حديث الجمعةشهر شعبانملف شهر شعبان

حديث الجمعة 369: خصوصيات شهر شعبان – منبر الدِّين والشأن السِّياسي – الرّهان على تعب الشعب رهانٌ خاسر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين، وبعد فهذه بعض عناوين:

خصوصيات شهر شعبان :
نستقبل شهر شعبان، ولهذا الشهر مجموعةُ خصوصياتٍ مهمَّةٍ جدًا نعرض إلى بعضها:
الخصوصية الأولى: شعبان يُسمَّى شهر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم…
كما جاء في الأدعيةِ والروايات:
• جاء في الدعاء المأثور المروي عن الإمام السَّجاد عليه السَّلام:
«وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ يَدْأَبُ في صِيامِه وَقِيامِه في لَياليهِ وَأَيَّامِه».

• وروي عن النبي صلَّى الله عليه وآله في عدة أحاديث قوله:
«شعبان شهري».
فشهرٌ ينسب إلى الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله يحملُ قيمة كبيرةً جدًا، وهذا يفرض أنْ نتعاطى معه كما تعاطى رسول الله صلَّى الله عليه وآله حيث كان صلَّى الله عليه وآله يصوُمُه ويقوُمُه، ويكثُر فيه من الدعاء وتلاوة القرآن.

الخصوصيةُ الثانيةُ: شهر شعبان يُمثِّل محطَّةً روحيةً مهمَّةً جدًّا…
– فيه ليلة تلي ليلة القدر في الفضل والشرف وهي ليلةُ النصف من شعبان…
• سئل الإمام الباقر عليه السَّلام عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال عليه السَّلام:
«هي أفضلُ اللَّيالي بعد ليلةِ القدر، فيها يمنح اللهُ العباد فضله ويغفر لهم بمنِّهِ، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنَّها ليلةٌ آلى الله (عزَّ وجلَّ) على نفسه أنْ لا يردَّ سائلًا فيها، ما لم يسأل الله المعصية، وإنَّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت إزاء ما جعل ليلة القدر لنبيِّنا صلَّى الله عليه وآله فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه».

– وفيه ميلادُ صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، المخلِّص للبشرية في آخر الزمان، والذي سوف يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
– وفيه ميلاد الإمامين الحسين والسَّجاد عليهما السَّلام.
– وفيه ميلاد أبي الفضل العباس عليه السَّلام.
– وفيه مجموعة ممارسات عبادية وروحية.
كلُّ هذا أعطى لهذا الشهر خصوصية روحية متميِّزة، وفيوضات ربَّانية كبيرة، فمحروم كلّ الحرمان مَنْ فرَّط مِن الاستفادة من روحانية هذا الشهر وفيوضاته الكبيرة.

الخصوصيةُ الثالثة: هذا الشهر يهيئ لشهر الله العظيم.
وبقدر ما نوظِّف شهر شعبان توظيفًا فاعلًا نكون قد هيأنا أنفسنا لاستقبال الشهر الفضيل.
كيف نحوِّل هذا الشهر إلى شهرٍ يهيِّئ لشهر الله العظيم؟
يتم ذلك من خلال وضع برنامج روحي وعبادي يُعدّنا ويهيِّئنا لشهر رمضان…

من مفردات هذا البرنامج:
(1)  أنْ نصوم بعض أيام من هذا الشهر…
• قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«شعبان شهري، ورمضان شهر الله، فمن صام يومًا من شهري كنتُ شفيعه يوم القيامة، ومَنْ صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، ومَنْ صام ثلاثة أيامٍ من شهري قيل له: طهرت من ذنوبك، استأنف العمل».

• وعن الإمام الصَّادق عليه السَّلام أنَّه قال:
«كان السَّجاد عليه السَّلام إذا دخل شعبان جمع أصحابه وقال عليه السَّلام: يا أصحابي أتدرون ما هذا الشَّهر؟ هذا شهر شعبان، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله يقول: شعبان شهري، فصوموا هذا الشَّهر حُبًّا لنبيِّكم وتقرُّبًا إلى ربِّكم، أقسم بمن نفسي بيده لقد سمعتُ أبي الحسين عليه السَّلام يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السَّلام يقول: مَنْ صام شعبان حُبًّا لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وتقرُّبًا إلى الله، أحبَّه الله، وقرَّبه إلى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنَّة».

• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«ما فاتني صومُ شعبان منذ سمعتُ منادي رسول الله صلَّى الله عليه وآله ينادي في شعبان، ولن يفوتني أيَّام حياتي صوم شعبان إنْ شاء الله تعالى».

(2)  أنْ نمارس بعض الصلوات المندوبة في هذا الشهر (مذكورة في كتب الأدعية).

(3)  الإكثار من الاستغفار:
• جاء في بعض الروايات: أنَّ أفضل الأذكار في هذا الشهر الاستغفار، ومن استغفر كلَّ يوم سبعين مرة كمن استغفر في غيره سبعين ألف مرة.

(4)  الإكثار من الصَّلاةِ على النبيِّ وآله صلِّى الله عليه وآله:
• قال رسول الله صلِّى الله عليه وآله:
«شعبانُ شهري فأكثروا فيه من الصَّلاة عليَّ».

(5)  الصَّدقة ومساعدة الفقراء:
• قيل للإمام الصَّادق عليه السَّلام: ما أفضل ما يفعلُ فيه [يعني في شهر شعبان]؟
قال عليه السَّلام: «الصدقة والاستغفار، ومَنْ تصدَّق بصدقةٍ في شعبان، ربَّاها الله كما يربِّى أحدُكم فصيلهُ حتَّى  يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد».
وإذا تمكن أحدنا أن يعيل بيتًا من المسلمين فهذا عمل عظيم جدًا:
• قال الإمام الباقر عليه السَّلام:
«لأنْ أعول أهل بيتٍ من المسلمين، أسدَّ جوعهم، وأكسو عورتهم، وأكفَّ وجوههم عن النَّاسِ، أحبُّ إليَّ من أنْ أحجَّ حجَّةً وحجَّةً وحجَّةً ومثلها ومثلها ومثلها حتَّى بلغ عشرًا ومثلها ومثلها حتَّى بلغ السبعين».

(6)  أنْ نمارس عملًا نخدم به الإسلام والدِّين:
• الدعوة إلى الله.
• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• التعليم والإرشاد.
• دعم البرامج والفعَّاليات الدينية.
ولا شكَّ أنَّ من أقدس الأعمال وأعظمها أجرًا وثوابًا عند الله العمل من أجل الإسلام والدفاع عن مبادئه وقيمه وتعاليمه وأحكامه، ومحاربة كلّ أشكال الفساد والانحراف.

منبر الدِّين والشأن السِّياسي:
لا شكَّ أنَّ (الحراك السِّياسي) المدافع عن حقوق الشعوب، والمطالب بالإصلاح، والرافض لكلِّ أشكال الظلم هو حراك مشروع شريطة أنْ يكون هذا الحراك منطلقًا مِن التكليف الشرعي، ومن أجل الأهداف الصَّالحة، ومعتمدًا الوسائل والأدوات التي يقرّها الدِّين والشرع.
ومتى ما انحرف الحراك السِّياسي في منطلقاته أو أهدافه أو أدواته عن نهج الدِّين والشرع فهو حراك مرفوض ولا يحمل قيمة في منظور الدِّين مهما كانت شعاراتُه كبيرة وجذَّابة.

• هل يسمح لمنبر الدِّين أنْ يقول كلمةً في الشَّأن السِّياسي؟
الجواب: إنَّ من صميم مسؤوليات الخطاب الدِّيني التصدِّي للفساد السِّياسي، والمنكر السِّياسي، والظلم السِّياسي…
ويُسيؤون إلى رسالة هذا المنبر مَنْ يطالبونه أنْ يصمت عن الدفاع عن حقوق المظلومين، وأنْ يسكت عن مواجهة ظلم السِّياسة، وفساد السِّياسة، وعبث السِّياسة…
لا يعني هذا أنْ يتحوَّل منبر الدِّين إلى منبر سياسة فقط، فهو منبر عقيدة، ومنبر أخلاق، ومنبر فقه، ومنبر ثقافة، ومنبر تربية، إنَّه منبر الدِّين بكلِّ امتداداته ومساحاته…
فمن الظلم كلّ الظلم أنْ نحجِّم خطاب الدِّين في مساحة محدودة تجعله ينحسر عن بقية المساحات التي تشكِّل مكوِّنات الدِّين وامتداداته.
ما يزعج أنظمة الحكم أنْ يكون لخطاب الدِّين حضوره في قضايا السِّياسة، حينما يكون هذا الحضور معارضًا ورافضًا وناقدًا ومصحِّحًا، ومساندًا، ومبرِّرًا، وداعمًا، ومواليًا، فهو حضور مرحَّب به، ومقبول، ومبارك، ولا يشكِّل خروجًا عن أهداف الدِّين…
وحينما نتحدَّث عن حقِّ المنبر الدِّيني أنْ يقول الكلمةَ في الشأن السِّياسي لا يعني أنْ يتحوَّل هذا المنبرُ موقعًا لمعتركاتِ السَّياسة، ولصراعاتِ السِّياسة، ولسجالاتِ السِّياسة، ولأكاذيب السِّياسة، ولنفاق السِّياسة، ولألاعيب السِّياسة…

فمنبر الدِّين يجب أنْ يكونَ فوق كلِّ هذه المعتركاتِ والصِّراعاتِ، والسِّجالاتِ، والانشغالات، وأنْ يكون بعيدًا كلّ البعد عن نفاقِ السِّياسة وأكاذيبها، وألاعيبها…
فمنبرٌ ينتسبُ إلى الدِّين يجب أنْ يكون منبرَ محبَّةٍ، ووحدةٍ، وتآلفٍ، وتسامح، وصدقٍ، وطُهرٍ، ونظافةٍ، وخيْرٍ، وأن يكون منبرًا جادًّا، وهادفًا، ورساليًّا، وواقعيًّا، وفاعلًا، ومغيِّرًا وفق ضوابط الدِّين والشرع، ووفق قيم وأخلاق الإسلام، وبأدوات ووسائل الحق والعدل…

الرّهان على تعب الشعب رهانٌ خاسر:
ربَّما أنَّ إصرارَ النظام على الخيار الأمني يهدف إلى إنتاج حالٍ من التعب واليأس لدى الشعب،  ممَّا يدفعُ في اتجاه التراجعِ والانكسارِ والتسليم لفروضاتِ النظام…
هذا التفكير خاطئ جدًا، وهذا الرِّهان خاسرٌ بلا إشكال…
بدليل أنَّ زمنًا طويلًا من تجربة الخيار الأمني ما استطاع أن يُحدث شيئًا من التراجع لدى حراك هذا الشعب، بل ازداد هذا الحراكُ صمودًا وإصرارًا واستمرارًا، وثباتًا، بل ازداد قوةً وعنفوانًا..
ثمّ إنَّ حراكًا أعطى سجناء وشهداء، وأثمانًا باهظةً لا يمكن أنْ ينهزمَ وأنْ ينكسرَ، وأنْ يتراجعَ، وأنْ يتوقف…

ليس الأمرُ عنادًا ومغامرةً غير محسوبة، ليس الأمر نزقًا وطيشًا سياسيًا، إنَّما هي القناعة التي فرضتها رؤيةٌ بصيرةٌ، وحقَّانيةٌ واضحةٌ، وقراءةٌ موضوعيةٌ وضعت في حسابها كلَّ النتائج والمعطيات والمحتملات…
لا يعني هذا الحراكُ الراشدُ والبصيرُ والواثقُ كلّ ما يُقال ويُكتب من رؤى تنزع إلى القذف والسَّب والتشهير، ومسكونةٍ بدوافعَ فاقدةٍ للإنصافِ والموضوعيةِ والنظافةِ، ومهما توفَّرت لهذه الرؤى من أدوات ووسائل أعطتها صوتًا عاليًا، وضجيجًا كبيرًا، وأضواءً خاطفةً، يقترن كلّ ذلك بإمكانات مادية مفتوحة…

أقول: كلَّ هذا ما استطاع ولن يستطيع أنْ يُربكَ لدى الحراك رؤيتَهُ، وأنْ يهزَّ قناعتَهُ، وأنْ يُضعف عزيمتَهُ، وأنْ يكسرَ إرادتَهُ…
فكما هو الخيار الأمني كان فاشلًا وخاسرًا في إسكاتِ حَراكِ هذا الشعب…
فكذلك الإعلامُ الممنهجُ والموجَّه هو الآخر كان فاشلًا وخاسرًا…
فإلى متى يستمرُ هذا الرِّهانُ الفاشلُ والخاسرُ…

أما آنَ الأوان أنْ يُقرأ المشهد السِّياسي قراءة أخرى من أجل إنقاذ الوطن من محنةٍ استمرت طويلًا، ومن عناءٍ اشتدَّت وطأتُه، ومن بلاءات وأزماتٍ حاصرت كلَّ أوضاع هذا البلد…

وحينما نطالب بهذه القراءة فهي مطالبةٌ موجَّهةٌ أوَّلًا وبالذات إلى النظام…
وهي ثانيًا موجَّهة إلى القوى الفاعلةِ في السَّاحة معارضةٍ أو مواليةٍ…
وبقدر ما ينجح النظام في إنتاج هذه القراءة، وبقدر ما تنجح في القوى الفاعلة كذلك…

فإنَّ خارطة الطريق لإنقاذ الوطن من أزمته قد بدأت…
ولا يمكن أنْ تبدأ هذه الخارطة ما دامت القراءةُ الصائبة غائبة، أو ما دامت هذه القراءة مرتبكة…
لقد قدَّمت قوى المعارضة رؤاها حول خارطة الطريق، ولست هنا في صدد التصويب والتخطئة لهذه الرؤى… المهم أنَّ أوراقًا تحمل رؤية المعارضة قد قدِّمت…

وماذا عن رؤية النظام؟
وماذا عن أوراق النظام حول خارطة الطريق لإنتاج الحلِّ السِّياسي؟
لا زال الخيار الأمني هو اللُّغة وهو الحلُّ…
ولا زالت خارطة الطريق – وفق المنظور الرسمي – غائبة، ممَّا يأخذ بأوضاع البلد إلى المسارات الأكثر تعقيدًا وتأزيمًا…
تتحرَّك في السَّاحة هذه الأيام مقولات عن حسم الأوضاع قبل موعد الاستحقاق الانتخابي، ولا ندري ماذا تعني هذه المقولات هل هي مجرّد تسريبات للاختبار أو لإرباك المواقف أو لإنتاج الخلاف؟
ثمَّ لا ندري ماذا يعني هذا الحسم؟
هل يعني مزيدًا من التصعيد الأمني؟
هل يعني تغييرًا شكليًا لا يستجيب إلى الحدِّ الأدنى من مطالب الشعب؟
هل يعني حلًّا سياسيًا حقيقيًا ينقذ أوضاع البلد؟
أمام هذه التساؤلات، والاحتمالات، أين نضع قناعتنا؟
إذا أردنا أنْ نُحكِّم الشَّكَ، كونَ المؤشِّراتِ على الأرض لا تدفع نحو التفاؤل، فيتَّجه الخيار إلى أسوء الاحتمالات…
وإذا أردنا أنْ نعطي لأنفسنا بعض أمل، فلن نتعجَّل القول، ونترك للأيام القادمة أنْ تقول كلمتها…
كلّ الضراعة إلى الله تعالى أن يلطف بهذا الشعب الذي عانى ولا زال يعاني أقسى المحن والآلام والجراحات…
إنَّه تعالى نعم المولى ونعم الوكيل.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى