الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

إحتفالاتنا .. وتأصيل الوعي في حركة الأجيال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


في هذا اللقاء المبارك أهنئكم بميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وميلاد سادس الأئمة من أهل البيت الإمام الصادق عليه وعليهم أفضل الصلوات ولنا في هذه اللقاءات دروس ودروس من خلالها نتعلم ونتثقف ، ونتربى في خط الوعي والأصالة والانتماء ولنا في هذه اللقاءات معطيات ومعطيات ، من خلالها ننفتح على تاريخ الإسلام ، ورجال الإسلام ، وأحداث الإسلام ، ولنا في هذه اللقاءات وقفات ووقفات ، من خلالها نعالج الكثير الكثير من قضايا واقعنا وهموم ساحتنا .


ولذلك فإننا لا نفهم أن تكون هذه الاحتفالات بدعة محرمة في الإسلام، فما هي إلا أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأسلوب من أساليب التوعية والتربية والتثقيف ، وأسلوب من أساليب التآلف والتقارب والتوحد والاجتماع على حب الله وحب الأنبياء والأولياء، وأسلوب من أساليب الانفتاح على قضايانا الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وأسلوب من أساليب التصدي والمواجهة لكل الأفكار والنظريات والتيارات التي تشكل خطراً على المبدأ والعقيدة والدين والقيم، فلماذا هذا الإصرار على اهتمام هذه الاحتفالات بالبدعية والزيغ والانحراف ؟


أترك الحديث في هذا المسألة ، لأن المرحلة التي نعيشها بتحدياتها الصعبة التي تواجه واقعنا الإسلامي ، وتحاصر أجواءنا الدينية لا تسمح أن نزج أنفسنا في جدليات استهلاكية تصادر اهتماماتنا بقضايانا الكبيرة .


أيها الأحبة …


 إن الاستنفار المحموم ضد الدين والدينيين ، وضد الإسلام والإسلاميين ، كما هو واضح في الصحافة ، ومنتديات الثقافة والسياسة يفرض علينا أن نحذر كل الحذر من الإنجرار إلى خلافات هامشية إستهلاكية ربما يخطط لها من خارج الدائرة الإسلامية ، ومن قبل بعض القوى التي تريد إلهاء الساحة بقضايا صغيرة من أجل أن تستفرد هي بقضايا الساحة الهامة والمصيرية .


إذا كانت التيارات الليبرالية والقوى السياسية التي تعبر عن نفسها ب (الوطنية والديمقراطية) تتنادى فيما بينها – بعد هزيمتها الكبيرة في انتخابات البلديات – للاصطفاف والتوحد وتكوين (الكتلة التاريخية) في مواجهة (الإستقطابات الدينية) –كما يقولون- وضرورة إيجاد توازنات جديدة استعدادا لمعركة الانتخابات القادمة ، فإن مسؤولية الدينيين والإسلاميين بكل انتماءاتهم أن يوحدوا الموقف والرؤية والخطاب في مواجهة قوى الاستلاب والمصادرة ، وفي الدفاع عن مقومات الهوية الإيمانية في هذا البلد المسلم ، وفي العمل على صياغة (المشروع الإسلامي) القادر على مواجهة المشروعات المناهضة للدين وقيم الدين .


نعود –مرة ثانية- للتأكيد أن هذه الإحتفالات لها دورها الكبير في صياغة (وعي الأجيال) وفي حماية (حركة الأجيال) أمام محاولات ( التغريب والضياع والعلمنة) ولكن بشرط أن تكون هذه اللقاءات والاحتفالات تحمل (وعياً وبصيرة) ، وإلا تحولت إلى مجرد مناسبات تستنفر في داخلنا العواطف والمشاعر والحماس والانفعال ثم لا يكون لها أي عطاء في حركة الواقع .


إن الناس في تعاطيهم وتعاملهم مع هذه المناسبات ينقسمون إلى ثلاث أصناف:


الصنف الأول:


الذين ينفتحون على هذه المناسبات فكرياً وثقافياً ، ويحاولون أن يتوفروا على الوعي والفهم لمعطيات الذكرى، إلا أنهم لا يحملون (الحرارة العاطفية) في التعامل مع هذه المناسبات ، إن هذا التعامل سيبقى تعاملاً خاملاً راكداً مشلولاً لا يملك الحرارة والنبض والحركية .


إننا هنا نواجه مشكلة (المثقفين الإسلاميين) الذين لا يحملون (حرارة العواطف) … في ساحتنا وفي مجتمعنا الكثير من هؤلاء ، وهم وجود عاطل فاقد للحركية والنشاط رغم ما يملكون من ثقافة ووعي … الثقافة وحدها لا تخلق الحركة والنشاط ، إذا لم توجد (العاطفة الإيمانية المتوقدة) .


ألا ترون في ساحاتكم أناساً أقل من هؤلاء (ثقافة ووعياً) ، ولكنهم أكثر حيوية وحركية ونشاطاً في مجالات العمل للإسلام ..؟ لماذا ؟ لأن هؤلاء (النشطين الفاعلين) يملكون (حرارة الانتماء) و(عاطفة الولاء) مما أوقد في داخلهم شعلة النشاط والحيوية والعمل بينما هؤلاء المثقفين المفرغين من (العواطف والحرارة) يعيشون الخمول والركود والكسل …


الصنف الثاني :


الذين يحملون العواطف والحماس والانفعال ولكنهم لا يملكون البصيرة والوعي والثقافة، وهنا نكون أمام مشكلة (المندفعين المتحمسين بلا بوعي نمط من الناس كثيرون في مجتمعاتنا وهم يشكلون (أزمة صعبة) ، فالعواطف التي لا تحمل (الوعي والبصيرة) تتحول إلى (إنفلاتات خطيرة) تهدد المشروعات الواعية الكفؤة إننا نريد لجماهيرنا أن تملك (الحماس) لأن الجماهير الفاقدة للحماس جماهير ميتة مشلولة.


من هنا نفهم لماذا تصر الأنظمة السياسية الحاكمة على (تخدير الجماهير) بشتى الوسائل وسائل العنف والإرهاب تارة ، ووسائل التمييع الروحي والأخلاقي من خلال برامج اللهو والفسوق والمجون تارة أخرى ، ووسائل الاستهلاك والتعطيل للطاقات والقدرات تارة ثالثة .


فمن الضروري إذن أن يشتعل (الحماس) دائما عند الجماهير ، إلا أن هذا الحماس إذا كان فاقداً للوعي فإنه يشكل خطراً على حركة الأمة ، ويشكل مأزقاً للقيادات الدينية التي تحاول أن تحدد (الرؤية والموقف للأمة).


وكثيراً ما استفادت الأنظمة السياسية الحاكمة من غباء الجمهور ، وكثيراً ما استغلت بعض القوى اللااسلامية ، جهل الجمهور ،وبمقدار ما يرتقي وعي هذا الجمهور إسلاميا ، وترتقي ثقافته الإيمانية ، والدينية ، والسياسية فإنه لن يكون الضحية لأساليب الأنظمة ، ومساومات القوى والتيارات المنحرفة ،وسيبقى الرهان الصادق للإسلام والإسلاميين .


الصنف الثالث:


 الذين يملكون الوعي والبصيرة ويحملون العواطف والحماس والولاء ،ففي مجتمعاتنا عدد كبير من أصحاب الوعي الإيماني ، والثقافة الإسلامية ، والرؤية الدينية البصيرة ، وفي الوقت نفسه يحملون درجة عالية جداً من عواطف الإيمان ، وحماس العقيدة ، وحرارة الولاء للمبدأ ، وقد أدى هذا التزاوج بين (الوعي الرسالي) و(الحرارة العاطفية) عند هؤلاء إلى أن تحولوا إلى (وقدة مشتعلة) في خط العمل والعطاء والنشاط من أجل الإسلام والدين .


هكذا يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجيالنا .


· أن تكون أجيال الإيمان والمبدأ والعقيدة .


·أن تكون أجيال الوعي والبصيرة والثقافة .


· أن تكون أجيال التقوى والورع والصلاح والاستقامة .


·أن تكون أجيال الروح والأخلاق والطهر والنقاء والفضيلة .


· أن تكون الأجيال المتحركة الفاعلة الهادفة العاملة من أجل الإسلام.


·أن تكون أجيال الجهاد والعطاء والتضحية والشهادة .


· أن تكون أجيال الأصالة .


وهنا نطرح هذا السؤال :


ما هي المكونات الأساسية لتشكل أجيال الأصالة ؟
يتشكل (التأصل) في حركة الأجيال من خلال العناصر التالية :


1-الهوية الإيمانية :


أساس الأصالة في حركة الأجيال هو انتماؤها إلى (الهوية الإيمانية) ، وإن أي محاولة لفصل (أجيالنا) عن (هويتها الإيمانية) هي محاولة لإنهاء (الأصالة) ، وهذا ما تسعى لإنجازه المشروعات المناهضة للإسلام ، والتي استطاعت أن تجد لها مواقع في بعض مفاصل الأمة.


مطلوب من أجيالنا في هذه المرحلة ، وخاصة الأجيال المثقفة أن ترفض بقوة كل المحاولات الهادفة إلى مصادرة (الانتماء الديني والروحي) لهذه الأجيال .


من المؤسف جداً أن نجد في مجتمعنا المنتمي إلى الهوية الإيمانية والدينية بعض الأقلام تحاول أن تعبث بالقيم الإسلامية والدينية ، وتحاول أن تتنكر لهذه القيم ، وتشهر بالمؤمنين والمتدينين .


إذا تحدثنا بهذا الكلام انطلاقاً من مسؤوليتنا الشرعية في توعية الأمة وحماية هويتها ثارت ثائرتهم ، وارتفعت أصواتهم أن الإسلاميين والدينيين لا يؤمنون بالتعددية الثقافية والتعددية السياسية ، وكأن التعددية هي أن نترك للتيارات المناوئة للدين ولقيم الدين أن تعبث كما تشاء دون أن نقول كلمة ، أن تتهم ، وأن تشكك ، وأن تغالط ، وأن تشهر ، مستخدمة كل الألفاظ التي تسئ إلى الإسلام والإسلاميين ، وإلى الدين والدينيين ، ويجب أن نصمت ، وإلا أصبحنا إقصائين لا نؤمن بالتعددية .


إننا نؤمن بالحوار النظيف ، ولا نجد أي عقدة أن نستمع إلى الفكر الآخر ، ولو كان فكراً كافراً ، ما دامت المسألة في الدائرة الفكرية العلمية ، وفي الدائرة الثقافية السياسية ، أما إذا تحولت المسألة إلى مواجهة واعتداء فيجب أن نكون الأشداء الأقوياء …


ثم إنه ليس معنى التعددية أن نجمد رؤيتنا الإسلامية في محاسبة كل الرؤى الأخرى ، وفي رفض كل النظريات الخاطئة والفاسدة والمنحرفة والمعادية للإسلام …


     هناك فرق بين أن نتحاور مع أصحاب الاتجاهات اللاإسلامية ،


وبين أن يسمح لهذه الاتجاهات أن تدعو لأفكارها المعادية للإسلام في وسط الأمة، وليس لدينا أي مشكلة أن نلتقي مع القوى الأخرى في بعض المواقع المشتركة ما دامت ثوابتنا الإسلامية غير معرضة للخطر .


2-الصياغات العملية :


والعنصر الثاني من عناصر (الأصالة) في حركة الأجيال ، أن تتشكّل كل الصياغات العملية الروحية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية والسياسية ، وبمقدار ما تقترب هذه الصياغات العملية من (الهوية الإيمانية) يتحدد مستوى (الأصالة) .


3-الانتماء القيادي :


والعنصر الثالث من عناصر (الأصالة) تشكّل (الانتماء القيادي) ، ويمثل الفقهاء الصالحون المؤهلون (القيادة الشرعية النائبة) في عصر الغيبة ، ويمثل العلماء العدول الأكفاء الامتداد الطبيعي لهذه القيادة الفقهائية.


كياننا يتشكل من :


1_ المبدأ (الإسلام) .


2_ القيادة (الفقهاء والعلماء في عصر الغيبة) .


3_ الأمة المنتمية للمبدأ والخاضعة للقيادة .


إن القيادة الفقهائية – ومن خلال امتداداتها العلمائية – تفرض عليها مسؤولياتها الكبيرة أن تعيش (الحضور الدائم) في حركة الأمة ، فما أحوج المرحلة بكل تحدياتها الصعبة إلى هذا الحضور العلمائي الفاعل .


وما أحوج المرحلة بكل إرهاصاتها الخطيرة إلى تواصل حقيقي بين الأمة وعلمائها العاملين المخلصين ، وإن أي محاولة لتكريس حالة الانفصال هي مؤامرة خطيرة، فالمشروع المناهض للإسلام يضع في أولوياته (تأزيم العلاقة) بين الأمة وقياداتها العلمائية الأصيلة لتهيئة الأجواء الملائمة لنجاح القيادات البديلة والتي تم زراعتها في الواقع الإسلامي ، وتحت عناوين متعددة دينية وثقافية واجتماعية وسياسية، وإن ثقتنا الكبيرة بوعي الجماهير وإخلاصها تبعث على الاطمئنان بفشل كل المحاولات التأزيمية وستبقى جماهيرنا القاعدة الصلبة لعلمائها وقياداتها الدينية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى