حديث الجمعةشهر رمضان

حديث الجمعة577: عناصر نجاح الموسم الرَّمضانيِّ – 1

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

عناصر نجاح الموسم الرَّمضانيِّ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الهداة الميامين، وبعد:

أيُّها الأحبَّة، من أجل أنْ نعيش موسمًا رمضانيًّا ناجحًا نحتاج إلى:

1-وعيٍّ رمضانيٍّ
2-روحانيَّة رمضانيَّة
3-تقوى رمضانيَّة

غيابُ أيِّ عنصرٍ من هذا العناصر الثَّلاثة يُحدِث خللًا كبيرًا في التَّعاطي مع الموسم الرَّمضانيِّ.

‌أ- فإذا غابَ الوعيُ الرَّمضانيُّ يفقد الموسم المبارك:
­دلالاتِه الكبيرة
­ومعطياتِه الأصيلة
­ومضامينَهُ البصيرة
­وتطبيقاتِه السَّليمة

فكلَّما ارتقى (مستوى الوعي الرَّمضانيِّ) ارتقى مستوى التَّعاطي مع هذا الموسم.

وكلَّما انخفض (مستوى الوعي الرَّمضانيِّ) انخفض مستوى التَّعاطي مع هذا الموسم.

‌ب- وإذا غابت الرَّوحانيَّةُ الرَّمضانيَّةُ يفقدُ الموسم:
­وهجهُ الرَّبانيَّ
­ونفحاتِه الإيمانيَّة
­وفيوضاتِه المباركة

وغياب هذه (الإشراقات الرُّوحيَّة) يُعطي للموسم الرَّمضانيِّ فتورًا، وخمولًا، ونضوبًا، وخواءً، وركودًا.

‌ج- وإذا غابت التَّقوى الرَّمضانيَّة يفقدُ الموسم:
­عطاءاتِه الفاعلة
­ومنتجاتِه المتحرِّكة
­ومؤثِّراتِه العمليَّة

­والأهم من كلِّ ذلك يفقد (قَبولَه عند الله تعالى).

•﴿… إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (سورة المائدة: الآية 27).

بعد هذا التَّمهيد أحاول أنْ أتناول العناصر الثَّلاثة (الوعي – الرَّوحانيَّة – التَّقوى) بشيئ من التَّفصيل.

العنصر الأوَّل: الوعي الرَّمضانيُّ

وقد عبَّرت الرِّوايات عن (الوعي الدِّينيِّ) بمصطلح (التَّفقُّه في الدِّين)، وهذا المصطلح لا يعني فقط (فهم الأحكام الفقهيَّة)، وإنَّما يعني: (امتلاك رؤية بصيرة بكلِّ مفاهيم الدِّين في كلِّ مجالات الحياة).

1-قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فقَّهه في الدِّين، وألهمه رشده» (ميزان الحكمة 1/841، محمَّد الريشهري).

2-وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أفٍّ لكلِّ مسلم لا يجعل في كلِّ جمعة – أي: في كلِّ أسبوع – يومًا يتفقَّه فيه أمرَ دينهِ، ويسأل عن دينه» (ميزان الحكمة 3/2454، محمَّد الريشهري).

3-وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «لا خير في عبادةٍ ليس فيها تفقُّهٌ.
ولا خير في علم ليس فيه تفكُّر.
ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» (ميزان الحكمة 3/2459، محمَّد الريشهري).

4-وقال الإمام الكاظم (عليه السَّلام): «تفقَّهوا في دين الله، فإنَّ الفقهَ مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسَّبب إلى المنازلِ الرَّفيعة، والرُّتب الجليلة في الدِّين والدُّنيا، …، ومَنْ لم يتفقَّه في دينهِ لم يرضَ الله له عملًا» (ميزان الحكمة 3/2454، محمَّد الريشهري).

مبادى الوعي الرَّمضانيِّ
فإذا أردنا أنْ نملك (وعيًا رمضانيًّا) يرتقي بمستوى الموسم مطلوبٌ منَّا:

أوَّلًا: أنْ نتعرَّف على (الأحكام الشَّريعة) لفريضة الصِّيام من خلال:

1-الرُّجوع إلى الرَّسائل العمليَّة.
2-سؤال العلماء الموثوقين.
3-حضور الدُّروس الفقهيَّة ولو عبر وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، أو القنوات المعتمدة.

وامتلاك (المعرفة بأحكام الصِّيام) ضرورة؛ من أجل أنْ نصوم صحيحًا.

ثانيًا: أنْ نملك (فهمًا واعيًا) بقيمة هذا الموسم الرَّمضانيِّ في صيامه، وأهدافه، وعطاءاته الإيمانيَّة، والفكريَّة، والرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والجهاديَّة.

وكلَّما ارتقى مستوى هذا (الفهم الواعي) كان الموسم أقوى عطاء، وأكثر تأثيرًا في بناء الإنسان المسلم، وفي إنتاج الواقع الإيمانيِّ، وفي تحقيق الأهداف الكبرى لهذا الشَّهر الفضيل.

فإذا كان (فهم الأحكام) هو الذي (يصحِّح العبادات)، فإنَّ (الوعي) هو الذي يرتقي بـ(مستوى هذه العبادات)، فمن الضَّرورة أنْ تتكامل (الرُّؤية الفقهيَّة) مع (الوعي)؛ من أجل أنْ يرتقي مستوى عطاء الموسم الرَّمضانيِّ.

أنْ تغيب الرُّؤية الفقهيَّة ربَّما يؤدِّي هذا إلى (بطلان العمل).

أنْ يغيب الوعي ربَّما يؤدِّي هذا إلى هبوط مستوى الأداء، وربَّما يؤدِّي إلى الانحراف عن أهداف التَّكليف الإلهيِّ.

•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممَّا يصلح» (الكافي 1/44، الشيخ الكليني).

•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مثل العابد الذي لا يتفقَّه كمثل الذي يبني باللَّيل، ويهدم بالنَّهار» (ميزان الحكمة 3/2093، محمَّد الريشهري).

•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «العامل على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق، فلا يزيده سرعة السَّير إلَّا بُعدًا» (ميزان الحكمة 3/2092، محمَّد الريشهري).

العنصر الثَّاني: الرَّوحانيَّة الرَّمضانيَّة

هناك من الصَّائمين مَنْ يملكون درجة عالية من (الالتزام الفقهيِّ) ممَّا يُعطي لصيامهم (درجة عالية من الصِّحَّة)، ويملكون درجة عاليةً من (الوعي بأهداف الصِّيام)؛ ممَّا يعطي لصيامهم (درجة عالية من الأداء)، ولكنَّهم يعيشون (انخفاضًا كبيرًا في الرَّوحانيَّة)!
ماذا تكون النَّتيجة؟

الصِّيام صحيح فقهيًّا.
والصِّيام واعٍ أداءً.
إلَّا أنَّه منخفض روحانيَّة، فلا يملك (وهجًا)، بل هو صيام جافٌّ كلُّ الجَفاف بلا (نفحات ربَّانيَّة)، وبلا (إشراقات نورانيَّة).

ولماذا تنخفض الرَّوحانيَّة؟
ولماذا تموت الرَّوحانيَّة؟
حينما يُصاب القلب بالتَّكلُّس، والجفاف!
فيصلِّي المصلِّي بلا روحانيَّة!
ويدعو الدَّاعي بلا روحانيَّة!
ويذكر الذَّاكر بلا روحانيَّة!
ويتلو التَّالي بلا روحانيَّة!
ويصوم الصَّائم بلا روحانيَّة!
ويحجُّ الحاجُّ بلا روحانيَّة!
ويعتمر المعتمر بلا روحانيَّة!
ويزور الزَّائر بلا روحانيَّة!

1-نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿… وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى …﴾ (سورة النِّساء: الآية 142).

2-ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (سورة المؤمنون: الآية 1- 2)

3-ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿… يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا …﴾ (سورة السجدة: الآية 16)

4-ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ …﴾ (سورة الأنفال: الآية 2)

5-ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ …﴾ (سورة الحديد: الآية 16).

القلوب تتكلَّس حينما تموت في داخلها (الخشية من الله تعالى).

ويموت في داخلها (الرَّجاء).
ويموت في داخلها (الحياء من الله سبحانه).
ويموت في داخلها (حبُّ الله عزَّ وجلَّ).
وهكذا تموت (الرَّوحانيَّة).
إنَّ شهر الله هو الفرصة الكبيرة جدًّا؛ من أجل (تطهير الرُّوح، والقلب).

والمسألة في حاجة إلى مجاهدة كبيرة جدًّا، وإلى مصابرة كبيرة جدًّا أنْ أغسل روحي، وقلبي أمر في غاية التَّعقيد والصُّعوبة.

أنْ أُداوي بدني أمر لا يكلِّفني إلَّا تشخيص المرض والعلاج، وبعدها أنْ أتناول الدَّواء.

أمَّا تشخيص أمراض الرُّوح، وأمَّا تشخيص علاجات الرُّوح، وأمَّا تناول أدوية الرُّوح، فأمر في غاية التَّعقيد، والصُّعوبة.

هنا الحاجة إلى درجة عالية جدًّا من الإرادة؛ من أجل أنْ تنشط أرواحنا، وشهر الله هي فرصتنا الكبرى.

كيفيَّة تنشيط أرواحنا
ولكي ننشِّط أرواحنا نحتاج إلى:

أوَّلًا: أنْ نملأ قلوبنا بحبِّ الله تعالى.
ثانيًا: أنْ نملأ قلوبنا بالخشية، والرَّجاء.
ثالثًا: أنْ نملأ قلوبنا بالحياء من الله تعالى.

أودُّ أنْ ألقي ضوءًا على هذه المفردات الثَّلاث.

المفردةُ الأولى: أنْ نملأ قلوبنا بحبِّ الله تعالى
وبقدر ما تمتلِئ القلوب بحبِّ الله تعالى تنشط الأرواح، وتطهر الأرواح.

ومن أجل أنْ نملأ قلوبنا بحبِّ الله تعالى هنا مجموعة روافد، وكلَّما تقوى هذه الرَّوافد يقوى امتلاء القلوب بحبِّ الله تعالى.

الرَّافد الأوَّل: أنْ ننقِّي، ونطهِّر القلوب
كلمَّا تلوَّثت القلوب خَفَتَ في داخلها وَهَجُ (الحبِّ الإلهيِّ).

وكلَّما تنقَّت القلوبُ ازدهر في داخلها وهج هذا (الحبِّ الإلهيِّ).
إنَّ حبَّ الله تعالى لا يستوطن إلَّا القلوب النَّقيَّة، والقلوب الطَّاهرة.
أمَّا القلوب الملوَّثة، فيموت في داخلها حبُّ الله تعالى.

وما الذي يُلوِّث القلوب؟
من أقوى ما يُلوِّث القلوبَ (المعاصي، والذُّنوب).

1-قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إنَّ المؤمن إذا أَذْنَب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإنْ تاب، ونزع، واستغفر صقل قلبه منه، وإنْ ازداد زادتْ، فذلك الرَّان الذي ذَكر الله تعالى في كتابه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (سورة المطففين: الآية 14)» (ميزان الحكمة 3/2610، محمَّد الريشهري).

2-قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «ما جفَّت الدُّموعُ إلَّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلَّا لكثرة الذُّنوب» (ميزان الحكمة 3/2611، محمَّد الريشهري).

وهناك معاصي تسمَّى معاصي قلبيَّة، وهي خطيرة جدًّا على القلب، منها (الحسد، الحقد).

1- الحسد
‌أ- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إيَّاكم والحسد، فإنَّه يأكل الحسنات كما تأكل النَّار الحطب» (ميزان الحكمة 1/630، محمَّد الريشهري)
«يأكل الحسنات» بمعنى: (إحباط العمل – أو حين توزن الأعمال – أو حين نقل الحسنات).

‌ب- وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ألا لا تعادوا نِعم الله.
قيل: يا رسول الله، ومَنْ الذي يُعادي نِعم الله؟
قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): الذينَ يحسدُون النَّاس» (ميزان الحكمة 1/629، محمَّد الريشهري)

‌ج- وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «الحَسَدُ مِقْنَصةُ إبليس الكبرى» (ميزان الحكمة 1/628، محمَّد الريشهري).
وقد جاء في سورة الفَلَق قول الله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ (سورة الفلق: الآية 5).
ولكي يتَّضح معنى الحسد المحرَّم نشير إلى ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أنْ تتحرَّك في داخل الإنسان خاطرة الحسد (تتمنَّى زوال نعمة أخيك).
إلَّا أنَّه يتألَّم لحصول هذه الخاطرة، ويضغط عليها، ويحاول أنْ يتخلَّص منها، ولا يدعها تؤثِّر على علاقته مع أخيه.

هذا اللَّون من الخواطر وإنْ كان يعبِّر عن عدم نقاء وصفاء النَّفس إلَّا أنَّه لا يترتَّب علَيه أيُّ إثم.
الحالة الثَّانية: أنْ تتحرَّك الخواطر الدَّاخليَّة (خواطر الحسد)، فلا يواجهها هذا الإنسان بمقت وسخط، ولا يتألَّم لحصولها، ويبقى يعيش (التَّمنِّي، والرَّغبة في زوال النِّعمة عن أخيه).
وهذه التَّمنِّيات تبقى محبوسة في داخله، ولا يمارس عملًا خارجيًّا؛ لإبراز هذه الرَّغبة من خلال (الأقوال والأفعال).

ما حكم هذه الحالة؟
هنا رأيان:

الرَّأي الأوَّل: إنَّه لا يترتَّب أيُّ إثم على هذه الخواطر ما دامت لم تتمثَّل في قول، أو فعل.
الرَّأي الثَّاني: إنَّه يترتَّب الإثم على ذلك، لأنَّ هناك فرقًا بين نوعين من المعاصي:

النَّوع الأوَّل: المعاصي التي تتعلَّق بالجوارح الخارجيَّة
مثل: (الزِّنا، شرب الخمر، السَّرقة، الكذب، الغِيبة، سماع الغناء).
هذه المعاصي لا يترتَّب الإثم عليها إلَّا حين الممارسة والفعل.
وأمَّا النِّيَّة، فلا يترتَّب عليها أيُّ أثر.

النَّوع الثَّاني: المعاصي التي تتعلَّق بالقلب
(بغض المؤمن، الحقد عليه، الشَّحناء، الحسد، كراهية الحقِّ، حبُّ الباطل).
فهذه يترتَّب عليها الإثم، والعقاب.

الحالة الثَّالثة: أنْ تتحوَّل خاطرة الحسد إلى ممارسة قوليَّة، أو فعليَّة.
ولا شكَّ في كون هذا محرَّمًا، ويعتبر صاحبه عاصيًا.

وهنا أنبِّه إلى وجود عنوان اسمه (الغبطة)، وعنوان اسمه: (المنافسة).

(الغبطة): أنْ تتمنَّى نعمةً موجودةً عند غيرك من دون أنْ تريد زوالها عنه.
وهذا أمر غير مذموم.

و(التَّنافس): يعني التَّسابق في فعل الخير، وهو أمر ممدوح.

قال الله سبحانه في (سورة المطفِّفين: الآية 26): ﴿… وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.

إنَّه التَّنافس من أجل الحصول على المقامات الكبيرة عند الله تعالى، وليس تنافسًا من أجل المواقع وأغراض الدُّنيا، إلَّا إذا كانت هذه الأغراض تصبُّ في أهداف الآخرة كالتَّنافس في خدمةِ النَّاس، وقضاءِ حوائجهم، وإنقاذهم من أوضاعهم المأزومة كما هو الحال في الأوضاع الرَّاهنة التي تفرض مزيدًا من التَّعاون، بل مزيدًا من التَّنافس في العطاء، وفي الخدمات بكلِّ مساحاتِها الصِّحيَّة، والمعيشيَّة، والاجتماعيَّة، هنا يكون استنفار الطَّاقات، والقُدُرات، والإمكانات من أقدس الأعمال، بل يعتبره الدِّين من أعظم العبادات التي تقرِّب العبد إلى الله تعالى، وتوفِّر له المقامات العالية في يوم الحساب.

1-قال الإمام الكاظم (عليه السَّلام): «إنَّ للهِ عبادًا في الأرضِ يسعون في حوائج النَّاسِ هم الآمنون يوم القيامة، ومن أدخل على مؤمن سرورًا فرَّحَ اللهُ قلبَه يوم القيامة» (ميزان الحكمة 1/700، محمَّد الريشهري).

2-وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «تنافسوا في المعروف لإخوانكم، وكونوا من أهلِهِ، فإنَّ للجنَّة بابًا يقال له: المعروف، لا يدخله إلَّا مَنْ اصطنع المعروف في الحياة الدُّنيا، …» (الكافي 2/195، الشيخ الكليني).

3-وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «مَنْ سعى لمريض في حاجة قضاها، أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه.
قال رجل من الأنصار: بأبي وأمِّي أنت يا رسول الله، فإنْ كان المريض من أهل بيته، أو ليس ذاك أعظم أجرًا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟
قال – صلَّى الله عليه واله وسلَّم -: نعم» (بحار الأنوار 78/217، العلَّامة المجلسي).
إذًا، في ظروف الأزمات يجب أنْ تنشط الهِمم، هِمَم الخير، وهِمم العَطاء، وهِمم التَّعاون.
وهنا تبرز الشِّيم الكبيرة، والمُثل العُليا، والتي يأمر بها الدِّين، وتأمر بها قِيم الإنسانيَّة.

متى تمتحن الشِّيمُ النَّبيلة عند الإنسان؟
ومتى تُكتشفُ روحُ العطاء؟
والدِّين لا يكتفي أنْ يدفعك إلى أنْ تُعطي إلى أنْ تساعد، بل يدفعك إلى الإيثار والإيثار قيمة عُليا لا يمارسها إلَّا أصحاب النُّفوس الكبيرة.

1-نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى في (سورة الحشر: الآية 9): ﴿… وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ …﴾.

2-«جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشكا إليه الجوع.
فبعث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى بيوت أزواجه.
فقلن: ما عندنا إلَّا الماء!
فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): مَنْ لهذا الرَّجل اللَّيلة؟
فقال علي بن أبي طالب (عليه السَّلام): أنا له يا رسول الله، وأتى فاطمة (عليها السَّلام).
فقال لها: ما عندكِ يا ابنةَ رسول الله؟
فقالت: ما عندنا إلَّا قوت العشيَّة، لكنَّا نؤثر ضيفنا.
فقال (عليه السَّلام): يا ابنة محمَّد، نوِّمي الصِّبية، وأطفئ المصباح.
فلمَّا أصبح عليٌّ (عليه السَّلام) غدا على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأخبره الخبر، فلم يبرح حتَّى أنزل الله (عزَّ وجلَّ): ﴿… وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ …﴾ (سورة الحشر: الآية 9)» (ميزان الحكمة 1/17، محمَّد الريشهري)

نتابع الحديث إنْ شاء الله في الجمعة القادمة.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى