الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

كيف نتعاطى مع الذكريات؟

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله الصفوة الطاهرين وصحبه  المنتجبين.
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته…


ماذا تعني هذه اللقاءات؟
ما أهداف هذه الاحتفالات؟
كيف نتعاطى مع الذكريات؟


ربمّا يعتبر البعضُ هذا اللونَ من الأسئلةِ، أسئلةً مستهلكةً؛ فما أكثر ما طرحت، وما أكثر ما أجيب عنها، فحبذا لو تعالج في هذه اللقاءاتِ القضايا الهامة في حياة الأمة بلا حاجة إلى الأستغراق في التنظير لفلسفةِ وأهدافِ هذه الاحتفالات؛ لقد قتلتنا التنظيرات، واستهلكتنا الخطابات النظرية، وإذا أردنا أن نبرهن على قيمة هذه المناسبات فلنمارس التعاطي العملي مع قضايا الواقع، وإذا كان هناك من يشكّك في جدوى هذه اللقاءات فإنَّ المعالجاتِ العمليةَ لقضايا الساحةِ قادرةٌ بأن تلغي كل الشكوك والإشكالات.
هذا الكلام فيه الكثير من الوجاهة والصوابية، إلاَّ أنّ المسألة لا تقف عند حدود «خطاب الإحتفالات» فقد يكون هذا الخطاب واعياً وقد يكون خطاباً يتعاطى مع قضايا الساحة، ولكنَّ المسألة الأهم كيف يتحول هذا الخطاب إلى حركة في الواقع..


وكيف تتحول الأفكار إلى ممارسات..؟
وكيف تتحول النظريات إلى تطبيقات..؟


هنا المأزق الصعب الذي يحتاج إلى الكثير الكثير من النقد والمحاسبة، وإلى الكثير الكثير من الحديث والمعالجة، وإلى الكثير الكثير من المناقشة والمداولة.. فما أكثر من يملكون «الوعي» بأهداف هذه الاحتفالات وما أكثر من يلامسون قضايا الواقع، ولكنهم لا يملكون الوعي بتحريك الأهداف، ولا يملكون القدرة على الإلتزام والتجسيد والتطبيق..
وهذا المأزق الصعب ليس فقط مأزق احتفالاتنا وملتقياتنا، إنّه مأزق كل علاقتنا مع قضايا الدين، ومع الأفكار والقيم التي نؤمن بها…


الفارق بين النظرية والتطبيق فارق كبير:
٭ أن نملك الوعي بالدين وأن نحرك الدين في حياتنا.
٭ أن نملك الوعي بالأفكار وأن نحرك الأفكار في حياتنا.
٭ أن نملك الوعي بالقيم وأن نحرك القيم في حياتنا.
٭ أن نملك الوعي بالأهداف وأن نحرك القيم في حياتنا.
٭ أن نملك وعي الانتماء وأن نحرك هذا الانتماء في حياتنا.
فما أكثر الذين يملكون وعي الدين ولكنهم لا يملكون حركة الإلتزام بأحكام الدين وقيم الدين.


ما أكثر الذين يملكون وعي التقوى ولكنّهم لا يملكون حركة الإلتزام بخط التقوى.
وما أكثر الذين يملكون وعي العبادة ولكنّهم لا يملكون حركة الإلتزام بأهداف العبادة.
ما أكثر الذين يملكون وعي القرآن، ولكنّهم لا يملكون حركة الإلتزام بمنهج القرآن.
فبمقدار ما يكون الوعي ضرورياً في التعاطي مع قضايا الدين، لأنَّ التعاطي الفاقد للوعي يسيء إلى مفاهيم الدين وأحكام الدين وقيم الدين، بمقدارِ ما يكون هذا الوعي ضرورياً فإنَّ الأهم والأكثر ضرورة هو كيف نعطي للوعي حركته في كل واقعنا العملي الروحي والأخلاقي والاجتماعي والثقافي والسّياسي.


نعود إلى مسألة «خطاب الإحتفالات»، فما نحتاجه في هذا الخطاب:
٭ أن يكون خطاباً واعياً..
٭ أن يكون خطاباً يتعاطى مع قضايا الواقع..
٭ أن يكون خطاباً متحركاً..
وما نلاحظه على الكثير من احتفالاتنا وملتقياتنا ومؤتمراتنا أنــّها قد تتوفر على العنصرين الأوليين (الوعي والتعاطي مع قضايا الواقع) إلاّ أنــّها في الغالب لا تتوفر على العنصر الثالث (حركة الخطاب).
هكذا يبقى السؤال المطروح في بداية حديثنا (ماذا تعني هذه اللقاءات/ وكيف نتعاطى مع الذكريات) يبقى سؤالاً يحمل قيمة كبيرة، ويحتاج إلى معالجة ومحاسبة، وليس سؤالاً مستهلكاً، وسؤالاً مكروراً.
قيمة هذه الاحتفالات أن نحوّل خطابَها إلى واقع يتحرك، وإلاّ كانت إحتفالاتٍ إستهلاكيةً، تساهم في تخدير الطاقاتِ، وفي تجميدِ القدراتِ، وفي العبثِ بالعواطفِ والمشاعر، وفي سرقة الأهداف والطموحات.
كم كثيراً تحدثنا في هذه اللقاءات عن القيم الكبيرة، ولكن كم حركنا من هذه القيم في حياتنا؟
كم كثيراً تحدثنا في هذه اللقاءات عن «التقارب والتواصل والتوحد والتآلف»، ولكن كم حركنا من ذلك في حياتنا.


مشكلتنا أن نتحدث ولا نعمل، فما أسوأ حالنا إن بقينا هكذا، اللّه تعالى في كتابه المجيد يخاطبنا فيقول: «يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون»، هذه هي مشكلتنا، نقول ولا نفعل، أو نقول الكثير ونفعل القليل.


أيّها الأحبة:
دعونا نحاسب خطابنا ونحاسب واقعنا، دعونا نحاسب مسألة واحدة من مسائل خطابنا الإحتفالي، إنــّها مسألة خطاب الوحدة والتواصل الاجتماعي.. فما مدى مصداقية هذا الخطاب، وما مصداقية التقارب والتوحّد والتآلف فيما بيننا؟ نبدأ بالدائرة الإسلامية الكبيرة.
فهل نحن سنة وشيعة نجسّد الوحدة التي أرادها اللّه..؟
وهل نحن سنة وشيعة نجسّد التقارب الذي أراده اللّه؟
{واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا}.
«إنَّ هذه أمتُكُم أمةً وأنا ربكم فاعبُدوُن».


من المؤسف جداً أننا في كثير من مناطقنا الإسلامية نعيش الخلافات والصراعات والتناقضات، وأن هناك من يغذّي هذه الخلافات المذهبية وينفخ في هذه الصراعات.


فها نحن نجد هنا وهناك «الكتابات» و«الكلمات» و«الخطابات» و«الممارسات» التي تحرك «الفتنة» بين السنة والشيعة، وتحرك «العداوات والخلافات والصراعات» وقد يصل الأمر إلى حد «الاحتراب والإقتتال» في بعض المناطق المسكونة بهواجس «النزاعات المذهبية».
من يقف وراء هذا الشحن المذهبي؟
يقف وراء هذا: الأيدي التي تريد الشر بالمسلمين، ويقف وراء هذا الجهل والتعصب الفتنة المذهبية خطيرة ومدمرّة.
٭ فحذارِ حذارِ من الفتنة المذهبية…
٭ حذارِ حذارِ من «الكتب» التي تثير الفتنة المذهبية..
٭ حذارِ حذارِ من «المنشورات» التي تثير الفتنة المذهبية..
٭ حذارِ حذارِ من «الكاسيتات» التي تثير الفتنة المذهبية..
 ٭ حذارِ حذارِ من «الصحف والمجلات» التي تثير الفتنة المذهبية..
٭ حذارِ حذارِ من «مواقع الانترنت» التي تثير الفتنة المذهبية..
٭ حذارِ حذارِ من «المنابر» التي تثير الفتنة المذهبية..


أيّها الأخوة في اللّه:
إننا في مرحلة تفرض علينا مزيداً من التلاحم ومزيداً من التقارب في مواجهة مشروعات التمزيق التي يحركها أعداء الإسلام وأعداء الأمة..
وفي مواجهة مشروعات الهيمنة والمصادرة والاستلاب التي تستهدف كلَّ وجودنا الإسلامي وتستهدف كلَّ مكوّناتنا الإيمانية والروحية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسّياسية..
إننـــّا نحتفل بذكرى مولد الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأمتنا تواجه واقعاً صعباً حافلاً بالكثير من من التداعيات والأخطار، فنظام الإستبداد في العراق قد سقط، وبسرعةٍ قد فاجأت كلَّ العالم، ولازال الجدل في السَّاحة السّياسية قائماً حول تفسير هذا السقوط المفاجئ.
٭ هل قتل صدام فحدث هذا الانهيار المفاجئ؟
٭ هل خطط صدّام للانسحاب واللجوء إلى مواقع أخرى في داخل العراق؟
٭ هل أن صدام ورموز نظامه قد أدركوا أن النهاية قد أقتربت فاختاروا الفرار خارج البلاد؟
٭ هل هي صفقة سرية بين القيادة العراقية وجهاز المخابرات الأمريكية؟
احتمالات لا يهمنا الخوض فيها.
المهم ما هو مصير العراق؟ وما هو مصير المنطقة؟ هل خرج العراق من مأزق الاستبداد والقهر والظلم الذي مارسه نظام صدّام، ليقع في مأزق الهيمنة والسيطرة والاستعمار الذي تمارسه قوات الغزو والإحتلال الأمريكي الغاشم؟
وهل أن قدرَ العراق وقدرَ العراقيين وقدرَ هذه الأمة هو المعاناة والألم والعذاب والقهر والحرمان؟


ما هو مشروع أمريكا في العراق وفي المنطقة؟
لقد صرّح الأمريكان أنهّم مصممون على تغيير خارطة المنطقة، وانــّهم مصممون على تغيير ثقافة المنطقة، وأنهـّم مصممون على تغيير مناهج التعليم في المنطقة، وأنـّهم مصممون على إزالة كلّ ما يهدد أمن إسرائيل في المنطقة..


هذه هي الأهداف الحقيقية التي يستهدفها المشروع الأمريكي والغزو الأمريكي، أمريكا ما جاءت من أجل تحرير إرادة الشعب العراقي، وما جاءت من أجل إزالة أسلحة الدمار الشامل، وما جاءت من أجل مكافحة الإرهاب، الأمر ليس كذلك.


أمريكا جاءت وهي تحمل مشروعاً خطيراً يؤسس لحالة استعمار جديدة في المنطقة، ومن الغريب أن نجد من يحسن الظن في أمريكا، ومن الغريب أن نجد من يدافع عن أمريكا.


فما أحوجنا في هذه المرحلة أن نملك الوعي والبصيرة حتى لا تخدعنا الشعارات والعناوين، وحتى لا تخدعنا ألاعيبُ السّياسة، فما أكثر ما زُيّف وعي الشعوب من خلال الإعلام المضلل، ومن خلال الخطاب السّياسي الخادع، ومن خلال أدوات الثقافة الزائفة من هنا تكون الضرورة أن نتثقف إسلامياً ودينياً، وأن نملك وعياً إجتماعياً وسياسياً..


من هنا تكون الضرورة أن نلتزم عملياً بقيمنا وأخلاقنا، وتعاليم ديننا، ومناهجَ قرآننا، من هنا تكون الضرورة أن نتوحد ونتقارب ونتلاحم ونتآلف..
وحينما أقول التوحد والتقارب والتلاحم لا أعني أن تتجمد القناعات والإجتهادات، فقد تتعدد هذه القناعات والإجتهادات المذهبية والثقافية والسّياسية، ليس في ذلك أيّ مشكلة، بل في ذلك تعبير عن حركة الفكر وحيوية العقل، وفي ذلك تعبير عن حرية القناعة والإجتهاد، ما دام الأمر يعتمد أسساً علمية، وأدوات شرعية في الاختيار، ولم يكن ذلك قائماً على أساس من الهوى والتعصب والانحياز الأعمى.


إذاً لا مشكلة أن تتعدد الرؤى والقناعات والاجتهادات مادامت محكومةً للضوابط العلمية والشرعية، المشكلة كل المشكلة حينما تتحول هذه الرؤى والقناعات والاجتهادات إلى خلافات وصراعات ومواجهات، وتمزقات، ليس بين السنة والشيعة فقط بل في داخل البيت السني، وفي داخل البيت الشيعي، ولذلك فنحن ندعو إلى مواجهة كل مكوّنات الفتنة والصراع في داخل البيت الإسلامي العام، وفي داخل البيت السني، وفي داخل البيت الشيعي.
فالواجب علينا أن نتحرك من أجل صياغة مشروعنا التوحيدي في مسارين:


المسار الأول:
التحرك في الدائرة الإسلامية الكبيرة لإيجاد تقارب جاد وصادق بين المذاهب الإسلامية، ولمواجهة كلَّ محاولات التمزيق والفتنة.
ولا ينفعنا في هذا الاتجاه مجرد العواطف والأمنيات ومجرد الكلمات والخطابات، ومجرد الاحتفالات والملتقيات، المسألة تحتاج إلى «برامج عملية متحركة» تشكّل لها «لجان تنفيذية» و«أجهزة متابعة دائمة» وإلاَّ فقد سئمنا الكلام، وسئمنا الخطاب، وسئمنا الأمنيات.


المسار الثاني:
التحرك في الدائرة الخاصة لإيجاد تقارب جاد وصادق بين أبناء المذهب الواحد، وليس في هذا ما يكرّس الحس المذهبي والحس الطائفي، فمن حق كلِّ الجماعات الدينية والمذهبية والسّياسية والاجتماعية أن تعالج أوضاعها الداخلية حتى تتمكن من التواصل الصحيح والقوي مع الآخرين، فما دام البيت الداخلي لأيّ جماعة يعيش التصدّع والتشتت فلا يمكن لهذه الجماعة أن تبني علاقات سليمة مع الآخرين لكي يتشكّل النسيج الاجتماعي المتماسك.
وفي سياق هذا المسار فالإخوة السنة مدعوّن أن يعالجوا كلَّ الخلافات والصراعات في داخل البيت السّني، وكذلك الشيعة مدعوّن أن يعالجوا كلَّ الخلافات والصراعات في داخل البيت الشيعي.
وإذا كنت لا يسعني أن أتناول «الداخل السني» فذلك متروك للناشطين المخلصين من أبناء المذهب نفسه، فإنــّه يسعني أن أتناول «الداخل الشيعي» وأنا في أحتفال يقيمه أبناء هذا المذهب.
يؤسفني أنّ أقول أن بيتنا الشيعي يشهد خلافات وصراعات قد تصل إلى حد المواجهات والصدامات، ولم تعد خافية على القريب والبعيد حتى نحاول التستر عليها.


فما أكثر ما سمعنا عن أحداث مؤلمة فجرتها خلافات تافهة، خلافات المآتم والحسينيات، وخلافات المواكب والمسيرات، وخلافات المؤسسات والجمعيات، ما هي مبررات هذه الخلافات، إنــّه الشيطان ينفخ في داخلنا حب الزعامة، وحب السيطرة، وحب الشهرة فتتحرك الأنانيات المقيتة، وتتفجر الصراعات والعداوات والمواجهات..
أهكذا يريد لنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)؟
أهكذا يريد لنا الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)؟
أهكذا يريد لنا القرآن؟
فمن المخجل أن نحتفل بهذه الذكريات الشريفة، ونحن نعيش هذا الواقع المأزوم، تفرقنا أتفه الأسباب، تفرقنا الولاءات الضيقة، والانتماءات الصغيرة.


أعداء الإسلام يريدون لخلافات المذاهب أن تتحرك، ويريدون لخلافات المذهب الواحد أن تتحرك.
أعداؤنا يريدون لنا أن نكون أشتاتاً وجماعات متصارعة حتى نبقى جميعاً فريسة الهيمنة التي يريد فرضها علينا هؤلاء الأعداء وحتى تشغلنا هذه الخلافات عن الاهتمامات الكبرى، والقضايا المصيرية.
فمتى نستيقظ ونوحّد صفنا، ونجمع شملنا، ونتلاقى على الحب في اللّه، وعلى الانتماء إلى خط اللّه، وعلى السير على منهاج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) والولاء للأئمة الأطهار من آل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
ربنــّا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين..
ربنــّا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين..
ربنــّا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين.


وآخر دعوانا أن الحمد للّهِ ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى