حديث الجمعةشهر شعبان

حديث الجمعة 370: معيار الولاء لأهل البيت عليهم السَّلام – في ذكرى رحيل الإمام الخميني رضوان الله عليه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين، وبعد فمع بعض العناوين:



معيار الولاء لأهل البيت عليهم السَّلام:
نقرأ كلمةً للإمام الباقر عليه السَّلام وهي تشكِّل خطابًا مفتوحًا للشيعة في كلِّ أجيالهم…
تبدأ الكلمةُ بهذا التساؤل: «يا جابر: أيكتفي مَنْ اتنحل التشيُّع أنْ يقولَ بحبِّنا أهل البيت؟».
أيكتفي مَنْ ينتمي إلينا، إلى مدرستنا، إلى نهجنا أنْ يعبِّر عن ذلك كلامًا فقط، وشعارًا فقط، وعاطفةً فقط؟
المسألة ليست كذلك، الكلام والشعار والعاطفة في حاجة إلى ترجمة عملية، وهنا يحدِّد الإمام عليه السَّلام معيار الولاء والانتماء، هذا المعيار هو (التقوى والطاعة): «فو اللهِ ما شيعتُنا إلَّا مَنْ اتقى الله وأطاعه».
وإذا غاب هذا المعطى السلوكي فلا يبقى عنوانُ (التشيّع والولاء والانتماء).


وبدأ الإمام عليه السَّلام يطرح بعضَ علامات تميز أتباعهم والمنتمين إليهم:


1- «ما كانوا يُعرفون يا جابر إلَّا بالتواضع والتخشُّع».
لا يعيشون التكبّر، والاستعلاء، والانتفاخ المزيف، والمزاجية المنفعلة، والطيش، والتأزم…


2- «وكثرةِ ذكر الله»
من علاماتهم الواضحة أنّ ألسنتهم تلهج بذكر الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم.


3- «والصَّومِ والصَّلاةِ»
إنَّهم عُباد لله تعالى، فيما يُمثِّله الصوم والصَّلاة من أجلى مظاهر العبادة… 


4- «والتعهدِ للجيرانِ مِن الفقراءِ وأهلِ المسكنةِ والغارمين والأيتام».
إنَّهم يحملون قلوبًا مملوءة بالرحمة لكلِّ البؤساءِ والمحرومين، لا يشبعون وحولهم من يتألم جوعًا، لا يكتسون، وحولهم مَنْ لا يجد ما يستر عورته، لا يتنعمون، وحولهم مَنْ يعيش المعاناة… 


5- «وصدقِ الحديث»
علامةٌ بارزة شاخصة في حياة هؤلاء أنَّهم لا يمارسونَ الكذب وقول الزور، حديثهم الصدق، وقولهم الحقّ.


6- «وتلاوةِ القرآن»
إنَّهم قراء لكتاب الله، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويتدبرون آياته، ويستجلون خزائنه، ويتمثلون تعاليمه وأحكامه.


7- «وكفِ الألسنِ عن النَّاسِ إلَّا من خير»
ألسنتهم نظيفة كلَّ النظافة، لا يسيئون لأحد من خلال غيبةٍ أو بهتان، أو سبٍّ، أو سخرية، أو استهزاءٍ، أو ظلم أو اعتداء… لا يقولون إلَّا ما هو خير…


ويعود الإمام عليه السَّلام ليؤكِّد (مضمون التقوى) كأساس في بناء (الشخصية الإيمانية): «فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد أقرابة، أحبُّ العبَّاد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته، والله ما يتقرب إلى الله جلَّ ثناؤه إلَّا بالطاعة».
وأخيرًا يكرِّر التأكيد على (معيار الطاعة لله) فمن خلاله يتحدَّد الولاء والعداء لأهل البيت:


«مَنْ كان للهِ مطيعًا فهو لنا وليّ، ومَنْ كان للهِ عاصيًا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلَّا بالورع والعمل».


وهذا ما أكَّدته أحاديث أخرى كثيرة صادرة عن أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام:
• قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «مَنْ أحبَّنا فليعمل بعملنا، ويستعن بالورع…».


• وقال الإمام الصَّادق عليه السَّلام: «ليس من شيعتنا مَنْ وافقنا بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا مَنْ وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا، وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا».


• وقال عليه السَّلام: «إنَّما شيعة عليٍّ مَنْ عفَّ بطنه وفرجه، واشتدَّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر».


في ذكرى رحيل الإمام الخميني رضوان الله عليه:
الحديث عن إنسان في مستوى (الإمام روح الله الخميني) حديث في غاية الصعوبة، إنَّه معجزة هذا العصر، إنَّه الرجل الذي هزَّ العالم، وأرعب كلَّ المستكبرين في الأرض…


ماذا كان يملك هذا الرجل صاحبُ العمة السوداء، والجسدِ الضعيف، والسبحةِ المتحرِّكةِ بين أصابعه، واللحية البيضاء البهية؟
ماذا كان يملك ليتهاوى بإشارة من يده عرشُ الطاووس، والتاجُ البهلوي؟
ماذا كان يملك لتلبي نداءَه الملايين من أبناء الشعب الإيراني، لتتحوَّل بركانًا هادرًا حطَّم أعظم ترسانة من الأسلحة في المنطقة…
ماذا يملك هذا الرجل ليقود أعظم ثورة في هذا العصر؟
هذه تساؤلات نطرحها ونحن نعيش ذكرى رحيله… تساؤلات تفرض علينا أنْ نقرأ هذا الإنسان قراءة تجعلنا ننفتح على شيئ من معناه، على شيئ من عظمته، على شيئ من إيمانه، على شيئ من روحانيته، على شيئ من جهاده…


نعم ماذا كان يملك هذا الإنسان؟
كان يملك الإيمان بالله تعالى… كان يملك القرآن.. كان يملك عزمةً من عزماتٍ محمَّدٍ سيِّد الأنبياء، كان يملك شيئًا من عنفوان جدِّه الحسين..
كان يملكُ الإرادة والثبات والصمود والتحدِّي…
كان يملكُ اليقين والحكمة والبصيرة…
كان يملكُ الصِّدق والوفاء والإخلاص كلَّ الإخلاص…
كان يملكُ التقوى والورع والذي أعاد للأجيال بعضًا من تقوى وورع جدِّه أمير المؤمنين…
كان يملكُ عشق الله، وخوف الله…
كان العابَد الذائبَ في الله متمثِّلًا شيئًا من عبادة جدِّه زين العابدين…
كان المجتهد بالأسحار مذكرًا بتهجُّد جدتِه فاطمة الزهراء…
كان يملك مباركة السَّماء…
وهكذا انتصر…
وهكذا ذاب في حبِّه ملايين البشر…
وهكذا عشقته القلوب والأرواح…
وهكذا أصبح قدوةً للأبرار والصالحين…
وهكذا قاد ثورة المحرومين والمستضعفين…
وهكذا فجَّر غضب المظلومين…
إنَّ قيمة الاحتفاء بذكرى الإمام الخميني أنْ نعطيه حضورًا في عقولنا…
أنْ نعطيه حضورًا في قلوبنا…
أنْ نعطيه حضورًا في واقعنا…
من المهم جدًّا أنْ يدخل الإمام الخميني في قلوبنا، في وجداننا، في ضمائرنا، في عواطفنا…
ومن المهم جدًّا أنْ يدخل الإمام في عقولنا، في وعينا، في ثقافتنا، في خطابنا…
ولكن الأهم الأهم أنْ يدخل الإمام الخميني في حياتنا، في واقعنا، في أخلاقنا، في سلوكنا، في ممارساتنا، في كلِّ امتداداتنا، وفي كلِّ حراكاتنا…


إذا استطعنا أنْ نعيش شيئًا من هذا الحضور نكون عشنا الذكرى.. هذه الذكرى ليست تاريخًا نسترخي في أحضانه، وليست حدثًا نتلهى باستذكار مشاهده، وليست عواطف تتفجَّر من خلال كلمات، وقصائد، وأناشيد، وإنْ كان لهذا التفجر قيمة كبيرة…


ذكرى الإمام الخميني مَعْلَمٌ بارزٌ في تاريخنا المعاصر…
ذكرى الإمام الخميني مفصلٌ مهمٌ في مسيرة أمَّتنا الحاضرة…
ذكرى الإمام الخميني جزء أساس في خطاب الإسلام المتحرِّك في هذا العصر…


ذكرى الإمام الخميني مدرسة تغذي الأجيال…
ذكرى الإمام الخميني ثورة وجهاد…
حينما نعيش هذه الذكرى يجب أنْ نطرح على أنفسنا مجموعة أسئلة؟
كمْ من فكر الإمام الخميني استطعنا أن نحرِّك في فكرنا؟
كمْ من روحانية الإمام الخميني استطعنا أن نحرِّك في روحانيتنا؟
كمْ من أخلاق الإمام الخميني استطعنا أن نحرِّك في أخلاقنا؟
كمْ من تقوى الإمام الخميني استطعنا أنْ نحرِّك في جهادنا؟
كمْ من جهاد الإمام الخميني استطعنا أنْ نحرِّك في جهادنا؟
كمْ من صمود الإمام الخميني استطعنا أنْ نحرِّك في صمودنا؟
هذه أسئلة وغيرها كثير، لا نطرحها من أجل الاستهلاك الخطابي، ومن أجل التسويق العاطفي، بقدر ما تشكِّل استنطاقًا لهذا التعاطي مع الذكرى، وتأصيلًا لمضمون هذه المناسبة، وتفعيلًا جادًّا لهذا الإحياء…
هل يكفي لكي نرضي ضميرنا ومسؤوليتنا أن نقيم للإمام الخميني حفلًا أو مهرجانًا أو موسمًا ثمَّ يبقى الإمام الخميني بعيدًا كلَّ البعد عن واقعنا، عن سلوكنا، عن أخلاقنا، عن مواقفنا، عن كلِّ حراكاتنا…
حينما نتحدَّث عن الحراكات نتحدَّث عن حراكات ثقافية وفكرية.. ونتحدَّث عن حراكات روحية وأخلاقية، ونتحدَّث عن حراكات سلوكية تقوائية.. ونتحدَّث عن حراكات رسالية.. ونتحدَّث عن حراكات جهادية.. ونتحدَّث عن حراكات سياسية…


قد تستهوي البعض روحانية الإمام الخميني العبادية فيقوى حراكه العبادي والروحي.. إلَّا أنَّه لا يستلهم شيئًا من وعي الإمام، ومن أخلاقه، ومن تقواه، ومن جهاده…


قد يستهوي البعض جهادُ الإمام وثورته ونضاله السِّياسي فيقوى لديه حراك الثورة والجهاد والنضال السِّياسي، إلِّا أنِّه لا يستلهم شيئًا من روحانية الإمام الخميني وورعه والتزامه بالنهج وتعاليم الشرع، وبصيرته الفقهية والإيمانية…


هذا اللَّون من الاستهواء المجزأ لا يعطي للاقتداء صدقيته، ونقاوته، وفاعليته…
فروحانية عبادية لا يترجمها سلوك وتقوى وأخلاق وعطاء متحرِّك من أجل الدين…
وروحانية عبادية لا تنطلق من وعي وبصيرة…
هذه الروحانية العبادية لا قيمة لها في منظور الدِّين…
وكذلك فإنَّ حراكًا ثوريًا سياسيًا لا يحمل ضوابط الشرع ولا يحمل بصيرة الإيمان، ولا يحمل روحانية الدِّين، ولا يحمل تقوى السلوك… هذا الحراك الثوري السِّياسي لا قيمة له في منظور الدِّين…
فالإمام الخميني كان الروحاني العابد..
وكان البصير في الدِّين..
وكان إنسان التقوى والورع..
وكان الداعية إلى الله..
وكان السِّياسي، والثائر والمجاهد..
وكان الفقيه الكبير..
وكان المربي..
تغمَّد الله إمامنا الخميني بالرَّحمة والرِّضوان
وحشره الله مع الأولياء والصَّالحين
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى