المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (28) الولادة الجديدة

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الثَّامنة والعشرون ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الثَّلاثاء بتاريخ: (28 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 11 مايو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

الولادة الجديدة

أعوذ بالله السَّميع العليم مِن الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيِبنا وقائِدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين الأبرار الأخيار المنتجبين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عنوان الحديث: الولادة الجديدة

1-الحديث هنا عن الولادة الرُّوحيَّة
هناك ولادة طبيعيَّة وهي: خروج الإنسان من رحم أُمِّه، وهي الولادة التكوينيَّة.
وهناك ولادة روحيَّة وهي: أن يولد الإنسان روحيًّا من جديد.
الولادة الرُّوحيَّة: هي التي تصنع من الإنسان مولودًا جديدًا، بلا ذنوب ولا معاصي كيوم ولدته أُمُّه.
كما يخرج الإنسان من بطن أُمِّه مبرَّأً من كلِّ معصية، نقيًّا، طاهرًا، كذلك الولادة الرُّوحيَّة تصنع من الإنسان مولودًا جديدًا بلا ذنوب ولا معاصي كيوم ولدته أُمُّه.

موارد صنع الولادة الجديدة

كما جاء في الرِّوايات أنَّ هذه الولادة الرُّوحيَّة تتحقَّق في عدَّة موارد، أذكر بعضها:

المورد الأوَّل: التَّوبة

التَّوبة تصنع منك مولودًا جديدًا بلا معاصي، وبلا ذنوب، وبلا موبقات.
•النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَه». (المتَّقي الهندي: كنز العمَّال 4/87، ح 10172)
التَّوبة الصَّادقة النَّصوح تمسح كلَّ المعاصي، وتمسح كلَّ الذُّنوب، فيكون الإنسان مولودًا جديدًا.
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «التَّوبةُ تَجُبُّ ما قَبلَها». (ابن أبي جمهور الأحسائي: عوالي اللئالي 1/237، ح 150)
التَّوبة النَّصوح الصَّادقة – بشروط التَّوبة التي مرَّت – تمسح كلَّ ما قبلها من المعاصي.
إذن، الولادة الجديدة تتحقَّق من خلال التَّوبة الصَّادقة النَّصوح.

المورد الثَّاني: مجالس الذِّكر

ما معنى مجالس الذِّكر؟
مجالس الذِّكر: هي المجالس التي يُذكر الله فيها، كمجالس الدُّعاء، والتِّلاوة، والوعظ، والإرشاد، والتَّعليم الرَّبَّاني، هذه كلُّها مجالس ذِكر.
ليست مجالس الذِّكر هي فقط أن نقرأ القرآن، أو ندعو الله، أو نذكر الله ذكرًا لسانيًّا، لا، بل إنَّ مجالس العلم والثَّقافة الرَّبَّانيَّة هذه من أهمِّ مجالس الذِّكر، المجالس التي نتعلَّم ونتثقَّف فيها، إمَّا بالحضور المباشر، وإمَّا بالاستماع للمواقع، فهذه مجالس ذِكر أيضًا.
مجالس الذِّكر تصنع من الإنسان مولودًا جديدًا.
•قالَ رسول الله (صلَّى الله عليه آله وسلَّم): «ما جَلسَ قَومٌ يَذْكرونَ اللَّهَ، إلَّا نادى بهم منادٍ مِن السَّماء: قومُوا فَقد بدَّل الله سيئاتِكُمْ حَسَناتٍ وغَفر لَكُم جُميعًا». (الحويزي: تفسير نور الثَّقلين 4/34، ح 119)
«ما جَلسَ قَومٌ يَذْكرونَ اللَّهَ» يسبِّحون، يهلِّلون، يقرأون القرآن الكريم، يتداولون العلم، يتعلَّمون، يتثقَّفون.
«إلَّا نادى بهم منادٍ مِن السَّماء» النِّداء من الله عبر جبرئيل، أو عبر ملك من الملائكة.
«قومُوا فَقد بدَّل الله سيئاتِكُمْ حَسَناتٍ وغَفر لَكُم جُميعًا» فأنتم قد أصبحتم مولودين جدد.
أنت بجلوسك في هذا المجلس، مجلس الذِّكر والطَّاعة والعلم والثَّقافة الإيمانيَّة، أنت قد أصبحت مولودًا جديدًا.

المورد الثَّالث: الصَّلاة المنقطعة إلى الله تعالى

صلِّ صلاة واحدة لكن بانقطاع.
ما معنى الصَّلاة بانقطاع؟
الصَّلاة بانقطاع تعني: أن يكون قلبك وهواك ومشاعرك مع الله في تلك اللَّحظات.
كم تستغرق الصَّلاة؟
قد تستغرق الصَّلاة عدَّة دقائق، في هذه الدِّقائق المعدودة حاول أن تبقى مرتبطًا باللَّه، وبعطاء الله.
تصوَّر أنَّ الجنَّة عن يمينك، والنَّار عن شمالك، وملك الموت خلفك، والقبر أمامك.
عِشْ مع الله في تلك اللَّحظات.
عِشْ ذوبانًا وانصهارًا وانقطاعًا.
ماذا يقول الحديث؟
•عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إذا قامَ العَبدُ إلى الصَّلاةِ، فكانَ هَواهُ وقَلبُهُ إلى اللهِ تعالى انصَرَفَ كَيَوم ولدته أُمُّهُ». (المجلسي: بحار الأنوار 18 ق 2/401، ح 59)
«إذا قامَ العبدُ إلى الصَّلاة» أي كبَّر تكبيرة الإحرام، ودخل في الصَّلاة.
«فكانَ هَواهُ وقَلبُهُ إلى اللهِ تعالى» أي لا يدخل الصَّلاة وقلبه في الدُّنيا، ومشاغل الدُّنيا والحياة، بل قلبه مع الله، ويتحرَّر في تلك اللَّحظات من الارتباط بمشاغل الدُّنيا، ويجعل علاقته مع الله.
«انصَرَفَ كَيَوم ولدته أُمُّهُ» هكذا يقول الحديث: انصرف كيوم ولدته أُمُّه، من خلال ركعتين، أو ثلاث، أو أربع ركعات، يصلِّيها منقطعًا ومتوجِّهًا وذائبًا مع الله، تجعل منه مولودًا جديدًا.
هذا المورد الثَّالث من الموارد التي تصنع الولادة الرُّوحيَّة الجديدة.

المورد الرَّابع: السَّعي لقضاء حاجة مريض

هل فكرت أن تقدِّم خدمة لمريض؟
هذا يجعل منك مولودًا جديدًا، اسع لتقديم خدمة لمريض، وقد لا تحقِّق ما تسعى إليه، لكن تكون قد كُتِبتَ مولودًا جديدًا.
اسمعوا هذا الحديث:
•عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، وَمَنْ سَعَى لِمَرِيضٍ فِي حَاجَةٍ قَضَاهَا أَوْ لَمْ يَقْضِهَا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». (الصَّدوق: من لا يحضره الفقيه 4/10)
«مَنْ سعى لمريض في حاجة» السَّعي لقضاء حاجة مريض، مع العلم أنَّ قضاء حاجة المؤمنين بشكل عام لها قيمتها، لكنَّ هذا الحديث يتحدَّث عن السَّعي لقضاء حاجة مريض.
«قَضَاهَا أَوْ لَمْ يَقْضِهَا» لعلَّ الإنسان لا يُوفَّق لقضاء الحاجة لكنَّه سعى لقضائها.
«قَضَاهَا أَوْ لم يَقْضِهَا، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» بمجرَّد أن يتحرَّك سواء قضى الحاجة، أم لم يُوفَّق لقضائها، فقد كُتِب أنَّه سعى لمريض في حاجة، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه.
هذا مورد رابع من موارد الولادة الرُّوحيَّة.

المورد الخامس: حضور مجلس العلم

ما معنى حضور مجلس العلم؟
مجلس العلم هو المجلس الذي تتعلَّم فيه أمور دينك العَقيديَّة، والفِقهيَّة، والرُّوحيَّة، والأَخلاقيَّة، والسُّلوكيَّة، والاِجتماعيَّة، وكلَّ شؤون الحياة.
والحضور قد يكون في حوزة، أو في درس، أو في محاضرة مباشرة، أو عبر وسائل الاتصال والتي يمكنك من خلالها أن تستمع لدرس، أو لمحاضرة، أو لتوجيه، فأنت حاضر في مجلس علم، فلا يُشترط في مجلس العلم أن تحضر عند العالم مباشرة، فأنت تُعتبر حاضرًا وأنت تستمع لدرس، أو لمحاضرة، أو لتوجيه، أو لتربية، أو لتثقيف إيماني، ولو بشكل غير مباشر فأنت في مجلس علم.
فقد يكون مجلس العلم سابقًا يتحدَّد بمساحة لا تزيد عن أشبار، لكنَّ اليوم مجلس العلم مفتوح ويتَّسع لمساحات كبيرة في العالم، يتَّسع للنَّاس في كلِّ البلد وفي خارج البلد.
ما هي فائدة حضور مجلس العلم؟
أذكر لكم هذا الحديث:
•عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إِذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ، وأعطاهُ بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنة، …». (الدَّيلمي: إرشاد القلوب 1/166)
«إِذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ» (جلس) ليس بمعنى أنَّه في المجلس نفسه، بل هذا المجلس الكبير في الفضاء الافتراضي يُعدُّ جلوسًا أيضًا، والاستماع إلى المحاضرات في المواقع هو جلوس عند العالم.
«فَتَحَ اللهُ لَهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ» الباب الواحد من رحمة الله كم هو عطاؤه؟ وكم هي فيوضاته؟ وكم هو كرمه؟ فكيف بسبعين بابًا من رحمة الله تُفتح لهذا الإنسان الجالس بين يدي العالم؟!
«وَلا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ» يُصبح مولودًا جديدًا، فهذه من الموارد التي تصنع الولادة الرُّوحيَّة الجديدة، ولا يقوم من عنده – طبعًا إذا استوعب العطاء الفكري والثَّقافي والرُّوحي، وصمَّم على أن يلتزم وأن يطبّق – لا يقوم من عنده إلَّا كيوم ولدته أمُّه.
«وأعطاهُ – يعني الله – بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنة» كم في السَّنة تُصلِّي؟ وكم في السَّنة تحجُّ وتعتمر؟ وتزور وتقرأ القرآن و… إلى آخره؟ إنَّ جلسة من جلسات العلم الإيماني التي تصنع وعيك، وإيمانك، وثقافتك، واستقامتك، وسلوكك، هذه الجلسة التي قد تستمر عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة، أو ساعة تعدل بل تفوق عبادة سنة.
«وأعطاهُ بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنة» ليس للجلسة بكاملها يُعطى عبادة سنة، بل بكلِّ حديث في الجلسة عبادة سنة.
هذا مورد خامس من موارد الولادة الرُّوحيَّة الجديدة: حضور مجلس العلم.

المورد السَّادس: الإكثار من الصَّلاة على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

هذا المورد أيضًا يصنع ولادة جديدة.
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كما في دلائل الخيرات: «جَاءني جبرئيلُ (عليه السَّلام) فَقَالَ: يَا مُحمَّدُ لَا يُصلِّي عَليْكَ أحدٌ إلَّا صَلَّى عَلَيهِ سَبْعُونَ ألفَ مَلكٍ، ومَنْ صَلَّتْ عَليْهِ الملائِكةُ كانَ مِن أهلِ الجَنَّةِ». (الجزولي: دلائل الخيرات، ص 127، ح 12)
صار مولودًا جديدًا فهو مِنْ أهل الجنَّة، فالملائكة يصلُّون عليه لصلاته على رسول الله وعلى أهل بيته (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فإذن، الإكثار من الصَّلاة على محمَّدٍ وآل محمد يصنع الولادة الرُّوحيَّة الجديدة.

المورد السَّابع: الحَجُّ ولادة جديدة

ورد في الحَجِّ كثير من الرِّوايات تتحدَّث عن أنَّ الحَجَّ ولادة جديدة
أذكر هذا الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يتحدَّث فيه عن حجَّاج بيت الله في حديث طويل إلى أن يقول:
•قال النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، فإِذا وَقَفوا في عَرَفات، وضَجَّتِ الأَصواتُ بِالحاجاتِ، باهَى اللهُ بِهِم مَلائِكةَ سَبعِ سَماوات، ويَقولُ: مَلائِكَتي وسُكَّانَ سَماواتي، أما تَرَونَ إلى عِبادي، أتَوني مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق شُعثًا غُبْرًا، قد أنفَقُوا الأَموالَ، وأتعَبُوا الأَبدانَ؟! فَوَعِزَّتي وجَلالي لأَهَبَنَّ مُسيئَهُم بِمُحسِنِهِم، ولأُخرِجَنَّهُم مِنَ الذُّنوبِ كَيَوم وَلَدَتهُم أُمَّهاتُهُم، فَإِذا رَمَوُا الجِمارَ، وحَلَقُوا الرُّؤوسَ، وزارُوا البَيتَ، نادى مُنادٍ مِن بُطنانِ العَرشِ: اِرجِعوا مَغفورًا لَكُم، واستَأنِفُوا العَمَلَ، …». (الرَّيشهري: الحجُّ والعمرة في الكتاب والسُّنة، ص 148، ح 325)
«فإِذا وَقَفوا في عَرَفات» وقف الحجيج في عرفات.
«وضَجَّتِ الأَصواتُ بِالحاجاتِ» في يوم عرفة ترتفع أصوات الدُّعاء في ضجيجٍ، وابتهالٍ، وتضرُّعٍ، وبكاءٍ، وتأوُّهات، وانقطاع إلى الله.
«باهَى اللهُ بِهِم مَلائِكةَ سَبعِ سَماوات» الله يباهي بالحجيج في يوم عرفة.
«ويَقولُ» الله لملائكته: «مَلائِكَتي وسُكَّانَ سَماواتي: أما تَرَونَ إلى عِبادي، أتَوني مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق شُعثًا غُبرًا، قد أنفَقُوا الأَموالَ، وأتعَبُوا الأَبدانَ؟! فَوَعِزَّتي وجَلالي …» الله يخاطب ملائكته عن حجَّاجِ بيت الله في يوم عرفة.
«لأَهَبَنَّ مُسيئَهُم بِمُحسِنِهِم، ولأُخرِجَنَّهُم مِنَ الذُّنوبِ كَيَوم وَلَدَتهُم أُمَّهاتُهُم» ولادة روحيَّة جديدة. «فَإِذا رَمَوُا الجِمارَ، وحَلَقُوا الرُّؤوسَ، وزارُوا البَيتَ، نادى مُناد مِن بُطنانِ العَرشِ: اِرجِعوا مَغفورًا لَكُم، واستَأنِفُوا العَمَلَ، …» هذه ولادة جديدة.

المورد الثَّامن: صيام شهر رمضان
ورد في صيام شهر رمضان أنَّه يخلق ولادة روحيَّة جديدة، فكما ورد في حديثٍ للرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو يتحدَّث لجابر بن عبد الله الأنصاري، وهو حديث لكلِّ النَّاس، ولكلِّ المسلمين، وفي كلِّ زمان ومكان:
•عَنْ الإمام الباقر (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: يَا جَابِرُ، هذَا شَهْرُ رَمَضَانَ، مَنْ صَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ وِرْدًا مِنْ لَيْلِهِ، وَعَفَّ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ، وَكَفَّ لِسَانَهُ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَخُرُوجِهِ مِنَ الشَّهْر.
فَقَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَحْسَنَ هذَا الْحَدِيثَ!
فقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا جَابِرُ، وَمَا أَشَدَّ هذِهِ الشُّرُوطَ!». (الكليني: الكافي 4/87، ح 2)

«يَا جَابِرُ، هذَا شَهْرُ رَمَضَانَ، مَنْ صَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ وِرْدًا مِنْ لَيْلِهِ»
صام نهاره: امتنع عن الطَّعام والشَّراب، وعن المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس.
وقام وردًا من ليله: أي بعض الَّليل، يقوم فيصلِّي بعض الرَّكعات تقرُّبًا، وتضرُّعًا، وابتهالًا إلى الله.
«وَعَفَّ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ» لم يأكل الحرام ولا المشتبه بالحرام، ولم يمارس محرَّمًا، ولم ينظر نظرة محرَّمة، ولم يرتكب من خلال الفرج عملًا محرَّمًا.
«وَكَفَّ لِسَانَهُ…» لا كذب، ولا غيبة، ولا نميمة، ولا اعتداء على النَّاس وعلى أعراض النَّاس. لسانٌ نظيف، لسانٌ ربَّاني.
«خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَخُرُوجِهِ مِنَ الشَّهْر …»
خرج مولودًا جديدًا، ولادة روحيَّة جديدة.
جابر بن عبد الله انبهر بهذا الحديث:
«فَقَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَحْسَنَ هذَا الْحَدِيثَ!»
حديث جميل، يملأنا أملًا، يملأنا احساسًا بعمق العطاء ومساحة الفيض الرَّباني.
«قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا جَابِرُ، وَمَا أَشَدَّ هذِهِ الشُّرُوطَ!»
صحيحٌ أنَّ الحديث جميلٌ وحسن، لكن يا جابر ما أشدَّ هذه الشُّروط؟!
إذن، الصِّيام بمضامينه الرُّوحيَّة، والثَّقافيَّة، والعَمليَّة، والسُّلوكيَّة، والتَّقوائيَّة يصنع من الصَّائم مولودًا جديدًا.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى