الإمام الحسن العسكري (ع)من وحي الذكريات

التغييب الواضح لثقافة التعريف بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله ربَّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الهداة الميامين المعصومين .


السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته …..


قبل ساعة كنت أتحدث في مسجد الإمام الصادق (عليه السلام ) عن (( التغييب الواضح )) لثقافة التعريف بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) في مؤسسات التربية والتعليم والثقافة والإعلام – و الكلام عن مؤسساتنا في البحرين ، فالمناهج الدراسية (( التاريخية والدينية)) لا تقدم لطلابنا وطالباتنا شيئاً عن أهل البيت (عليهم السلام) ، و البرامج الإذاعية والتلفازية خالية – الأ ما نذر- من الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام) ، و الصحافة ووسائل الثقافة الأخرى تعيش الفراغ من فكر المدرسة المرتبطة بالأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) .


هكذا تواجه أجيالنا – أنباؤنا وبناتنا – خطر التغييب لثقافة الوعي و المعرفة بالأئمة من أهل البيت (ع) :


ولم تكتفِ مناهج الدراسة ووسائل الثقافة من تغييب الحديث عن أهل البيت على مستوى التاريخ ، والفكر و الفقه، وإنما حاولت هذه المناهج والوسائل التي تؤصّل في ذهنية الأجيال مفهوماً مغلوطاً للتاريخ ، فأصبح الأمويون يمثلون المجد ، الأصالة ، الحضارة ، التاريخ ، القيم


 أو حسب تعبير أحمد شوقي أمير الشعراء في قصيدته المعروفة ( قم ناج جّلق ) : ( الدين والوحي والأخلاق طائفة منه ) أي من هذا التاريخ العظيم للأمويين ، الذي انطمست معالمه ، ولم تبق منه إلا ّالرسوم التي مشت عليها الأحداث والأزمان .


هكذا يتغنى أمير الشعراء بمجد الأمويين ، و تاريخ الأمويين ، وحضارة الأمويين ، وقيم الأمويين ، ثم يذرف الدموع الحارة الغزيرة لغياب وأفول هذا المجد والتاريخ والحضارة والقيم ، حتى راح يبكي الدين والمساجد والعّباد من بني أمية


بالأمسِ قمتُ على ( الزهراءِ) أندبهم


واليومَ دمعي على ( الفيحاء) هتّانُ


إلى أن يقول :


مــــــــــــررتُ بالمسجدِ المحزونِ أسأُلهُ


 هل في المصَلى أو المحرابِ ( مروانُ ) ؟


تغيّر المسجـــــــــدُ المحزونُ ، اختلفت


 على المنابرِ أحرار وعبـــــــــــــــدانُ


فلا الأذان أذان في منــــــــــــــــادته


 إذا تعــــــــــــــــــالى ، ولا الأذان ُ أذانُ


إنه من العمه والضلال أن يحاول أمير الشعراء البحث عن ( مروان ) في محراب صلاة أو صومعة عبادة …


بوركت شوقي هل أغزاك بارقهم


 إذ رحت تبكي ودمع العين هتان


مررت بالمسجد المحزون تسأله


 هل في المصلى أو المحراب مروان


ءَأنت أعمى فيا عوفيت من عمه


فكيف يوجد في المحراب شيطان


( هذه أبيات من قصيدة للشاعر السيد علي الوردي رد فيها على أحمد شوقي )


هكذا يُكـتَب التاريخ بطريقة مزورة فيصبح الأمويون رموز الأصالة في هذا التاريخ ، ويصبح الأمويون هم الحماة الأمنا ء للدين  ، ولقيم الدين


بنو أمية للشيطان ماصنعوا          وللضلالة ما شادوا و مادانوا


أنى لهم بأصول الدين معرفة          هل يعـرف الدين خـمار و دنان


الطاس و الكاس والطنبور دينهمو          فجدهم ناقر و الأبن ســــــــكران


في ضوء هذا التغييب لرموز الأصالة الحقيقيين وفي ضوء هذه الصياغة المزورة للتاريخ ولثقافة الأجيال ، يجب أن نمارس دور التحصين لأجيال الأمة في مواجهة هذا (( التغييب)) ويجب أن نعبئ أبناءنا وبناتنا بثقافة الانتماء إلى مدرسة الأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، ونحن هذا في هذا لا ننطلق من مذهبية ضيقةٍ تنغلق على نفسها ، و تلغي الآخر، إن مدرسة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) مدرسة تحمل الآفاق الواسعة للانفتاح والتواصل مع كل المذاهب الإسلامية الأخرى ، و لهذا فنحن دعاة وحدة وتقارب ، ولسنا دعاة فرقة وتخالف، إننا ننبذ الطائفية البغيضة والتي تروّج لها بعض الأقلام المدسوسة في هذه الأيام ، إنّ الكتابات الظالمة التي تمارس السب والشتم والإساءة لطائفة كبيرة من هذا الشعب هي كتاباتٌ محكومةٌ لتوجيهاتٍ معاديةٍ لمصالح هذه الأمة ، و موجهةٌ من قبل قوى خارجية تريد الشر لهذا البلد.


إنّ أيّ ممارسةٍ تعبّر عن الطائفية على أي مستوى من المستويات ، وسواء صدرت من قبل السلطة ، وأجهزة السلطة ، أو من قبل مؤسسات أهلية أو أفراد أو جماعات فهي مرفوضةُ ، ويجب شجبُها و التنديد بها ن لأنها تساهم في زعزعة الاستقرار والأمن والهدوء في هذا البلد ،


من هنا نؤكد أنّ هذا الإقصاء والتغيب لثقافة المعرفة بالأئمة من أهل البيت (ع) في المناهج الدراسية وفي وسائل الثقافة والإعلام هو منحى يكرّس روح الطائفية ، ويهضم حقوق المواطنين المنتمين إلى مدرسة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) .


ولسنا طائفيين حينما نطالب بالكثير من حقوقنا كمواطنين مسّهم الكثير من الجور و الظلم ، في هذه المرحلة التي يفترض فيها أنّها تشهد مشروعًا إصلاحيًا ، يستهدف إعادة الصياغة لكل مكوّنات هذا البلد السياسية والإجتماعية و الاقتصادية .


ولسنا طائفيين حينما ندعو إلى ضرورة تحصين أجيالنا ضد محاولات التغييب والإلغاء والمصادرة ، و حينما ندعو إلى ضرورة تعبئة أبنائنا وبناتنا بثقافة  الانتماء إلى خط الأئمة من أهل البيت (ع)


وهنا نطرح هذا السؤال :


–       كيف نصوغ حالة الإنتماء إلى مدرسة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ؟


نشترط في هذا الإنتماء :


أن يكون إنتماءً واعياً و فاعلاً و متحركاً ، فلا نريد لهذا الانتماء أن يكون إنتماء ً غبياً ساذجاً ، بل نريد له أن يكون إنتماءً يملك ( الوعي والبصيرة و الأصالة )


وإنطلاقاً من هذا الشرط نؤكد على ضرورة أن تكون (( أساليب الطرح للأئمة من أهل البيت )) أساليب واعية وناضجة ، وأن نحذر الأساليب الخرافية الاسطورية ، وحينما أقول الأساليب الحرافية ، لا أعني التشكيك في ( الكرامات والمقامات الغيبية للأئمة عليهم السًلام ) ، فأئمتنا (ع) لهم من الكرامات والمقامات مالا ينكره إلاّ جاحد متعصب ، ولكن أعني بالأساليب الخرافية الإستغراق في سرد الحكايات والقصص الأسطورية الوهمية المكذوبة على الأئمة (عليهم السلام) ، كما يمارس ذلك بعضُ الخطباءِ أو كما هو مدوّن في بعض الكتب غيرِ الموثقة، وكما تعلمون أنّ الأئمة من أهل البيت (ع) قد إبتلوا بعدد كبير من ( الوضاعين والكذابين) إخترعوا الكثير من الأحاديث والقصص ونسبوها إلى الأئمة عليهم السلام ، ولعل بعضهم بدوافع الغلو وبعضهم بدوافع الدس و التحريف ، وبعضهم بدوافع دينية ساذجة ترى في هذا اللون من الأحاديث ترغًيبا في الدين . وقد راج هذا الصنف الأخير من الأحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة (عليهم السلام)، يقال أنّ رجلاً من الزهاد وضع أحاديث في فضل قراءة بعض سور القرآن ، فقيل له : لم فعلت هذا ؟ فقال : رأيت الناس قد زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه ، قيل له : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : (( من كذب عليّ متعمدًا فليتبوء مقعده من النار ))


فقال : كذبت عليه ، إنّما كذبت له .


فحينما نريد أن نقدّم الأئمة (عليهم السلام) لأجيالنا فيجب إعتماد ماثبت من الأحاديث والروايات ، فأئمتنا لهم من الفضائل والكرامات والمقامات ما يغني عن إختلاق الأساطير ، و الخرافات ، كما تتحدث بعض الكتب عن   ( معركة وهمية قام خاضها أمير المؤمنين مع الجن ) و (وساطة وهمية بها أمير المؤمنين للصلح بين الملائكة ) ، ،أمثال هذا كثير وكثير .


يجب أن نقدّم أئمتنا للأجيال من خلال مقاماتهم العلمية والعبادية والأخلاقية والجهادية ومن خلال سيرتهم وتاريخهم المشرق ، ولا نعني هذا أن نلغي الحديث عن الكرامات و الفضائل والمقامات الغيبة ، وأنما نعتمد ما ثبت صحته عند المحققين من علمائنا ، وفي الكتب المعتمدة ، وأن لا نثقل ذهنية أجيالنا بقصص وهمية لا تعطي الصورة النقية للأئمة (عليهم السلام) .


إننا في حاجة إلى تكثيف التوعية والتثقيف حول الأئمة (عليهم السلام) ، فأجيالنا تعيش فراغاً فكرياً في هذا الجانب ، وهنا تأتي :


1)مسؤولية المساجد وأئمة المساجد في حماية هذه الأجيال عقائدياً ، و ثقافياً ، و روحياً ، وأخلاقياً ، وإجتماعياً ، وسياسياً ، وعلى كل المستويات النفسية والفكرية والعملية .


إنّ مسؤولية المساجد وأئمة المساجد مسؤولية كبيرة  وكبيرة جداً ، خاصة في هذهالمرحلة الصعبة بما تحمله من تحديات خطيرة تهدد شبابنا وشاباتنا في عقائدهم ، ودينهم ، وأخلاقهم ، وقيمهم .


2)مسؤولية المنابر الحسينية في تحصين هذه الأجيال وحمايتها في مواجهة مشروعات التغريب ، والإستلاب ، و المصادرة ، وفي مواجهة مشروعات الفساد والعبث والتحلل والإنحراف .


إننا في حاجة إلى خطباء يملكون الوعي ، والثقافة ، والصدق ، و الأخلاص ، و القدرة والأداء ، والجرأة والشجاعة ، ولا ينفع هذه المرحلة الخطباء السطحيون ، و المصلحيون ، الضعفاء ، الجبناء المتخاذلون ، الانهزاميون.


3)                 مسؤولية المؤسسات الدينية (الحوزات / الجمعيات / المكتبات / الصناديق الخيرية) في التصدي الجاد والهادف في نشر الوعي والثقافة ، وإستنفارد كل الإمكانات والقدرات والكفاءات في طريق الدفاع عن العقيدة ، والمبدأ ، والقيم ، والأخلاق، فلا يسمح في هذا الظرف الصعب أن تعيش هذه المؤسسات الإسترخاء ، والكسل ، والخمول ، والتهاون ، والتساهل ، و الصمت ، و السكون والمساومة ، و المداهنة .


4)                مسؤولية الأسرة في تهيئة الأجواء الإيمانية النظيفة لصياغة الأبناء والبنات صياغة إيمانية نظيفة ، و تحصينهم إسلامياً ودينياً وأخلاقياً في مواجهة مؤثرات الفساد والانحراف ، و في مواجهة مشروعات العبث بالقيم والأخلاق :


l            (( أدبوا أولادكم على حب نبيكم وحب أهل علىتلاوة القرآن ))


l            (( بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة ))


l            (( ويل لأبناء آخر الزمان من آبائهم ، قالوا : من أبائهم المشركين ، قال : من آبائهم المسلمين ، لا يعلمونهم شيئاً من الفرائض وإذا نعلم  أبناؤهم منعوهم ورضوا منهم بعرض يسير من الدنيا ، فأنا منهم برئ وهم مني برآء )) مسؤولية كل العاملين الإسلاميين في أيّ موقع من المواقع ، و على أيّ مستوى من المستويات .


فما أحوجَ المرحلة إلى توظيف كل الطاقات والقدرات ، و إنّ التفريط في تشغيل هذه الطاقات والقدرات يشكلّ خيانة للمبدأ ، والإنتماء .


كل فرد فيكم يملك قدْرًا من الإمكانات الثقافية ، والروحية ، والإجتماعية ، و المادية ، فهو مسؤول أمام الله تعالى أن يحرك هذا القدْر من الإمكانات ، وإلا كان ظالماً لأمته ، وإذا كان الذين يكنزون قطعاً من الذهب والأموال ويجمّدون دورها في خدمة المبدأ ، والحق , والإنسان ، وقد توعّدهم الله تعالى بالعذاب الأليم والعقاب الشديد يوم القيامة.


l                   (( و الذين يكنِزُون الذَّهب والفِضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنَّمَ فتلوى بها جباهُهُم وجنوبُهم وظهوُرهم ما كنزَتمُ لأنفسِكم فذُوقوا ما كنتم تكنِزون )) فكيف بمن يجمدون العلم ، والفكر ، والطاقة والقدرة ، والعطاء ، والعمل ، في وقت تتكالب كل القوى لحرب الإسلام ، والدين ، والقيم والأخلاق .


فكم هو عذاب الصامتين ، الساكتين ، المتخاذلين المنهزمين ، المسترخين ، المتهاونين ، و هم يملكون أن يقولوا الكلمة ، أو يعطوا الموقف ، أو يمارسوا الرفض ، أو المقاطعة ، أو أي شئ يملكون قدرته .


إننا أيها الأحبة نعيش الانتماء إلى الأئمة من أهل البيت الذين أعطوا كل وجودهم  ،وكل حياتهم لله ، للأسلام ، للقرآن .


فماذا أعطينا تحن ؟


رحم الله السّيد داود العطار ، هذا المجاهد في خط الولاء لآل محمد صلى الله عليه واله حيث يقول :


              واليتُ آل َمحمدٍ وأخذت ُ عنهم كل عاده


أنا لم أر منهم إماماً مات وهو على الوسادةْ حتى الذي قد جاوز الستين لم يترك جهادهْ


حتى العقائل منهمو قارعنَ من غصبوا السياده أنا لا أرى في الموتِ دون عقيدتي الإّ سعادة


 خط محمد و آل محمد صلى الله عليه وآله ليس خط الإسترخاء والنوم والدعة و إنما هو خط العطاء والموقف والجهاد .


ورحم الله دعبل الخزاعي شاعر الولاء الجرئ حيث يردد كلمته الشهيرة :


(( أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة ، لست أجد من يصلبني عليها ))


ورحم ابن السكيت شهيد الولاء ، حينما سأله المتوكل العباسي ، وكان ابن السكين معلماً لأولاده : أيهّما أحب إليك ولديَّ هذين أم الحسن والحسين – وقد وشي إلى المتوكل أنّ ابن السكين يتشيع لعلي بن أبي طالب فأراد أن يمتحنه – فأجابه ابن السكين بكل جرأة وصلابة وشموخ: إنّ شع نعل قمبر مولى الحسن والحسين أحب إلي منك و من ولديك ، فأمر المتوكل بقطع لسانه ،وقتل شهيد الولاء والحب لآل محمد صلى الله عليه وآله ..


اللهم ثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى