آخر الأخبارشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 608:في رحاب سورة الأعراف (3) – التَّرويج للشُّذوذ الجنسيِّ – هكذا رَحَلُوا

حديث الجمعة 608 | الموافق: 8 يونيو 2023 م | 19 ذو القعدة 1444هـ | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين

في رحاب سورة الأعراف (3)

عناوين الحديث:

1- في رحاب سورة الأعراف (3)

2- التَّرويج للشُّذوذ الجنسيِّ

3- هكذا رَحَلُوا

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

العنوان الأوَّل: في رحاب سورة الأعراف (3)

يستمر بنا الحديثُ حولَ آياتٍ مِن سورةِ الأعراف، حيث صوَّرتْ لنا تَمرُّدَ إبليسَ اللَّعينِ على أوامر الله سبحانه حينما أمره بالسُّجود لآدم (عليه السَّلام)، وكان هذا التَّمرُّدُ سَبَبًا في طردِ إبليسَ.

تقول الآيات أنَّ إبليس اللَّعين قد طُرِدَ مِن رحمة الله.

وهنا يُطرح هذا السُّؤال:

وماذا كان موقف إبليس بعد أن صدر الأمر الإلهي بطرده؟

طلب إبليس مِن الله سبحانه أنْ ينظره أي يُمْهلَهُ.

  • {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. (سورة الأعراف: الآية 14)

أي أمهلني وأبقني حيًّا إلى يوم يُبعث الخَلْقُ من قبورهم.

هنا طلبان لإبليس اللَّعين:

الطَّلب الأوَّل: أنْ يبقى حيًّا.

الطَّلب الثَّاني: أنْ تكون مدَّة بقائِهِ حيًّا إلى يوم البعث حيث يخرج الخلق من قبورهم.

 

هل استجاب الله سبحانه لطلب إبليس؟

استجاب الله سبحانه للطَّلب الأوَّل.

  • {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ}. (سورة الأعراف: الآية 15)

وأمّا الطَّلب الثَّاني وهو البقاءُ إلى يومِ البعثِ فلم يُسْتَجبُ له، بل ترك إلى الوقت الذي يُحدِّدُه الله سبحانه.

  • قال الله تعالى: {… فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}. (الحجر/37 – 38)

أي الذي يعلمه الله سبحانه.

 

وهناك روایة ذكرها العلَّامة الطَّباطبائي في الميزان نقلًا عن تفسير العيَّاشي وتفسير البرهان، والرِّواية عن الامام الصَّادق (عليه السَّلام) حيث سُئل عن معنى قوله تعالى: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} قال (عليه السَّلام): «يا وهب، أتحسب أنَّه يوم يبعث الله فيه النَّاس؟، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فيأخذ بناصيتِهِ، ويضرب عنقه، فذلك اليوم هو الوقت المعلوم».(1) (الطَّباطبائي: تفسير الميزان 12/175، سورة الحجر: في تفسير الآيات 26 – 48، بحث روائي)

هنا سؤال يُطرح:

لماذا أستجاب الله سبحانه لطلب إبليس حينما سأل الله الإنظار، حيث قال [يعنى إبليس] {أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}؟

يذكر المفسِّرون توجيهات:

التَّوجيه الأوَّل:

إنَّ إبليس طلب مِن الله سبحانه أنْ يعطيه عمرًا طويلًا في هذه الدُّنيا، في مقابل عبادته التي كان قد أتى بها قبل ذلك (خمسة آلاف سنة)، وكانت العدالة الإلهيَّة تقتضي قبول مثل هذا الطَّلب.

صحيح إنَّ إبليس أسقط تاريخًا طويلًا مِن العبادة بمعصية ساعة.

لا تستصغروا الذُّنوب.

 

التَّوجيه الثَّاني:

إنَّ وجود القوى المضادَّة للمسيرة الخيِّرة يقوِّي هذه المسيرة ويُصَلِّبُها.

ولا تظهر قيمة الطَّريق المستقيم إلَّا بالالتفات إلى الطُّرق المنحرفة، فلولا وجود الشَّيطان وغواياته ومنزلقاته لما تميَّز الأخيار والصُّلحاء، ولما تصلَّبت الإرادات الإيمانيَّة الخيِّرة.

 

التَّوجيه الثَّالث:

الله سبحانه حينما ترك للشَّيطان حضوره في هذه الدُّنيا لم يترك الإنسان بلا مُحصِّنات تحميه مِن مكائد الشَّيطان، ومن هذه المحصِّنات:

(1) العقل وهو يشكِّل سدًّا منيعًا في مواجهة غوايات وضلالات الشَّيطان.

(٢) الفطرة النَّقيَّة ودورها في تسييج الباطن وحمايته مِن كلِّ الوساوس الشَّيطانيَّة.

(3) الحماية الرَّبَّانيَّة بواسطة الملائكة.

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ …} (سورة فصِّلت: الآيتان 30 – 31)

{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ}: أنصاركم وأحبَّاؤكم.

{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: نحامي عنكم ونسدِّدكم في مواجهه مكائد الشَّيطان.

{وَفِي الْآخِرَةِ}: بكلِّ البشارات حتَّى نُدخلكم الجنَّة.

وتوصلُ الملائكة هذه البشارات إلى المؤمنين:

  • عند الاحتضار
  • عند الخروج من القبور
  • عند الحساب
  • في الحديث عن الامام زين العابدين (عليه السَّلام):

«أشَدُّ ساعاتِ ابنِ آدَمَ ثَلاثُ ساعاتٍ:

السَّاعَةُ الَّتي يُعايِنُ فيها مَلَكَ المَوتِ

والسَّاعَةُ الَّتي يَقومُ فيها مِن قَبرِهِ

والسَّاعَةُ الَّتي يَقِفُ فيها بَينَ يَدَيِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى

فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، …».(2) (الصَّدوق: الخصال، ص 119، (ب: الثَّلاثة)، ح 108)

 

نواصل الحديث – إنْ شاء الله تعالى -.

 

العنوان الثَّاني: التَّرويج للشُّذوذ الجنسيّ

 

التَّرويج للشُّذوذ الجنسيِّ في هذا الوطن الذي يعتزُّ بانتمائه للإسلام وقِيم الإسلام، هذا التَّرويج يُعدُّ جريمة كبرى لا يجوز الصَّمتُ عليها، وإنَّنا نثمِّنُ وبقوَّة كلَّ الأصواتِ الغيورة التي ارتفعتْ صارخةً في وجه هذا التَّحدِّي الوقح الذّي يشكِّل انتهاكًا صارخًا لدينِنا ولقِيَمنا ولثوابتنا الوطنيَّة.

وبقدر ما ترتفع الأصواتُ الغاضبةُ الرَّافضةُ يتأسَّس التَّسييجُ الصُلبُ لمقدَّساتِنا، ولِشرفِنا، ولِعزَّتنا.

وبقدر ما تموتُ هذه الأصواتُ الغيورةُ تموتُ الكرامةُ والعزَّةُ والشَّهامةُ.

لهم أنْ يصنعوا ما يشاؤون في أوطانِهم، ومع شعوبِهم، وإنْ كان التَّرويج للشُّذوذ الجنسيِّ جريمة كبرى في حقِّ البشريَّةِ، وفي حقِّ كلِّ الشُّعوبِ والأوطانِ.

وهو مرفوض ويجب أنْ ترتفع الصَّرخاتُ في كلِّ العالمِ مندِّدةً بهذا العبثِ المدمِّر، وبهذه المشاريع التي تقود العالم إلى أخطر المآلات المرعبة.

أقول رغم هذه المنتجاتِ المدمِّرة والمرعبة لمشاريع الدَّعارة، إلَّا أنَّهم هم يتحمَّلون مسؤوليَّة أوطانِهم وشعوبِهم.

أمَّا أوطانُنا وشعوبُنا فيجب أنْ لا نسمح لهُمْ أن يَعبثوا بدينها وقِيَمها وثوابتها، ويجب أن لا نسمح لهم أنْ يدمِّروا كرامَتها وعفَّتها، ويجب أنْ لا نسمح لهُمْ أن يُروِّجوا لأفكارهم الفاسقةِ، ولقناعاتِهم العابثةِ والفاضحةِ.

الترويج للشذوذ الجنسي هو أخبث ما أنتجته دعارةُ هذا العَصْرِ الموبوءِ بصرخات العبث الأخلاقي، العبث بالأخلاق والقيم هو أخطر ما أنتجته مؤسَّسات الدَّمار.

كم هو مخجلٌ جدًّا ومسيئ جدًّا أنْ يرتفع في هذا الوطنِ وطنِ الدِّين والقِيَم، وطنِ المُثلِ والشَّرفِ أنْ يرتفع ومن موقع يُمثِّلَ أكبرَ دولِ العالم صوت يروِّج لأخبث ظاهرةِ في تاريخ الإنسانِ، ظاهرةِ الشذوذ الجنسيِّ!!

هكذا يحاولون أنْ يقتلوا كلَّ الشَّرفِ، وكلَّ الغيرة، وكلَّ الطُهرِ، وكلَّ المروءة.

لماذا هذا الإصرار على هذا العبث؟

من أجلِ أن يسرقوا الرُّجولة، والعزَّة، والكرامة، والإرادة، والصَّلابة.

هكذا يدمِّرون الأوطان.

وهكذا يستعبدون الشعوب.

إنَّ شعوبًا تموت لديها الشَّهامةُ هي شعوب مسحوقة، شعوبٌ مقهورة.

وإنَّ أوطانًا لا يُسيِّجها الدِّين وقِيَم الدِّين هي أوطان موبوءة وفاسدة.

وأكرِّر القول: إنَّنا نثمِّنُ وبقوَّةٍ كلَّ الصَّرخاتِ الغاضبةِ الغيورةِ التي تصدَّت لهذا العبث، فشعبنا بكلِّ انتماءاتِه ومذاهبه رفض هذا التحدِّي الصَّارخ للدِّين والقِيَم.

شخصيَّات سياسيَّة ووطنيَّة رفضت هذا التحدِّي واستنكرته.

مواقع رسميَّة رفضت هذا التحدِّي واستنكرت.

مجلس النوَّاب، ومجلس الشُّورى رفضا هذا التحدِّي واستنكراه.

المجلس الأعلى للشُّؤون الإسلاميَّة رفض واستنكر.

فهل صدر اعتذار وتراجع؟

لم نسمع أيَّ اعتذار وأيَّ تراجع.

هنا يبقى القرار للدَّولة المعنيَّة بحماية الدِّين الرَّسمي لهذا الوطن، والمسؤولة عن حماية القِيَم والمُثُل الدِّينيَّة والوطنيَّة.

وهكذا يجب أنْ تتآزر كلُّ الجهود الرَّسميَّة والشَّعبيَّة في حراسةِ هذا الوطن دينًا وقِيَمًا ومُثُلًا وأخلاقًا، وفي مواجهة كلِّ الاختراقات التي تستهدف كلَّ مكوِّنات هذا الشَّعب، في شرفه وطهره وشهامتِه ونبلِهِ.

 

العنوان الثَّالث: هكذا رَحَلُوا

قِممُ علمٍ واجتهاد.

أئمَّةُ رُشدٍ وسَداد.

رجالُ عَطاءٍ وجهاد.

هكذا رَحَلُوا الخميني والصَّدر وفقهاء عِظام.

وهكذا أعطوا للإسلام حضورًا.

وهكذا صاغُوا في الأمَّةِ وعيًا.

وهكذا عبَّأوُا في المسيرة قِيَمًا.

في عَصْرٍ تمركزتْ قُوى الكفر في مواجهةِ الإسلامِ؛ لكي يقتِلُوا كُلَّ حُضورِهِ، ولكي يقتِلُوا كلَّ مفاهيمهِ وأحكامِهِ وقِيمِهِ.

هكذا رَحَلُوا الخمينيُّ والصَّدرُ وفقهاء عِظامٌ.

أرادُوا للأمَّةِ أنْ تعيشَ الإسلامَ وعيًا وثقافةً وفكرًا، وأنْ تعيشَ الإسلامَ قِيَمًا ومُثُلًا وطُهْرًا، وأنْ تعيشَ الإسِلامَ حضورًا وعزًّا ونصرًا.

هكذا تكونُ الأمَّهُ خيرَ أمَّةٍ، تعتصمُ بحبل اللهِ، تتوحَّدُ انتماءً، وفي كلِّ المنطلقاتِ وفي كلِّ الأهدافِ، وفي كلِّ الخياراتِ.

يظلم الإسلامَ وأمَّةَ الإسلام مَنْ يحمل خيارات الفتنةِ والتعصُّبِ، وخياراتِ الفرقةِ والتمزُّقِ، وخياراتِ الكراهيةِ والتَشتُّتِ.

ما أحوجَ أمَّتَنَا، وما أحوَجَ أوطانَنا، وما أحَوْجَ شعوبَنا، وما أحوجَ أنظمتَنا إلى خِطابِ المحبَّةِ والتسامُح،

إلى خِطابِ التَّآلفِ والتَّقارُب.

إلى خِطابِ التَّحاورِ والتَّفاهُم.

إلى خِطابِ الوعي والتَّفاؤُل.

لا يفهمُ الإسلامَ، ومبادئَ الإسلام، وفقهَ الإسلام، وقيمَ الإسلام مَنْ ينحاز عن شِعارِ المحبَّةِ، وشِعارِ التَّسامح، وشِعارِ الوعي، وشِعارِ الأملِ، وشعار الثَّباتِ، وشِعارِ العزَّةِ، وشِعارِ العطاء وشِعارِ العدلِ، وشعارِ الرَّحمةِ، وشعار الكرامة.

أيُّها الأحبَّة:

حينما نحيي ذكرى العظامِ ليس لكي نتباهى بالعناوين، ليس لكي نستنفر العواطف، ليس لكي نسترخي في أحضان الماضي.

بل لكي نُحوِّلَ هذه العناوين مصادرَ خيرٍ وهدايةٍ، ومصادرَ قوَّةٍ وعطاءٍ، ومصادرَ بناءٍ وإصلاحٍ، ومصادرَ وحدةٍ وتآلف، ومصادرَ وعيٍ وبصيرة، ومصادرَ أملٍ وتفاؤل، ومصادرَ عِزّةٍ وكرامةٍ.

وحينما تغيبُ هذه المعاني الكبيرة تفقد هذه الإحياءات والمناسبات الكبيرة كلَّ معانيها وكلَّ دلالاتها، وكلَّ عطاءاتها الفاعلة.

وإنْ كانت تُعبِّر بدرجة مَّا عن علاقة برموز الدِّين علاقة مشاعر، ومطلوب أنْ لا يموت هذا المستوى من التَّواصل مع قمم الدِّين ورجال العقيدة وتبقى الحاجة كبيرة الى الارتقاء بمستوى الاحتفاء بهذه المناسباتِ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى