة، وينعكس على مستقبلها.

فنحن حينما نتحدَّث عن (جنايات تاريخيَّة) طالت إمامنا الحسن المجتبى (عليه السَّلام) إنَّما نُصحِّح رؤية، وإنَّما نكشف أوراقًا جارت على تاريخ هذه الأُمَّة، وبقدر ما تتصحَّح هذه الرُّؤية التَّاريخيَّة يتأسَّس لعلاقات أصيلة بين المسلمين بكلِّ انتماءاتهم ومذاهبهم.

فخطابنا خطاب وحدة وتقارب.

وخطابُ محبَّةٍ وتسامح.

وخطابُ خيرٍ وعطاء.

وخطابُ هدايةٍ ورَشاد.

وخطابُ إصلاحٍ وبناء.

أيُّها الأحبَّة:

ونحن نقترب مِن ليلةِ النِّصف مِن شهرِ رمضان أُذَكِّر بمسؤوليَّة كلِّ الغيارى على حرمة هذا الشَّهر، وعلى حرمة هذه اللَّيلة؛ التي تحمل كلَّ القُدسيَّة، وكلَّ الشَّرف.

دافعوا عن قُدسيَّة ليلة النِّصف مِن شهرِ رمضان، ولا تتركوا للعابثين أنْ ينتهكوا حُرمتها وقُدسيَّتها، فالصَّمت جريمة، والتَّراخي جِناية.

إنَّ سُرَّاق هذه المناسبات الدِّينيَّة هم أخطر السُّرَّاق، وأسوء السُّرَّاق.

وإنَّ الدِّفاع عن هذه المناسبات هو جهادٌ وأقدسُ جهاد، وأعظمُ جهاد.

حافظوا على المعطيات الكبرى لهذه اللَّيلة.

حافظوا على العِفَّةِ والسِّتر والشَّرف.

حافظوا على نظافةِ الإحياء، وروحانيَّة الإحياء، وشرعيَّة الإحياء، وحضاريَّة الإحياء، وقُدسيَّة الإحياء.

ولا تتركوا للشَّيطان أنْ يقتحم أجواء هذه المناسبات، فلا هدفَ للشَّيطان أكبر مِن أنْ يقتحم هذه المواقع، ومِن أنْ يسرق هذه المواقع، ومِن أنْ يقتل أهدافها الكبرى.

إنَّ حراسة هذه المناسبات هي مسؤوليَّة كلِّ الغَيارى على الدِّين، على المذهب، على الأهداف الكبرى لهذه المناسبات، فالصَّمت جناية، والمداراة غواية، والتَّصدِّي هداية.

 

كلمة أخيرة

لا زال الشَّهر الفضيل مستمرًّا بفيوضاتِهِ الكبيرة، وما دامت الفيوضاتُ مستمرَّةً فتبقى آمالُ الشُّعوبِ مستمرَّةً، وكم هو مقلقٌ جدًّا حينما تضعفُ هذه الآمالُ، وذلك حينما تستمرُّ الأزمات بكلِّ ألوانها.

وهنا لا بدَّ مِن خطواتٍ جادَّةٍ لإنعاشِ الآمالِ، ولمعالجةِ الأزماتِ.

وبقدر ما يؤسَّسُ لإنتاجِ المحبَّةِ والتَّسامحِ والتَّقاربِ والتَّآلفِ، والتَّعاون والتَّآزُرِ تنتعشُ الآمال، وتتحرَّك الخياراتُ الصَّالحة.

ومِمَّا يُؤسفُ لهُ أنَّ هناك مزايداتٍ في توظيفِ الكلمات، وفي إنتاجِ الاتِّهامات، ورُبَّما أخذ هذا الأمرُ مَسَارًا مُسيَّسًا، أو منحًى متطرِّفًا ممَّا يُنتج شحنًا أمنيًّا أو سياسيًّا أو طائفيًّا، وهذا الأمر في غايةِ الخطورةِ، وله آثارُهُ المدمِّرة.

إنَّ الَّذينَ يحتكرون الولاءَ للأوطان ويسوِّقون المزايدات يشكِّلون كارثة كُبرى تهدِّد الأوطان والشُّعوب، فالحدر الحذر مِن هذا النَّمط مِن الخَيارات المملوءةِ بالكراهيَّةِ، والمملوءةِ بالسُّوء.

لا نرفض النَّقد، ولا نرفض المحاسبة ما دام هذا النَّقدُ نظيفًا، وما دامت هذه المحاسبة شريفة، أمَّا أنْ يتحوَّلَ النَّقدُ شتائم، وأنْ تتحوَّل المحاسبة سبابًا، فهذا مسارٌ مدمِّرٌ، وهذا مسارٌ مؤزِّمٌ.

لسنا مُؤزِّمين حينما نطالبُ بمعالجة الأزماتِ، وهل يخلو وطنٌ مِن أزمات، فالأوفياء للأوطان هم الَّذين يحملون هموم الشُّعوب بصدقٍ وإخلاص، هم الَّذين يريدون للأوطانِ أنْ تكون خاليةً مِن الأزمات.

لسنا طائفيِّين حينما نطالب بمعالجة (ملف المساجد ودور العبادة ومواقع الشَّعائر الدِّينيَّة) فتاريخ هذا الوطنِ غنيٌّ بالتَّسامح، فلا نريد لهذا التَّاريخ أنْ يهتزَّ نتيجة بعض الممارسات.

لا نريد لهذا التَّاريخ أنْ يهتزَّ نتيجة تعطيل بناء مساجد، وبناء مآتم في بعض مناطق أو في إعادة تعميرها أو في تسجيل أوقافها.

وقد طال الأمر بعض المقامات الدِّينيَّة فهذا (مقام صعصعة) وهو مِن المقامات الدِّينيَّة الكبيرة في هذا الوطن قد تمَّ إغلاقه منذ زمن طويل.

وهذا مقام (الشَّيخ إبراهيم) في إحدى جزر البحرين هو الآخر حدث لهُ ما حدث.

حينما نحاسب هذه الأمور لا نريد الإساءة إلى سمعة هذا الوطن، هذه السُّمعة التي يجب أنْ نحافظ عليها، فمطلوبٌ جدًّا أنْ نكون جميعًا حرَّاسًا لهذا الوطن، لوحدته، لتآلفه، لتقارب طوائفه ومذاهبه ومكوِّناته.

فمسؤوليَّة كلِّ المخلصين أنْ يمارسوا حراسة هذا الوطن، وأنْ يجنِّبوه كلَّ المُنزلقات الضَّارَّة بوحدته.

فملف المساجد والمآتم والمقابر وجميع ما يتعلَّق بشؤون الأوقاف مِن الملفَّات البالغة الأهميَّة والحساسيَّة، فطالبنا ولا زلنا نطالب بمعالجة هذا الملف.

تسليم (400 نسخة) مِن الوثائق الموجودة في سجل السَّيِّد عدنان إلى إدارة الأوقاف الجعفريَّة، خطوة نثمِّنها كلَّ التَّثمين، إلَّا أنَّنا نتطلَّع إلى خطوات أكبر، فلا زال السِّجلُّ مملوءًا بالأرقام، ولا زالت الأعداد الكبيرة جدًّا غير المدوَّنة في هذا السِّجل، ولا زالت المقابر تنتظر الموافقة على تسجيلها [مقابر، مساجد، مآتم]، هذه بعضُ أزمات هذا الوطن.

وبقدر ما تُعالج الأزمات بحكمةٍ يكون الوطن بخير.

وبقدر ما تنتهي المكدِّرات والمنغِّصات يكون أبناءُ الوطن بخير.

وبقدر ما يقوى العدلُ تعمُّ البركات.

وبقدرِ ما ينتشرُ التَّسامُح تهنأ الحياة.

وبقدرِ ما تتأسَّسُ المسَاواةُ يقوى الولاء للوطنِ.

وبقدرِ ما تتصافى النَّوايا تتصحَّح الأوضاع.

وبقدرِ ما تترشَّد الخَيارات يتحرَّك الإصلاح.

وإذا كان العكس فالويل كلُّ الويل للأوطان.

فحينما تبقى الأزماتُ والمكدِّرات.

وحينما يغيبُ العدلُ والتَّسَامُح.

وحينما تتلوَّثُ النَّوايا والضَّمائر.

وحينما تَصمتُ المراجعةُ والمحاسبة.

وحينما ترتبكُ الخَياراتُ والمسارات.

فماذا يكونُ مصيرُ الأوطان؟

وماذا يكونُ مصيرُ الشُّعوب؟

إنَّه أسوءُ مصيرٍ، وأسوءُ مآل.

جنَّب الله هذا الوطن وكلَّ أوطانِ المُسلمين مسارات السُّوء والبلاء، إنَّه تعالى نِعم المولى ونِعم الملاذ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

وأفضلُ الصَّلواتِ على مُحمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهرين.

——————————————————————–

الهوامش:

[1]– القاضي النُّعمان: دعائم الإسلام 158/2، ح 560.

[2]– الصَّدوق: عيون أخبار الرِّضا (ع) 41/2، ح 109.

[3]– النُّوري: مستدرك الوسائل 250/14، ح (16619) 4.

[4]– الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 32/20، ح (24954) 14.

[5]– الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 163/20، ح (25314) 2.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى