حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة231: المشهد السياسي الراهن – وقفة مع بيان وزير العدل والشئون الإسلامية – إتهام المال الديني بدعم العنف والإرهاب – حديثٌ في الشأن الإنتخابي

اضغط للاستماع للمحاضرة صوتيا


 
بسم الله الرحمن الرحيم


 الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين..


السلام عليكم أيّها الأحبّة ورحمة الله وبركاته..


 أتناول معكم – أيّها الأحبّة – في هذا اللقاء الطيب مجموعة عناوين:


 العنوان الأول: المشهد السياسي الرّاهن:


 تشهد الساحة السياسية في هذا البلد مخاضات صعبة، أنتجت مآزق أمنية شديدة…


السلطة تريد لهذا المشهد السياسي أن يكون وفق مقاساتها..


والقوى الناشطة تريد لهذا المشهد السياسي أن يكون وفق قناعاتها..


والشارع له همومه ومطالبه..


 وليس بالضرورة أن تتوافق دائمًا مقاساتُ السلطة وقناعاتُ القوى الناشطة، وهموم الشارع..


 ربّما توافقت، وكثيرًا ما تقاطعت…
وحينما تصرّ السلطة – في حالات التقاطع – أن تفرض مقاساتها، تبدأ الأزمات السياسية.


 فإن أمكن إدارة هذه الأزمات، وإلاّ تحوّلت إلى مآزق أمنية، وقد تتحوّل إلى كوارث أمنية مدمّرة …


 المخرج من الأزمات، وحتى لا تتحوّل إلى مآزق، وبالتالي إلى كوارث، أن تنفتح على قناعاتِ القوى الفاعلة في الساحة، وعلى هموم ومطالب الشعب، وأن تعيد النظر في مقاساتها، وأن لا تصرّ عليها وإن كانت خاطئة وتقود البلد إلى الأزماتِ والمآزق والكوارث…


 إنّ مزيدًا من انفتاح السلطة، يمنح القوى الناشطة قناعة أكبر بمصداقية العمليّة السياسيّة ويمنح الشعب اطمئنانًا أكبر بواقعية النظام ..


إنّ مشاركة الكثير من القوى الناشطة في العملية السياسية، وإنّ استجابة الكثير من أبناء هذا الشعب للتعاطي مع الانتخابات رغم كلّ إحباطاتهم، يمثل الفرصة لأن تعيد السلطة كلّ الحسابات من أجل إنتاج واقع سياسي جديد ينقذ هذا البلد من أزماته ومآزقه، ويؤسّس لتقاربٍ حقيقي، وانفتاح صادق.


إنّ السلطة قادرة أن تصوغ المشهد السياسي بطريقة تمنحه المصداقية، والشفافية، والجاذبية.


 إذا كنا نطالب القوى الناشطة بمزيدٍ من المرونة، وبمزيدٍ من الانفتاح على العملية السياسية..


وإذا كنا نطالب الشعب بمزيدٍ من التجاوب و بمزيدٍ من المشاركة..


فإنّنا نطالب السلطة قبل ذلك بمزيدٍ من الواقعية، وبمزيدٍ من الجدّية في إصلاح الوضع السياسي..


  إنّ الوضع السياسي في حاجةٍ إلى إعادة إنتاج من جديد، وليس إلى ترميمات، وترقيعات..


 وإذا كنا نحمّل السلطة المسؤولية الأولى، فهذا لا يعني أن لا تتحمّل القوى السياسية مسؤوليتها، وأن لا يتحمّل الشارع مسؤوليته ..


 يجب أن تتكامل المسؤوليات ..


 ولا تتكامل المسؤوليات إلاّ إذا اقتنع الجميع بوجود شراكة حقيقية، وما لم تتوفّر هذه القناعة فسوف تبقى الأدوار متصادمة…


 يجب العمل الجاد من أجل إنتاج هذه القناعة، ليس من خلال الشعارات، والخطابات، وإنّما من خلال الأعمال والممارسات …


 المنطلق لإنتاج هذه القناعة أن تكون هناك مصالحة حقيقية مع القوى الناشطة، ومع الشعب، الأمر ليس عسيرًا، إنّه يحتاج إلى نوايا صادقة، وإرادات قوية، ولقاءات جادّة.. صحيح أنّ هناك من يعمل على إجهاض أيّ مشروع حقيقي للحوار، وربّما بعناوين الولاء للنظام، والغيرة على الوطن، والشك في النوايا، إلاّ أنّ في هذا البلد الطيب غيارى مخلصين يحملون همّ هذا الوطن، ويريدون أن تتحرك الجهود الصادقة لخلق مصالحة حقيقية تعطي للقوى الناشطة حضورها الفاعل، وتعطي للشعب استحقاقاته المنصفة…


 العنوان الثاني: وقفة مع بيان سعادة وزير العدل والشؤون الإسلامية:


 قرأنا في الصحافة البيان الصادر عن سعادة وزير العدل والشؤون الإسلامية الشيخ خالد بن على آل خليفة حفظه الله تعالى، ويبدو أنّ هذا البيان جاء ردًا على دعواتٍ طالبت باستقلالية المؤسّسات الدينيّة – المساجد/ الحسينيات/ الحوزات – وباستقلالية الخطاب الديني..


 1) طرح البيان مصطلح (وليّ الأمر)، وهو عنوانٌ حوله جدلٌ مذهبي حاد، فنتمنى أن لا يُقحم، فربّما أوجد قلقًا خشية أن يُفرض وفق رؤية مذهبية معينة.


  2) أشار البيان إلى الخطاب الديني وضرورة أن يكون معتدلاً ومتسامحًا… وهنا نتفق مع البيان مؤكّدين أنّ ثوابتنا في الخطاب الديني:


 •  أن يكون معتدلاً، متسامحًا، مرنًا، شفافًا ..


•  أن يكون واعيًا بصيرًا.


•  أن يكون نظيفًا، مهذّبًا.


•  أن يكون ملتزمًا بكلّ ضوابط الشرع والدين..


•  أن يكون حاضرًا في قضايا الإسلام والمسلمين..


•  أن لا يكون مساومًا ومداهنًا.


•  أن لا يمارس تأجيجًا طائفيًا ومذهبيًا..


•  أن لا يوتّر أمنًا واستقرارًا …


•  أن يحمل هموم الوطن والمواطنين..


  3) أشار البيان إلى مسؤولية الدولة في صون حرمةِ دور العبادة، وهذا أمرٌ نؤيّده، وهنا نطالب الدولة أن تجنّب المساجد أيّ انتهاكاتٍ أمنية صونًا لحرمة دور العبادة، كما نطالب بعدم غلق أيّ مسجدٍ أو تعطيل دوره أو دور إمامه.


  4) أشار البيان إلى مسؤولية الدولة في رعاية وحماية دين النّاسِ … وهنا نتساءل: أين رقابة الدولة على الكثير من المظاهر التي تسيئ إلى الدّين والأخلاق وهي منتشرة وظاهرة لكلّ ذي عينين، فهل غابت عن أجهزة الرقابة؟


5) أشار البيان إلى مسؤولية الدولة في دعم وحفظ الحريات الدينية، ولا نشكّ أنّ من خصوصياتِ هذه الحريات الدينية أن يمارسَ الناسُ عباداتهم، وفروضهم، وطقوسهم، وشعائرهم الدينية، وجميع أحكامهم المذهبية  بلا أيّ مضايقة، أو مزاحمة، أو مصادرة، أو هيمنة، أو وصاية، ما دامت هذه الممارسات وفق الضوابط الشرعية المقرّرة.


 وتحدّث البيان عن مسؤولية الدولة في وضع أنظمة لدعم وحفظ الحريات الدينية .. إنّنا لا نمانع في ذلك ما دام ذلك لا يشكّل تدخّلاً في شؤون هذه الحريات، ولا يشكّل تضييقًا عليها.


 العنوان الثالث: اتهام المال الديني بدعم العنف والإرهاب:


 أتحدّث هنا عن المال الديني الشيعي المتمثّل في الخمس، وأتحدّث بالخصوصِ عن المال الديني الشيعي في البحرين ..


بدأنا نسمع في الصحافة والإعلام كلامًا يحاول أن يتهم أموال الخمس بدعم العنف والإرهاب..


و بدأنا نسمع دعوات تطالب الدولة بتقنين أموال الخمس…


  ولنا هنا هذه الملاحظات:


 • الملاحظة الأولى:
إنّه تجنّي كبير وخطير على الطائفة وعلى علماء الطائفة أن يُتهم المال الديني الشيعي بدعم العنف والإرهاب.. متى ثبت في تاريخ هذه الطائفة أنّ علماءها وهم الحريصون على أمن هذا الوطن قد دعموا عنفًا أو إرهابًا؟


أليس الشيعة هم ضحايا العنف والتطرّف والإرهاب في العراق، وباكستان، والهند، وأفغانستان..؟


 إنّ علماء الشيعة المتصديّن في هذا البلد وهم الحريصون على حرمة الدم والمال والعرض لا يمكن أن يفكروا في دعم عنفٍ أو إرهابٍ أو تطرّف..


إننا نحذّر من فبركاتٍ أمنية كاذبة تستهدف هذه الطائفة ورجال هذه الطائفة، في اتهاماتٍ موهومة لا أساس لها.


  • الملاحظة الثانية:
الخمس فريضة دينية لها أحكامها ونظامها في الفقه الشيعي، فماذا يريد الداعون إلى التقنين؟


أن تفرض أحكام تخالف ما عليه المذهب؟


أن تعطى الدولة الحق في تسلّم الخمس وصرفه؟


أن توضع رقابة على حركة الخمس؟


أن يمنع إرسال الخمس إلى مراجع الدين؟


  • الملاحظة الثالثة:
إنّ العلماء الكبار في هذا البلد المتصدّين لتسلّم أموالِ الخمس من المكلفين ليس لديهم أسرار في التعاطي مع هذه الأموال، فالأمور واضحة كلّ الوضوح، فهم يوظّفون الأموال في مصالح أبناء هذا الشعب، وفي صالح هذا الوطن.


ثمّ إنّ هؤلاء من المعروفين بالصلاح والتقوى..


 فلا فساد في إدارة أموال الخمس، كما تتحدّث بعض الكلمات المسكونة بالكثير من العقد تجاه الدين وعلماء الدين..


 هناك إشرافٌ دقيق، هناك لجان، هناك تقارير…


 نعم نطمح إلى مزيدٍ من التنظيم..


ونطمح إلى توفّر الإمكانات للانطلاق بأموال الخمس في مشروعات تخدم الوطن والمواطنين.


  العنوان الرابع: حديثٌ في الشأن الانتخابي:


 وهنا أتناول نقاطًا:


 أولاً:
الحديث في الشأن الانتخابي ليس مجرّد (لهو سياسي) نتسلّى به كما يتسلّى اللاهون في ليالي (السمر السياسي) وليس (مزايداتٍ) تطلق هنا أو هناك، وليس خطابات تنتصرُ لهذا الخيار أو لذلك الخيار، إنّه حديث عن القرارِ الصعب في أجواءٍ ارتبكت فيها الخيارات، وتاهت القناعات، وازدحمت الخلافات، وتكرّست الصراعات.


  ثانيًا :
لمن يُعطى حقّ القرار في الشأن الانتخابي؟


 هناك ثلاث إجابات:


 يُعطى هذا الحقّ للمرجعيّة الدينية العلمائية المتصدّية.


 يُعطى هذا الحقّ للقوى السياسية الناشطة.


 يُعطى هذا الحق لقيادةٍ مشتركةٍ علمائية سياسية.


   قبل أن نحدّد المختار من هذه الإجابات، يجب أن نضع الاشتراطات التي يحتاجها من يتصدّى لهذا القرار:


1) الرؤية الفقهيّة المتخصّصة، وإلاّ زاغ القرار عن نهج الشرع والدين.


2) الخبرة السياسية الناضجة، وإلاّ كان القرار غير صائب.


3) درجة عالية من التقوى، وإلاّ كان القرار محكومًا للهوى.


4) درجة كبيرة من الجرأة والشجاعة وإلاّ تعطّل القرار.


5) الكفاءة القيادية، وإلاّ كان القرار مرتبكًا.


  في ضوء هذه الاشتراطات والمحدّدات نتّجه إلى القول:


بأنّ المرجعيّة الدينية العلمائية المتصدّية المتوفرة على الكفاءات المذكورة هي المؤهلة لإصدار القرار بعد التشاور مع نخبةٍ من السياسيين الموثوقين.


 حينما أتحدّث عن مرجعية دينية علمائية، لا أتحدّث عن مرجعيات خارجية، صحيح أنّ الشيعة يؤمنون بمرجعيات دينية عليا للطائفة في العراق وإيران ولبنان، غير أنّ هذه المرجعيات قد تركت مسؤولية الشأن السياسي إلى علماء الداخل في أيّ منطقة يتواجد فيها الشيعة..


  لذلك فإنّنا نصرّ أن يكون قرارنا السياسي فيما يخص شأننا الداخلي قرارًا محليًّا، ولا نسمح لأنفسنا أن نستورد قرارًا من الخارج، وإن كان من المرجعيات الدينية العليا للطائفة..


  وهذا ما يجعلنا نرفض بشدّة أيّ اتّهام يوجّه للطائفة الشيعية في البحرين بأنّها تتسلّم قراراتها في الشأن السياسي الداخلي من جهاتٍ خارجية.


 وقد برهن التاريخ الشيعي على صدق الولاء لهذه الأرض، حتى في أعقد الأزمات، وما يُدّعى بأنّ هناك ولاءاتٍ سياسيةٍ تتناقض مع الانتماء لهذا الوطن أمر لا أساس له من الصحة، ومجرد إثارات واضحة الأهداف.


 وما يقال بين الحين والآخر من وجود ما يسمّونه بالخلايا الشيعية النائمة في هذا البلد أو ذاك هو زيفٌ وافتراء، وهو أكذوبة مصنعة في مطابخ المخابرات الأمريكية من أجل غرضين:


 – الغرض الأول: تحريض الأنظمة السياسية الحاكمة ضدّ الشيعة.


– الغرض الثاني: إثارة العداء الطائفي والمذهبي ضدّ الشيعة.


 إنّنا نعتقد أنّ الصراعات الطائفية والمذهبية هي مشروع مخابراتي أمريكي بامتياز، يريد أن يؤججّ الفتن والخلافات بين المسلمين، من أجل إضعافهم، والتمكن من الهيمنة على بلدانهم، وفرض الوصاية على أوضاعهم الأمنية والسياسية والاقتصادية…


 إنّنا ندين بشدّة كلّ الخطابات التي تغذّي الصراع الطائفي والمذهبي، وتؤجج الفتن والعداوات..


كما ندين بشدّة كلّ الممارسات التي تدفع في هذا الاتجاه…


   ثالثًا:
هل يجوز أن يتعدّد القرارُ في الشأن الانتخابي؟


 المسألة في حاجةٍ إلى رؤية فقهية سياسية متخصّصة، وليس إلى مبارزاتٍ في المواقع، وليس تجاذباتٍ مشحونة بالسبّ والقذف والتشهير …


 لا مشكلة أن تتحرّك الحواراتُ في الشأن الانتخابي، إذا كانت حواراتٍ علميةً، وجادّةً، وهادفةً، ونظيفةً ..


  بعض ما يدور في ساحاتنا ليس حوارًا، وإنّما مشاغبات، ومشاحنات، ومشاتمات، ومنازعات، الأمر الذي كرّس في واقعنا الكثير من الضّعف، الوهن، والفشل (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الأنفال: 46..


  السؤال المطروح : هل يجوز أن يتعدّد القرار في الشأن الانتخابي؟


يُذكر هنا جوابان:


 – الأول: لا مشكلة في التعددّ، ما دامت الاجتهادات والقناعات متعدّدة.


 – الثاني: لا يُسمح بالتعدّد، كون الشأن الانتخابي أمرًا مصيريًا، خطيرًا، فالشتات، والاختلاف، والتعددّ يُضعف الموقف، ويُسقط الأهداف، ويُعطي الفرصة لمشروعات الاستهداف.


 قناعتنا تتجه إلى الرأي الثاني، و لا يتسع المقام لمناقشة هذا الموضوع..


 ثمّ إنّ التوحّد لا يعني دائمًا الاتفاق في الرؤى والقناعات، وإنّما هو تعبيرٌ عن مزاوجة المواقف والخيارات في سياقات مشتركة..


  وهنا أجد الفرصة مناسبة ومن خلال هذا الخطاب لأن أدعو وبكلّ حبٍّ وإخلاصٍ قوى المشاركة وقوى المعارضة إلى البدء (بمشروعٍ موحّد) مشروع سياسي واحد يتحرّك في مسارين متكاملين، ويرتكز هذا المشروع على:


1) هدف مركزي استراتيجي واحد.


2) خطط عملية مشتركة.


3) هيئات ولجان عمل مشتركة.


4) فعّاليات مشتركة.


5) خطاب مشترك يتبنّى الهدف المركزي والخطط المشتركة.


6) خطاب آخر يمارس دور المشاركة أو دور المقاطعة.


7)  وضع خطّة لتوزيع الأدوار.


  لماذا هذه الدعوة إلى المشروع الموحّد؟


ما دام هناك مشاركة ومقاطعة، وما دامت المشاركة لم تستطع أن توقف خيار المقاطعة، وما دامت المقاطعة لم تستطع أن توقف خيار المشاركة فما المبرّر الديني والسياسي لاستمرار الإلغاء المتبادل وكلّ من الخيارين يصادر منجزات الآخر..


وأنا حينما أدعوا إلى (المشروع الموحّد) لا أطالب بتجميد الحوارات بين قوى المشاركة وقوى المقاطعة في قراءة ودراسة التجربتين، فعسى يأتي الوقت الذي نتفق فيه جميعًا على خيارٍ واحد، وما ذلك على الله بعسير.


  من أجل إنتاج هذا المشروع الموحّد أدعو:


– أولاً: إيقاف خطابات التساقط، لا أعني إيقاف خطاب المشاركة أو خطاب المقاطعة فلا مشكلة أن تتحرّك الثقافتان و القناعتان، المطلوب إيقاف خطاب القذف، والسبّ، والإسقاط.


– ثانيًا: أن تشكل لجنة حوار حول هذا المشروع.


رابعًا:


 في سياق الحوار الانتخابي نحاول أن نعالج مقولة مطروحة في الخطاب المعارض للمشاركة…


 يقول هذا الخطاب:


 في ظل أزماتٍ سياسية معقدة..


 وفي ظلّ إحتناقات أمنية ضاغطة..


  و في ظلّ إخفاقات برلمانية صارخة..


وفي ظل احباطاتٍ قاتلةٍ..


  يأتي (قرار المشاركة في الانتخابات) ليشكّل (انتحارًا سياسيًا)..
رغم اختلافنا مع الرافضين للمشاركة، فإنّنا نحترمهم، ونتفهّم مبرّراتهم، إلا أنّ هذا التوصيف فيه قسوة شديدة، وربّما يُقال أنّ المقاطعة أقرب للانتحار من المشاركة، ولا حاجة للتقاذف بالأوصاف، فالجميع لم يفكروا بالانتحار لأنه محرّم شرعًا..


 إنّ غياب المخلصين الصادقين الأوفياء للدّين عن مواقع القرار يُساهم في تكريس الواقع السياسي الخاطئ، ويُعطي الفرصة لكلّ النفعيين والمتسلقين.


 نُسلّم أنّ العملية السياسية مصمّمة وفق مقاساتٍ خاصة، إلاّ أنّ هذا لا يبرّر أن تهرب الأصوات المخلصة، لا بدّ من أن يكون حضورٌ للموقف الأصيل، في زحمة مواقف قد تكون مسلوبة، ومساومة، ومدجّنة.


 هكذا كانت نصيحة الشهيد الصدر لنا في السبعينات.. وقد قلنا له: وما عسى بضعةُ أصواتٍ قليلة أن تغيّر؟ قال – ما معناه – : يجب أن يكون للكلمة الإيمانية الرسالية الواعية حضور..


 وهكذا كانت أيضًا نصيحة الفقيه الكبير الشيخ محمد أمين زين الدين.. ربّما تكون الظروف الموضوعية قد تغيّرت، إلاّ أنّ هذا لا يلغي ضرورة الحضور في المشهد السياسي، فالغياب يكرّس التهميش للقوى الإيمانية الصادقة، وربما كرّس تهميشًا لطائفة بكاملها، وهذا ما تنبهت له جماعات سياسية في عدّة دول، حينما وجدت نفسها خارج المشهد السياسي سنين طويلة، ممّا اضطرها أن تعود للمشاركة، لا يُفهم من هذا أنّ كلّ قرارات المقاطعة عبر التاريخ السياسي هي قرارات خاطئة، فربّما كانت المقاطعة هي الخيار الصائب حينما تحقق مكاسب أكبر..


  خامسًا:


أيّها الأحبّة الأطايب :


 رغم كلّ المحاولات الضاغطة التي تدفعنا في اتجاه الهروب، والانسحاب من العملية الانتخابية..


ورغم كلّ الخطط المجهّزة في المطابخ الأمنية والتي تعمل جاهدةً من أجل أن تكون حظوظنا هي الأضعف..


ورغم كلّ تعقيدات المشهد السياسي، وإشكالاته وإخفاقاته..


ورغم كلّ الاحتقانات والتأزّمات التي تحاصر هذه المرحلة..


ورغم كلّ الإحباطات، والآلام، والمعاناة..


  رغم كلّ هذا:


 فإنّنا نتّجه بكلّ قناعةٍ وإصرارٍ إلى المشاركة في الانتخابات..


من أجل أن تبقى الكلمةُ حاضرةً في موقع القرار..


من أجلِ أن تبقى الكلمةُ صارخةً، مدافعةً، مقاومةً، مصحِّحةً..


لا نريد لهذه الكلمة أن تهرب، أن تتوارى، أن تغيب، أن تُقبَر..   


ليكون مكانها الكلمةُ المتسلّقة، الكلمة المساومة، الكلمة المُداهنة، الكلمة المأسورة.


  أيّها الأحبّة: هذه قناعتنا


 قناعتنا.. أن نشارك لكي لا نمكّن لمشروعات المصادرة والإلغاء..


قناعتنا.. أن نشارك لكي لا نساهم في مخطّطات التهميش والإقصاء..


قناعتنا.. أن نشارك لكي لا يرسم الآخرون حاضرنا، ومستقبل أجيالنا..


قناعتنا.. أن نشارك لكي نحمي ديننا وقيمنا..


قناعتنا.. أن نشارك لكي لا تتراكم قرارات الهيمنة والوصاية..


قناعتنا.. أن نشارك لكي يسمع العالم أصواتنا..


قناعتنا .. أن نشارك لكي نُسقِطَ كلّ الأعذار والمبرّرات..


قناعتنا.. أن نشارك لكي نراقبَ، ونحاسب..


قناعتنا.. أن نشارك لكي نواجه التمييز، والتجنيس، والفساد..


قناعتنا.. أن نشارك لكي نواجه كلَّ أشكال الاستهداف..


قناعتنا.. أن نشارك من أجل إخوتنا وأبنائنا المغّيبين في السجون والزنزانات..


قناعتنا.. أن نشارك من أجل البؤساء والفقراء والمحرومين.


  وأخيرًا أيّها الأحبّة:


أؤكد لكم وبكلّ ثقة واطمئنان أنّني أقف جملةً وتفصيلاً مع النداء الانتخابي لسماحة العالم الكبير، الفقيه البصير الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله ورعاه، وأدعو جميع المؤمنين أن يستجيبوا لهذا النداء، وأن يتوجّهوا إلى صناديق الانتخاب بكثافة، مسترشدين ما جاء فيه من تأكيدات، وتوصيات، وتوجيهات ومحتسبين ذلك عملاً يتقرّبون به إلى الله تعالى.


 شكر الله سعيهم، وتقبل أعمالهم..


ولا نصر، ولا تأييد، ولا عون، ولا تسديد إلاّ من الله وحده.
  وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى