حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 405: الحُرمانُ مِن صلاة الليل – خيارات الأنظمة وإرادات الشعوب – اعتقال عالم الدّين الشيخ حسن عيسى


بِسمِ الله الرَحمنِ الرحيم ..
الحمد للهِ ربَّ العالمين وأفضلُ الصلواتِ على سيّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين وبعد:


فيستمر الحديثُ عن أثارِ المعاصي والذنوب، ومن هذه اللآثار:


الحُرمانُ مِن صلاة الليل:


صلاةُ الليلِ من النوافلِ اليوميةِ المؤكدّة، وتملكُ أهمية كبيرة شرعاً ..
تتكوّن صلاةُ الليل من:
 صلواتٍ أربع، كلّ صلاة تتكون من ركعتين
 ركعتي الشفع
 ركعة الوتر
وقتُ صلاةِ الليل يبدأ من نصف الليل، ويمتد إلى طلوع الفجر ..
والوقتُ المفضلُ لصلاةِ الليلِ هو “السّحَر” ويشكّل ثلث الليل الأخير، وأفضلُ السَّحَر ما قرب من الفجر ..
يجوز تقديم صلاة الليل على نصف الليل لبعض الأعذار:
أ‌- الشاب الذي يغلبه النوم
ب‌- الشيخ الكبير
ت‌- المريض
ث‌- الضعيف
ج‌- المسافر الذي يخاف فوت صلاة الليل في وفتها ..
كما يجوز قضاءُ صلاةِ الليل بعد إنتهاء وقتها..
وإذا دار الأمر بين التقديم على نصفِ الليل والقضاء فالقضاء أفضلُ ..
ويجوز الأقتصار على ” الشفع والوتر معاً” أو على الوتر فقط ..
وكيفية صلاة الليل مذكورة في الرسائل العملية، وفي كتب الأدعية ..
وأمّا أهميةُ صلاةِ الليلِ فقد أثنى القرآن على العّباد في جوف الليل، وعلى المتهجدين بالأسحار:
 ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) ﴾ (سورة السجدة)
 ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) ﴾ (سورة الذاريات)
 ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر:9)
 ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ (الفرقان:٦٤)


وأمّا الرواياتُ فقد استفاضتْ في التأكيد على أهميةِ وعظمةِ صلاة الليل .. نذكر منها طائفة من هذه الروايات:
1. قال رسولُ الله صلىّ اللهُ عليه وآلِهِ وسلمّ:
” إذا قام العبدُ من لذيذ مضجعه، والنعاسُ في عينيهِِ ليرضي ربَّهُ تعالى بصلاةِ ليلهِ، باهى الله تعالى به الملائكةَ، وقال: أما ترَونَ عبدي هذا قد قام مِن لذيذ مضجعه لصلاةٍ لم أفترضها عليهِ، اشهدوا أنّي قد غَفَرتُ له “


2. وقال صلىّ اللهُ عليه وآلِهِ:
” رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا الْعَبْدُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهَا عَلَيْهِمْ  “


3. وقال صلىّ اللهُ عليه وآلِهِ:
” إذا جمع الله الأولينَ والآخرينَ نادى منادٍ ليقُمْ الذّينَ تتجافى جُنوبُهمْ عن المضاجِع يدعُونَ رَبّهُمْ خوفاً وطمَعاً، فيقومونَ وهم قليلون ثمّ يُحاسبُ النّاسُ من بعدهم”


4. وقال صلىّ اللهُ عليه وآلِهِ:
” فمن رُزِقَ صلاة الليلِ من عبدٍ أو أمةٍ قام للهِ عزّ وجلّ مُخلصاً فتوضأ وضوءاً سابغاً وصلّى للهِ عزّ وجلّ بنيّةٍ صادقةٍ وقلبٍ سليمٍ، وبَدَنٍ خاشعٍ وعينٍ دامعةٍ جَعَلَ اللهُ تبارَكَ وتعالى خَلفَهُ تسعةَ صفوفٍ من الملائكةِ، في كلِّ صَفٍّ ما لا يُحصِي عددهُم إلاّ اللهُ تبارَكَ وتعالى أحدُ طرفي كلِّ صفٍّ بالمشرقِ والآخر بالمغرب، قال فإذا فرغ كتب له بعددهم درجات “


5. وقال صلىّ اللهُ عليه وآلِهِ:
” صلاةُ الليلِ مرضاةُ الربِّ ، وحبُّ الملائكةِ ، وسنّةُ الانبياءِ ، ونورُ المعرفةِ ، وأصلُ الايمانِ ، وراحةُ الابدانِ ، وكراهيةُ الشيطانِ ، وسلاحٌ على الاعداءِ ، وإجابةٌ للدعاءِ ، وقبولُ الاعمال ، وبركةٌ في الرزقِ ، وشفيعٌ بين صاحبِها وبين مَلَكِ الموت ، وسرِاجٌ في قبرِهِ ، وفراشٌ تحت جنبِهِ ، وجوابٌ مع منكرٍ ونكيرٍ ، ومؤنسٌ وزائرٌ في قبرِهِ إلى يومِ القيامةِ. ” 


هذه الفيوضات الربّانية يَحرُمُ منها مَنْ حَرُم من قيام الليل، ومن أهمّ أسباب الحرمانِ من قيام الليلِ “إرتكاب المعاصي والذنوب”


 جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليه السَّلام فقال: إنيّ حُرُمتُ قيامَ الليل، فأجابهُ أمير المؤمنين عليهِ السَّلام: “انتَ رجلٌ قد قيّدتَكَ ذنوبُكَ”


 وفي حديث آخر: ” اتَّقُوا الذُّنُوبَ فَإِنَّهَا مَمْحَقَةٌ لِلْخَيْرَاتِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْسَى بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي كَانَ قَدْ عَلِمَهُ وَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ “


 وفي الحديث ثالث: ” إنّ الرجُلَ لَيَكذِبُ الكِذبَةَ فيُحرَمُ بها صلاةَ الليلِ ؛ فَإِذا حُرِمَ صَلاةَ اللَّيلِ حُرِمَ بِهَا الرِّزقَ ” .
للحديث تتمة إن شاء الله تعالى


خيارات الأنظمة وإرادات الشعوب:


ماذا نعني بخَيَاراتِ الأنظمة؟
ما تتبّناه الأنظمةُ من سياساتٍ على كلِّ المستويات، بغضِ النظرِ عن صحةِ أو خطأ هذه السّياسات ..


ماذا نعني بإراداتِ الشعوب؟
ما تتبنّاه الشعوبُ مِن مطالبٍ على كلِّ المستويات، بغضِ النظرِ عن صحةِ أو خطأ هذه المطالب ..


وحينما تتقابلُ خيارات الأنظمة -يعني سياسات الأنظمة -مع إراداتِ الشعوبِ -يعني مطالب الشعوب -تتشكل عدةُ حالات أو عدةَ صيغ للعلاقة بين الأنظمةِ والشعوب:


 الصّيغةُ الأولى:
أنْ تكونُ خياراتُ الأنظمةِ -سياساتُها -عادلةً وصحيحة ..
وأنْ تكون إراداتُ الشعوبِ -مطالبُها -عادلةً وصحيحة ..
وهنا تتوافقُ خياراتُ الأنظمة مع إراداتِ الشعوب .. وهي الصّيغةُ الأمثلُ، ومِن خلالها يتوفّرُ للأوطانِ الأمنُ والأمانِ والإستقرار، وتتشكّلُ العلاقاتُ السّليمةُ بين الأنظمةِ والشعوب .. فلا سياساتُ تصادر مطالبَ الشعوب وإراداتِها، ولا إراداتُ ومطالبُ شعوبٍ تواجُهُ سياساتِ وخياراتِ الأنظمة ..
رُبّما يُقال: إنّ هذه الصيغةَ تمثلُّ “نموذجاً مثالياً خيالياً طوبائياً” يصعبُ أنْ يتشكّلَ في الواقع الخارجي، نعم على مستوى الأمنياتِ والرغباتِ والطموحاتِ يمكن أنْ نتحدّث عن ” توافقاتٍ كاملةٍ بين أنظمة وشعوب” ولكن على متسوى الواقع فهذا أمرٌ عسيرٌ إنْ لم يكن مستحيلاً”
هذه المقولة تستمدُّ “مُبّرِرَاتِها” من خلال “سياقاتٍ تاريخيةٍ، ومنتجات موضوعية”


إلاّ أنّ هذه “المبّرِرَات” رغم وجَاهتها فإنّها لا يصّح أنْ تُشكّل “معّوِقات” في طريق إنتاج “التوافقات النموذجية” بين الأنظمة العادلة والشعوب المحقّة، ما دامتْ المعاييرُ الموضوعيةُ لصلاحِ الأوطانِ موجودةً ، وبالإمكانِ أنْ تتوافق الأنظمةُ والشعوبُ عليها متى ما خلُصْت النوايا وتوفّر الرشدُ وتآزرتْ الجهودُ.


 الصّيغة الثانية:
أنْ تتناقض خيارات الأنظمة مع إراداتِ الشعوب تناقضاً كاملاً .. أيّ تتنافى سياسات الأنظمة مع مطالب الشعوب ..
وهذه الصيغة هي الأسوءُ في العلاقات ..
وهي تؤزّم أوضاعَ الأوطان وأمنَها، واستقرارَها ..


وهنا يُطرح هذا السؤال :
مَنْ الذي يتحمّلُ مسؤولية هذا التأزيمِ، الأنظمةُ أم الشعوب؟


إذا فُرِضَ أنّ مطالبَ الشعوبِ محقةٌ، وأنّ سياساتِ الأنظمةِ غيرُ عادلةٍ، فلا شكَّ أنَّ الأنظمةَ هي التي تتحملُ كلَّ السؤوليةِ في هذا التأزيمِ ..


وإذا كان العكس، فالشعوبُ هي التي تتحملَّ كلَّ المسؤلية
إلاّ أنّه وفقَ السّياقاتِ المنطقية، لا يمكن أن نتصورَ أنْ تكونَ سياساتُ الأنظمةِ عادلةً وصالِحةً ومُنصِفةً وتبقى الشعوبُ رافضةً ، إلاّ أنْ تكونَ هذه الشعوب فاقدةً لكلِّ الرشدِ، أو تكونَ منسلخةً كلّ الإنسلاخِ عن إنتمائها الوطني.


أمّا العكس فواردٌ جداً، كما تؤكّد الشواهدُ التاريخيةُ والحاضرةُ، فمْن الممكن جدّاً أنْ تكون مطالبُ الشعوبِ عادلةً ، ومحقةً ، ومنصفةً ، وتبقى الأنظمةُ رافضةً ومصّرةً على مواقفِها وسياساتها المنافية لإداراتِ الشعوب.


 الصَّيغةُ الثالثةُ:
أنْ تتوافقَ خياراتُ الأنظمةِ مع إراداتِ الشعوبِ في مساحاتٍ وتتناقضُ معها في مساحاتٍ اخرى ..


فإنْ كانتْ مساحاتُ الأتفاقِ أكبرُ، فمعالجةُ الموقفِ أسهلُ ، وإنْ كانت مساحاتُ التناقضِ أكبرُ، فالمعالجةُ أصعبُ وأكثر تعقيداً ..
وهنا حيثُ يستحكمُ التناقض والإختلاف بين خيارات الأنظمةِ وإراداتِ الشعوب تتشكلُّ عدةُ مواقفٍ متعددةٍ:


الموقفُ الأولُ:
أنْ تمارسَ الأنظمةَ نهجاً متشدّداً ضدَّ الشعوب، وأنْ تمارسَ الشعوبُ نفسَ الموقف ..
وهكذا ببقى الأوضاع مأزومةً، ومتوترةً، ومرتبكةً ورغم أنّ الأنظمة هي التي تملك كلَّ أدوات القوةّ إلاّ أنّ الشعوب تبقى غاضبةً رافضةً ..


الموقفُ الثاني:
أنْ تجنح الأنظمةَ إلى إعتمادِ كلِّ أدواتِ التشدّدِ والقسوة، وتنزعُ الشعوب إلى الصبر والتحمّل، وهنا تبقى الشعوبُ تختزن في داخالها الغضب والرفض، والإستعداد للمطالبةِ بالحقوق، مما يجعل الأوضاعَ في حالاتٍ من التوتر الدائم، والترشح للإنفجار التأزم ..
ونادراً ما يحدث العكس أنْ تمارس الأنظمةُ اللين والتسامح، وتجنح الشعوب نحو التشدّد والقسوة.


الموقف الثالث:
أنْ تتفق الأنظمةُ والشعوبُ على معالجة مساحاتِ الإختلاف بالأساليبِ الجادةِ والقادرةِ على إنقاذ الأوطانِ من المآزقِ والأزمات ، وهذا هو النهجُ الأسلمُ والأصلحُ، حيثُ تتطابق خياراتُ الأنظمة مع إرادات الشعوب في العمل المشترك من أجل تحقيق العدالةِ الحقّةِ، والمساوةِ، والحرية، والكرامة، والأمن، والوحدة، والتلاحم، والمحبة، والتسامح والخير، والأزدهار ..
وهكذا تبقى الشعوبُ تمارسُ إرادتَها، وحضورَها، وكلَّ حقوقِها..
وتبقى الأنظمة محتفظةً بهيبتِها، وقوتِها, وسلطتها وكلّ صلاحياتها ..
وماعدا ذلك فكلّ الرهاناتِ صعبةٌ ومكلفةٌ، فبقاء المساحاتُ المتنافية بلا حلّ واستمرار الإختلاف قد يقودُ العلاقاتِ إلى مرحلةِ (المفاصلة)، وهي مرحلةٌ في غاية الخطورة والصعوبة، وتدفع نحو “الإستنفاراتِ المتضادة” وكم هي كلفةُ ذلك على الأوطان، وكم هي الأثمان باهضة ومرهقة ..
فالخير كلّ الخير أنْ تعالج الأوضاع المأزومة بكلِّ صدقيةٍ، وإنصافٍ، ومحبّةٍ، وتسامحٍ، وتعاونٍ، وتآزرٍ ..


فلا يملك ولاءً صادقاً للأوطان منْ لا يريدُ لها أنْ تتاجوزَ أزمتِها، فالإخلاصُ كلُّ الإخلاصِ للأوطانِ أنْ نُخلِّصها من كلِّ أوضاعِها السَّيئةِ والمتأزمةِ، والفاسدةِ، هذا هو معيارُ الولاءِ والحُبِّ والإخلاصِ وهذا هو معيارُ الرُّشدِ والقُدرةِ والنجاحِ ..


كلمة أخيرة:


إنّ إعتقالَ عالم الدّين الشيخ حسن عيسى يشكلُ دافعاً في إتجاهِ التأزيم والتصعيد ، ممّا يضّر بمصلحةِ هذا الوطنِ وأمنِهِ واستقرارهِ في مرحلةٍ تحملُ الكثيرَ منَ التعقيداتِ و التحدياتِ، وتفرضُ  مزيداً من التلاحمة و الإنصهار في البحث عن حلولٍ جادّةٍ لمعالجةِ كلّ الأزماتِ التي تحاصر أوضاعَ المنطفة ..


إننّا نعبّر عن القلب الشديد لهذا الإعتقال، ونطالبُ بإطلاقِ سراحِ سماحة الشيخ ،وبمعالجةِ قضايا المعتقلين والسُجّناء بما يخدم مصالحَ هذا الوطن وتطلعاتِ أبنائه ..


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وأله الطيبين الطاهرين


فيديو:


https://youtu.be/JQlcDeg_zZE

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى