الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

اتجاهات متعددة حول مسألة الوحدة والتقارب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد



يسعدني أن أشارك في هذا المنتدى المبارك بكلمة متواضعة كتبت على عجل فأعتذر للأخوة فقد لا تكون الكلمة بمستوى هذا المنتدى والذي يحضره علماء أجلاء وأساتذة ومثقفون وأخص بالذكر ضيفنا الكبير المفكر الإسلامي آية الله الشيخ محمد تقي مصباح زاده (حفظه الله)، على كل حال فأنا أعتذر للجميع، 
عنوان كلمتي: (إتجاهات متعددة حول مسألة الوحدة والتقارب


من خلال قراءة موضوعية لواقع الساحة الإسلامية السنية والشيعية يمكن أن نرصد مجموعة مواقف مذهبية تعبّر عن وجهات نظر متعددة حول مسألة التقارب الإسلامي بين السنة والشيعة، ولا أعني بالموقف هنا (نمطية فكرية) لها أسسُها ومكوّناتُها، وإنّما هو حالة تعيش في داخل الناس، وربّما تكون ساذجةً، وغير ممنهجةٍ علمياً، وإن تبنّاها بعض العلماء والمثقفين أحياناً، نحاول أن نوجز المواقف على النحو التالي:

الموقف الأول:
ويعبّر عن وجهة النظرِ المتشدّدةِ المتعصبةِ الرافضةِ بشكلٍ مطلقٍ لمسألة التقارب بين السنة والشيعة؛ بدعوى أنّ الآخر المذهبي هو أساساً خارج الدائرة الإسلامية، فالموقفُ السنّيُ المتشدّدُ يعتبرُ الآخر الشيعي خارجاً عن دائرة الإسلام، والموقف الشيعي المتشدّد يعتبر الآخر السني خارجاً عن دائرة الإسلام، وقد كلّفت هذه المواقف المتشددة الواقع الإسلامي السني والشيعي أثماناً باهظةً من صراعاتٍ ومواجهاتٍ وصداماتٍ ودماء، وشواهد التاريخ وأحداث الحاضر تؤكدّ ذلك، وتضعنا أمام المعطيات الخطيرة لحالات التطرف المذهبي وحالات العنف المذهبي، والتي كان ضحيتها أعداداَ كبيرة جداً من الأبرياء، وقد حاولت قوى في الداخل والخارج أن تغذّي هذا التطرف وهذا العنف من أجل أهدافٍ مضادة لهذه الأمة.

الموقف الثاني:
ويعبّر عن وجهةِ النظرِ المتحفظةِ جداً حول مسألة التقارب الشيعيّ والسنيّ، إنطلاقاً من فهمٍ يُرى أنَّ هذا التقارب يشكلّ مصادرةً للهوية المذهبية، أو إلغاءً للإنتماء المذهبي ولذلك فهذا الموقفُ يتحفّظُ بقوةٍ تجاه الدعوةِ إلى الوحدة والتقارب، وقد يصل هذا التحفظ إلى حد الرفض والمواجهة ويمثل هذا الإتجاه عد غير قليل في الساحتين السنية والشيعية، ونلاحظ أن هذا الموقف لا يعتبر الآخر المذهبي خارجاً عن دائرة الإسلام، ولكن يخشى هيمنة الآخر مذهبياً، الأمر الذي يدفعه إلى التحفظ حول أيّ دعوة للتقارب والانفتاح.

الموقف الثالث:
ويعبّر عن وجهة نظر تذهب إلى أن مشروع الوحدة أو التقارب المذهبي بين السنة والشيعة هو مشروع (طوبائي خيالي) لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع؛ نظراً لوجود عددٍ كبيرٍ جداً من الإشكالات والمعوّقات النفسية، والفكرية، والتاريخية، والاجتماعية، والسياسية، هذه الإشكالات والمعوّقات لا يمكن الخلاص منها بحالٍ من الأحوال مهما بُذلت الجهود والمحاولات، ويحاول أصحاب هذا الاتجاه أن يستشهدوا بالتجارب التاريخية والمعاصرة الداعية إلى مشروع الوحدة، حيث يقولون بأنَّ فشل هذه التجارب لدليل عملي على طوبائية هذه الفكرة – يعني فكرة الوحدة والتقارب- طبعاً هذا الموقف لا يرفض مبدأ الوحدة والتقارب على المستوى النظري، ولكنّه غير مقتنع بإمكانية التطبيق من الناحية العملية، فلا جدوى من هدر الطاقات والجهود والأتعاب.

الموقف الرابع:
ويعبر عن وجهة النظر التجزيئية التي تحاول أن تفصل بين مسارين:


المسار الأول: المسار العقيدي والفكري والفقهي:
هذا المسار يستعصي على مشروع الوحدة والتقارب، ولذلك يجب أن يجمد التفكير والحديث حوله حتى لا يسبب ذلك إرباكاً في العلاقات السنية الشيعية.

المسار الثاني: المسار الاجتماعي والسياسي:
وهذا المسارُ هو (المفصلُ) المؤهلُ لحركة المشروع التوحيدي بين المذاهب الإسلامية، وهنا تشكلّ (القضايا المصيرية الكبرى) للأمة، و(التحديات الخطيرة) المبرر الموضوعي لهذا التوحّد والتقارب، والذي أكدّته نصوص القرآن والسنة.

الموقف الخامس:
ويعبّر عن الاتجاه الذي يملك القناعة النظرية بمبدأ الوحدة والتقارب بين السنة والشيعة، وأنه يشكلُ ضرورةً وحاجةً إسلاميةً، ويمكن أن يتحقق على الأرض ولو في بعض مفاصلهِ غير أن أصحاب هذا الاتجاه لا يفكرون ولا يتحركون من أجل إنجاز هذا المشروع ليس إنطلاقاً من مبررات الموقف الثالث، وإنّما رغبةً في الراحة والاسترخاء، وتوفيراً لعناءات التصدّي والمواجهة.

الموقف السادس:
ويعبّرُ عن وجهةِ النظر المقتنعة نظرياً وعملياً بمشروع الوحدة والتقارب وعلى مستويات متعددة روحية، ثقافية، فقهية، اجتماعية، سياسية، أصحاب هذا الاتجاه شكلّوا ولا زالوا (المنحى) الجادَّ والصادق الذي تبنّى الدعوة بقوةٍ إلى عملية التقارب الإسلامي من خلال الملتقيات والمؤتمرات والمنتديات، وقد استطاع هذا الاتجاه أن يحقق إنجازاتٍ هامةً على مستوى (التأسيس والتأصيل) لحركة المشروع التوحيدي، وقد تحققت على أرض الواقع مجموعةٌ من(صياغات التقريب المؤسسية) بدءاً من (دار التقريب) في القاهرة، وإنتهاءً بالصيغة التي طرحتها الدول الإسلامية في إيران (المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب)

إنَّ ضيف البحرين الكبير المفكر الإسلامي آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي أحد البارزين الذين يحملون همَّ الوحدة والتقارب وله اسهامات ومشاركات واضحة في هذا الإتجاه.

* كيف يمكن التعاطي مع الاختلافات المذهبية؟

* للتعاطي مع هذه الاختلافات توجد عدة رؤى:

الرؤية الأولى:

تؤكد هذه الرؤية على ضرورة الابتعاد عن إثارة قضايا الاختلاف المذهبي بشكل مطلق في الدائرة العامة – دائرة الجماهير – وفي الدائرة الخاصة – دائرة العلماء والمتخصصين والمثقفين- لأنّ تحريك قضايا الاختلاف على أي مستوى من المستويات يؤثر سلباً على مشروع التقارب، فيجب التأكيد فقط على نقاط الاتفاق، ويترك لكلّ مذهب قناعاته الخاصة، وأن يعذر كلَّ الآخر فيما يعتقد.

الرؤية الثانية:
تتجه هذه الرؤية إلى ضرورة طرح جميع قضايا الاختلاف المذهبي في الدوائر الخاصة – دائرة العلماء والمتخصصين – وفي الدوائر العامة – دوائر الجماهير – مادام هذا الطرح علمياً وموضوعياً وليس فيه ما يسيء إلى الآخر، فتعدد القناعات والاجتهادات مسألة طبيعية، إن الرؤى المذهبية والتاريخية والثقافية والسياسية لا تشكل – دائماً – مكونات تناقض وتباين إلا إذا عاشت هذه الرؤى حالات الانسجان والانغلاق على الذات وحالات الإلغاء والنفي المطلق للآخر.

أن نتناول مسائل الاختلاف المذهبي حالة لا تتنافى مع مشروع التقارب، المهم أن يكون هناك احترام متبادل، وتفهم متبادل، وأن يكون الحوار الهادىء النظيف هو الذي يحكم هذا الاختلاف وليس الهوى والتعصب ونوازع (الأنا المتجمد) وليس أغراض السياسة المشبوهة التي تؤجّج العداوات والصراعات.

الرؤية الثالثة:

تؤمن هذه الرؤية بضرورة تحريك مسائل الاختلاف في الدائرة العلمية الخاصة، كون هذه الدائرة هي التي يحكمها العقل والفكرـ أمّا الدائرة العامة – دائرة الجماهير – فغالباً ما تحكمها العواطف والانفعالات، فيجب أن ننأى بهذه الدائرة عن (الجدليات المذهبية) التي قد تربك الأجواء وتوتر العلاقات.
* كيف نواجه ضغوطات الاختلاف المذهبي؟

1. تأصيل حالة الوعي بضرورة الوحدة والتقارب، وبضرورة التفعيل العملي لمكوّنات المشروع حتى لا يبقى هذا المشروع مشروعاً نظرياً محكوماً للخطابات والشعارات كما هو شأن أكثر مؤتمرات الوحدة والتقارب، فتلك ملفات المؤتمرات والملتقيات متخمة بالتوصيات والقرارات ولكنّها راقدة في الأدراج، يرتفع الضجيج الإعلامي حول شعارات الوحدة والتقارب، إلاّ أنّه لا يتحرك منها شيء على الأرض، بل الواقع يصرخ بما ينافي تلك الشعارات والخطابات، لكي نكون صادقين يجب أن نحوّل خطاب الوحدة والتقارب:

– من (الشعار) إلى (الواقع)
– ومن (النظرية) إلى (التطبيق)
– ومن (العواطف) إلى (الأفعال)

2. تأصيل مبدأ الحوار
– الحوار الباحث عن الحقيقة.
– الحوار النظيف.
– الحوار الصريح – الصراحة العاقلة المملوءة بالحب والصفاء والانفتاح ، ومتى فقدت الصراحة العقل والحب والانفتاح تحوّلت إلى حالة تكرس مزيداً من الحساسيات،فكما أن المجاملات المفرطة لها سلبياتها الضارة فكذلك (الصراحة) غير المؤسسة على العقل والحكمة والحب والصفاء.

3. البرامج العملية المشتركة.
هذه البرامج لها دورها الفاعل في تذويب الحواجز النفسية، وهي تعبير صادق على جدية المشروع وحركته على الأرض.

(برامج ثقافية، برامج تربوية، برامج روحية، برامج اجتماعية، برامج سياسية، برامج في الدعوة والتبليغ)
4. اللقاءات العلمية المتخصصة، من خلال هذه اللقاءات تعالج مسائل الاختلاف معالجة علمية هادئة بعيدة عن أجواء الضجيج والإعلام والمزايدات.

ما يسمى بالحوارات المذهبية والتي تعرضها بعض الفضائيات هي (تهويشات مذهبية) و(استعدادات مذهبية) و(انتفاشات مذهبية) وليس حوارات مذهبية، لا نرفض الحوارات العلنية إذا كانت خاضعة للمعايير العلمية، والضوابط الموضوعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى