حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 12: وَصايا لُقْمَان الحَكيم للجيلِ الصَّالح (1)

حديث الجمعة 12 | 16 ربيع الآخر 1423 ه | 27 يونيو 2002 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الهداة الميامين المعصومين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

قال الله تعالى في سورة لقمان ( الآية 13 ) :

(( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابنيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ))

سورة كاملة في القرآن تحمل إسم لقمان ، وقد جرى التعبير عنه باسم لقمان الحكيم ، فمن هو لقمان الحكيم ؟ لقد تعددت الأقوال في لقمان الحكيم .

فقيل إنّه نبي من الأنبياء ، وفسّر أصحاب هذا الرأي كلمة ( الحكمة ) في قوله تعالى : (( ولقد آتينا لقمان الحكمة )) بالنبوة .

وقيل إنّه عبد صالح أعطاه الله الحكمة ( أي العقل والعلم والعمل به ) ولم يكن نبياً ، وهذا رأي أكثر المفسرين .

يروى عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :

(( والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ، ولا مال ، ولا بسط في جسم ، ولا جمال ، ولكنه كان رجلاً قوياً في أمر الله ، متورعاً في الله ، ساكتاً سكينا ، عميق النظر ، طويل التفكير ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قط ……….. إلى آخر الحديث ( 1 ) ))

وقيل إنّه كان عبداً أسود حبشياً ، غليظ المشافر [ جمع مشفر : الشفة ] ، مشقوق الرجلين في زمن داوود عليه السلام ، وقيل إنّه ابن أخت أيوب عليه السلام وكان راعياً ( 2 ) .

هكذا يعطي الله الحكمة من إمتلأ قلبه بحب الله ، وعاش البصيرة ، والصدق ، والإخلاص والورع .

جاء في الحديث : (( من أخلص لله أربعين يوماً أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ))

وفي حديث آخر : (( من أكل الحلال أربعين يوماً أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ))

وأمّا من يأكل الحرام فإنّه ـ كما جاء في بعض الأحاديث ـ :

يسْوَدُّ قلبه ، [ قساوة القلب وظلمته ]

وتضعف نفسه [ الإنهزام النفسي ]

وتقلّ عبادته [ الفتور العبادي ]

ولا يستجاب دعاؤه [ من موانع الإستجابه ]

وصايا لقمان :

القرآن يطرح لقمان (( نموذجاً للأب المربي )) من خلال مجموعة وصايا هامة جداً تعتبر برنامجاً متكاملاً شاملاً لصياغة (( الجيل الصالح ))

وإننا في هذا العصر نحتاج أن نطبق هذا البرنامج لحماية أجيالنا من الضياع والإنحراف، ولإعدادهم إعداداً ربانياً صالحاً .

أيها الأحبة في الله :

أجيالنا المعاصرة ، أبناؤنا ، وبناتنا ، شبابنا وشاباتنا ، أطفالنا ، وطفلاتنا ، يتعرضون في هذا العصر الموبوء إلى عمليات مسخ روحي وأخلاقي وثقافي واجتماعي وسياسي ، من خلال:

1 – الأفلام الماجنة الهابطة التي تعرض في الكثير من محطات التلفاز .

وقد خرّجت هذه الأفلام الفاسدة جيلاً مائعاً ، متمرداً ، ضائعاً ، عاشقاً لحياة اللهو والعبث ، والجريمة .

هل تعلمون أن الطفل الصغير الذي لايدرك ولايفهم ، يتأثرمن خلال مشاهدات التلفاز.

المشاهدات تحتفظ في (( اللا شعور)) لتشكّل (( المخزون اللاشعوري )) الذي يصوغ شخصية الطفل المستقبلية .

ومن هنا ندرك أهمية بعض المستحبات الإسلامية وتأثيراتها على مستقبل الطفل (كاستحباب الأذان والإقامة بالنسبة للمولود)

2- مواقع الأنترنت :

وقد وفرّت هذه المواقع العالمية المفتوحة لأبناء هذا الجيل الطريق السهل للدخول إلى دنيا الرذيلة والفساد والفسوق والفجور ، أصبح شباب وشابات مراهقون ومراهقات يمارسون الدعارة والعهر من خلال مواقع الأنترنت ، اللقاءات والتعارفات والمراسلات عبر هذه المواقع تهدد هذا الجيل بكوارث أخلاقية مدمرة .

يوميا نقرأ قصصا مرعبة لما يحدث نتيجة هذه العلاقات والانفتاحات الأنترنيتية والتي لاتخضع للرقابة .

تصوروا : طفلات صغيرات ، وأطفال صغار على أعتاب البلوغ ، تورطوا في علاقات جنسية خطيرة عبر هذه الاتصالات . الطوفان المجنون آت أيها المؤمنون .

3- البرامج الإذاعية الفاسدة .

كم هي نسبة البرامج الصالحة النظيفة الهادفة في إذاعاتنا ، إذا قورنت ببرامج اللهوالمحرم، والهبوط الأخلاقي ، والغناء الفاسق ؟

وإذا كانت هناك نسبة من برامج نظيفة وهادفة ، فإنها تصار من خلال الكم الكبير من برامج الفساد .

4- النوادي والفرق الرياضية .

النوادي كمؤسسات إجتماعية غير مرفوضة ، والفرق الرياضية كتجمعات شبابية غير مرفوضة ، ولكن أن تكون النوادي مراكز للهدم والضياع ، وأن تكون الفرق الرياضية وسائل لاستهلاك طاقات الشباب ، والقضاء على اهتمامات الشباب الهادفة ، وإلهاء الشباب عن التعاطي مع قضايا الأمة الكبيرة والمصيرية .

فهذا أمر نرفضه بقوة ، ونواجهه بشدة ، فيجب الحذر من العناوين المغرية التي تحمل أسماء الفن والرياضة ، وأسماء إجتماعية وثقافية وعلمية ، إذا لم نتعرف على طبيعة الأهداف والبرامج ، فما أكثر المشروعات التي تغلف أهدافها السيئة بعناوين جذابة ومغرية .

 5 – مشروعات السّياحة .

عنوان السّياحة لا يستثير أيّ إشكالية ، والإسلام لا يمنع من السفراتِ السياحية النظيفة ، ولا يمنع من الترفيه المباح ، والاستجمام النفسي المشروع .

نعم الإسلام يحرم السفرات السياحية غير النظيفة ، والترفيه من خلال الوسائل المحرمة ، والاستجمام غير المشروع ، لما يترتب على ذلك من نتائج مدمرة على كل المستويات الفكرية ، والنفسية ، والأخلاقية ، والإجتماعية .

ونحن نتحدث عن السفرات السياحية ، نود أن ننبه إلى بعض الظواهر المخرفة التي تحدث في أثناء السفرات الدينية إلى العتبات المقدسة فعدد من الشباب والشابات يستغلون هذه السفرات فيمارسون أعمالاً منافية لقدسية هذه الرحلات .

وهنا نحمّل الأسر والقائمين على هذه الحملات المسؤولية ، وكذلك العلماء والمبلغين .

إن من الأساليب التي تعتمدها بعض الأنظمة السياسية لإلهاء الشباب ، وهدر طاقاتهم ، ومصادرة اهتماماتهم الأصيلة ، هو توفير أجواء سياحية معبئة بوسائل الترفيه المحرم ، ووسائل اللذة الهابطة ، وأساليب العبث بالأخلاق ، والقيم ، وأساليب الفسق والدعارة ، كل ذلك تحت عنوان السّياحة والترفيه ، وهذا ما تمارسه الفنادق ، والصالات ، والبلاجات ، والمتنزهات ، ومشروعات سياحيه أخرى ، وتنتظم في هذا السياق (( شبكات الدعارة )) التي تمارس تجارة البغاء والعهر .

حدثني أحد الشباب المؤمن بأنّه وانطلاقاً من مسؤوليته الشرعية ، وغيرته الدينية والأخلاقية على سمعة هذا البلد المسلم ، قرر أن يقابل بعض المسؤولين في سفارة عربية في البحرين ، هذه البلد العربية تغطي بعض حاجة سوق الدعارة في البحرين ، لا ندعي أنّ هذه التغطية تتم بطريقة رسميه، المهم أن هذا الشاب توجه إلى هذه السفارة العربية و قال لهم إنكم تسيئون إلى سمعة بلدكم ، حيث يتواجد هذا العدد الوفير من النساء ، يمارسن الدعارة والعهر في أحضان العابثين بالأعراض والقيم ، فكان جواب هذا المسؤول في تلك السفارة يجب أن توجّهوا السؤال أولاً إلى حكومتكم حيث سمحت بذلك .

 أيهّا المؤمنون الغيارى ..

إنّ أجيالنا المعاصرة محاصرة بهذا الزخم الكبير من وسائل الفساد ، والعبث ، والضياع ، والتغريب ، والاستلاب ، ومصادرة الدين والقيم والأخلاق ، والطهر ، والفضيلة .

إننا أكّدنا وفي خطابات متكررة إنَّ السلطة السّياسية تتحمل المسؤولية الأولى في حماية دين هذا البلد ، وفي حماية قيم هذا الشعب ، وفي الحفاظ على أصالة هذه الأرض .

أين دور المؤسسات الرسمية التي تحمل أسم الإسلام ؟

لماذا لا شمع لها صوتاً ، إحتحاجاً ، موقفاً في مواجهة مشروعات الفساد والدعارة ؟

وإذا لم توجد على الأرض البوادر الجادة الحقيقية في إنقاذ البلد من كلِّ منتجات الفساد والعبث بالأخلاق ، فإن ذلك سوف يخلق ( عقدة و أزمة ) لن تترك لأبناء هذا الشعب الإّ الخيار الأصعب في التعاطي مع مشروع الإصلاح السّياسي وربما يصل الأمر إلى حد الكفر بالمشروع إلا لا يجد الشعب ما يطمئنه على دينه ، وقيمه ، وأخلاقه ، وهويته وما ينتجه ذلك من آثار سلبية كبيرة في العلاقة والتواصل وهذا ما يؤلمنا أن يحدث .

كما أكدنا في الكثير من الخطابات أنّ العلماء والخطباء ، والمؤسسات ، والجمعيات الإسلامية ، والثقافية ، والسّياسية ، وكل الرموز والكفاءات ، والقدرات ، والفعاليات يجب أن تتحمل مسؤوليتها الكبيرة في حماية أجيال الأمة ، وتحصين شبابها ، وشاباتها إيمانياً، وروحياً ، وأخلاقياً ، وإجتماعياً ، وثقافياً ، وسياسياً ، في مواجهة مشروعات التغريب الثقافي ، ومشروعات التغريب الأخلاقي ، هذه المشروعات التي أحكمت قبضتها على الكثير من مفاصل الواقع الثقافي والتربوي والإعلامي والاجتماعي ، والسّياسي .

وإذا كانت مشروعات التغريب ، والفساد ، والضياع قد استنفرت كلَّ وسائلها وأساليبها ، وخططها وبرامجها من أجل الهيمنة على هذا الجيل ، والسطو على فكره ، وعواطفه ، وقيمه ، وأخلاقه ، وسلوكه وحركته .

فإنّ مسؤولية القوى الإيمانية والإسلامية أن تستنفر كل وسائلها ، وأساليبها ، وخططها وبرامجها من أجل تحصين هذا الجيل وحماية فكره ، وثقافته و قيمته، وأخلاقه ، وسلوكه ، وكل ممارساته وأفعاله .

ولا ننسى ونحن نتحدث عن وجوب استنفار القوى الإيمانية في مواجهة قوى الضلال والفساد التي تريد أن تسرق هذا الجيل وتسلب هويته وأصالته ، أن نؤكد على مسؤولية الأسرة ودور الآباء والأمهات والأخوة والأخوات في هذا الاستنفار الإيماني والروحي والأخلاقي والثقافي ، وضرورة التعاون الجاد مع العلماء والخطباء ، والقائمين على الفعّاليات الدينية ، وإنّ غيابَ هذا التعاون والتنسيق يفقد             (( البرنامج الإيماني )) قدرته الفاعلة على التأثير والنجاح .

وإنّه لجناية كبيرة في حق الأولاد والبنات أن تفرط الأسر ، ويفرّط الآباء والأمهات في التعاون مع المسجد ، والمأتم ، والجمعية الإسلامية ، والمؤسسة الدينية ، ومع جميع الفعّاليات والبرامج الهادفة إلى حماية هؤلاء الأبناء والبنات .

إنّ مسؤولية الآباء والأمهات كبيرة وكبيرة جداً ، وسوف يسأل هؤلاء الآباء والأمهات عن هذه المسؤولية حينما يوقفون غداً بين يدي الله للحساب ، فربما دخل إنسان النار ، وتعرض للعذاب بسبب إهمال وتقصير في رعاية وتربية أولاده وبناته , وربما وقف إنسان موقف خزي وعارٍ أمام الملك الجبار بسبب تفريط وإغفال أدى إلى ضياع الأبناء والبنات .

سوف نتابع الحديث ـ إن شاء الله ـ في الأسبوع القادم ، لنتناول (( البرنامج النموذجي )) في التربية الذي طرحه القرآن من خلال وصايا لقمان الحكيم لابنه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .

وأستغفر الله لي ولكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ….


1.    الطبرسي : مجمع البيان في تفسير القرآن  ج8 : ص 84

2.    المصدر نفسه 8 : 80

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى