حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة99:كيف نعيش الحج مضمونا روحيا ؟ / المطالبة بالحقوق خيار لا مساومة علية / خطوة في إتجاه المفاصلة.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسم على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هذه بعض عناوين نتناولها في هذا اللقاء:
• كيف نعيش الحج مضمونا روحيا؟
• المطالبة بالحقوق خيار لا مساومة عليه.
• خطوة في اتجاه المفاصلة.


كيف نعيش الحج مضمونا روحيا؟
يفقد الحج نبضة وحرارته وحركيته حينما يبقى مضمونا فقهيا بحتا، رغم ما لهذا المضمون الفقهي من قيمة كبيرة وكبيرة جدا، فلن يكون الأداء صحيحا إذا غابت الرؤية الفقهية الصحيحة، وإذا غاب التطبيق الفقهي الصحيح، من هنا كانت الضرورة أن يتوافر الحجاج على ثقافة فقهية متقنة وعلى ممارسة تطبيقية صائبة.
ولكن السؤال المطروح هنا:
هل أن التعاطي الفقهي وحدة هو الذي يضعنا أمام “حج حقيقي”؟
الجواب بالتأكيد “لا”
لكي نكون حجاجا حقيقيين نحتاج إلى مجموعة مكونات:
1. المكون الفقهي.
2. المكون الثقافي
3. المكون الروحي.


ولكل واحد من هذه المكونات قيمته وأهميته وضرورته في صوغ “الأداء الحقيقي للحج”، فالمكون الأول يوفر لنا ” الأداء الصحيح” و بدونه يكون الحج باطلا أو مرتبكا أو ناقصا، والكون الثاني يوفر لنا “الأداء الواعي” و بدونه يكون الحج ساذجا أو متخلفا أو متعثرا،والكون الثالث يوفر لنا “الأداء الفاعل” و بدونه يكون الحج جامدا أو راكدا أو مشلولا.


في هذا الحديث أحاول أن أتناول “المكون الثالث” من خلال الإجابة على هذا السؤال:
كيف نعيش الحج مضمونا روحيا؟
لكي نحقق هذه المعايشة الروحية يجب أن نملك العناصر التالية:


• العصر الأول: الاستعداد الروحي
ويشكل هذا العنصر الأرضية التي تهييء للمعايشة الروحية، فما لم توجد الأرضية الصالحة فسوف تفشل كل المحاولات لإنتاج الروحانية في أي ممارسة عباديه سوى أكانت صلاة أو دعاء أو ذكرا أو تلاوة أو صوما أو حجا أو عمرة أو زيارة.


ما ذا نعني بالاستعداد الروحي؟
يتوفر هذا الاستعداد من خلال الأمور التالية:


1. طهارة القلب.
فالقلب الملوث لا يصلح أن يكون التربة الصالحة لازدهار الروحانية بما تعبر عنه هذه الروحانية من انصهار وذوبان مع الله سبحانه وتعالى فهل يتمكن قلب مملوء بالحقد والحسد والشحناء والبغضاء والغش والخبث أن يكون قلبا عاشقا لله سبحانه، وقلبا خائفا وخاشعا، وقلبا راجيا طامعا في عطاء الله، وقلبا يعيش الحياة من الله؟
جاء في الحديث “لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات”، وجاء في الحديث “من مات في قلبه غش لأخيه المؤمن بات في سخط الله، وأصبح كذلك في سخط الله، فان مات، مات على غير دين الله”.


أيها الأحبة الأطايب:
لكي نعيش روحانية الصلاة والدعاء والتلاوة والصيام والحج فيجب أن نبدأ بتطهير قلوبنا من كل التلوثات، وهذا هو المنطلق في رحلة العروج الروحي ورحلة القرب من الله تعالى.
وإذا بقيت قلوبنا مشدودة إلى المستنقعات فأنى لها أن تعرج وان تسمو وان تحلق في آفاق الملكوت، وهل يفوز برضوان الله يوم اللقاء الأكبر إلا “القلوب السليمة النظيفة””يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”.


2. طهارة البطن.
أن تتلوث بطوننا بالحرام مسألة تصادر كل استعداداتنا للدخول في أجواء الروحانية وتصادر كل قدراتنا على التعاطي مع المضامين الروحية للصلاة والصيام والحج ولكل الممارسات العبادية.
جاء في الحديث:”من أكل الحرام أسود قلبه، وضعفت نفسه، وقلت عبادته، ولم تستجب دعوته”، وجاء في حديث آخر:”من أكل الحلال أربعين يوما أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه”


3. طهارة الجوارح.
لكي نملك استعدادا روحيا فنحن في حاجة أيضا إلى “طهارة جوارح”،ولن تكون الجوارح طاهرة إلا من خلال الطاعة والابتعاد عن المعصية، وبمقدار ما تنتفي جوارحنا من المعاصي والذنوب نكون أكثر استعدادا للمعايشة الروحية وبمقدار ما تتلوث الجوارح نكون أكثر بعدا عن الانفتاح على روحانية العبادة.
جاء في الحديث “ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب”، وجاء في حديث آخر:” كيف يجد لذة العبادة من لا يصوم عن الهوى”.


• العنصر الثاني: الوعي الروحي
أن نملك وعيا وفهما وبصيرة بالمضمون الروحي للحج، فلا يكفي الاستعداد الروحي إذا لم تصاحبه درجة كافية من الوعي الروحي والذي من خلاله ننفتح على المعاني والدلالات الروحية التي تحملها أعمال ومناسك الحج.


• العنصر الثالث: الممارسة الروحية:
لا تتحقق المعايشة الروحية من خلال الاستعداد الروحي ومن خلال الوعي الروحي فقط ما لم يتحول هذا الاستعداد إلى ممارسة عملية متحركة، فهذه الممارسة هي التعبير الصادق والحقيقي لتلك المعايشة.
القيمة الروحية مرتبطة كل الارتباط بالتطبيق والعمل والالتزام وهكذا قيمة كل العبادات.
فحينما نتحدث عن مضمون روحي للحج فلا نعني مجرد مشاعر روحية تتحرك في داخل النفس، وإنما نعني ممارسات روحية متحركة تطبع السلوك والفعل والحركة.


المطالبة بالحقوق خيار لا مساومة علية:
ليس حديثا للمزايدة والاستهلاك السياسي، أن نؤكد مسؤولية المطالبة بالحقوق فلا يملك المواطن كرامته إذا صمت عن المطالبة بحقوقه الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها مما يفرضه انتماؤه إلى الوطن، ولا يملك هذا المواطن كرامته إذا ساوم على هذه الحقوق. كثيرا ما تبقى الحقوق شعارا ميتا لا يتحرك على الأرض، تبقى عنوانا لا يترجمه مصداق، تبقى نظرية بلا تطبيق، تبقى كلمات تبحث عن فعل، وكثيرا ما يكون شعار الحقوق أداة تستخدمها الأنظمة السياسية لتخدير الشعوب ولإسكات الجماهير ولتضليل الرأي العام، ولخداع المواطنين،وكثيرا ما يصمت الناس عن المطالبة بحقوقهم وعن الدفاع عن قضاياهم العادلة وعن الإصرار بمواقفهم المبدئية وعن البوح بمعاناتهم وآلامهم وعذاباتهم،وكثيرا ما تدجن إرادة الأمة وتخدر عزيمتها ويزيف وعيها ويمسخ ضميرها وتلوث روحها،من هنا فان المطالبة بالحقوق في حاجة إلى مجموعة مكونات أساسية:


• أولا: الإيمان المتجذر بهذه الحقوق:
لن تتحرك الشعوب في المطالبة بحقوقها المشروعة ما لم تملك إيمانا متجذرا صلبا قويا بهذه الحقوق، وما لم تحمل قناعة متأصلة بحقها في الدفاع عن كرامتها وحرياتها ووجودها، وبمقدار ما يكون هذا الإيمان حاضرا وقويا، وبمقدار ما تكون هذه القناعة متأصلة ومتعمقة، فإن الشعوب لن تتراخى ولن تضعف، ولن تصمت ولن تجبن، ولن تنهزم في المطالبة بحقوقها في الدفاع عن كرامتها.
إن مسؤولية الخطاب الديني والثقافي والسياسي أن يجذر الإيمان الحقوقي لدى الشعوب، وان يؤصل في داخل الأمة قناعة الدفاع عن الحقوق.
انه من الخيانة للمسؤولية أن يتخلف الخطاب الديني والثقافي والسياسي عن دوره في صوغ المكونات الايمانه لدى الجماهير من اجل المطالبة بالحقوق والدفاع عن الكرامة.
ومن المؤسف جدا أن بعض الخطابات الدينة والثقافية والسياسية أصبحت خطابات تبرر للأنظمة الحاكمة ساسيا القمع ومصادرة الحقوق والاعتداء على الكرامات،وأصبحت هذه الخطابات أدوات تخذير للشعوب.
لا يفهم من هذا إننا ندعو إلى خطابات تحريضية، وخطابات تدفع في اتجاه الانفلات وخطابات تؤسس للعنف، فذلك أمر نرفضه تماما وإنما ندعو إلى خطابات لا تجامل السلطة السياسية على حساب الشعب، ندعوا إلى خطابات ترفض الظلم ومصادرة الحقوق، وندعو إلى خطابات تستنهض أرادة الجماهير بطريقة حضارية وواعية في المطالبة بالحقوق والدفاع عن الكرامة وفي إسقاط كل المشروعات والقوانين الظالمة والجائرة.


• ثانيا: ثقافة الحقوق:
لا يكفي أن نجذر الإيمان بالحقوق لدى الشعوب، بل لا بد أن يكون هذا الإيمان واعيا وبصيرا، إن الجماهير التي لا تملك ثقافة الحقوق ولا تملك وعيا وبصيرة بهذه الحقوق قد تضلل، وقد تُحرف مسيرتها، وقد تفرط في مسؤوليتها، وقد تتنازل عن حقوقها، وقد تضيع جهودها.
الجماهير البصيرة والواعية هي القادرة على أن تصنع خطاها في الطريق الصحيح، وان تدافع عن حقوقها بكل ثقة وصلابة وعنفوان، وان تؤكد كل حضورها بكل اطمئنان.
قد تكون الجماهير مخلصة كل الإخلاص وصادقة كل الصدق، ومؤمنة كل الإيمان، إلا إنها حينما تفقد “الوعي والبصيرة” تتعرض إلى تزييف خطير”، وربما قادتها خطابات تنحرف بها عن المسار، وتبتعد بها عن الهدف، وتنفصل بها عن الشرعية، فإذا كنا نريد لجماهيرنا أن تحمل عنفوان الإيمان في المطالبة بحقوقها، فإننا نريد لها أن تحمل درجة كبيرة من الوعي بهذه الحقوق، وكلما ارتبطت الجماهير بقيادتها الواعية الأصيلة المخلصة كان ذلك الضمان الكبير لتحصين هذا الوعي، وترشيد الأهداف، وحماية الحقوق، وتنشيط الإرادة.


• ثالثا: الإنطلاقة الفاعلة:
أن يتجذر الإيمان بالحقوق، وأن يتأسس الوعي بها مكونان أساسيان، إلا أن هذا الإيمان يجب أن يتحول إلى عمل،  وان الوعي يجب أن يتحول إلى حركة، فلا قيمة لإيمان بلا عمل، ولا قيمة لوعي بلا حركة، فالمطالبة بالحقوق يجب أن تتشكل من خلال ممارسات جادة وفعالة قد تعبر عنها مسيرات سلمية هادفة، أو اعتصامات جماهيرية موجهة، أو مؤتمرات ثقافية واعية، أو ندوات سياسية قادرة، أو حوارات حقيقية جادة، أو أي عمل مدروس مؤثر يضع الجماهير في خط المطالبة الحقيقية بالحقوق، ويضع الجماهير في خط المسؤولية دفاعا عن الكرامة والعزة والحرية، ويضع الجماهير أما مكل الملفات التي تحمل هموم الساحة وقضايا المرحلة، بدءا بالملف الدستوري، وملف التجنيس، وملف البطالة والعاطلين، وملف التميز، وملف الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وانتهاء بملفات القوانين التي أصبحت تشكل مآزق وأزمات واختناقات خطيرة.
إن خطابنا يجب أن يكون حاضرا وبقوة في كل القضايا والهموم والحقوق والملفات.
كما أن جماهير هذا الشعب مطالبة أن تعبر عن حضورها الدائم في كل القضايا والهموم والحقوق والملفات.
وتأكيدا لهذا الحضور نعلن بأننا سوف نشارك في المسيرة الجماهيرية التي دعت إليها جمعية الوفاق وجمعيات سياسية أخرى تحت عنوان ” مسيرة الحقوق والكرامة” وذلك يوم الجمعة بدءا من السوق المركزي وحتى المرفأ المالي، وتهدف هذه المسيرة إلى المطالبة بمجموعة قضايا مهمة وأساسية وعى رأسها: المطالبة بأعمال مناسبة للمواطنين، وحلحلة ملف البطالة، والمطالبة بحق السكن لعدد كبير من العوائل، والمطالبة بإسترجاع الأراضي المغتصبة والمسروقة لملكية الدولة، وتعزيز حقوق الإنسان في البحرين، كما تهدف المسيرة إلى تحديد الموقف من حادثة الإعتداء على أحد المواطنين.
وقد أصدر المجلس الإسلامي العلمائي بيانا أكد فيه مساندته لهذه المسيرة وأعلن عن مشاركته وحضوره ودعا المواطنين إلى المشاركة والحضور احتجاجا على تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية والخلقية والأمنية، وضرورة التصدي لتطوراتها ومضاعفاتها الخطيرة.


إننا في الوقت الذي نساند ونؤكد ونقف مع هذا اللون من الفعاليات السياسية السلمية نطالب كل الجماهير أن تكون على درجة عالية من الانضباط والحضارية والابتعاد عن كل الممارسات والتصرفات التي توتر الأجواء وتربك الأمن والاستقرار وتدفع باتجاه التصعيد غير المسؤول، إننا نريد لهذه الفعاليات التي تمارسها الجمعيات والقوى السياسية وتستجيب لها الجماهير الكبيرة أن تكون تعبيرا جادا وصادقا عن المشاركة في إنجاح المشروع الإصلاحي وترشيد مساراته وإنقاذه من كل الأزمات.


خطوة في اتجاه المفاصلة:
حسبما أفادت الصحف المحلية فإن الحكومة بصدد إحالة قانون الأحوال الأسرية بمسودتيه السنية والشيعية إلى مجلس النواب في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وهذا – إن صح ونتمنى أن لا يكون صحيحا- يعني أن الحكومة مصرة على تجاوز الموقف العلمائي والجماهيري الذي طالب بالضمانات التي تحمي القانون من العبث والتلاعب والتغير والتحريف، وإذا استمرت الحكومة على هذا الإصرار، وإذا أقدم البرلمان على هذا التورط الخطير فإننا نخشى كل الخشية – ونقولها بصراحة – أن يكون هذا الموقف من الحكومة والبرلمان دافعا لنا وللجماهير الكبيرة، في اتجاه المفاصلة مع النظام ومع المؤسسة الرسمية، وربما تحولت هذه المفاصلة إلى قطيعة صعبة، والحكومة تعلم قبل غيرها ما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات خطيرة، ولذلك فإننا ندعو الحكومة إلى مراجعة حساباتها، وندعو البرلمان إلى عدم التورط والتسرع في خطوة من هذا النوع تتحدى إرادة الشعب والتي عبرت عنها مسيرة الأربعاء التاريخية.


إن العلماء مستمرون في الإصرار على موقفهم الذي أعلنوه خلال مسيرة الأربعاء ومن خلال البيان الصادر عن الاجتماع الذي إنمعقد في منزل سماحة العلامة السيد جواد الوداعي، ثم أن العلماء ماضون في التصدي والرفض ومعتمدين ما يرونه مناسبا من الوسائل والأساليب، وسوف يحددون الخطوات القادمة في ضوء قراءة التطورات.
وإذا كانت الحكومة جادة في السعي من اجل خلق توافق حقيقي مع العلماء ومع الشعب فيجب أن لا تقدم على خطوة مضرة كل الضرر بهذا التوافق، ويجب عليها أن تبادر إلى حلحلة عاجلة للملفات والأزمات والاختناقات.


إن الإقدام على إصدار قانون الأحكام الأسرية بلا ضمانات – حسبما طلب العلماء والجماهير – سوف يدخل الساحة في تعقيدات جديدة نحن جميعا في غنى عنها، فلا مبرر لهذه المجازفات حماية لهذا الوطن ولأمنه واستقراره ووحدته.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى