الشيخ عيسى أحمد قاسمحديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 514: عاشوراء لكلِّ المسلمين – الأوضاع الصِّحِّيَّة لوالدنا الكبير آية الله الشَّيخ عيسى قاسم

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

وبعد، فمع هذا العنوان:

عاشوراء لكلِّ المسلمين
إنَّنا على أعتابِ موسمِ عاشوراء الإمام الحسينِ (عليه السَّلام).

وعاشوراء الإمام الحسينِ (عليه السَّلام) ليست لطائفةٍ، أو لمذهبٍ، بل هي لكلِّ المسلمين إنْ لم نقل هي لكلِّ البشريَّة!

وللتَّأكيد على هذه الحقيقة سأتناول مجموعةَ نقاطٍ تشكِّل (مشتركاتٍ) يُؤمنُ بها كلُّ المسلمين:
النُّقطة الأولى: الإمامُ الحسينُ سبطُ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم)
وهذا ما يتَّفق عليه جميع المسلمين.

وقد دوَّنت مصادر الحديث لدى جميع المذاهب (الأحاديث) التي تؤكِّد هذه الحقيقة، وتؤسِّس لحبِّ السِّبطين الحسنِ والحسين (عليهما السَّلام)، وأنَّهما سيِّدا شباب أهل الجنَّة.

1- قال النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “…، الحسنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ، …”. (الأمالي، الصَّفحة112، الشَّيخ الصَّدوق).

2- وفي الحديث: “الحسنُ والحسينُ سِبْطا رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم)”. (نزهة النَّظر في غريب النَّهج والأثر، الصفحة 372، عادل عبد الرحمن البدري).

3- وفي الحديث: “…، الحسينُ سِبْطٌ من الأسباط”. (الأدب المفرد، البخاري).
4- وعنه (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “…، أحبُّهما [يعني: الحسن، والحسين]، وأحبُّ مَنْ يُحبُّهما”. (نيل الأوطار6/139، الشوكاني).

5- وعنه (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “حسين منِّي، وأنا مِن حسين، أحبَّ اللهُ مَنْ أحبَّ حسينًا، …”. (شرح الأخبار3/112، القاضي النعمان المغربي).

6- وعنه (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “الحسنُ والحسين ريحانتاي من الدُّنيا، …”. (أسد الغابة2/19، ابن الأثير).

7- وعنه (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “…، الحسنُ والحسينُ إمامانِ قاما، أو قعدا، …”. (روضة الواعظين، الصفحة156، الفتَّال النيسابوري).

8- وفي الحديث عنه (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): “مَنْ سرَّه أنْ ينظر إلى سيِّدِ شباب أهلِ الجنَّةِ، فلينظر إلى الحسين، …”. (بحار الانوار43/298، العلَّامة المجلسي).

هذه بعض نصوص، وغيرها كثير دوَّنتها مصادر الحديث المعتمدة لدى المسلمين، فكلُّ طوائفِ ومذاهبِ المسلمين مَعنيَّةٌ أنْ تجذِّر (الحسين) في وعيها، وفي ذَاكرتها، وفي وِجدانها، وفي كلِّ واقعها.

من هنا مطلوب من كلِّ المسلمين أنْ يستحضروا (قضيَّة عاشوراء)، فهي ليست حِكْرًا على طائفة، أو مذهب ما دام (الحسين) هو لكلِّ المسلمين، ولكلِّ الطَّوائف، والمذاهب.

النُقطة الثَّانية: النَّبيُّ الأعظم (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) هو الذي أسَّس للحزن العاشورائيِّ، وللبكاء على الحسين (عليه السَّلام)، وإحياء قضيَّة كربلاء
هذه بعض أحاديث مدوَّنة في المصادر الحديثيَّة السُّنِّيَّة:

الحديث الأوَّل: روى الحاكم النِّيسابوريُّ في (المستدرك على الصَّحيحين)، ج4 ص398 /ط بيروت: “…، عن أمِّ سلمة: إنَّ رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم) اضَّطجع ذات ليلةٍ للنَّومِ، فاستيقظ وهو حائر، ثمَّ اضَّطجع، فرقد، ثمَّ استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرَّة الأولى، ثمَّ اضَّطجع، فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبِّلها!
فقلت له: ما هذه التُّربة يا رسول الله؟
قال (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم): أخبرني جبرئيل (عليه السَّلام): إنَّ هذا [يعني: الحسين] يقتل بأرضِ العراق …!
فقلت لجبرئيل: أَرِنِي تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها.
(ثمَّ قال الحاكم النِّيسابوريُّ): “هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين: البخاري، ومسلم، ولم يخرِّجاه”!.

الحديث الثَّاني: روى الإمام أحمد بن حنبل في (مسنده)، الجزء 6 ص294 / ط بيروت: “…، عن أمِّ سَلمة، أو عائشة: إنَّ النَّبيَّ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم)، قال لأحدهما: لقد دَخَل عليَّ البيت مَلَكٌ لم يدخلْ عليَّ قبلها، فقال لي: إنَّ ابنك هذا حُسَينًا مقتولٌ، وإنْ شئت أريتُك مِن تربة الأرض التي يُقتل بها.
قال: فَأَخْرَجَ تربة حمراء”!.

الحديث الثَّالث: روى الحافظ الهيثميُّ في (مجمعه)، ج9 ص 190 /ط بيروت: “…، عن عليٍّ (عليه السَّلام)، قال: دخلت على النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه [وآله] وسلَّم) ذات يومٍ، وإذا عيناه تذرفان!
قلت: يا نبيَّ الله، أَغْضَبَك أحدٌ؟، ما شأن عينيكَ تفيضان؟
قال [صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم]: بل قام من عندي جبرئيل، فحدَّثني: إنَّ الحسين يُقتل بشطِّ الفرات!
قال [صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم]: فقال [يعني: جبرئيل]: هل لك أنْ أشمَّك من تربته؟
قلت: نعم!
قال: فمدَّ يده، فقبض قبضةً من تراب، فَأَعْطَانِيها، فلم أَمْلك عينيَّ أنْ فاضتا”!

الحديث الرَّابع: روى ابن المغازلي الشَّافعي في (المناقب)، ص 7 ح117 / ط بيروت: “…، عن أمِّ سَلَمة، قالت: كان جبرائيل عند رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، والحسين معي، فبكى، فتركته!
فدنا من رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، فقمتُ، فأخذتُه، فبكى، فتركته!
فدخل إلى النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم).
فقال جبرائيل: أَتُحبُّهُ يا محمَّد؟
قال (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم): نعم.
قال [جبرائيل]: إنَّ أمَّتَكَ ستقتله، وإنْ شئت أريتُكَ مِن تربةِ الأرضِ التي يقتل بها.
وبسَط جناحَهُ إلى الأرضِ التي يُقتَلُ بها، فأراني إيَّاها، فإذا الأرض يقال لها: كربلاء”.

الحديث الخامس: روى ابن الصَّبَّاغ المالكي في (الفصول المهمَّة)، ص 170 / ط بيروت:
“بالإسناد إلى أمِّ الفضل بنت العبَّاس: إنَّها دخلت على رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، فقالت: يا رسول اللهِ، رأيتُ البارحة حُلْمًا مُنكرًا!
فقال [صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم]: وما هو؟، … .
قالت: رأيتُ كأنَّ قطعةً مِن جَسَدِكَ قطعت، فوضعت في حِجري!
فقال رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم): خيرًا رأيتِ، تلد فاطمةُ غلامًا، فيكون في حِجركِ.
فولدتْ فاطمةُ الحسُين (عليه السَّلام).
قالت [أمُّ الفضل]: فكان في حِجري، …، كما قال رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، فدخلت به عليه، فوضعتُه في حِجرِهِ، ثمَّ حانتْ منِّي التفاتَةٌ، فإذا عينا رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) تدمعان!
فقلت: بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللهِ، ما لكَ تبكي؟
قال (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم): أتاني جبرائيل (عليه السَّلام)، فأخبرني: إنَّ أمَّتي ستقتل ابني هذا، وأتاني منه بتربة حمراء”.

الحديث السَّادس: روى الطَّبريُّ في (ذخائر العقبى)، ص 147 / ط القاهرة: “بالإسناد إلى أنس بن مالك، قال: استأذن مَلَكُ القِطْرِ ربَّهُ أنْ يزور النبيَّ (صلَّى اللهُ عليه [وآلِهِ] وسلَّم)، فأذِنَ له، وكان في يوم أمِّ سلَمة.
فقال النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليه [وآلِهِ] وسلَّم): يا أمَّ سَلَمة، احفظي علينا الباب، لا يدخل أحدٌ.
فبينا هِيَ على الباب إذ دخل الحسين بن عليٍّ طفر، فاقتحم، فدخل، فوثب على رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه [وآلِهِ] وسلَّم)، فجعل رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يلثمه، ويقبِّلهُ.
فقال له المَلَكُ: أتحبُّهُ؟
قال: [صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم]: نعم!
قال [الملَكُ]: إنَّ أمَّتكَ ستقتُلُه، وإنْ شئتَ أريتُكَ المكانَ الذي يُقتَلُ به.
فأراه، فجاء بِسَهْلةٍ، أو ترابٍ أحمر، فأخذتْهُ أمُّ سَلَمة، فجعلته في ثوبها.
قال ثابت: كنَّا نقول: إنَّها كربلاء، …”.
* الأحاديث كثيرة!
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فقد روى السَّيوطى في (الخصائص الكبرى)، ج2 ص125/ ط بيروت، في باب إخبار النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) بقتل الحسين (عليه السَّلام) ما يناهز العشرين حَديثًا عن أكبر الثِّقاتِ من رواة علماء السُّنة، ومشاهيرهم كالحاكم، والبيهقي، وأبي نعيم، وأضرابهم عن أمِّ سلمة، وأمِّ الفضل، وعائشةَ، وابنِ عبَّاس، وأنسِ صاحبِ رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، وخادمِهِ الخاصِّ كلِّها تؤكِّد خبر التُّربة التي نزل بها جبرائيل على رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم).

في ضوء هذه الأحاديث الكثيرة التي رواها علماءُ أجلَّاءُ من أتباع المذاهب الإسلاميَّة المتعدِّدة، نفهم أنَّ قضيَّة الإمام الحسين (عليه السَّلام) ليست قضيَّة طائفة، أو مذهب، بل هي قضيَّة كلِّ المسلمين، ما دام نبيُّ الإسلام (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) هو الَّذي أكَّدها، وتحدَّث عنها، وأسَّس لاستحضارها في وجدان المسلمين.

النُّقطة الثَّالثة: ما حدث في يوم عاشوراء من فاجعة عظمى أمر يؤلم كلَّ المسلمين
ما حدث في يوم عاشوراء من فاجعة عظمى أمر يؤلم كلَّ المسلمين.
وما حدث في يوم عاشوراء من جِنايات ضدَّ آل النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) يرفضه كلُّ المسلمين!
فما دام كلُّ المسلمين يتألَّمون لفاجعه كربلاء.
وما دام كلُّ المسلمين يرفضون ما جرى على الحسين سبط رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، وما جرى على أهل بيته (عليهم السَّلام)، وعلى أصحابه (رضي الله عنهم) في يوم عاشوراء من مأساة عظمى، ما شهد لها التَّاريخ نظيرًا، فهل يسع أحدٌ ينتمي إلى الإسلام ألَّا يحزن في يوم عاشوراء؟!
وهل يسع أحدٌ ينتمي إلى الإسلام ألَّا يغضب لما جرى في يوم عاشوراء؟!
فالحزن العاشورائيُّ يوحِّد المسلمين بكلِّ طوائفهم، ومذاهبهم.
والغضب العاشورائيُّ كذلك يوحِّد المسلمين بكلِّ طوائفهم، ومذاهبهم.
وإذا كان الحزنُ العاشورائيُّ يوحِّد المسلمين.
وإذا كان الغضب العاشورائيُّ يوحِّد المسلمين.
فهذا لا يعني بالضَّرورة أنْ تتوحَّد أساليب الإحياء العاشورائيِّ.
المهمُّ أنْ تكون (أساليب الإحياء) مشروعة، وخاضعة للضَّوابط الشَّرعيَّة.
والمهمُّ أنْ تكون (أساليب الإحياء) منسجمةً كلَّ الانسجام مع أهداف عاشوراء، وقِيم عاشوراء. وأهداف عاشوراء هي أهداف الإسلام.
وقِيم عاشوراء هي قِيم الإسلام.
وإذا كان المطلوب من جميع المسلمين إحياء عاشوراء مفاهيم، ومبادئ، وقِيمًا، ومُثُلًا، وأهدافًا كبرى، فمطلوب منهم إحياء عاشوراء فاجعةً، ومأساةً، وحُزْنًا، ووهجًا وجدانيًّا.
لا مشكلة أنْ تتعدَّد الأساليب ما دامت تعبِّر بصدقٍ، وبصيرة، عن عاشوراء الإمام الحسين (عليه السَّلام).
وفي ضوء ما تقدَّم نؤكِّد: إنَّه لا يصحُّ مَذْهَبَة عاشوراء، بل يجب أنْ نعطي عاشوراء حضورًا إسلاميًّا، بل حضورًا إنسانيًّا.
النُّقطةُ الرَّابعة: خطابُ عاشوراء خطاب وحدة، ومحبَّة، وتسامح
فخطاب عاشوراء الواعي الأصيل يؤكِّد على وحدة الصَّفِّ، وحدة الكلمة، وحدة الموقف، فيما هي قضايا المسلمين العامَّة، وفيما هي همومهم المشتركة.
فليس خطابًا عاشورائيًّا الخطاب الذي يكرِّس الخلافات، والصِّراعات.
فليس خطابًا عاشورائيًّا الخطاب الذي يكرِّس العداوات، والكَرَاهات.
وليس خطابًا عاشورائيًّا الخطاب الذي يزرع الفتن الطَّائفيَّة، والعَصَبِيَّات.
مطلوب من خطاب عاشوراء أنْ يؤكِّد:
1- على الاعتصام بحبل الله تعالى.
2- وعلى التَّقارب، والتَّآلف.
3- وعلى المحبَّة، والتَّسامح.
4- وعلى الوسطيَّة، والاعتدال.
وحذارِ حذارِ أنْ ينزع الخطاب إلى إنتاج العنف، والتَّطرُّف، والإرهاب!
فهذا النَّمط من الخطاب دينيًّا كان، أم ثقافيًّا، أم سياسيًّا هو كارثة هذا العصر!

كلمة أخيرة: الأوضاع الصِّحِّيَّة لوالدنا الكبير آية الله الشَّيخ عيسى قاسم
الأوضاع الصِّحيَّة لسماحة والدنا الكبير آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم في تحسُّن مستمرٍّ، ومُطَمْئِنة، والحمد لله تعالى.
نسأله تعالى أنْ يُعجِّل بعودته، ورجوعه إلى الوطن؛ لكي تكتحلَ العيون بطلعته البهيَّة، ورجوعه المبارك.
وفي كلِّ التَّواصلات معه يحمل سلامه، وتحياته، ودعواته لكلِّ المؤمنين، آمِلًا لهم كلَّ الخير، والصِّحَّة، والسَّلامة، والأمن، والعيش الكريم، والأُلْفة، والمحبَّة.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى