المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (22) كيف نهيِّئ أنفسنا لِلتَّعاطي مع ليلة القدر

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الثَّانية والعشرون ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأربعاء بتاريخ: (22 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 5 مايو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

كيف نهيِّئ أنفسنا لِلتَّعاطي مع ليلة القدر

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيِبنا وقائِدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين الأخيار الأبرار المنتجبين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عنوان الحديث:
كيف نهيِّئ أنفسنا لِلتَّعاطي مع ليلة القدر هذه اللَّيلة العظيمة

ونحن نستقبل أيام وليالي القدر المباركة
لكي نتعاطى مع ليلة القدر نحتاج إلى التوفُّر على مجموعة استعدادات، وبقدر ما تتوفَّر هذه الاستعدادات، وبقدر ما ترتقي هذه الاستعدادات يرتقي مستوى معايشة وإحياء ليلة القدر.
وبقدر ما تنخفض هذه الاستعدادات ينخفض مستوى التَّعاطي والاحياء لليلة القدر.

ما هي هذه الاستعدادات التي توفِّر لنا إحياءً عاليًا لِليلة القدر؟

الاستعداد الأوَّل: تصفية النِّيَّة

من أهمِّ استعدادات ليلة القدر أن ندخل هذه اللَّيلة بنيَّاتٍ صافية نقيَّة نظيفة، فبقدر ما يرتقي مستوى تصفية النِّيَّة، ونقاء النِّيَّة، وطُهر النِّيَّة يكون الإحياء كبيرًا، ونقيًّا، وطاهرًا، ومقبولًا عند الله.
ما معنى تصفية النِّيَّة؟
التَّوجه الخالص إلى الله تعالى.
هدفنا هو أن نتوجَّه إلى الله في هذه اللَّيلة.
إذا لم ننقطع إلى الله في ليلة القدر فمتى سننقطع؟
إذا لم نتوجَّه إلى الله بصدق في ليلة القدر فمتى نتوجَّه إلى الله بصدق؟
التَّوجُّه الصَّادق إلى الله، والنِّيَّة الصَّادقة إلى الله تعني:
أ- حبُّ الله تعالى
أعلى مستويات الدَّوافع في العبادة هو حبُّ الله تعالى، فبِقدر ما يرتقي حبُّ الله ترتقي النِّيَّة، وتصدق النِّيَّة، وتطهر النِّيَّة.
ب- الخوف من عقاب الله
ج- الطَّمع في ثواب الله
•{… يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا … }. (السَّجدة/16)
د- الحياء من الله تعالى
هذه عناوين تشكِّل وتُنتج نِيَّة صافية صادقة.
فإذن، إذا لم نصدق مع الله في ليلة القدر فمتى نصدق؟
فالإخلاص روح العبادة
ربما تكون العبادة كبيرة لكنَّ الإخلاص ضعيف!
قيمة العبادة ليس بالمظهر، فالمظهر والاتِّساع في العبادة له قيمة إذا كان المضمون والمحتوى صادقًا، وإذا كانت النِّيَّة صادقة.
فالإخلاص هو رُوح العبادة.
•عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنَّه قال: «مَن كانَ ظاهِرُهُ أرجَحَ مِن باطِنِهِ خَفَّ مِيزانُهُ يومَ القِيامَة، ومِنْ كانَ باطِنُهُ أرجَحَ مِنْ ظاهِرِهِ ثَقُلَ ميزانُهُ يومَ القِيامَة». (المتَّقي الهندي: كنز العمال 3/674، ح8428)
ربَّما يكون الظَّاهر كبيرًا، وربَّما تكون مساحة العبادة والطَّاعة كبيرة، لكن النِّيَّة ضعيفة، وصغيرة، ومنخفضة، فهذا الظَّاهر كبير، ولكنَّ الباطن صغير!
ليست القيمة للكمِّ، فالكمّ له قيمة لكن متى ما توافر الكيف.
إذن، أوَّل استعداد من استعدادات ليلة القدر أنْ نصفِّي النِّيَّة تصفيةً حقيقيَّةً، حتى نبدأ رحلة العروج الرَّباني في هذه اللَّيلة بنيَّات صافية صادقة نقيَّة طاهرة.
هذا شرط، وهذا استعداد أساس من استعدادات ليلة القدر.

الاستعداد الثَّاني: تصفية القلب مِن التَّلوثات

تنقية النِّيَّة شرط أساس، كذلك تصفية القلب مِن التَّلوثات.
•ولذلك النَّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في خطبته المعروفة يقول: «…، فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، …». (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 4)
هناك نِيَّات صادقة، وهناك قلوب طاهرة، القلوب الطَّاهرة هي القلوب النَّقيَّة الخالصة من الشَّوائب: الظَّغينة، الحسد، الشَّحناء، البغضاء، الكراهية للمؤمنين، هذه كلُّها تلوُّثات للقلب.
المطلوب أن ندخل ليلة القدر بقلوب كلها نقاء، فبقدر ما نرتقي في مستوى تنقية القلوب يرتقي مستوى العروج الرَّباني والرُّوحاني في هذه اللَّيلة.
إذن، فالرِّحلة الرَّبانيَّة العروجيَّة تحتاج إلى نيَّة صادقة، وتحتاج إلى قلبٍ طاهر.
•«…، فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ الله لِصِيَامِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، …» (ابن طاووس: إقبال الأعمال، ص 4)
فليلة القدر هي ليلة العروج الرُّوحي، وليلة العشق الرَّبَّاني.
فكيف يكون العروج؟
يكون العروج إذا ملكنا نِيَّات صادقة، وقلوب طاهرة.
الرُّوح لا تعرج إذا كانت النِّيَّات ملوَّثة، وإذا كانت القلوب ملوَّثة.
متى تعرج الرُّوح؟ متى نعيش العشق الرَّباني الصَّادق؟
إذا استطعنا أن نُطهِّر النِّيَّات، وإذا استطعنا أن ننقِّي القلوب، وهذان شرطان أساسان، واستعدادان أساسان لكي نعيش ليلة القدر.
وإلَّا لا قيمة لأن نجلس وندعو ونكثر من الدُّعاء، ونكثر من الصَّلوات ما لم نتوافر على النِّيَّة الصَّادقة، وما لم نتوافر على القلب النَّقي الطَّاهر.
هذا استعداد ثانٍ من استعدادات ليلة القدر.
إذن، فالاستعداد الأوَّل هو تصفية النِّيَّة، والاستعداد الثَّاني هو تصفية القلب من التَّلوُّثات.

الاستعداد الثَّالث: تصفية البطن من الحرام

الحذر، الحذر من لقمة الحرام أو المشتبهة بالحرام، فإنَّها تجهض وتميت وتقتل الحالة الرُّوحيَّة، ربَّما النِّية صادقة، ربَّما القلب طاهر لكنَّ البطن ملوَّث.
•الأحاديث تؤكِّد أنَّ «من أكل الحرام سود قلبه، وخلف دينه، وضعفت نفسه، وحجب الله دعوته، وقلَّت عبادته، …». (التويسركاني: لئالي الأخبار 1/3)
هذا مفعول اللُّقمة الحرام أو اللُّقمة المشتبهة بالحرام، تلوُّث الحالة الرُّوحيَّة، وتلوُّث القلب، وتلوُّث النِّيَّة.
إذن، لا يستطيع الإنسان أن يعرج في ليلة القدر، ولا يستطيع أن يعيش الآفاق العروجيَّة الرُّوحيَّة في ليلة القدر، ما دام هناك تلُّوث.
فالحذر الحذر من لقمة الحرام، والحذر الحذر من اللُّقمة المشتبهة بالحرام.

وأكل الحلال له آثار وفيوضات ربانيَّة كبيرة:
•الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَومًا، نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ، وأَجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن ‌قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ». (الرَّيشهري: حكم النَّبيِّ الأعظم (ص) 1/498)
هذه تأثيرات ومفاعيل كبيرة لأكل الحلال، كما لأكل الحرام آثاره الخطيرة.
إذن، نحتاج في هذه اللَّيلة حتى نعيش ليلة القدر إلى أن ننقِّي البطون، كما ننقِّي النِّيَّات وننقِّي القلوب.

عدم الإسراف في الأكل
وهنا مسألة ونحن نتحدث عن تنقية وتصفية البطن عن الحرام، وهي مسألة الإسراف في الأكل والشُّرب.
ربَّما الأكل حلال، ربَّما الشُّرب حلال، لكنَّنا نسرف في الأكل وفي الشُّرب، من خلال تناول أنواع المأكولات، وأنواع المشروبات، الأمر الذي يُرهق الرُّوح، ويسبِّب انخفاضًا في الحالة العروجيَّة، فالبطن الملآن بالطَّعام لا يستطيع العروج.
• {… وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ …} (الأعراف/31)
فهناك اعتدالٌ في الأكل وهناك إسراف، والإسراف يُرهق ويخدِّر ويميت الرُّوح، ويقتل حالة العروج الرُّوحي.
•الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: «لا تُميتُوا القُلوبَ بِكَثرَةِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، …». (الرَّيشهري: حكم النَّبيِّ الأعظم (ص) 7/342)
القلوب والأرواح تُصاب بالفتور، وتموت لكثرة الطَّعام والشَّراب.
ففي ليالي القدر فلنقلِّل من الطَّعام بمقدار ما يُعطينا الطَّاقة والقدرة، ولا يمنعنا من أن نعيش حالة العبادة والتَّفرُّغ، ولنبتعد عن الأطعمة والأشربة الثَّقيلة التي تسبِّب الانخفاض في الحالة العروجيَّة، «لا تُميتُوا القُلوبَ بِكَثرَةِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ، …».
•لقمان (عليه السَّلام) – في وَصِيَّتِهِ لِوَلَدِهِ -: «يا بُنَيَّ، إذَا امتلَأَتِ المَعِدَةُ نامَتِ الفِكرَةُ، وخَرَسَتِ الحِكمَةُ، وقَعَدَتِ الأَعضاءُ عَنِ العِبادَةِ». (الرَّيشهري: موسوعة معارف الكتاب والسُّنَّة 3/138، ح2607)
هناك أكل معتدل مقبول كما جاء في الحديث:
•عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «…، ما مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا مِن بَطنِهِ، فإن كانَ ولا بُدَّ فثُلثٌ لِطَعامِهِ وثُلثٌ لِشَرابِهِ وثُلثٌ لِنَفَسِهِ، …». (المجلسي: بحار الأنوار 1/228)
وهناك امتلاء للمعدة، فالحديث يقول: «إذَا امتلَأَتِ المَعِدَةُ نامَتِ الفِكرَةُ، وخَرَسَتِ الحِكمَةُ، وقَعَدَتِ الأَعضاءُ عَنِ العِبادَةِ»
فخفِّفوا من الأكل والشُّرب استعدادًا لهذه اللَّيلة (ليلة القدر)
هذا الاستعداد الثَّالث.
هناك تصفية نيَّة، وهناك تطهير قلب، وهناك تخفيف من الأكل والشرب بالمقدار الذي يعطينا الطَّاقة والقدرة، ولا يُثقل أرواحنا وقلوبنا في ليلة القدر.

الاستعداد الرَّابع: التَّوبة الخالصة هي الشَّرط الأساس لإحياء ليلة القدر

وهو مِن أهمُّ الاستعدادات لِليلة القدر.
تحدَّثنا عن التَّوبة في بداية الشَّهر، وسنتحدَّث عن التَّوبة في نهاية الشَّهر، وهنا نذكِّر أنفسنا بالتَّوبة في ليلة القدر، نبدأ بالدُّخول إلى ليلة القدر وقد جدَّدنا التَّوبة تجديدًا حقيقيًّا، ربَّما نكون قد تبنا في بداية الشَّهر، لكن نحن بحاجة أيضًا إلى مراجعة، وإلى تجديد توبة، ونحتاج إلى محاسبة من جديد.
فالتَّوبة الخالصة هي الشَّرط الأساس لإحياء ليلة القدر.

آثار المعاصي والذُّنوب
فالمعاصي والذُّنوب لها آثارها الخطيرة.
كيف أحيي ليلة القدر وأنا ملوَّث بالذُّنوب، ولم تصدر منِّي توبة؟!

الأثر الأوَّل: الذُّنوب تسبِّب انتكاسة روحيَّة خطيرة

•{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطفِّفين/14)
المعاصي تسبِّب تلوُّث القلب، وإذا تلوَّث القلب فإنَّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش العروج الرُّوحي في ليلة القدر.
كيف يعرج القلب، وتعرج الرُّوح والقلب ملوَّث بالمعاصي، والرُّوح ملوَّثة بالمعاصي؟
•عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [الإمام الباقر] (عليه السَّلام) قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وفِي قَلْبِه نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا خَرَجَ فِي النُّكْتَةِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ ذَهَبَ ذَلِكَ السَّوَادُ، وإِنْ تَمَادَى فِي الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ حَتَّى يُغَطِّيَ الْبَيَاضَ، فَإِذَا غَطَّى الْبَيَاضَ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُه إِلَى خَيْرٍ أَبَدًا، وهُوَ قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ: (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)». (الكليني: الكافي 2/273)

فإذن، المعصية تُلوِّث القلب، والمعصية تُكدِّر القلب، ولهذا لا يستطيع الإنسان أن يعيش حالة العروج الرُّوحي في ليلة القدر وهو مرتكبٌ للمعاصي.

الأثر الثَّاني: عدم الإحساس بلذَّة العبادة

المعصية لا تدع الإنسان يعيش لذَّة العبادة، فنحن في ليلة القدر نريد أن نعيش عشق العبادة، ولذَّة العبادة، ومع ارتكابنا للمعاصي والإصرار عليها فلن نشعر بلذَّة العبادة، وسنقضي السَّاعة والسَّاعتين والثَّلاث ساعات لكن بدون عشق مع العبادة، وبدون ذوبان وانصهار مع العبادة، لأنَّ الرُّوح لا تنصهر إذا كانت ملوَّثة، والقلب لا ينفتح على العبادة إذا كان ملوَّث بالمعاصي والذُّنوب، فلن نعيش الإحساس بلذَّة العبادة إذا كنَّا ملوَّثين بالمعاصي والذُّنوب.
•عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «كَيفَ يَجِدُ لَذَّةَ العِبادَةِ مَن لا يَصومُ عنِ الهَوى». (الآمدى: غرر الحكم ودرر الكلم، ص 517)
فيُصاب بفتور، وثقل وكسل في العبادة.
•وعن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «ما جَفَّتِ الدُّموعُ إلَّا لقَسوةِ القلوبِ، وما قَسَتِ القلوبُ إلّا لِكَثْرةِ الذُّنوبِ …». (الصَّدوق: علل الشَّرائع 1/119)
هذا أثر ثانٍ وخطير من آثار المعاصي.

الأثر الثَّالث: الحرمان من صلاة اللَّيل
•جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السَّلام) فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ حُرِمْتُ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام): «أَنْتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنُوبُكَ». (الكليني: الكافي 3/454)

القيمة العظمى لصلاة اللَّيل
ورغم القيمة الكبيرة، الكبيرة، الكبيرة جدًّا لصلاة اللَّيل وللتَّهجُّد بالأسحار فإنَّ هناك مَنْ يُحرم منها!
•{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (السَّجدة/16) {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السَّجدة/17)
•{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذَّاريات/17-18)
•{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا …} (الزُّمر/9)
•عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لركعتان في جوف اللَّيل أحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فِيها…». (الصَّدوق: علل الشَّرائع 2/53)

الأثر الرَّابع: الذُّنوب تحرق الطَّاعات وتمنع قبول الأعمال

•{… إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة/27)
•عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «إنَّ الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النَّار الحطب». (الطُّوسي: الرَّسائل العشر، ص ٣٢٥)
•وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ والظَّمَأُ، وكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ والْعَنَاءُ، …». (خطب الإمام علي (عليه السَّلام)، نهج البلاغة (تحقيق صالح الصَّالح)، ص 495)
إذن، أهمّ استعدادات ليلة القدر التَّوبة والاقلاع عن المعاصي والذُّنوب.

الاستعداد الخامس: تصفية كلِّ الخلافات

هذه مسألة مهمَّة، وهذه مسألة يتساهل فيها الكثير الكثير من النَّاس.
يذهب للمسجد ويحيي ليلة القدر، ويقرأ ويتابع برامج ليلة القدر، لكنَّه بينه وبين أحد إخوانه المؤمنين خلاف، وشحناء، وبغضاء، وقطيعة!
هذا يمنع من قبول الأعمال في ليلة القدر، فحتى نكون مقبولين في ليلة القدر عند الله سبحانه وتعالى فلنصفِّ خلافاتنا، خاصَّة إذا كانت خلافات من أجل قضايا دُنيا.
تارةً تختلف مع إنسان من أجل الله، من أجل الآخرة هذا خلاف مشروع.
اختلفت معه؛ لأنَّه فاسق، لأنَّه فاجر، لأنَّه منحرف، لأنَّه معادي لله.
أمَّا من أجل قضايا دنيا اختلف مع أخٍ من اخواني المؤمنين، هذا خلاف ينبذه الدِّين، ويحذِّر منه الدِّين.
في ليلة القدر لا يغفر للإنسان إذا كان يعيش القطيعة مع أخيه المؤمن، فهي ليلة العبادة وليلة الطَّاعة.
•{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر/5)
•«…، فَإِذا كانَت لَيلَةُ القَدرِ أمَرَ اللهُ عز وجل جَبرَئيلَ (عليه السَّلام)، فَهَبَطَ في كَتيبَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلَى الأَرضِ، …، فَيُجاوِزانِ المَشرِقَ وَالمَغرِبَ، ويَبُثُّ جَبرَئيلُ (عليه السَّلام) المَلائِكَةَ في هذِهِ اللَّيلَةِ، فَيُسَلِّمونَ عَلى كُلِّ قائِمٍ وقاعِدٍ، ومُصَلٍّ وذاكِرٍ ويُصافِحونَهُم ويُؤَمِّنونَ عَلى دُعائِهِم حَتّى يَطلُعَ الفَجرُ، فَإِذا طَلَعَ الفَجرُ نادى جَبرَئيلُ (عليه السَّلام): يا مَعشَرَ المَلائِكَةِ، الرَّحيلَ الرَّحيلَ، فَيَقولونَ: يا جَبرَئيلُ، فَمَاذا صَنَعَ اللهُ تَعالى في حَوائِجِ المُؤمِنينَ مِن أمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ فَيَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى نَظَرَ إلَيهِم في هذِهِ اللَّيلَةِ فَعَفا عَنهُم وغَفَرَ لَهُم إلَّا أربَعَةً: … مُدمِنَ الخَمرِ، وَالعاقَّ لِوالِدَيهِ، وَالقاطِعَ الرَّحِمِ، وَالمُشاحِنَ، …». (الرَّيشهري: حِكَم النَّبيِّ الأعظم (ص) 6/28)
حين يطلع الفجر تسأل الملائكة جبرئيل: ما صنع الله بأُمَّة محمَّد في هذه اللَّيلة ليلة القدر؟ فيقول جبرئيل: «غَفَرَ لَهُم إلَّا أربَعَة …»
كم هم أشقياء وأيُّ شقاء ألَّا يُغفرَ للإنسان في ليلة القدر؟!
ومتى يُغفر له إذا لم يغفر له في ليلة القدر؟!
جبرئيل يقول: غفر الله لهم، كلَّ النَّاس بدون استثناء إلَّا أربعة، هؤلاء الأربعة كم هي ذنوبهم، ومعاصيهم، وشقاؤهم ألَّا يُغفر لهم في ليلة القدر، أعظم ليلة، ليلة العطاء الرَّبَّاني، ليلة العروج الرُّوحي، ليلة قبول الأعمال، ليلة التَّوبة؟! وهؤلاء الأربعة هم:
1-مُدمِنَ الخَمر.
2-العاقّ والِدَيه.
3-القاطِع الرَّحم.
4-المُشاحِن.
المشاحن الذي يحمل في قلبه بغضاء، وشحناء، وكراهيَّة على إخوانه المؤمنين.
•وورد في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تُفْتَحُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا، …» . (مسند الإمام أحمد بن حنبل (ط الرِّسالة) 15/108) “انظروهما حتى يصطلحا”
تقول الملائكة: يا الله، فلان وفلان قضيا هذه اللَّيلة في العبادة، وفي الطَّاعة، وفي الاستغفار، وقراءة دعاء الجوشن، وزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام).
في تعبُّد، وطاعة، وانقطاع، وبكاء.
قال: لا، هذين الاثنين انظروهما حتى يصطلحا، لا تسجِّلوا لهما طاعات وأعمال حتى يصطلحا.
•عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، ومَنْ باتَ وفي قَلبِهِ غِشٌّ لأخيهِ المُسلِمِ باتَ في سَخَطِ اللهِ، وأصبَحَ كذلكَ، …». (الصَّدوق: الأمالي، ص 515)
أي في غضب الله.
وهناك روايات كثيرة تحذِّر من الهجران ومِن القطيعة.
•عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، إيّاكَ وَالهِجرانَ لِأَخيكَ المُؤمِنِ؛ فَإِنَّ العَمَلَ لا يُتَقَبَّلُ مَعَ الهِجرانِ، …». (الطُّوسي: الأمالي، ص 568)
إذن، الاستعداد الخامس من استعدادات ليلة القدر هو تصفية الخلافات.

الاستعداد السَّادس: البرمجة الشَّاملة

وهو من أهمِّ الاستعدادات لِليلة القدر، وذلك بأن ننظِّم ونبرمج لِليلة القدر.
هناك كثير من النَّاس يتعاطون مع ليلة القدر بطريقة ارتجاليَّة، بدون تخطيط أو تنظيم.
إنَّه أمرٌ غير صحيح، فهذه ليلة عظيمة في العمر تحتاج إلى أن نبرمج وأن نخطِّط لها، لا أن نتعامل معها بعفويَّة وباِرتجال!
نحن إذا كانت لدينا قضايا صغيرة من قضايا الحياة، نجلس الأيام واللَّيالي نبرمج ونخطِّط لها!
بينما ليلة في العمر عظيمةٌ عظيمةٌ جدًّا، نتعاطى معها بكلِّ عفويَّة وبكلِّ ارتجال؟!!
لا، نحن نحتاج إلى برمجة شاملة، وتنظيم لهذه اللَّيلة.
وتنتظم هذه البرمجة مجموعة عناوين:
ما هي الأمور التي أمارسها في ليلة القدر؟
هناك مجموعة عناوين أساس لا بدَّ من التوفُّر عليها في ليلة القدر:

العنوان الأوَّل: الممارسات العباديَّة الخاصَّة المعروفة

•الصَّلاة (صلوات مندوبة): هناك صلوات مخصوصة في هذه اللَّيلة.
•الدُّعاء: هناك أدعية خاصَّة في هذه اللَّيلة.
•الذِّكر: أنْ أُكثِر من الذِّكر، أنْ أُكثِر من الصَّلاة على محمَّدٍ وآل محمَّد (صلَّى الله عليه وآله).
•التِّلاوة: أنْ أُكثِر من تلاوة القرآن.
•وغيرها من الممارسات العباديَّة المذكورة.
هذه كلَّها عبادات مطلوبة في ليلة القدر، فلا بدَّ من اعطائها المساحة الكافية، وكتب الأدعية غنيَّة بعبادات ومستحبَّات ليلة القدر.
وهنا أؤكِّد على ضرورة الاهتمام النَّوعي
هناك من يهتم بالكمِّ، كم ركعة يصلِّي؟
وهناك من يهتم بالكيف، كيف يصلِّي؟
ربَّما تصلِّي ركعتين، أو أربع ركعات، أو عشر ركعات بتوجّهٍ وانقطاعٍ فتحصل على ثوابٍ لا تحصل عليه لو صلَّيت مائة ركعة بشكلٍ عاجلٍ وسريع، وبلا تأنٍ وبلا حضور قلب!
إذن، الاهتمام بالنَّوع العبادي وليس بالكمّ.
البعض يعيش الاهتمام بـ (الكمّ) على حساب (الكيف)
العبادات هي العنوان الأساس في ليلة القدر، وهي بلا إشكال تحتاج إلى مساحة من الزَّمن.
وهناك العناوين الأخرى، والتي يغفل عنها الكثيرون، بينما قد يكون لها من الثَّواب أكثر من العنوان الأوَّل.
لا أقول أنَّ العنوان الأوَّل ليس مهمًّا، بل هو مهمٌّ جدًّا؛ لأنَّ العبادات هي التي تنتج الحالة الرُّوحيَّة عند الإنسان في التَّعاطي مع كلّ القضايا.
ولكن حينما نراجع حساباتنا، ونراجع الدَّرجات والحسنات نرى أن هناك أعمالًا كثيرة لا نقوم بها في ليلة القدر ولها من الثَّواب ما يفوق العشرات من الرَّكعات والأذكار.

العنوان الثَّاني: التَّفقُّه في الدِّين

إنَّ امتلاك ثقافة الدِّين في كلِّ المجالات من أفضل العبادات في ليلة القدر.
مَن مِنَّا وضع فقرة التَّفقُّه في الدِّين كفقرة من فقرات ليلة القدر؟
إنَّ امتلاك ثقافة الدِّين أهمُّ من الصَّلاة، وإنَّ امتلاك ثقافة الصَّلاة وفقه الصَّلاة أهمّ من الصَّلاة.
أنْ أُخصِّص لي ولو نصف ساعة أقرأ في كتاب فقهي، أو أسأل عن مسألة فقهيَّة، بقصد أن تكون هذه جزء من عبادة ليلة القدر.
•رَوى بَعضُ الصَّحابَةِ قال: جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ إلَى النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إذا حَضَرَت جَنازَةٌ أو حَضَرَ مَجلِسُ عالِم، أيُّهُما أحَبُّ إلَيكَ أن أشهَدَ؟
فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «إن كانَ لِلجَنازَةِ مَن يَتبَعُها ويَدفِنُها فَإِنَّ حُضورَ مَجلِسِ العالِمِ أفضَلُ مِن حُضورِ ألفِ جَنازَة، ومِن عِيادَةِ ألفِ مَريض، ومِن قِيامِ ألفِ لَيلَة، ومِن صِيامِ ألفِ يَوم، ومِن ألفِ دِرهَم يُتَصَدَّقُ بِها عَلَى المَساكينِ، ومِن ألفِ حَجَّة سِوَى الفَريضَةِ، ومِن ألفِ غَزوَة سِوَى الواجِبِ تَغزوها في سَبيلِ اللهِ بِمالِكَ ونَفسِكَ، …». (الفتال النيسابوري: روضة الواعظين، ص 28)
وحين الحديث عن (ساعة) فليس المراد خصوص (60 دقيقة)، إنَّما المراد هو تخصيص مقطع من الزَّمن في ليلة القدر لتعلُّم ولو مسألة شرعيَّة واحدة.
فمثلًا: أسأل عالم، أو أقرأ في الرِّسالة العمليَّة، أو أقرأ في كتاب إسلامي دِيني، أو أتثقَّف إسلاميًّا سواء في مسائل الفقه والعبادات، أو في مسائل الحياة، المعاملات، ومساحات التَّفقُّه واسعة.
فلنخصِّص مقطع من ليلة القدر للتَّفقُّه، وللتَّعلُّم، وللتَّثقُّف وهو من أفضل وأعظم المقاطع العباديَّة، والتي ربَّما لا يتحصَّل عليها من خلال الصَّلوات والأذكار، رغم أهميَّتها وعظمتها وقيمتها عند الله، لكن التَّفقُّه في الدِّين من أهمّ وأعظم الممارسات العباديَّة بالمعنى العام في ليلة القدر.
•عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ تَعالى عَلَيهِ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومَ وَلَدَتهُ امُّهُ، وأعطاهُ اللهُ بِكُلِّ حَرفٍ ثَوابَ سِتّينَ شَهيدًا، وكَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ حَديثٍ عِبادَةَ سَبعينَ سَنَةً، وبَنى لَهُ بِكُلِّ وَرَقَةٍ مَدينَةً، كُلُّ مَدينَةٍ مِثلُ الدُّنيا عَشرَ مَرَّاتٍ». (الرَّيشهري: حِكَم النَّبيِّ الأعظم (ص) 1/225)
هذا العنوان الثَّاني من العناوين الذي يجب أن لا نغفلها في ليلة القدر.

العنوان الثَّالث: التَّواصل الاجتماعي

أيضًا هذا العنوان من أهم العناوين في ليلة القدر، ومن أمثلته:
•صلة الرَّحم
•صلة المؤمنين
وربما ظروف الوباء تمنع من الزِّيارات المباشرة، فهناك وسائل أخرى للتَّواصل.
التَّواصل مع أحد الأرحام، أو أحد المؤمنين في ليلة القدر لن يأخذ من الإنسان دقائق معدودة، وهو من أفضل العبادات في ليلة القدر، فكما نخطِّط لقراءة دعاء الجوشن والأدعية الطويلة الأخرى فلنخطِّط للتوَّاصل مع الأرحام ومع المؤمنين، نبارك لهم حلول ليلة القدر، ونسألهم الدُّعاء، ونتفقد أحوالهم فإنَّ ذلك من أفضل العبادات في ليلة القدر، وليس هناك عبادة ترقى وتصل إلى مستوى التَّواصل.
فالتواصل الاجتماعي هو عنوان من عناوين ليلة القدر المهمَّة، بأيِّ وسيلة من وسائل التَّواصل، وبأيِّ شكلٍ من أشكال التَّواصل، سواء كان مع الأرحام أو المؤمنين، وهو من أفضل العبادات في ليلة القدر
هذا هو العنوان الثَّالث.

العنوان الرَّابع: الخدمات الاجتماعيَّة بنيَّة القُربة إلى الله تعالى

وهو من عناوين ليلة القدر المهمَّة جدًّا جدًّا.
هناك مَنْ يقضي كلَّ ليله في الدُّعاء والصَّلاة، وهناك مَنْ يقضي ليلته كلَّها في خدمة النَّاس، أيُّهما أفضل؟
لا شكَّ هذا الذي يقضي ليلته في خدمة النَّاس أفضل وأفضل، وأعظم وأعظم مِن الذي يقضي كلَّ ليله في الصَّلاة والدُّعاء، رغم قيمة الصَّلاة ورغم قيمة الدُّعاء وقيمة التَّهجُّد، لكنَّ خدمة النَّاس لا ترقى إليها خدمة، لذلك نجد في الأحاديث التَّأكيد على قيمة خدمة النَّاس.

نماذج للخدمات الاجتماعيَّة

أ-إماطة الأذى عن طريق المؤمنين صدقة.
•قال صلَّى الله عليه وآله: «…، إماطتك الأذى عن الطَّريق صدقة، …». (المجلسي: بحار الأنوار 72/52، باب ثواب إماطة الأذى عن الطريق، ح4)

ب-قضاء حوائج النَّاس من أفضل العبادات.
هناك أحاديث كثيرة تتحدَّث عن قضاء حوائج النَّاس، منها:
•قال الإمام الباقر (عليه السَّلام) [كما في روضة الواعظين]: «أيَّما مؤمن لجأ إليه مكروب فقضى حاجته قضى الله لهُ ثلاثة وسبعين حاجة، اثنين وسبعين حاجة في الآخرة، وواحدة في الدُّنيا، وإنَّ أدنى ما يكون في الدُّنيا أنْ يدفع عن نفسه وماله وأهله وولده.
وإنَّ أدنى ما يكون في الآخرة أن تفتح له أبواب الجنَّة فيقال له: ادخل من أيَّها شئت، …». (الفتال النيسابوري: روضة الواعظين، ص 404)

(3) إعالة الأُسر البائسة يفوق الحجَّ المستحب
•قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «…، ولَأَنْ أعولَ أهلَ بَيتٍ مِن المسلِمينَ، أَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وأَكْسُوَ عَوْرَتَهُمْ، وأكُفَّ وُجوهَهُم عَنِ النَّاسِ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أحِجَّ حجَّةً وحجَّةً وحجَّةً ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا، ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّبْعِينَ، …». (الكليني: الكافي 2/ 195)
أي سبعين حِجَّة!
فكِّر في ليلة القدر أن تساعد أسرة محتاجة، وأن تعيل أسرة ليوم، أو يومين، أو عشرة أيام، أو لشهر كامل، فإنَّ ذلك من أفضل وأقدس الأعمال في ليلة القدر.
إنَّ إعالة أسرة فقيرة من أُسر المسلمين أفضل من سبعين حجَّة من حجَّات الإمام الباقر (عليه السَّلام)!!

العنوان الخامس: الفعَّاليَّات والنَّشاطات الرِّساليَّة

ما مدى قدرتك على تقديم نشاط دِيني في ليلة القدر؟
(1) الدَّعوة إلى الله.
(2) الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
(3) النَّشاطات والفعَّاليَّات الدِّينيَّة.
هذه الممارسات والفعَّاليَّات فيها:
أ- حماية لقيم الدِّين
ب- مواجهة الانحراف
ج- هداية النَّاس
•{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت/33)
•{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران/104)
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يَجيئُ الرَّجُلُ يَومَ القِيامَةِ ولَهُ مِنَ الحَسَناتِ كالسَّحابِ الرُّكامِ أو كالجِبالِ الرَّواسي، فيَقولُ: يا رَبِّ، أنَّى لي هذا ولَم أعمَلها؟
فيَقولُ: هذا عِلمُكَ الَّذي عَلَّمتَهُ النّاسَ يُعمَلُ بِهِ مِن بَعدِكَ». (المجلسي: بحار الأنوار 2/20)

الفعَّاليَّات والنَّشاطات الدِّينيَّة

أ-ممارسة هذه الفعَّاليَّات والنَّشاطات
ممارسة شيئ من الفعَّاليَّات القرآنيَّة والفعَّاليَّات التبليغيَّة في ليلة القدر لِمن له القدرة الفكريَّة والثَّقافيَّة، ولمن يستطيع أن يعطي من النَّاحية الفكريَّة والثَّقافيَّة (محاضرة، لقاء، ندوة، وعظ، إرشاد).

ب-الدَّعم المادي لهذه الفعَّاليَّات والنَّشاطات
قد لا تملك القدرة على العطاء الفكري أو الثَّقافي، لكنَّك تستطيع أن تدعم ماليًّا مشروعًا ثقافيًّا، أو مشروعًا قرآنيًّا، فخصّص في ليلة القدر جزءًا من المال لدعم المشاريع الدِّينيَّة، والقرآنيَّة، والتَّبليغيَّة، والرِّساليَّة.

ج-الدَّعم المعنوي
قد لا تمتلك الفكر ولا الثَّقافة ولا المال، لكن بإمكانك الدِّفاع عن المشاريع والبرامج الدِّينيَّة.
يمكنك الدَّعوة للبرامج الدِّينيَّة والتَّشجيع عليها ولو بكلمة.
هذه مسألة من أهمِّ المسائل في ليلة القدر.

العنوان السَّادس: جلسات المحاسبة الذَّاتيَّة

وهو أهم عنوان في ليلة القدر.
خصِّص لك في ليلة القدر جلسة محاسبة لنفسك، لتاريخك، لكلّ وجودك، لكلّ حياتك.
هذه الجلسة تفوق كلَّ العبادات، وهي ليست أكثر من نصف ساعة، أو سويعة من ليلة القدر.
خصِّصها للخلوة مع نفسك، بعيدًا عن الضَّجيج، وبعيدًا عن كلِّ المساحات الأخرى.
أنت ونفسك وربك، تعيش لحظات من خلالها تحاسب نفسك، وتعيد برمجة حياتك كلِّها في ليلة القدر.
كيف أبرمج لكلّ حياتي في ليلة القدر؟
ما مضى من حياتي، وحاضر حياتي، ومستقبل حياتي؟
الآن ليلة القدر هي ليلة البرمجة لكلّ أوضاعنا، فلا بدَّ من الجلوس مع النَّفس بصدقِ وإخلاص.
ولذلك فإنَّ أفضل الأعمال في هذه اللَّيلة هي جلسة المحاسبة.

ليلة القدر هي ليلة الصِّياغة والبناء

في هذه اللَّيلة تُصاغ حياة النَّاس، فنحن بحاجة إلى أن نصوغ حياتنا في هذه اللَّيلة صياغة تقرِّبنا إلى الله، وبحاجة أن نبني شخصيَّتنا في هذه اللَّيلة.

هذه ليلة الولادة الجديدة

فإذا استطعنا أن نولد من جديد في هذه اللَّيلة فقد عشنا (الإحياء الحقيقي لهذه اللَّيلة).
وإلَّا لا قيمة للأدعية، ولا قيمة لتلاوات، ولا قيمة لكلِّ الأعمال إذا لم نولد ولادة جديدة في ليلة القدر، فـ:
أ-قيمة العبادة (صلاة / دعاء / ذِكر / تلاوة) بمقدار ما تصنع الإنسان.
ب- قيمة كلّ برنامج ليلة القدر هو (إنتاج الإنسان إيمانيًّا): التَّفقُّه/ التَّواصل الاجتماعي/ الخدمات الاجتماعيَّة/ الفعَّاليَّات والنَّشاطات… كلُّها من أجل أن تصنع الإنسان.
فإذا استطعنا أن نصنع أنفسنا صُنعًا جديدًا في ليلة القدر؛ فقد حقّقنا أهداف هذه اللَّيلة، وأعطينا لأنفسنا كلَّ معطيات هذه اللَّيلة الكبيرة.

أكتفي بهذا القدر، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى