الإمام الحسين الشهيد (ع)من وحي الذكريات

الزيارة الأربعينيَّة الناجحة

ملاحظة: هذه محاضرة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، أُلقيت خلال اللقاء التَّوجيهي لزوَّار الأربعين في مأتم السَّنابس الجديد، في ليلة السبت 27 محرم 1441هـ الموافق 27 سبتمبر 2019م، وقد تمَّ تفريغها من تسجيلات مرئيَّة، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ الطيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

ّالزيارة الأربعينيَّة الناجحة
(معايير تقويم حملات زيارة الأربعين، وخطاب لحملات الأربعين)
موسم عاشوراء، وموسم الأربعين، موسمان استثنائيَّان في الواقع الشِّيعي، لِمَا يملكان من زخمٍ روحي وإيماني ووجداني، وبما يملكان من مراسيم ومظاهر وفعَّاليات، موسم عاشوراء له خصوصيَّته، وموسم الأربعين له خصوصيَّة كبيرة جدًا.
أبرز مراسيم ومظاهر الموسم الأربعينيِّ هو الزِّيارة الأربعينيَّة، فالإمام الحسين (عليه السَّلام) يُزار في كلِّ المواقع، وفي كلِّ المناسبات، لكن فرضت ظاهرة الزِّيارة الأربعينيَّة بحيث تشكِّل مظهرًا استثنائيًّا، هذا الزَّحف المليونيُّ إلى قبر الإمام الحسين (عليه السَّلام) في يوم الأربعين، وفي مناسبة الأربعين شكَّل مظهرًا استثنائيًّا فوق العادة، ولذلك تكثَّفت السَّفرات والرحلات وحملات الزِّيارة الأربعينيَّة.
الحديث عن الزِّيارة الأربعينيَّة وهي واحدة من زيارات الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وقد تقدَّمت الرِّواية المباركة [التي ذكرها مقدِّم اللقاء] التي أعطت لزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) مقامًا وموقعًا غير عادي.
إذًا الزِّيارة الأربعينيَّة مظهر استثنائي في الزِّيارات، فيما هو حجم الزِّيارة، وزخم الزِّيارة، وكثافة الزَّاحفين إلى قبر الإمام الحسين (عليه السَّلام) في الأربعين.
هذه الزِّيارة لها أهداف كبرى، فقيمة الزِّيارة بتحقُّق هذه الأهداف، حينما نتحدَّث عن حملات الزِّيارة الأربعينيَّة وحينما نُقوِّم هذه الحملات الأربعينيَّة نقوِّمها وفق معايير، ممَّا يؤسف له جدًّا أنَّ هناك معايير أصبحت هي المهيمنة في تقويم هذه الحملات، حملات حج، أو حملات عمرة، أو حملات زيارة، أصبحت في ذهن القائمين على الحملات، وفي ذهن النَّاس أنَّ هناك معايير معيَّنة من خلالها نقيِّم أو نقوِّم هذه الحملات، ولذلك ترون يا أحبَّائي إعلانات الدِّعاية للحملات ماذا يتصدَّر هذه الإعلانات؟ هل يتصدَّر هذه الإعلانات إرشاد متميِّز؟ علماء فضلاء؟ لا، فنادق فارهة، مطاعم و(بوفيهات) فاخرة، مواصلات، أنا لا أقول أنَّ هذه ليست مهمَّة، بل هي مهمَّة، أن أوفِّر سكنًا مناسبًا، وأن أوفِّر مطعمًا وأكلًا مناسبًا، وأوفِّر مواصلات مناسبة، هذه مطلوبة بلا إشكال، ليس عندنا مشكلة في ذلك، لكن لا أن تكون في واجهة الدِّعاية للحملة هذه المظاهر الماديَّة، رغم أنَّها مطلوبة بلا إشكال، لكن هناك معايير حقيقيَّة من خلالها نقوِّم الحملة بأنَّها حملة ناجحة، أو حملة متقدِّمة، أو حملة متوسِّطة، أو حملة متخلِّفة، في ضوء هذه المعايير، فأنا لا أقيِّم الحملات على ضوء هذه المظاهر الماديَّة رغم أهمِّيتها وقيمتها.
إذًا هناك معايير على ضوئها نقوِّم نجاح وفشل الحملات، حملات الزِّيارة الأربعينيَّة وكل الحملات الأخرى، ونحن نتحدَّث عن حملات الأربعين.
المعايير التقويميَّة لهذه الحملات تعتمد أسسًا، أسسًا روحيَّة، وأسسًا فكريَّة، وأسسًا سلوكيَّة، وأسسًا أخلاقيَّة، هذه المعايير من خلالها أقيِّم وأقوِّم الحملة وأنَّها حملة ناجحة، أو حملة فاشلة.
على ضوء ما تستطيع الحملة – حملة الزِّيارة – أن ترتقي بمستوى الزُّوار إلى تحقيق أهداف الزِّيارة الكبرى، يكون النجاح، ويكون الفشل على هذا الضَّوء، وبقدر ما تستطيع الحملة أن ترتقي بمستوى الزُّوار إلى أن يتفاعلوا مع الأهداف الكبرى للزِّيارة تكون الحملة الناجحة المتقدِّمة، وبقدر ما تنخفض هذه القدرة في الحملة ينخفض مستوى الحملة، مهما كانت المظاهر الماديَّة متقدِّمة كل التقدُّم، إذًا توجد معايير على ضوئها أقوِّم هذه الحملة أو تلك الحملة، نجاحًا أو فشلًا.
زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) لها أهداف كبرى بقدر ما تتحقَّق هذه الأهداف، أو يرتقي مستوى هذه الأهداف في داخل الزُّوَّار، تكون الزِّيارة ناجحة، لا أريد أتحدَّث فالوقت مضغوط – بمقدار نصف ساعة وبعد ذلك يُترك المجال للحوار-، لكن بشكلٍ مضغوط جدًّا أقول: هناك معايير في ضوئها نقوِّم الحملة حملة زيارة الأربعين.
معايير تقويم حملات زيارة الأربعين
المعيار الأول: الارتقاء بمستوى عُشق الزُّوار للإمام الحسين (عليه السَّلام)
بأي مقدار استطاعت هذه الحملة أن ترتقي بمستوى عُشق الزُّوار للإمام الحسين (عليه السَّلام)، – سأتناول هذا الجانب ضمن الحديث- ، بأي مقدار استطاعت الزِّيارة أن ترتقي بمستوى العشق الحسينيِّ، كلُّنا عشَّاق الإمام الحسين (عليه السَّلام)، زوَّار الإمام الحسين (عليه السَّلام) هم عشَّاق الإمام الحسين (عليه السَّلام)، لكن درجات العشق تختلف، بأي مقدار ارتقى مستوى العُشق عندك أيُّها الزَّائر يرتقي مستوى مقامك، كم هي مقامات كبرى لزوَّار الإمام الحسين (عليه السَّلام)، لكنَّ المقامات متفاوتة أيضًا، فكلَّما ارتقى العشق الحسينيُّ كلَّما ارتقت حالة التفاعل الوجداني الرُّوحي، وكلَّما كان هناك ذوبان وانصهار نفسي وجداني، وكلَّما كان هناك إخلاص، فهذا معيار على ضوئه نقيِّم مستوى الزَّائر ومستوى حملة الزِّيارة في صنع هذا المستوى من الانصهار الوجداني وهذا العشق الحسيني، والحديث حول هذا المعيار يطول.

المعيار الثاني: الارتقاء إلى مستوى الوعي بأهداف الزِّيارة الحسينيَّة
يوجد معيار آخر: الارتقاء إلى مستوى الوعي بأهداف الزِّيارة الحسينيَّة، زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) لها أهداف كبرى، هي أهداف الإسلام، هي أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، بأي مقدار استطاعت الزيارة أن تصنع وعيًا في عقل الزَّائر، وفي وعي الزَّائر، وفي ثقافة الزَّائر بأهداف الزِّيارة، وبأهداف الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وبأهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وهنا أيضًا يتفاوت النَّاس، البعض يرتقي بمستوى وعيه لأهداف الزيارة إلى مستوى عالٍ جدًا، والبعض ينخفض مستوى وعيه بأهداف الزِّيارة انخفاضًا كبيرًا، وهنا التفاوت بين وعي يرتقي وبين وعي ينخفض.
إذًا إذا كان المعيار الوجداني، معيار الإخلاص، ومعيار الصِّدق أحد المعايير الأساس في تقويم الحملات، وتقويم الزِّيارات، وخاصَّة الزِّيارة الأربعينيَّة، فمعيار الوعي، ومعيار الفهم، والثقافة، هذا معيار مهمٌّ جدًا.

المعيار الثالث: الارتقاء بمستوى السُّلوك والممارسة
يوجد معيار ثالث، معيار السُّلوك والممارسة، بأيِّ مقدار استطاعت الزِّيارة أن تخلق عندي تقوى الإمام الحسين (عليه السَّلام)، الإمام الحسين (عليه السَّلام) قمَّة التَّقوى، وقمَّة الورع، وقمَّة المُثل، وقمَّة الأخلاق، بأيِّ مقدار استطاعت زيارة الأربعين، وزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) أن ترتقي بمستوى التَّقوى في داخلي كزائر، ومستوى الورع في داخلي كزائر، ومستوى القِيَم، ومستوى الأخلاق.
على ضوء هذا المعيار أقوِّم مستوى الزَّائر، وأقوِّم مستوى الحملة في أداء مهامها وأهدافها الكبرى.
إذًا الزيارة إذا استطاعت أن ترتقي بمستوى عشقي ووجداني، واستطاعت أن ترتقي بمستوى وعيي لأهداف الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وأن ترتقي بمستوى التزامي عمليًّا بأهداف الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، هنا التقويم، هنا القراءة التي من خلالها نفهم مستوى الزِّيارة، ومستوى حملات الزِّيارة.

المعيار الرَّابع: قدرة الزِّيارة بأن تصنع إنسانًا يحمل رسالة عاشوراء.
يوجد معيار رابع، بأي مقدار استطاعت زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) أن تصنع مني إنسانًا يحمل رسالة عاشوراء، وهمَّ عاشوراء، وجهاد عاشوراء، والأمر بالمعروف العاشورائيِّ، والنَّهي عن المنكر العاشورائيِّ، هل استطاعت الزِّيارة أن تصنع هذا؟
هل استطاعت الزِّيارة أن تصنع مني إنسانًا قد وظَّف طاقاته، وقدراته، وإمكاناته، وكفاءاته، في خدمة أهداف الإسلام، وأهداف الدِّين؟، الإمام الحسين (عليه السَّلام) ثورة من أجل الدِّين، وثورة من أجل القِيَم، وثورة من أجل المبادئ، بأيِّ مقدار استطاعت زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) أن تصنع في داخلي هذا اللون من الوهج الجهادي؟ حينما أتحدَّث عن جهاد، لا أتحدَّث عن حمل سيف أو حمل بندقيَّة، الجهاد هو الكلمة المجاهدة الدَّاعية، والآمرة بالمعروف، والنَّاهية عن المنكر.
هذه أربعة معايير أساس على ضوئها نقوِّم مضمون الزِّيارة، ونقوِّم أهداف الحملات.

خطابات للحملات الأربعينيَّة
بعد هذه المقدَّمة، هنا توجد حاجة إلى أن أوجِّه ثلاث خطابات:
1-خطاب إلى مسؤولي الحملات الأربعينيَّة.
2-وخطاب إلى موجِّهي الحملات الأربعينيَّة.
3-وخطاب إلى زوَّار الحملات الأربعينيَّة.
هذه ثلاث خطابات، لا بدَّ أن توجَّه إلى هذه المفاصل الثلاثة، عندما نتحدَّث عن زيارة أربعينيَّة، فإنَّنا نتحدَّث عن حملات، ونتحدَّث عن موجِّهين لهذه الحملات، ونتحدَّث عن زوَّار وعن جماهير، هذه خطابات ثلاثة.
الخطاب الأوَّل: خطاب إلى مسؤولي الحملات الأربعينيَّة
نبدأ بالخطاب الأول وهو الخطاب الموجَّه إلى مسؤولي الحملات
وهنا مجموعة أمور:
الأمر الأوَّل: الإخلاص لله ولأهداف الإمام الحسين (عليه السَّلام).
أيُّها المسؤولون عن حملات الأربعين كونوا على درجة عالية من الإخلاص لله ولأهداف الإمام الحسين (عليه السَّلام).
هذه ليست حملات تجاريَّة، ففي اليوم الذي يسيطر ويهيمن على عقل مسؤولي الحملات هاجس الأرباح الماديَّة، فقدت الحملة مضمونها الرُّوحي، أنا لا أقول ليس من حقِّ المسؤولين أن يأخذوا عوضًا، وهم سوف يقدِّمون خدمات، وسوف يقدِّمون استعدادات كثيرة، من حقّهم أن يأخذوا عوضًا، لكن ليس الهاجس المادي والتِّجاري هو الذي يهيمن على عقليَّة المسؤولين، في اليوم الذي يُهيمن الهاجس المادي والتجاري على عقليَّة المسؤولين تفقد الحملات قيمتها، سواء حملات حج، أو حملات عمرة، أو حملات زيارة.
هنا إخلاص، هنا تقرُّب إلى الله، كم أنت أيُّها المسؤول في حملة حجٍّ أو عمرةٍ أو زيارة تحقِّق ثوابًا عظيمًا عند الله يوم يكون عملك مخلصًا صادقًا مع الله، هذا العمل إذا تحوَّل إلى مهنة تجاريَّة بحتة فَقَدَ قِيمته، وتفقد الحملة مضمونها الرُّوحي عندما يُهيمن على عقل المسؤول العقل التِّجاري البحت.
ثمَّ يفقد الإنسان المسؤول عن الحملة العطاء الإلهي، والثَّواب العظيم، أنت تفقد هذا الثواب، من حقِّك أن تتاجر بأيِّ شكل، لكن ليس بالمناسبات الدينيَّة، المتاجرة بهذه العناوين تُفقد الإنسان الثواب.
إذًا الرحلة تفقد مضمونها الرُّوحي، ويفقد المسؤولون الثَّواب، ويحرمون منه.
ثمَّ يؤدِّي هذا العقل التِّجاري إلى التقصير في مستلزمات الحجَّاج، أو الزُّوَّار، أو المعتمرين، فإذا كان عقل المسؤول تجاري فإنَّه لن يضع في حسابه كلَّ الأهداف الكبرى، بل سيضع في حسابه كيف يوفِّر سكن، وكيف يختصر في التوفير، وكيف يوفِّر الطَّعام وكيف يتمكَّن أن يختصر في الطَّعام، هذا هو العقل التِّجاري، فالأهداف الكبرى للحملة تنتهي وِفق هذا العقل التِّجاري.
إذًا هناك حاجة إلى إخلاص لدى المسؤولين عن حملات الزِّيارة الأربعينيَّة.

الأمر الثاني: التوفُّر على كفاءات إداريَّة
نحن في حاجة إلى أن نتوفَّر على كفاءات إداريَّة، فوجود الكفاءات الإداريَّة تُنجح مسار الحملات، أمَّا الإدارات الفاشلة فإنَّها تُفشل الأهداف، والإدارات الفاشلة تربك البرامج، فلربَّما هناك برامج ناجحة روحيَّة وأخلاقيَّة وثقافيَّة، لكنَّ هذه الإدارات الفاشلة تُفشل هذه البرامج، ولذلك نحتاج إلى دورات لإعداد كوادر إداريَّة.

الأمر الثالث: أخلاقيَّة التعامل مع الزُّوَّار
أخلاقيَّة التعامل مع الزُّوَّار، هذا مظهر من مظاهر نجاح الإدارات ونجاح المسؤولين، كيف يتعاملون أخلاقيًّا مع الزُّوار، مع الحجَّاج، مع المعتمرين، هذا اللون من التعامل الأخلاقي يرتقي بمستوى أجواء الحملات، ويخلق أجواء ناجحة، لا أريد أتحدَّث تفصيلًا عن ما هي الأخلاقيَّات المطلوبة من مسؤولي الحملات، هذا يحتاج إلى حديث آخر مفصَّل.
إذًا هذا خطاب موجَّه إلى إدارات ومسؤولي الحملات.

الخطاب الثَّاني: الخطاب الموجَّه إلى مُوَجِّهي الحملات الأربعينيَّة
هنا خطاب موجَّه إلى الموجِّهين.
هناك مفهوم صار يتمركز لذا مسؤولي الحملات، ولذا الزُّوَّار، وهو: أنَّ حملات الزِّيارة لا تحتاج إلى مرشدين وموجِّهين، هذه ليست حملات حج، هذه ليست حملات عمرة، حتى نحتاج عالم يوجِّه وعالم يُرشد.
لا، لا تَقِلُّ حملات الزِّيارة عن حملات الحجِّ، وحملات العمرة في ضرورة وجود موجِّهين ومرشدين أكفاء، فقد يقول -مسؤول الحملة-: أنا أكتفي بأن أصطحب معي خطيبًا يقرأ تعزية، ماذا يريد الزُّوَّار، فلا يوجد طواف، ولا يوجد سعي، ولا توجد تلبية، ولا توجد أحكام، فقط هناك أقوم بزيارة الإمام، وأسلِّم عليه، وأرجع إلى البيت، فلماذا إذًا أحتاج إلى علماء؟ وأحتاج إلى موجِّهين.
لا، الحاجة إلى مرشد، وإلى موجِّه في حملات الزِّيارة لا تَقِلُّ، هناك مجموعة مسائل فقهيَّة في الزِّيارة، ولست هنا الآن في صدد التفصيل، فكما الحج والعمرة في حاجة إلى برنامج فقهي كذلك الزِّيارة، فتوجد أحكام صلاة، وتوجد أحكام قصر، وتوجد أحكام تمام، توجد أحكام كثيرة، حتى طبيعة السَّفرة هل هي مشروعة أو غير مشروعة؟، بمال مشروع أو بمال غير مشروع، في ذمَّتك حقوق أو لا توجد في ذمَّتك حقوق؟، فالمسألة ليست بهذا الشَّكل فقط اخرج واذهب زائرًا، فتوجد مساحة من القضايا الفقهيَّة تحتاج إلى وجود موجِّه، وعالم قدير مع الحملة، هذه النظرة خاطئة جدًا وتسلب من الحملة الكثير من المعطيات.
فإذًا هناك برنامج فقهي يفرض وجود عالم بصير قادر، وهذه فرصة على تعليم الناس أحكام دين وأحكام صلاة، فيمكن هذا – الزائر- لا يحضر توجيهات العلماء، ولا يحضر مساجد، لكن يذهب للزِّيارة، وهذه فرصة أمام العالِم أن يقول كلمة، أن يوجِّه، أن يُعلِّم.
فإذًا يوجد برنامج فقهي، وتوجد مسائل فقهيَّة ضروريَّة.
وكذلك يوجد برنامج روحي، فالزِّيارة سفرة روحيَّة، وهجرة روحيَّة، كما الحج، وكما العمرة، سفرات روحيَّة، الزِّيارة من أرقى أنواع السَّفرات الرُّوحيَّة، فإذا كانت الزِّيارة سفرة روحيَّة ألا تحتاج إلى توجيه؟!، كيف نرتقي بمستوى عروجنا الرُّوحي في هذه الزِّيارة؟ كيف نستفيد من مضامين الزِّيارة؟ كيف نعيش ذوبانًا وعشقًا حقيقيًّا مع الزِّيارة؟ فهذه الأمور ألا تحتاج إلى كلمة؟، ألا تحتاج إلى موجِّه؟.
إذًا هنا دور العالم ودور الموجِّه في صنع الوعي الفقهي، وهنا دور العالم ودور الموجِّه في صنع الوعي الرُّوحي، وهنا دور المرشد ودور الموجِّه ودور المعلِّم في الحملة في صنع الوعي الثَّقافي، فيوجد وعي فقهي، ويوجد وعي روحي، ويوجد وعي ثقافي، إذًا أيُّها القائمون على الإرشاد في حملات الحج والزِّيارة وظِّفوا الحملات توظيفًا راقيًا في بناء وعي الزُّوار فقهيًّا وروحيًّا وثقافيًّا، ضعوا برامج ناجحة، فنجاح البرامج يعتمد وجود كفاءات إرشاديَّة ناجحة وقديرة، على أن تضع برامج ناجحة لنجاح برنامج الزِّيارة، نجاح البرامج يفرض وجود مرشد وموجِّه ديني كفوء، وغياب المرشد يفقد الحملة الكثير من عطاءاتها الرُّوحيَّة والثقافيَّة، الزِّيارة في حاجة إلى برمجة مدروسة، فهذه ليست سفرة ترفيهيَّة عاديَّة، وليست سفرة عواطف فقط مع الإمام الحسين (عليه السَّلام)، إذًا نحتاج أن نصنع زيارات وسفرات زيارة بمستوى أهداف هذه الزِّيارة، فالزِّيارة ليست فقط أذهب وأدخل الحرم، وأسلِّم على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وأزور زيارة مطوَّلة، أو قصيرة وتنتهي، مسألة الزِّيارة ليست بهذا الشَّكل، الزِّيارة لها مكوِّنات، ولها مضامين، ولها خطوات، أنت وقبل أن تتهيَّأ تحتاج إلى توجيه روحي للزِّيارة وهذا دور المرشدين، نحتاج إلى صنع العشق الحسيني وهذا دور المرشدين، نحتاج إلى صنع الوعي بمضامين الزِّيارة وهذا دور المرشدين، هذا كله يحتاج إلى وجود مرشد، يرتقي بمستوى أهداف الزِّيارة.
هذا خطاب إلى المرشدين وإلى المسؤولين.

الخطاب الثَّالث: خطاب إلى زوَّار الحملات الأربعينيَّة
أما خطاب الزَّوار، أيُّها الزُّوار هنيئًا لكم زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وخاصَّة زيارة الأربعين، أنتم في رحلة ربانيَّة عظيمة جدًّا، لا نستطيع نحن البشر العاديين أن نقيِّم قيمة هذه الزِّيارة، يقيِّمها الإمام المعصوم (عليه السَّلام)، وسمعت هذه الرِّواية المباركة الطيِّبة [التي ذكرها مقدِّم اللقاء] كيف أعطت لزوَّار الإمام الحسين (عليه السَّلام) قيمة كبرى جدًا، زوَّار الإمام الحسين (عليه السَّلام) مراتب، وزوَّار الإمام الحسين (عليه السَّلام) درجات، هنا نحتاج إلى مجموعة استعدادات لهذه الزِّيارة، وهنا الخطاب إلى الزُّوَّار.
أولًا: التهيُّؤ الناجح.
تهيَّأوا تهيُّؤًا ناجحًا لزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، ما معنى التهيُّؤ النَّاجح؟
طهِّروا قلوبكم، لا تذهب للإمام الحسين (عليه السَّلام) وقلبك ملوَّث، ابدأ بتطهير قلبك، الإمام الحسين (عليه السَّلام) يريد قلوب طاهرة، الإمام الحسين (عليه السَّلام) ثار من أجل أن يصنع القلوب الطَّاهرة، فأنت تنطلق في سفرة العروج الرَّباني لزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، طهِّر قلبك أوَّلًا.
أخلص النيَّة، فهذه ليست سفرة استجمام، وإنَّما هذه سفرة عبادة، وسفرة تقرُّب إلى الله، وتقرُّب إلى أهل البيت (عليهم السَّلام)، وتقرُّب إلى الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فتحتاج إلى خلوص نيَّة، وقلب طاهر، ونيَّة خالصة صادقة ليس وراءها غبش، ولا يوجد فيها غبش، ولا يوجد فيها أهداف دنيا، كمن يقول: أنَّني ذاهب لأستجم أو أغيِّر جو، لا.
طهِّر قلبك، أخلص النيَّة لله، وطهِّر جوارحك، وهذه المسألة مهمَّة جدًّا، اذهب بجوارح طاهرة، بلسان طاهر، بعين طاهرة، بيدٍ طاهرة، برجلٍ طاهرة، ببطنٍ طاهر، هذه سفرة الطَّهارة، هذه سفرة نرتقي بها إلى درجة الطُّهر، تحتاج إلى طهارة، طهارة جوارح.
صفِّ خلافاتك مع إخوانك المؤمنين حتى يستقبلك الإمام الحسين (عليه السَّلام)، أترى الإمام الحسين (عليه السَّلام) يستقبل أشخاصًا يعيشون العداوات فيما بينهم، صفُّوا هذه الخلافات، هذا أوَّلًا، هذا التهيُّؤ، إذًا سفرة العشق، عشق الإمام الحسين (عليه السَّلام)، هذه السَّفرة تحتاج إلى تطهير، والعشق يحتاج إلى نقاء، وطهارة، وصفاء، وإخلاص، فهذه هي سفرة العشق.

ثانيًا: الالتزام ببرامج الحملات التوجيهيَّة
أيُّها الزُّوار التزموا ببرامج الحملات التوجيهيَّة
فهناك برامج في الحملات، لكن الكثير من الزُّوَّار يقول أنا ليس شأني البرامج، أنا آتي أزور الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وأذهب أسلِّم على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وأصلِّي عند الإمام الحسين (عليه السَّلام)، أمَّا البرامج والدروس فهذه ليست من اهتماماتي، لا، أيُّها الزَّائر بقدر وعيك للزِّيارة، وفهمك للزِّيارة يرتقي موقعك عند الإمام الحسين (عليه السَّلام)، أنت تريد موقعًا متقدِّمًا أو موقعًا متخلِّفًا، هل تزهد في المواقع المتقدِّمة؟، كيف يتقدَّم الموقع؟، كيف تكون في درجات عالية عند الإمام الحسين (عليه السَّلام)؟، إذًا هذا مستوى زيارتك يجعلك ترتقي.
إذًا توجد برامج فقهيَّة، وتوجد برامج روحيَّة، وتوجد برامج ثقافيَّة، فاحرص على هذه البرامج، واستفد منها، فهذه تجعلك ترتقي بمستوى زيارتك، وكما قلنا هذه سفرات عبادة، وليست سفرات استجمام، وليست سفرات تجاريَّة، وليست سفرات ماديَّة، هذه سفرات روحيَّة، سفرات عباديَّة، فكلما يرتقي مستوى التزامك بالبرامج الهادفة الراقية الروحيَّة والأخلاقيَّة والتربويَّة والفقهيَّة يرتقي مستوى زيارتك.

ثالثًا: الحذر من ارتكاب المخالفات الشَّرعيَّة
أيُّها الزُّوار الحذر الحذر الحذر من ارتكاب المخالفات الشَّرعيَّة.
الكثير من الزُّوَّار يسقطون في ارتكاب مخالفات شرعيَّة، فكما يتضاعف الثَّواب وأنت في كربلاء وأنت في مكَّة وأنت في المدينة، يتضاعف الأجر، ويتضاعف الثَّواب، أنت تصلِّي في مكَّة، تصلِّي في المدينة، تصلِّي في النجف، تصلِّي في كربلاء، تصلِّي في مشهد عند الإمام، درجة الصَّلاة – في هذه الأماكن – ترتقي، أنت تقرأ القرآن درجة التِّلاوة ترتقي، أنت تتصدَّق درجة الصَّدقة ترتقي، الثَّواب يرتقي في هذه المواقع المقدَّسة، فعند الإمام الحسين (عليه السَّلام) بلا إشكال يرتقي الثَّواب، وفي المقابل يشتَّد العقاب، كما يرتقي الثَّواب يشتَّد العقاب، يوم يكذب الإنسان وهو إلى جوار الإمام الحسين (عليه السَّلام)، كم هو عقابه شديد، يوم يغتاب وهو قريب من قبر الإمام الحسين (عليه السَّلام) يزداد العقاب، يوم ينظر نظرة محرَّمة إلى امرأة لا يجوز النَّظر إليها يزداد العقاب، وهنا يبتلي كثير من الزُّوَّار ببعض المخالفات، وخاصَّة الغِيبة.
حذاري حذاري من أن يتورَّط أحدٌ في هذه السَّفرات بالغِيبة.
وحذاري حذاري من أن يتورَّط رجلٌ بالنَّظر إلى امرأة نظرة محرَّمة، أو تتورَّط امرأة بالنَّظر إلى رجل نظرة محرَّمة.
حذاري حذاري من الاختلاط غير الملتزم، أجواء يختلط فيها الزُّوار، يختلط الرِّجال بالنِّساء، يختلط الشَّباب بالشَّابات، وكم لهذا الاختلاط من محاذير، وكم لهذا الاختلاط من نتائج مدمِّرة، تسحق كلَّ عطاءات الزِّيارة.
أنت قد أتعبت نفسك وبذلت الأموال وذهبت للإمام الحسين (عليه السَّلام) وترجو الثواب من الإمام الحسين (عليه السَّلام) فهل تتورَّط في مخالفات؟، وفي نظرة محرَّمة؟، وفي كلام مع امرأة؟، وفي غِيبة؟، وفي ألفاظ غير مؤدَّبة؟، وفي سوء خلق؟، وفي انفعال؟، وفي غضب؟
يجب الحفاظ على حرمة الأماكن المقدَّسة، الأماكن المقدَّسة لها حرمة، حرمتها اجتناب المعاصي، حرمتها التأدُّب والوقار، حرمتها أن نحافظ على قداسة هذه الأماكن الطاهرة المقدَّسة.
هذه بعض كلمات سريعة وعاجلة وأكتفي، فالوقت المحدَّد لي نصف ساعة وقد انتهت وزادت دقيقة أو دقيقتين، وأعتذر للزيادة هذه وأترك المجال الآن لأسئلتكم وبعض استفساراتكم.

الأسئلة…
الوصلة:

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى