حديث الجمعةشهر محرم

حديث الجمعة 411: كيف تتحدَّدُ الهُويةُ العاشورائيةُ لمراسيمِ العَزاء؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداة الميامين، وبعد فمع هذا العنوان:


كيف تتحدَّدُ الهُويةُ العاشورائيةُ لمراسيمِ العَزاء؟


تتحدَّدُ هذه الهُويةُ العاشورائيةُ من خلالِ ثلاثةِ مرتكزاتٍ:


• (المرتكز الأول) التعبيرُ عن مأساةِ عاشوراء.
فأيُّ ممارسةٍ عزائية لا تُعبِّر عن مأساة عاشوراء، ولا تحملُ حُزَنَها، ولا تُنتجُ دَمْعتَها، فهي ليست ممارسةً عاشورائيةً.


• (المرتكز الثاني) التعبيرُ عن رُؤْيةِ عاشوراء.
فأيُّ ممارسةٍ عزائية لا تعبِّرُ عن رؤيةِ عاشوراءِ، وأفكارها ومفاهيمها الأصيلةِ فهي ليست ممارسةً عاشورائيةً.


• (المرتكزُ الثالثُ) التعبيرُ عن قِيمِ عاشوراء العملية.
فأيُّ ممارسةٍ عزائية لا تعبِّرُ عن قيم عاشوراء العملية فهي ليست ممارسةً عاشورائيةً.


فالخطاب يكون عاشورائيًا حينما يُعبِّر عن حُزن عاشوراء، ووعي عاشوراء، وقيم عاشوراء.
والموكب يكونُ عاشورائيًا حينما يكون كذلك.
وهكذا بقية الممارسات المتحركة في موسم عاشوراء، فهذهالممارسات لا تكون عاشورائيةً إلَّا إذا توفَّرت على المرتكزات الثلاثة.
وهذا ما يجعلنا نرفض بعضَ الممارساتِ التي اخترقتْ الأجواءَ العاشورائيةَ وهي لا تحملُ هُوية عاشوراء، بلْ تُسيئُ إلى هذهِ الهُوية، بل وتُسيئُ إلى هُويةِ المذهب.


فظاهرة (المشي على الجمر) مثلًا تُمثِّلُ ممارسةً دخيلةً على مراسيم عاشوراء، فهي لا تعبِّرُ عن حزنِ عاشوراء، ولا عن وعي عاشوراء، ولا عن قيم عاشوراء، فأيّ محاولةٍ لشرعنةِ هذا العمل هي محاولةٌ ساقطة لا قيمة لها، وهي محاولة لتشويه سمعة عاشوراء، وسمعة المذهب.


قولوا لي بربِّكم ما علاقةُ عاشوراء بمواكبَ تحملُ اسم (كلابَ الحسين) أو (كلابَ العباس) أو (كلاب الحوراء) أو (كلاب رقية)؟ إنَّه العبثُ بمراسيم عاشوراء وأنَّه الإساءةُ والتشويةُ لهذه المراسيم، ولسمعة هذا المذهب، بل لسمعة الإسلام.


انظروا إلى وسائلِ الإعلامِ العالميةِ المعادية حينما تتعاملُ مع موسمِ عاشوراء، فإنَّها تنتقي كلَّ ما يُسيئ إلى سُمعةِ عاشوراءَ، وما يُسيئ إلى سمعةِ مذهب أهلِ البيت عليهم السَّلام.


إنَّها لا تنقل المظاهر الحضارية لهذا الموسم وهي كثيرةٌ، وإنَّما تختارُ المظاهرَ المتخلِّفةَ، والضَّارة بسمعةِ الطائفة.


عاشوراء الحسين قِمةٌ شامخةٌ من قِيمٍ، ومُثُلٍ، ومبادئ، ورُؤى، ومفاهيمَ راقيةٍ جدًّا، وحضاريةٍ جدًّا.


إلَّا أنَّ وجودَ الممارساتِ المتخلِّفةِ أضرَّ كثيرًا بمعطياتِومنتجات الموسم العاشورائي.
صحيحٌ إنّ هذا الموسمَ أصبح له وجودُهُ المتجذِّر، وصداه الكبير الكبير في كلِّ أرجاءِ الأرض، وحضورُهُ الممتد في العالم، فما عادتْ كلُّ القُوى المعاديةُ قادرةً على إلغائِهِ ومصادرتِه.


إلَّا أنَّ تلك النتوءات الخارجة عن سياقاتِهِ الأصيلة لا زالتْ مصدرَ تشويشٍ، وإرباكٍ، وإضرارٍ، ومبعث قَلقٍ واستياءٍ.


وهذا ما دفع مراجعَ الطائفةِ العظام إلى رفضِها ونقدِها وشجبِها والتحذير منها، وإصدارِ الفتاوى بتحريمها.


• فالمرجع الدِّيني آية الله السَّيد البروجوردي كان مُتشدِّدًا في رفضِ الأعمالِ والممارساتِ التي لا تنسجم مع أهدافِ ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وتُسيئُ إلى روحِ الإسلام، ومدرسةِ أهلِ البيتِ عليهم السَّلام.


• والمرجع الديني آية الله السَّيد محسن الحكيم اعتبر بعض ما يُمارس في عاشوراء ليس من الدِّين، ولا من الأمور المستحبة بل مضرٌ بالمسلمين، وفي فهم الإسلام الأصيل، وفي فهم أهلِ البيت (عليهم السَّلام).


• والمرجع الدِّيني آية الله السَّيد أبو القاسم الخوئي أفتى بحرمةِ كلِّ الممارساتِ التي تستوجب هَتْكًا وتوهينًا بالمذهب.


• والمرجع الدِّيني آية الله السَّيد روح الله الخميني حرَّم كلَّ الأعمال التي توجب تضعيف المذهب، واعتبر التعزية وإقامةَ المجالسِ من أفضل القربات.


• والمرجع الدِّيني آية الله الشهيدُ السَّيد محمد باقر الصَّدر قال إنَّ بعضَ ما يُمارَس في عاشوراء هو من فعل عوام النَّاس وجهَّالهم، ولا يفعل ذلك أيّ واحد من العلماءِ، بل هم ذائبون على منعِهِ وتحريمِهِ.


• والمرجع الدِّيني آية الله السَّيد علي السِّيستاني يحرِّم كلَّ ما يوجب توهين المذهب.


• وجاء في الخطاب التاريخي للمرجع الدِّيني آية الله السَّيد علي الخامنئي قوله: “ينبغي أنْ لا نقوم بأعمالٍ تُصِّور أبناءَ هذا المجتمع بأنَّهم أناسٌ خرافيون وغير منطقيين أمامَ المسلمين وغير المسلمين في العالم”.


• والمرجع الدِّيني آية الله السَّيد محمد حسين فضل الله تصدَّى بجرأةٍ كبيرةٍ إلى كلِّ المظاهر التي تسيئ إلى عاشوراء الحسين، وإلى مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).


• والمرجع الدِّيني آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دعا المؤمنين إلى إقامةِ مراسم العزاء بإخلاص، واجتناب ما يخالف الشرع وترك جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء.


• والمرجع الدِّيني آية الله السَّيد الحائري حذَّر من إقحام بعض الخرافات في الشعائر الحسينية.


• والمرجع الدِّيني آية الله السيد محمود الهاشمي أكَّد في إقامة الشعائر على ضرورة الابتعاد عن القضايا التي تُسيئ للدِّين، والمدرسة الشيعية.


• وقال آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي: “لقد دخلتْ في الشعائر الحسينية بعضُ الأعمالِ والطقوس، فكان لها دورٌ سلبيٌّ في عطاءِ الثورةِ الحسينية، وأصبحتْ مبعثًا للاستخفاف بهذه الشعائر”.


• وقال عميدُ المنبرِ الحُسَينيِّ الشيخ الدكتور أحمد الوائلي: “لا تجعلوا النَّاسَ يَرمُون أهدافَ الثورةِ الحسينية بالخرافةِ والتفاهةِ، وإنَّ هذه الخرافاتِ وراءَها أيادٍ أثيمةٍ تَلعبُ دورَها”.


ولست هنا بصدد استعراض كلَّ الكلمات التي صدرت من مراجع وفقهاء وعلماء ومفكرين وخطباء بارزين، وفي الأسماءِ المذكورةِ ما يُعطي الرؤيةَ واضحةً.


من خلال الكلمات التي تقدَّمت فقد أكَّد المراجع والفقهاء على مجموعة معايير لتحديد هُوية الشعائر والمراسيم العاشورائية، ومن خلال هذه المعايير يمكن تشخيص ما هو دخيل على الشعائر والمراسيم..


المعايير هي:
• عدم الانسجام مع أهدافِ الثورة الحسينية.
• الإساءة إلى سمعةِ الشعائر.
• هتك وتوهين الدِّين والمذهب.
• مخالفة أحكام الشريعة.


فيجب أنْ تعرض أيّ ممارسة عاشورائية على هذه المعايير، وفي ضوء هذا العرض نحدِّد القبول أو الرفض.


المسألة ليست خاضعة للأمزجة والأهواء والرغبات…
الخطر كلُّ الخطر أنْ تُترك ممارسات عاشوراء إلى مزاجات الشارع، وإلى القناعات السَّاذجة، وهذا ما ورَّط الموسم العاشورائي ببعض الظواهر الدخيلة والمسيئة لهذا الموسم، كون هذه الظواهر من نتاجات أمزجةٍ ورغباتٍ غير محصَّنةٍ برؤيةٍ شرعيةٍ، وببصيرةٍ دينية.


والمشكلة الأعقد أنَّ هذه الظواهر الدخيلة وجدت مَنْ (يشرعن) لها، أي يعطيها صبغة شرعية وفقهية بأدلةٍ واهية جدًّا.


وهكذا أصبحنا أمام خيارين صعبين:


الخيار الأول:
مواجهة هذه الظواهر والتصدِّي لها وهنا يقال لك: أنَّك أحدثت فتنةً وخلافًا وصراعًا ممَّا ينعكس سلبًا على هذا الموسم.
وربما يقال لك: دَعْ هذه الظواهر ما دامت مدعومةً ببعض الفتاوى.


الخيار الثاني:
أنْ تصمت، وتترك هذه الظواهر تتحرك، وتتجذَّر حتى تصبح جزءًا من شعائر عاشوراء، ويكون التصدِّي لها محاربة لشعائر الحسين (عليه السَّلام)، ولشعائر عاشوراء.


المطلوب أنْ نحافظ على شعائر ومراسيم عاشوراء الأصيلة، وأنْ ندافع عنها، ونتصدَّى لكلِّ التحدِّيات التي تواجها، ولكلِّ الإشكالاتِ التي تثار ضدَّها.


إقامة مجالس العزاء، إظهار الحزن والبكاء، من الشعائر العاشورائية المؤكَّدة، والمدعومة بنصوصٍ صحيحة وثابتة، وقد مارسَ ذلك أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وحثُّوا عليه فيما ثبت عنهم، وأكدَّ عليه فقهاؤنا الأجلاء، ودافعوا عنه، ومارسه أتباع هذه المدرسة جيلًا بعد جيل، فلا يجوز التفريط في الحفاظ على مجالس العزاء ومظاهر الحزن والبكاء، مهما شكك المشككون، وأرجف المرجفون، فقد برزت (مواقع) متخصصَّة في محاربة المجالس العزائية، والمواكب، وكلّ مظاهر الحزن العاشورائي، وقد وجد هؤلاء المحاربون، والمشكِّكون، والمرجفون ذرائعهم حينما سمحنا للظواهر الدَّخيلة أن تخترق أجواء الموسم العاشورائي، فاتخذوا من ذلك ذريعة للتشهير بكل مراسيم عاشوراء.


وهذا ما حذَّر منه مراجعنا العظام، وفقهاؤنا الأجلَّاء، وخطباؤنا الواعون حينما قالوا:


• يجب الحذر من كلِّ الممارسات التي تسيء إلى أهداف عاشوراء.
• يجب التجنب عن كلِّ ما يوجب هتكًا، وتوهينا وإضعافًا للمذهب.
• يجب أنْ لا نقوم بأعمال تصوِّرنا أمام العالم بأننا خرافيون.
• يجب أنْ لا نمارس ما يشكِّل وسيلة بيد أعداء عاشوراء، وأعداء المذهب.
• لا تجعلوا النَّاسَ يَرمُون أهدافَ الثورة الحسينية بالخرافة والتفاهة.


هذه كلمات تعبِّر عن إخلاصٍ في الحفاظِ على عاشوراء الحسين، وحمايةِ أهدافِها، وتحصينِها في مواجهة كلِّ التحدياتِ والإشكالاتِ والمؤامرات…، في مرحلة استنفر أعداءُ عاشوراء كلَّ إمكاناتهم وقدراتهم وخططهم من  أجل الإجهاز على عاشوراء الحسين، إلَّا أنَّ عاشوراء أقوى من كلِّ المحاولات والمؤامرات والتحدِّيات، ولا يعني أنْ نعطي لأعداء عاشوراء مبرِّرات الإجهاز والتآمر، وأنْ نفتح لهم مواقع للاختراق من خلال الأعمال التي تسيئ إلى عاشوراء، ومن خلال الممارسات التي تشكِّل أرقامًا سلبية ضدَّ أهداف عاشوراء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى