حديث الجمعةشهر رمضان

موائد الإيمان (2) نظرات في العادات الرَّمضانيَّة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

موائد الإيمان
هي محاضرات للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، ألقيت في أيَّام السَّبت خلال شهر رمضان المبارك 1439هـ، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.
(2)

نظرات في العادات الرَّمضانيَّة
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا، ورحمة الله وبركاته.
عنوان الحديث في هذا اليوم الطّيِّب المبارك (نظرات في العادات الرَّمضانيَّة).

مفهوم العادات
العادات:
هي عبارة عن أنماط سلوكيَّة يعتادها النَّاس، ويعتادون على ممارستها في حياتهم.

أنواع العادات
وتوجد عادات دائمة، وعادات موسميَّة.
وشهر رمضان شهر استثنائيٌّ، ولذلك، فإنَّ العادات والممارسات فيه استثنائيَّة أيضًا.

العادات في شهر رمضان المبارك
نحاول أنْ نلقي نظرة سريعة على العادات في شهر رمضان.

وشيئ طبيعيٌّ أنَّ العادات في سلوك النَّاس إمَّا أنْ تكون من صُنع الدِّين، حيث إنَّ الدِّين ينتج عاداتٍ!، وإمَّا أنْ تكون من صنع العرف، وإمَّا هي عاداتٌ مستوردة من خارج الأوساط الإسلاميَّة.
والآن فلنقِ نظرة على العادات في شهر رمضان، والظَّواهر السُّلوكيَّة العامَّة – ولا نتحدَّث هنا عن سلوك فرد، أو أفراد – في حياة النَّاس.

أصناف العادات الرَّمضانيَّة

فلنصنِّف هذه العادات، أو هذه الظَّواهر السُّلوكيَّة في حياة النَّاس إلى عدَّة عناوين.

أوَّلًا: العادات العباديَّة
نبدأ بأوَّل صنف من هذه العادات، وهو ما يسمَّى بالعادات العباديَّة
من الواضح أنَّه توجد في شهر رمضان مجموعة عادات عباديَّة مكثَّفة.

1- حضور المساجد، وصلاة الجماعة
لربما بعض النَّاس يكون مداومًا على الصَّلاة الجماعة طيلة السَّنة، إلَّا أنَّه في شهر رمضان يزداد اهتمامه في الحضور أكثر!

بل لربما تجد مَن لا يحضر صلاة الجماعة – في سائر السَّنة – تراه يحاول المواظبة على صلاة الجماعة، وعلى حضور المساجد في شهر رمضان.
ولذلك، فإنَّ ظاهرة كثافة الحضور في الشَّهر المبارك، وكثافة الحضور المسجديِّ، وحضور صلاة الجماعة هي ظاهرة موجودة، لأنَّ – كما قلنا سابقًا -: هذا شهر استثنائيٌّ، والعبادة فيه استثنائيَّة، والثَّواب فيه استثنائيٌّ.
ومن الطَّبيعيِّ أنَّ مثل ذلك يشدُّ النَّاس إلى الحرص الشَّديد على حضور المساجد، وعلى حضور صلاة الجماعة، ومثل هذه الظَّاهرة تدرِّبنا على أنْ نحرص على حضور المساجد، وصلوات الجماعة بشكل دائم، لا أنْ أجعل حضوري حضورًا موسميًّا فقط.

لا شكَّ أنَّه يتضاعف الثَّواب في شهر رمضان – وهذا ممَّا لا إشكال فيه بأنَّ ثوابَ حضورِ المساجد، وثواب حضور صلوات الجماعة يتضاعف أضعافًا مضاعفة في شهر رمضان – وهذا شيئ طبيعيُّ، ولكن هذا لا يعني أنَّني سأحصل على مخزون من الحسنات للسَّنة كلِّها، ولا أحتاج بعدها أنْ آتي في غير شهر رمضان إلى المسجد!، أو أحضر صلاة الجماعة!

إنَّ شهر رمضان يريد أنْ يدرِّبنا، ويعلِّمنا: إنَّكم أنتم إنْ ارتبطتم بالمسجد، وارتبطتم بصلوات الجماعة، فحاولوا أنْ تحافظوا على هذه الممارسة طِيلة السَّنة.

فكم هو جميل أنْ يكون الإنسان من حضَّار المساجد، ومن حضَّار صلاة الجماعة.

حتى أنَّ بعض الفقهاء عندما يتحدَّثون عن العدالة يرى أنَّ هذا الإنسان الذي يحافظ على صلوات الجماعة، ويحافظ على حضور المساجد، فمثل هذا يحكم على ظاهره بالعدالة!

فحضور المساجد، وصلوات الجماعة رغم قيمتها وثوابها وعظمتها في شهر رمضان، وأنَّ ثوابها أضعاف مضاعفة، فمضاف إلى ذلك الثَّواب مطلوب أنْ نمرِّن أنفسنا على هذه الظَّاهرةَ كلَّ أيَّام السَّنة، أو على الأقل في أيَّام من الأسبوع أحافظُ على حضور المساجد، وصلاة الجماعة.

فإذًا من الظواهر الرَّمضانيَّة البارزة هي حضور المساجد، وحضور صلوات الجماعة.

2- انعقاد مجالس التِّلاوة
من الظَّواهر والعادات الدِّينيَّة الطَّيِّبة المباركة – أيضًا – في شهر رمضان هي مجالس التِّلاوة، هذه المجالس المشهورة والمعروفة في البيوتات، والمجالس العامَّة، والمآتم، وهي ظاهرة جميلة، وجيِّدة ومهمَّة تربطنا بالقرآن الكريم، وتعوِّدنا على أنْ نرتبط بالقرآن بشكل دائم.

فهي ظاهرة جميلة جدًّا بالرغم أنَّها بحاجة إلى الكثير من التَّعديل، والتَّحسين.

وتوجد ملاحظات على مجالس القرآن الكريم يجب أنْ نلتفت إليها، والعلماء يحاولون بكلِّ وسيلة أنْ يرشِّدوا هذه المجالس حتَّى تتحوَّل إلى مجالس غير رتيبة – غير روتينيَّة -، وغير تلقائيَّة عادية ليس لها عطاءات!

إنَّ مجالس التِّلاوة هي مجالس عطاء، ومجالس علم، ومجالس روحانيَّة، لكن قد تكون بحاجة إلى بعض التَّعديل والتَّحسين.

فمثل هذه الظَّاهرة هي ظاهرة جميلة جدًّا، وهي من العادات الرَّمضانيَّة الجميلة التي يجب أنْ نحرص عليها، ونستمرَّ عليها، ونحاول أنْ تبقى هذه الظَّاهرة الرَّمضانيَّة.

3- البرامج القرآنيَّة
من العادات الدِّينيَّة في شهر رمضان (البرامج القرآنيَّة) – وهذه غير مجالس التِّلاوة الآنفة الذِّكر، حيث إنَّ مجالس التِّلاوة هي قرآن يُتلى -.

وجزى الله تعالى خيرًا بعض الجمعيَّات القرآنيَّة، وبعض العلماء حيث لديهم برامج قرآنيَّة، وتزدهر في شهر رمضان.
ومن الطَّبيعي أنْ تزدهر مثل هذه البرامج القرآنيَّة، وإذا لم تزدهر في هذا الشَّهر الفضيل، فمتى تزدهر؟

فمن الطَّبيعيِّ جدًّا أنْ تزدهر مثل هذه البرامج القرآنيَّة في شهر رمضان، لأنَّ شهر رمضان هو شهر القرآن، والشَّهر الذي أُنزل فيه القرآن، ولذا فمن الطبيعيِّ جدًّا أنْ تزدهر وتنشط البرامج القرآنيَّة فيه.

4- برنامج الاعتكافات
كما وتوجد برامج دينيَّة أخرى كالاعتكافات.

فهي أيضًا ظاهرة طيِّبة، وجميلة.
إنَّ الاعتكاف يصحُّ في كلِّ شهر، ولكن ثواب الاعتكاف في شهر رمضان يتضاعف بلا إشكال.

فهذه بعض العادات والممارسات التي نسمِّيها ممارسات دينيَّة.
ولذا فعلى الإنسان أنْ يبرمج وقته في شهر رمضان؛ ليستوعب أكبر قدر من الممارسات الدِّينيَّة.

فإذا كان لديك وقت، فبرْمِجْه.
اجعل لك وقتًا مبرمَجًا مدروسًا مكتوبًا.

لا تجعل الوقت في شهر رمضان يمرُّ بشكل عشوائيٍّ.

إنَّ هذا الموسم هو موسم تجاريٌّ مع الله تعالى، والموسم التِّجاريِّ يحتاج إلى عقليَّة تجاريَّة.

كيف تتعامل أنت مع البضاعة والتِّجارة المادِّيَّة بعقل تجاريٍّ، وتستفيد من المواسم التِّجاريَّة؟، فهذا الشَّهر هو أيضًا الموسم التِّجاريُّ الرَّابح بالحسنات، وبالخيرات، وبالفيوضات الرَّبَّانيَّة.

فليكن عندك عقل يفكِّر في كيفيَّة استثمار هذا الموسم، وهذه المساحات العباديَّة.

ضع لك برنامج صلاة جماعة، وحضور مساجد، وبرامج قرآنيَّة، وبرامج دينيَّة.
وحاول أنْ تستفيد من أكبر قدر ممكن من هذه البرامج في هذا الشَّهر.

نظِّموا أوقاتكم، ولعلَّ بعض النَّاس يقول: لا نمتلك وقتًا كافيًا!
وكيف نملَأ الوقت، فالوقت ضيِّق؟!
في الحقيقة عندك أوقات كثيرة، فإذا برمجتها، ودرستها بعقل مبرمِج، فسترى عند فائضًا من الوقت.

فكم من الوقت يضيع منَّا؟!
أوقات كثيرة تضيع منَّا!
محتاجون – يا جماعة – أنْ ننظِّم أوقاتنا.

نظِّم وقتك، فأربع وعشرون ساعة ليست قليلةً، فإذا نظَّمها أحدنا فسيجد عنده فائضًا من الوقت، وفائضًا من الجهد.

فإذًا هذه عادات تتَّصل بالبعد العباديِّ.
ثانيًا: العادات السُّلوكيَّة
ننتقل إلى نمط ثانٍ من العادات في شهر رمضان، وهي عادات تتَّصل بالأكل، والشُّرب.

إنَّ طبيعة برنامج الأكل والشُّرب في شهر رمضان يتغيَّر تغييرًا جذريًّا، ولذلك نرى عندنا ربكةً (خبطة) في برامجنا على مستوى الأكل والشُّرب.

توجد ظواهر جميلة جدًّا، كما توجد ظواهر تحتاج إلى معالجة.

توجد عادات طيِّبة مباركة في شهر رمضان تتَّصل بالأكل والشُّرب، كما توجد عادات تحتاج إلى تصحيح.

1- الظَّواهر السُّلوكيَّة الحسنة

أ- دعوات الإفطار
هذه دعوات طيِّبة، ومباركة، وجميلة، وثوابها عظيم.

أنْ تفطِّر صائمًا، فقد أعتقتَ رقبة، وغُفرَ لما مضى من ذنوبك.
إنَّ إفطار الصَّائم، وظاهرة الدَّعوات هي ظاهرة مباركة في هذا الشَّهر، ويجب أنْ أؤكِّد عليها، ونحافظ عليها، ونستفيد منها.

ب- تبادل إهداء الأطعمة والإفطارات
وإن كانت – هذه الظاهرة – بدأت تقلُ عمَّا سبق.

فلربما كانت سابقًا أكثر انتشارًا عمَّا هي عليه الآن، فلعلَّ النَّاس قد اكتفوا، واستغنوا!

لكن في الحقيقة إنَّ النَّاس غير محتاجين، إلَّا أنَّها ظاهرة اجتماعيَّة طيِّبة.

إنَّك عندما تأخذ طبقًا من طعام إلى جارك، أو إلى صديقك – ليس لأنَّه محتاج، فإطعام المحتاجين أمر آخر -، فمثل هذا يُعدُّ تواصلًا اجتماعيًّا جميلًا، ومن خلاله نعلِّم أنفسنا، ونعلِّم أولادنا، ونعلِّم بناتِنا كيف يتهادَون الطَّعامَ والإفطارات.

هذه كانت ظاهرة منتشرة بشكل كبير جدًّا، وهي ظاهرة جميلة وجيِّدة، ولا بدَّ أنْ تستمرَّ.

هذه عادات طيِّبة في الأكل والشُّرب.

2- الظَّواهر السُّلوكيَّة السَّيِّئة

أ- الإسراف في الأكل والشُّرب
توجد عادات خطأ تتصَّل بالأكل والشُّرب، مع أنَّ الصِّيام يريد أنْ يروِّضنا على أنْ نكبح جماح الشَّهوة، شهوة البطن، وشهوة الفَرْج.

فمن أهداف شهر رمضان هو ترويض هذه الشَّهوة؛ لأنَّنا في شهر رمضان نطلق لها العنان خاصَّة عندما تكون الموائد – موائد الإفطار، والسَّحور – دَسْمة.

لربما نمسك عن الطَّعام كم ساعة بالنَّهار إلَّا أنَّنا نثأر لساعات النَّهار بساعات اللَّيل!

فكما بقيتُ جائعًا اثني عشر ساعة من النَّهار، فمن اللَّازم أنْ أعوِّض عنها باللَّيل!، ونقوم بملءْ بطوننا بالأطعمة!
أنا لا أقول لك لا تأكل، بل كُل حتَّى تتقوَّى على العبادة، وعلى الطَّاعة.

كُلْ ولكن ليس إلى حدِّ التُّخمة بالشَّكل الذي يجعل عندك شللًا روحيًّا، وعباديًّا.

إنَّ هذا الإسراف منهيٌّ عنه، ﴿… وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ …﴾ (سورة الأعراف: الآية31).

إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وتراخت الأعضاء عن العبادة.

إنَّ الرُّوح تموت إذا أتخمَ الإنسانُ نفسَه بالأطعمة!

هذه الظَّاهرة يحتاج فيها الواحد منَّا إلى أنْ يُروِّض نفسَه دونها.

أنْ تأكل فهذا أمر لا مشكلة فيه، ولكن اجعل لديك برنامجًا – بغضِّ النَّظر عن الجانب الصِّحِّي -.

لا شكَّ أنَّ كثرة الطَّعام فيه مشاكل صحِّيَّة كثيرة – وأنا لا أتحدَّث عن الجانب الصِّحِّي، وإنَّما أتكلَّم عن الجانب الرُّوحيِّ -، ولذا فالرُّوح تمرض، وتضعف من كثرة الطَّعام.

إذًا هذه الظَّاهرة – الإسراف في الأكل – هي ظاهرة خطأ.

ب- التَّبذير في الموائد الرَّمضانيَّة
الظَّاهرة الثَّانية – والتي تتَّصل بالأكل والشُّرب – هي ظاهرة التَّبذير في الموائد الرَّمضانيَّة.

لا يوجد ما يمنع أحدًا أنْ يعمل ما يشاء له من الأطعمة بشرط ألَّا يُبذِّر، ويلقي الزَّائد في القمامة!

نعم، إذا كان هناك عزم على توصيل ذلك للمحتاجين، وللفقراء، وللنَّاس الذين سيستفيدون منه، فلا مشكلة، أمَّا أنْ تكون مائدتي مليئةً بالطَّعام، ويُلقى بالفائض في القمامة، فهذا تبذير محرَّم، وكفر بنعمة الله تعالى.
إنَّ هذه نعمة ويوجد جياع، ومحتاجون، فمن اللَّازم أنْ نحرص على النِّعمة، ولا مانع من وجود الدَّعوات فهي مطلوبة، ولكن إذا صار عندك فائضٌ في الطَّعام، فحاول أنْ توصله إلى الأُسَر الفقيرة، والمحتاجين، وبعض المؤمنين.

ج- ظاهرة ضَياع الوقت بالنَّوم وهَدْره
ننتقل إلى نوع ثالث من العادات – وأذكر هنا أمثلة فقط -، وهي عادات تتَّصل بالنَّوم، والتَّعاطي مع الوقت.
إنَّ مشكلة البعض في شهر رمضان أنَّه لا يعرف أنْ يبرمج وقته.

إنَّ الوارد في الحديث: “…، ونومكم فيه عبادة، …” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق)، إلَّا أنَّه يبقى نائمًا عشر ساعات، أو خمسة عشر ساعةً.

أليس الوارد إنَّ: “…، ونومكم فيه عبادة، …”؟!

نعم إنَّ الوارد ذلك: “…، ونومكم فيه عبادة، …”، ولكن هذه عبادة لها قيمة، وهناك عبادة أخرى لها قيمة أخرى، فهذا الذي يسهر اللَّيل بالتَّهجُّد، وبصلاة اللَّيل، هذه عبادة، والنَّوم عبادة، ولكن هل القيمة بينهما واحدة؟

فالذي ينام، فنومه عبادة، ويحصل على ثواب، والذي يُصلِّي صلاة اللَّيل يحصل على ثواب، ولكن شتَّان بين العبادتين، وشتَّان بين الثَّوابين.

البعض يقول: أنا صائم، وأحتاج إلى النَّوم لا مشكلة في ذلك، ولكن نَمْ بالمقدار الذي يحتاجه جسدك وجسمك.

لا شكَّ يوجد وقت ومساحة من الزَّمن من الضَّروريِّ أنْ ينام الإنسان فيها حتَّى ينشط على العبادة، وعلى العمل، وعلى حَراكه الاجتماعيِّ، والنَّوم ضرورة، ولكن لا يتحوَّل إلى مرض!

من الغريب من بعض النَّاس أنَّك لو تدعه ينام لَنام عشرين ساعة، ولا يستيقظ!

بل لو لم يجد مَن يوقظه لنام أكثر من عشرين ساعة، ولا يكترث بذلك، ولا مشكلة لديه لو خرج وقت الصَّلاة.
فمثل هذه الظَّاهرة يجب أنْ نعالجها.

لا مشكلة أنَّ يقول الإنسان أنَّه في شهر رمضان صائم وتعبان، ولكنَّ الإسراف في النَّوم ظاهرة غير صِحِّيَّة.

أنماط السَّهرات في شهر رمضان
وما يتَّصل – أيضًا – بالوقت هو (السَّهرات).

أُصنِّف السَّهرات في شهر رمضان إلى عدَّة أنماط.

والسَّهر معناه: أنْ أبقى مستيقظًا في ساعات اللَّيل.
فهذا يُسمَّى سهرًا.
وشهر رمضان أجواؤه مفتوحة، والسَّهرات فيه مفتوحة!

ولنُقسِّم السَّهرات.
النَّمط الأوَّل: السَّهرات المحرَّمة
توجد سهرات محرَّمة – كالذي يَسهر في مجالس الطَّرب، واللَّهو -، فمثل تلك السَّهرات – للأسف – يسمُّونها سهرات رمضانيَّة!!، مع أنَّها سهرات شيطانيَّة وليست سهرات رمضانيَّة.
فالذي يحيي ليلته مع رقصٍ، وطربٍ، وأفلام ماجنة فاسدة، ومنحرفة، فمثل هذه السَّهرات هي سهرات شيطانيَّة، وليست سهرات رمضانيَّة.

وهذه عقابها مُضاعف.
فإذا كان لها عقاب في الأيَّام العاديَّة، ففي شهر رمضان فإنَّ عقابها يتضاعف!
فمثل هذه السَّهرات نسمِّيها سهرات محرَّمة، حيث: يُلعب فيها القمار، ويُلعب فيها ألعاب محرَّمة!

النَّمط الثَّاني: السَّهرات الاستهلاكيَّة
ويوجد نمط ثانٍ من السَّهرات نسمِّيها السَّهرات الاستهلاكيَّة وهي ليست محرَّمة، إلَّا أنَّها تضييع للوقت!
وبالتَّالي، فإنَّ إضاعة أوقاتنا – بالعنوان الثَّانويِّ – تؤدِّي إلى إضاعة الوقت المحرَّم!

فالمجالس الاستهلاكيَّة هي عبارة عن: جلوس للحديث والضَّحك، ويصل ذلك إلى السَّاعة الواحدة، أو الثَّانية بعد منتصف اللَّيل، ثمَّ أخلد للنَّوم، وقد لا أتمكَّن من الاستيقاظ لصلاة الفجر!
فهذه سهرة – ولا أقول قد تمَّت السَّهرةُ في عمل محرَّم، وقد لا يكون فيها أحاديث محرَّمة -، ولكنَّها سهرة تضييع للوقت!

نعم، لو كانت الأحاديث التي تمَّت في تلك السَّهرة هي أحاديث مواعظ، وأحاديث علميَّة، وأحاديث ثقافيَّة، فهذه عبادة.

النَّمط الثَّالث: سهرات الألعاب الاستهلاكيَّة

وكما عندنا مجالس استهلاكيَّة، فعندنا – أيضًا – ألعاب استهلاكيَّة.
فهناك بعض الألعاب – ولربما لا تكون محرَّمة – كلعب الأولاد كرة القَدم إلَّا أنَّه يجب أنْ لا يكون ذلك اللَّعب يستغرق طوال اللَّيل، بحيث كلُّ وقتي أستغرقه في لعب الكرة.

لا أقول أنَّ لعب الكرة محرَّم، فهو مباح، ولكن لا يكن ذلك اللَّعب على حساب الوقت.

خذ لك جزءًا من الوقت، فلا مشكلة في ذلك، أمَّا أنَّك تضيِّع كلَّ وقتك، فيُقال لك: هذا لهوٌ بريئ!

صحيح أنَّ ذلك هو لهو بريئ، ولكن ليس معناه أنْ تقضي كلَّ الوقت على اللَّهو البريئ، فاعرف أنَّ عندك مجالات أخرى كذلك.

النَّمط الرَّابع: السَّهرات العباديَّة
ويوجد لدينا السَّهرات العباديَّة، وهي: التي يجب أنْ نحرص عليها في شهر رمضان، كـ:
مجالس ذِكر.
ومجالس تلاوة.
وأنشطة دينيَّة.
وصلاة اللَّيل.
فهذه كلُّها سهرات عباديَّة.
واستفيدوا من هذا الشَّهر في السَّهرات الإيمانيَّة.

ثالثًا: العادات المزاجيَّة
عندنا عادات مزاجيَّة نفسيَّة!
من المفروض انَّ شهر رمضان يُرطِّب أخلاقنا، إلَّا أنَّنا نرى أنَّ أغلب النَّاس يتحولون إلى مزاجات انفعاليَّة، وما أنْ تُكلِّمه حتَّى يغضب، ويقول لك: أنا صائم!

فهل يعني ذلك أنَّ الصِّيام يُعكِّر أمزجتنا؟!

الصِّيام – من المفترض به – أنْ يُرطِّب الأمزجة، ويُحسِّنها، ويُجمِّلها، أمَّا أنْ تتحوَّل إلى شخص انفعاليٍّ، وإلى شخص يغضب لأيِّ شيئ، وإذا سألته قال: أنا صائم، فهذا أمر غير صحيح.

هل الصِّيام يعلِّمنا أنْ نكون انفعاليِّين؟!
فالمزاج الانفعاليُّ هو خلاف أدب الصِّيام، حيث لا يتَّفق مع خطبة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله): “…، مَن حسَّن منكم في هذا الشَّهر خلقه كان له جواز على الصِّراط يوم تزل فيه الأقدام، …” (الأمالي، الصَّفحة154، الشَّيخ الصَّدوق)، ونحن نُسيئُ أخلاقنا في شهر رمضان؟!

“سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) امرأة تسبُّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بطعام، فقال لها: كُلي!
فقالت: إنِّي صائمة!

فقال: كيف تكونين صائمة وقد سبَّيت جاريتك؟!، …” (الكافي4/87، الشيخ الكليني).

إنَّ حالة المزاجيَّة تتنافى مع خُلق الصِّيام، فمن اللَّازم أنْ نُروِّض أمزجتنا في شهر رمضان، ونحسِّن أخلاقنا، وهذه أفضل عبادة وهي تحسين الخُلق في شهر رمضان.

فلربما لا أقدر على أداء صلاة اللَّيل، ولا أقدر على ممارسة أدعية طويلة، وما أقدر على قراءة القرآن كثيرًا، ولكن حسِّن خلقك، فتحصل على ثواب التِّلاوة، وثواب صلاة اللَّيل، وثواب الأدعية.

حسِّن أخلاقك مع النَّاس بدءًا من زوجتك، وأولادك، ومع جيرانك، ومع النَّاس الذين تلتقيهم.

واقصُد بذلك التَّقرُّب إلى الله تعالى.
واقصد أنْ تحسِّن أخلاقك حتَّى تتقرَّب إلى الله سبحانه وتعالى.

رابعًا: العادات الاجتماعيَّة
1- ظاهرة التَّواصل الاجتماعيِّ
التَّواصل الاجتماعي من الظَّواهر الجميلة الممتازة في شهر رمضان!
لربما بعض النَّاس لا يلتقون في السَّنة إلَّا في شهر رمضان.

ولربما لا ترى بعضهم طيلة السَّنة إلَّا في شهر رمضان، وبالأعياد، وبهذه المناسبات المباركة.

هذه ظاهرة جميلة لكن يجدر بها أنْ تخلق عندنا لُحمة اجتماعيَّة دائمة، ولندع رمضان أنْ يدرِّبنا على التَّواصل.

فلربما جاري لا أدري به إلَّا في شهر رمضان!، وكذا الحال بالنَّسبة لصديقي، وأقربائي، وأرحامي!

فلندع شهر رمضان يعلِّمنا قليلًا أنْ نتواصل اجتماعيًّا، حيث ثواب التَّواصل الاجتماعيِّ مضاعف في شهر رمضان.

2- ظاهرة أعمال البِرِّ والإحسان
ومن الظَّواهر الاجتماعيَّة – أيضًا – في شهر رمضان هي عمل وتقديم أعمال البرِّ والإحسان، وخدمات النَّاس، فهذه تزدهر في شهر رمضان المبارك.

فالذي يريد أنْ يقدِّم خيرات، وأعمال برٍّ لأمواته، وإلى أرحامه، فيقوم بذلك في شهر رمضان حيث يكون ثواب هذه الأعمال في شهر رمضان عظيمًا.

لكن ليس عمل الخيرات مقصورًا على شهر رمضان بحيث في غيره لا أقدِّم شيئًا!

فمن المفترض أنْ يخلق شهر رمضان عندنا حوافز في أعمال البرِّ والخير، ويزرع في داخلنا حبَّ الخير، وحب البرِّ، وأنَّ حصيلة الشَّهر المبارك يجب أنْ تتحوَّل إلى عطاء مستمرٍّ.

هذه عادات اجتماعيَّة جميلة، ومن الضَّروري أنَّنا حينما نتكلَّم عن هذه الفقرات المختلفة لا نبتغي من ذلك أنْ نضيِّعكم في برامج موسَّعة، حتَّى لا يبقى الإنسان حائرًا لا يدري ما الذي يفعله!

إلَّا أنَّك تَقْدر على أنْ تبرمج لك وقتًا، بحيث يكون منتخبًا من أمور مختلفة، فمن العبادات قليلًا.

ومن القضايا الاجتماعيَّة قليلًا.
ومن الأمور الثَّقافيَّة قليًلا.

رتِّب وضعك بطريقة تملأ وقتك بشكل مدروس.

فوقت للنَّوم.
ووقت للعبادة.
ووقت للمجالس.
ووقت للزِّيارات.
ووقت للمطالعة، والقراءة الثَّقافيَّة.
ووقت للدُّروس الدِّينيَّة.

فهذا برنامج متكامل لشهر رمضان.
وهناك بعض النَّاس مَن يكتفون بجانب، ويهملون جوانب أخرى!

من الصَّحيح أنْ يكون حضور المساجد، ومجالس القرآن الكريم مهمًّا في شهر رمضان، ولكن لا يعني هذا التكثيف في هذه الجوانب هو إهمال للجوانب الأخرى.

إنَّ الأمر على العكس من ذلك، فإنَّنا عندما نحضر المساجد فإنَّما نحضر حتَّى نتعلَّم أنَّ كلَّ حياتنا تكون في خطِّ المسجد، وخط القرآن، وخطِّ التَّوجيه القرآنيِّ؛ حتَّى نصنع أنفسنا.

شهر رمضان شهر الصُّنع والتَّكوين والبناء
إنَّ شهر رمضان هو شهر الصُّنع، والتَّكوين، والبناء النَّفسيِّ، والرُّوحيِّ، والثَّقافيِّ، فحاولوا أيُّها الأحبَّة، أنْ تستثمروا أوقات هذا الشَّهر، فإنَّ أيَّامه أوشكت على أنْ تتصرَّم، فثلث الشَّهر قد مضى، والثُّلث الثَّاني آتٍ، وبعده الثُّلث الثَّالث؛ لينتهي الشَّهر!

شهر رمضان يمرُّ بسرعة، فاستثمروا كلَّ لحظة من لحظاته، وكلَّ وقت، وكلَّ دقيقة منه.

إنَّ بعض الأمور يمارسها الواحد منَّا وهو يتحرَّك، فما الذي يضيرك وأنت في سيَّارتك، وأنت على فراشك أنْ تذكر الله تعالى بأيِّ أنواع الذِّكر، وخاصَّة الاستغفار، والتَّسبيح، والصَّلاة على محمَّد وآل محمَّد.

أكتفي بهذا القدر من الحديث، وأترك المجال لأسئلتكم.

والحمد لله ربِّ العالمين.

أسئلة حديث السَّبت 17 رمضان1439 هـ – 2 يونيو ٢٠١٨ م

س.1: هل حالة الإدبار في العبادة حالة طبيعيَّة في الإنسان؟، وما هو السَّبيل؛ لمعالجة الفتور العباديِّ، أو ما يُسمَّى بحالة الإدبار؟
ج.1: من طبيعة النَّفس البشريَّة أنَّ لها إقبالًا وإدبارًا.
فمن غير الممكن أنْ تجعل الإنسان مقبِلًا طيلة حياته على العبادة.
إنَّ الفتور حالة طبيعيَّة في النَّفس البشريَّة، فقد “روى الكلينيُّ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: إنَّ للقلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت، فتنفَّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة” (روضة المتَّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه2/693، محمَّد تقي المجلسي (الأوَّل).
فالإدبار له أسبابه!
فلماذا في بعض الأحيان يرى الإنسان عنده شوقًا شديدًا إلى الصَّلاة، فيُصلِّي صلاة اللَّيل، والمستحبَّات، ويؤدِّي الفرائض بشوق وشغف، وحبٍّ وعشق، وفجأةً يحسُّ بفتور، فيتكاسل عن صلاة اللَّيل، وعن المستحبَّات، فيكتفي بالواجبات فقط؟!
ويخاطب نفسه حينها: ليس مطلوب منِّي أنْ أُصلِّي صلاة اللَّيل، فصلاة اللَّيل مستحبَّة، والنَّوافل كذلك مستحبَّة!
ويبقى يُبرِّر لنفسه عمليَّة الإدبار!
صحيح أنَّ الإدبار حالة طبيعيَّة في النَّفس البشريَّة، إلَّا أنَّ لهذه الحالة أسبابها!
ابحث عن أسباب حالة الإدبار، فستجد وراء الإدبار معصية قد مارستها!
ابحث عن ذلك في حياتك سترى أنَّه قد صدرت منك معصية.
يجدر بي – والحالة هذه – أنْ أبحث في حياتي، فسأجد أنَّ هناك معصيةً قد ارتكبتها كانت هي السَّبب في هذا الإدبار!
أبحثُ، فعندما لا أجد معصية أُتابع البحثَ جيِّدًا، فلربما اغتبتُ أحدًا في يوم من الأيَّام!
ولربما أجد أنَّني قد اغتبتُ كثيرًا من النَّاس!
فمثل هذه المعصية تقتل العبادة!
إنَّ هذه المعصية – الغِيبَة – تُدمِّر الحالة الرُّوحيَّة، وتدمِّر حالة الإقبال العباديِّ!
أو لربما أنَّني قد ظلمتُ أحدًا!
أو لربما نظرتُ نظرةً محرَّمة، أو امرأة قد نظرتْ نظرةً محرَّمة!
فتتراكم هذه الذُّنوب، وتُكلِّس القلبَ، وإذا تكلَّس القلبُ، فعندها يصابُ الإنسانُ بحالة الإدبار، أو بالجفاف الرُّوحيِّ.
فإذا أردنا الانتصار على حالة الإدبار، فيجب الانتصار أوَّلًا على النَّفس.
فإذا استطعنا أنْ نحارب أنفسنا، ونحاسبها محاسبة دقيقة، فقد انتصرنا على النَّفس!، ولذا جاء في الحديث: “كيف يجد لذَّة العبادة مَن لا يصوم عن الهوى” (مستدرك الوسائل12/115، ميزا حسين النُّوري الطَّبرسي).
أُصلِّي، لكن لا أحسُّ بلذَّة الصَّلاة، فلماذا؟
هل لأنِّي أرتكب المعاصي، لا أجد لذَّة في قراءة القرآن الكريم، ولا أحسُّ بلذَّة الزِّيارة!
إذن: “كيف يجد لذَّة العبادة مَن لا يصوم عن الهوى”؟!
“جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي قد حرمت الصَّلاة باللَّيل”!
فكلَّما أردت أنْ اُصلِّي صلاة اللَّيل، فلا أقدر على ذلك، فيأخذني النَّوم، أو الغفلة.
إنَّني أحبَّ أنْ أؤدِّي صلاة اللَّيل إلَّا أنَّني لا أقدر على ذلك!
“فقال له أمير المؤمنين (عليه السَّلام): أنت رجل قد قيَّدتك ذنوبك”! (التَّوحيد، الصَّفحة97، الشَّيخ الصَّدوق).
المعاصي قد منعتك من قيام اللَّيل!
و”عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: إنَّ الرَّجل ليكذب الكذبة، فيحرم بها صلاة اللَّيل، فإذا حُرِم صلاة اللَّيل حُرم بها الرِّزق”. (وسائل الشِّيعة5/278، الحر العاملي).
فكذبة واحدة قد تمنع الإنسان من قيام اللَّيل!
فإذن، حتَّى نعالج مسألة الإدبار، دعنا نعالج أوَّلًا المعاصي والذُّنوب، ونطهِّر القلب، فالقلب كلَّما كان أطهر وأنقى فإنَّه يعشق العبادة.
إنَّ العبادة تبدأ من القلب، ولا تبدأ من الحركات!
فلربَّما أركع، وأسجد، وأقوم، وأقعد إلَّا أنَّ القلب ليس خاشعًا، وغير حاضرٍ في الصَّلاة!
المهم أنْ يكون القلب حاضرًا خاشعًا، فكيف يمكنني أنْ أجعل قلبي حاضرًا في الصَّلاة، وخاشعًا فيها؟!، ولذلك نحتاج إلى تنقية القلب، وتطهير الجوارح، فـمَن أكل الحرام اسودَّ قلبه، وضعفت نفسه، وقلَّت عبادته، ولم تستجبْ دعوته.
يجب أنْ نعالج كلَّ هذه الأمور؛ حتَّى نعيد حالة الصَّحوة العباديَّة، والشَّوق العباديَّ، والعشق العباديَّ.
نحتاج أنْ نعيد صياغة أنفسنا!

س.2: ما هو أفضل عمل أقوم به في ليلة القدر؟
وكيف أجعل لي برنامجًا في ليلة القدر على مستوى الإحياء الجماعيِّ، والإحياء الفرديِّ؛ كي أستثمر هذه اللَّيلة خير الاستثمار؟
ج.2:لربما نتصوَّر أنَّ ليلة القدر برنامجها يقتصر على الأدعية والصَّلوات!
نعم، هذا جزء من برنامج ليلة القدر، إلَّا أنَّه توجد مساحة أخرى واسعة في برنامج شهر رمضان، فعلى سبيل المثال:
أ- ثقِّف نفسك
لربما يتصوَّر البعض أنَّ البرنامج الثَّقافيَّ لا أهميَّة له، كأن أجلس ولو لربع ساعة أتفقَّه فيها في الدِّين!
لربما ربع ساعة في ذلك هي أفضل من ساعة ونصف تقرأ فيها أدعية.
إنَّ ربع ساعة تتفقَّه فيها في دينك، وتثقِّف نفسك دينيًّا، وإيمانيًّا، فهذه توازي في الثَّواب ساعات من العبادة إذا كنت تبحث عن ثواب!
في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) قال: “قال إذا جلس المتعلِّم بين يدي العالم فتح الله له سبعين بابًا من الرَّحمة، ولا يقوم مِن عنده إلَّا كيوم ولدته أمُّه، وأعطاه بكلِّ حديث عبادة سنة، …” (إرشاد القلوب1/166، الحسن بن محمد الديلمي).
فهذه جلسة من جلسات الثَّقافة، فهل وضعت في برنامج ليلة القدر ساعة للثَّقافة الدِّينيَّة سواء على مستوى حضور محاضرة، أم قراءة كتاب، أم سماع شريط بهدف أنَّك تريد إضافة ثقافة إلى ثقافتك الدِّينيَّة؟!
فهذا جزء من برنامج مهمٍّ وخطير في ليلة القدر ويومها.
وأنبِّه – بالمناسبة إلى نقطة مهمَّة -: كثير من النَّاس يتصوَّرون أنَّ الفضل يكون في ليلة القدر فقط!، مع أنَّ يوم القدر يساوي ليلة القدر في الفضل أيضًا!، فنقتصر على اللَّيل، ونقول: قد انتهى الامر، وقد قضينا ليلة القدر بالعبادة، وسنقضي النَّهار بالنَّوم!!
يجدر بنا أنْ نعرف أنَّ يوم القدر هو يوم فضيلة – أيضًا – بنفس فضل ليلة القدر، فإذا لم تستطع أداء بعض الأعمال في ليلة القدر، فبإمكانك أنْ تؤدِّيها في يوم القدر.
إذن، ثقِّف نفسك دينيًّا، فهذا جزء مهمٌّ من البرنامج.
ب- قدِّم خدمة اجتماعيَّة
إنَّ أفضل عمل في ليلة القدر أنْ تقدِّم خدمة للنَّاس.
ابحث – محاوِلًا – عن وسيلة في ذلك.
فإمَّا أنْ تساعد محتاجًا في ليلة القدر، وإمَّا في يوم القدر.
اُطرق باب فقير، وأعطه مساعدة، فإنَّ ثواب مساعدة النَّاس، والفقراء، والمحتاجين في ليلة القدر، وفي يومها يضاهي ساعات من الصَّلوات، يُروى عن أبي جعفر (عليه السَّلام): “…، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدُّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفُّ وجوههم عن النَّاس أحبُّ إليَّ من أنْ أحجَّ حجَّة، وحجَّة، وحجَّة، ومثلها، ومثلها حتَّى بلغ عشرًا، ومثلها، ومثلها حتَّى بلغ السَّبعين” (الوافي5/678، الفيض الكاشاني).
فمساعدتك لأسرة محتاجة في ليلة القدر أفضل من سبعين حجَّة!
ففي موازين حساباتنا انَّ هذه أعمال بسيطة بينما هي عند الله تعالى لها قيمتها الكبيرة.
برمج ليلة القدر ويومها بحيث تُغطِّي مساحات واسعة في عمل رساليٍّ.
أو في عمل تربويٍّ.
أو في عمل ثقافيٍّ.
أو في عمل اجتماعيٍّ.
وذلك مع الأعمال العباديَّة الرُّوحيَّة من صلاة، وتلاوة قرآن، ودعاء.

س.3: هل أنَّ سرطان البحر (القبقب) محلَّل أكله لدى السَّيِّد فضل الله (رحمه الله)؟
ج.3: إنَّ السَّيِّد فضل الله (رحمه الله) يحلِّل أكل صيد البحر باستثناء المضرِّ منه، وما يعيش في البرِّ والبحر، حيث هناك حيوانات تعيش بحرًا وبرًّا، فهذه لا يجوز أكلها، كما لا يجوز – أيضًا – الحيوانات السَّامَّة التي تضرُّ!
إذن، ما عدا ذلك، فإنَّ صيد البحر حلال.
نعم، إنَّ الرَّأي المشهور عند فقهائنا أنَّهم لا يُبيحون من صيد البحر إلَّا السَّمك الذي له فَلْس.
وهناك رأي آخر – وهو بالطَّبع ليس رأي السَّيِّد فضل الله (قدِّس سرُّه) فقط، بل حتَّى بعض القدماء من الفقهاء – يُبيح صيد البحر باستثناء الضَّارِّ منه والسَّام، والحيوانات البرِّيَّة البحريَّة.

س.4: إذا كان صاحب البيت مسافرًا طوال شهر رمضان، ولديه أبناء يعيلهم، فهل تجب زكاة الفطرة عليه، أم عليهم؟
ج.4: إذا كان هو القائم بشؤونهم، ومصاريفهم، وليسوا مستقلِّين في مصاريفهم – مع كونه مسافرًا إلَّا أنَّه هو القائم بشؤونهم –، فهو الذي يجب عليه أنْ يُخرج زكاة الفطرة عنهم، حتَّى لو كان مسافرًا – في العراق، أم في المدينة – في أيِّ مكان، فزكاة الفطرة هو مَن تجب عليه إخراجها عن أولاده، وزوجته.
فيمكنه أنْ يخرجها عنهم في المكان – والبلد – الذي فيه، أو يوكِّلهم في أنْ يخرجوا الزَّكاة عنه في يوم العيد.
وماذا عن الابن المتزوج ولديه أطفال، ويسكن في البيت نفسه؟
فهل هو معتمد على نفسه في المصاريف، وفي الحياة المعيشيَّة، أم لا؟
أم هو مع أبيه يشرب ويأكل، ويُعدُّ جزءًا من عائلة الأب؟
فإذا كان يُعدُّ جزءًا من عائلة الأب بحيث إنَّ الأب هو الذي يصرف عليه في مأكله، ومشربه كجزء من العائلة، فزكاة فطرته تكون على الأب.
أمَّا إذا كان ساكنًا مع أبيه إلَّا أنَّه مستقلٌّ في مصروفه، فالابن هو الذي يتحمَّل إخراج زكاة فطرته.

س.5:إذا دعا أحد الأقارب للإفطار في المنزل، ولكنَّه صلَّى في أحد المساجد، وتناول بعض التَّمرات قبل أنْ يصل إلى صاحب الدَّعوة، فهل ينال الثَّواب؟
س.5:إذا ذهب وهو غير صائم، فلا يتحقَّق عنوان إفطار صائم.
فإفطار صائم معناه هو أنْ تذهب وأنت صائم؛ لتفطر عند صاحب الدَّعوة؛ كي يحصل هو على ثواب إفطار صائم، وأنت تحصل على ثواب دعوة إفطار صائم.
فعندما تذهب – وقد أفطرت سابقًا -، فيحصل هو على ثواب دعوة إطعام – أطعم مؤمنًا -، وأنت تحصل على ثواب إجابة دعوة مؤمن، وليس على ثواب إفطار، حيث ذهبت وأنت قد أفطرت على تمرات في البيت، أو في المسجد.
فهو يحصل على ثواب إطعام، وأنت تحصل على ثواب إجابة دعوة مؤمن.

س.6:والدتي تريد منِّي إبلاغها بأيِّ شيئ أقوم به سواء كان خاصًّا بي، أم خاصًّا بزوجتي وأولادي، كـ: متى أسافر؟
ومتى أخرج؟، وأنا رجل كبير، وعندي أولاد!
مع أنَّني لستُ مقصِّرًا مع والدتي من جميع النَّواحي، فما هو رأي سماحتكم؟
ج.6:ليس مطلوبًا من الابن أنْ يطلِع والديه على كلِّ أسراره.
نعم، مطلوب منه أنْ يبرَّ والديه بأنْ لا يصدر منه ما يؤذيهما، أمَّا الخصوصيَّات فليست جزءًا من حقِّ الوالدين حتَّى يطَّلعوا عليها!
إلَّا إذا توجد أعمال قد تُؤْذي الوالدين – ولربما لا تكون محرَّمةً –، فبعض الفقهاء يقول: حتَّى أنَّ الإتيان ببعض الأعمال المستحبَّة إذا كانت تؤذيهما – مثل: حضور المساجد، حضور صلاة الجماعة، فكلُّ هذه أمور مستحبَّة -، فلا يصحُّ الإتيان بها إذا كانت تؤذي الوالدين!
لربما تكون امرأة مسكينة، ومصابة بالوسواس، فتخاف على ولدها، بحيث لو يخرج إلى الشَّارع لا تقدر – هذه الأمُّ – على ذلك، فقد تنهار وتتحطَّم نفسيًّا، وتراقب عن كثب موعد عودة ولدها إلى البيت!، فوضعها النَّفسيُّ بهذه الطَّريقة! لا يتحمَّل معه ذهاب الابن إلى المسجد، صحيح أنَّ حضور المساجد مستحبٌّ لكن إنَّ إيذاء الوالدين حرام، ولذا فعلى مثل هذا الولد أنْ يترك الصَّلاة في المسجد، وأنْ يترك صلاة الجماعة؛ ليحافظ على نفسيَّة أمِّه.
فإذا كان في عمله إيذاءً حقيقيًّا لأمِّه، وليس مجرَّد وسوسة كالأوضاع الأمنيَّة حيث تخاف على ولدها، وتعيش فعلًا حالة من القلق النَّفسيِّ، فلا يجوز له ذلك.
أرْضِ والدتك، واخلق عندها وضعًا نفسيًّا مستقرًّا ستحصل على ما تريد مادام عندك نيَّة حقيقيَّة لحضور صلاة الجماعة، وحضور المساجد.
إنَّك – لا شكَّ مع هذا البرِّ بها – ستحصل على ثواب البِرِّ بالوالدين، وستحصل على ثواب الجماعة، وثواب حضور المسجد – إنْ شاء الله تعالى -.

س.7:بالنِّسبة لمقلِّدي السَّيِّد أبي القاسم الخوئي (قدس سرُّه) هل يجوز لهم البقاء على تقليده مطلقًا، أم يجب عليهم الرُّجوع إلى فقيه آخر؟
ج.7: بشكل عام، فإنَّ أيَّ فقيه يتوفَّى، فلا يصحُّ من مقلِّديه أنْ يبقوا على تقليده إلَّا بالرُّجوع إلى فقيه آخر حيٍّ يجيزهم في البقاء على تقليده.
فهذا هو الرَّأي المشهور.
يجب عليك الرُّجوع إلى فقيه حيٍّ، وتأخذ رأيه، فلربما يقول لك بوجوب البقاء إذا كان الفقيه الميت أعلم.
وربما يقول لك بوجوب العدول.
وربما يقول لك بالتَّخيير بين البقاء والعدول.
إذن، أنت لا تبقَ من دون الرُّجوع إلى فقيه حيٍّ.
لا بدَّ لك من الرُّجوع إلى فقيه حيٍّ، وعلى ضوئه تحدِّد موقفك الشَّرعيَّ في بقائك على تقليد الفقيه الميت، أو رجوعك إلى الفقيه الحيِّ.

س.8: حبَّذا لو يكون هناك برنامج عند الأحبَّة للاستعداد لأي مناسبة كليلة القدر، أو شهر محرَّم، أو شهر رمضان، فكلُّ هذه المناسبات فيها فعاليات، وفيها أعمال عباديَّة، وتحتاج إلى إعداد.
فلقد قدَّمتم معلومات إزاء ذلك، فحبَّذا – أيضًا – يقوم الخطباء في أكثر المجالس على إعداد النَّاس قبل ليلة القدر بليلتين، أو ثلاث ليالٍ؛ من أجل إعداد بعض الأمور الواجبة، أو الضَّروريَّة؛ للاستعداد لمثل ليلة القدر المقبلة؛ ولكي يعرف الجمهور ما الذي يجب أنْ يفعله، وما هي واجباته، إزاء ذلك.
ج.8: هذا الكلام طيِّب، وجيِّد!
المطلوب من العلماء – أوَّلًا -، ومن أئمَّة الجماعة، والخطباء انْ يهيِّئوا النَّاس للمناسبات الدِّينيَّة، وذلك قبل حلول المناسبة ومجيئها.
من اللَّازم تهيئة النَّاس لمثل هذه المناسبات، حيث هناك مناسبات، مثل: مناسبة ليلة القدر، مناسبة مولد، مناسبة محرَّم، فلا بدَّ من استثمارها استثمارًا صحيحًا وجيِّدًا.
ولا شكَّ أنَّ هنا تأتي وظيفة أصحاب الخطاب الدِّينيِّ الذين يوجِّهون النَّاس، ويُعلِّمونهم، ويُربُّونهم سواءً كانوا علماء، أم خطباء، أم مثقَّفين.
فليست مسؤوليَّة الإعداد منوطة بالعالم والخطيب فقط.
فيوجد بعض المثقَّفين قادرون على ذلك، حيث باستطاعتهم أنْ يوصِلوا الفكرة للنَّاس في اللَّقاءات، والمجالس.
إنَّنا نوجِّه نداءً عامًّا لكلِّ المعنيِّين بالشَّأن الدِّينيِّ، والخطاب الدِّينيِّ، والتَّربية الدِّينيَّة، والثَّقافة الدِّينيَّة أنْ يهيِّئوا النَّاس للمناسبات الدِّينيَّة، ومن أهم تلك المناسبات هي ليلة القدر.
وممَّا لا شكَّ فيه – حسب تصوُّري – أنَّ الخطباء، وأئمَّة المساجد سيتحدَّثون للنَّاس، ولحضَّار المساجد، والمآتم، والمجالس عن كيفيَّة الإعداد؛ لإحياء هذه المناسبات الدِّينيَّة، ومن أهمِّها مناسبة ليلة القدر.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ يا ربُّ على محمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

المقطع المرئي :

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى