حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 403: المقطع السياسي: بين التحريض والمناصحةِ مساحة كبيرة جدًّا

بين التحريض والمناصحةِ مساحة كبيرة جدًّا:


التحريضُ ضدَّ أيٍّ نظامٍ حاكمٍ عنوانٌ…
ومناصحةُ النظام عنوانٌ آخر…
وبين العنوانين مساحةٌ كبيرةٌ جدًّا، وإنّ الخلط بين العنوانين يُوقعُ في مآزقَ خطيرةٍ، وفي ارباكاتٍ صعبةٍ، وفي نتائج ضارّة، ومدّمرةٍ…
سواءً أكانَ هذا الخَلطُ مِن قِبَلِ أنظمةِ الحُكمِ أو مِن قِبَلِ قُوى السّياسةِ أو مِن قبل زعاماتِ الشارع…


إنّ الخَلطَ مِن قِبَلِ أنظمةِ الحُكم يَدْفَعُها إلى اعتمادِ خَياراتٍ قاسيةٍ مُتشدّدةٍ، وكما أنّ هذا الخَلطَ يُفوّتُ الفرصةَ على أيِّ مشروعٍ للتقاربِ والتَصُالحِ والحوارِ، ممّا يُعمّقُ الأزماتِ السّياسيّةِ، ويُعقّدُ العِلاجات، ويدفعُ إلى المزيدٍ من المواجهاتِ…


وأمّا الخَلط إذا صدر مِن قِبَلِ قوى المُعارضةِ أو قوى الشارعِ فإنّهُ يقودُ إلى مواقفَ فاقدةٍ للرُشدِ، وإلى مُنّزلقاتٍ مُضرةٍ بأوضاعِ الأوطانِ، و ربّما دفع هذا الخَلطُ إلى مَساراتِ العُنفِ والتَطرُفِ…


وبين أنْ نشير إلى بعض الفوارق بين العناوين من خلال مجموعة نقاط:


النقطة الأولى:
التحريضُ هو إنتاجُ الكراهيةِ ضدَّ الآخرِ، سواءً أكانَ هذا الآخرُ نظامًا حاكمًا، أو مكوّنًا سيّاسّيًا أو دينّيًا…
وأمّا المُناصحة حينما تكون صادقةً ونظيفةً ورشيدةً فهي تُنتج المحبّة والمودّة والألفة والوءام…
وفي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام: (( النُصح يُثمرُ المَحبة)).
وفي كلمة أخرى له: (( النصيحة تُثمر الوُدّ))
وفي كلمة ثالثة: (( ليكن أحبّ النّاس إليك المُشفق النّاصح))
وفي كلمة رابعة:(( لا خير في قومٍ ليسوا بناصحين ولا يحبّون الناصحين)).


النقطة الثانية:
التحريض إلغاءٌ وإسقاط ٌ ومواجهة ٌ…
وأما المُناصحةُ فاعترافٌ بالآخر، ونقد ومحاسبة، وتصحيحٌ، وصدق وإخلاص ووفاء…


هكذا يجب أنْ يكون همّ الإنسان المسلم.
في الكلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( منْ لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومنْ لم يصبح ويمسي ناصحًا لله ولرسوله ولكتابه، ولإمامه، ولعامة المسلمين، فليس منهم)).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (( الدين النصيحة – قلنا-: لمن؟
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)).


وقال أمير المؤمنين عليه السلام – مخاطبًا الصالحين من أصحابه -:
(( أنتم الأنصار على الحق، والإخوان في الدين، فأعينوني بمناصحة خليه (جليله) من الغش)).


النقطة الثالثة:
التحريض يعتمد كل الوسائل وإنْ كانت غير مشروعة، مادام الهدف إلغاء الآخر، وإسقاط ومواجهته، فلا مانع من اعتماد العنف والتطرف، وكل الأساليب المنفلتة..


أمّا المناصحة ما دامتْ منضبطة بضوابط الشرع، فلا تعتمد إلا الوسائل المشروعة، والوسائل السّلمية، والأدوات النظيفة…


فالغايات النظيفة لابّد وأنْ تعتمد الوسائل النظيفة… وإلا فقدت هذه الغايات قيمتها ونظافتها، وأهدافها…


ونخلصُ إلى القول أنّ بين (التحريض) و (المناصحة) اختلافات جوهرية في المنطلقات، والأهداف، والوسائل…


وانطلاقًا من هذا الفهم يجب التفريق بين الخطابات التحريضية، والخطابات الناصجة الناقدة، فليس صحيحًا أنْ يُهتم أيّ حطابٍ معارضٍ بأنّه خطابٌ تحريضي، لا أدّعي أنّه لا توجد خطاباتٌ تحريضية، هذه الخطابات موجودة، إلا ّ أنّ إقحام كلّ خطابٍ يعارض، ويحاسب، وينتقد، ويصحّح بأنّه خطابٌ تحريضي فهذا خلط ٌ لا مبرّر له، وله نتائجهُ الخطيرة، وربّما أعطى المبرر لمن يمارس التحريض فعلا ً…


هنا إشكالية تطرح هذه الإشكالية تقول:
إنّ لهذه المُناصحةِ قنواتها الخاصة، أمّا المناصحة ُ عبر الخطابات العامة فهي تحريضٌ وتشهيرٌ وإسقاط ٌ…


ربّما يكون لهذه الإشكالية وجاهة ٌ وصدقية ٌ لو توفرّت القنوات الحقيقية ُ الجدّية التي يُمكن من خِلالها ممارسة ُ المناصحة والمحاسبة والتصحيح حيث لا تبقى الحاجة إلى الخطابات العامة المكشوفة والتي قد تفهم فهما مُلتبسًا…


واختم حديثي بهاتين الآيتين اللتين تؤكدان قيمة النصح والمناصحة:


الآية الأولى:
قوله تعالى في سورة الأعراف (الآية 62) على لسان نبي الله نوح عليه السلام (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ)


الآية الثانية:
قوله تعالى في نفس السورة (الآية 68) على لسان نبي الله هود عليه السلام: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).


فصلاح الأوطان بالنصح والمناصحة والمكاشفة وتصحيح الأخطاء صدرت من حاكمين أو محكومين إنّ السكوت عن هذه الأخطاء خيانة عُظمى، وجناية كبرى في حقّ الاخطاء خاصة في المفاصل الأساسية لبناء المجتمعات إنما يُكرسون الواقع السيّ، ويوقفون مسارات الإصلاح والبناء والتغيير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى