حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 374: الولاء لأهل البيت عليهم السلام – حرب أنظمة السياسة لقضية الإمام المهدي – على مشارف الانتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الهداة المعصومين…


قال الله العظيم في كتابه الحكيم: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ الشورى/ 23، الخطاب هنا للنبي الكريم صلى الله عليه وآله محدِّدًا قضيةً في غاية الخطورة ترتبط بمسار الرسالة، وبحركة الدعوة، وبقيادة الأمة، الأمر الذي أثار تساؤل الصحابة فقالوا: يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتُهم؟ قال صلى الله عليه وآله: «علي وفاطمة وابناهما».


وجاءت الأحاديث تترى مؤكِّدةً هذا المضمون القرآني:
• «مَنْ مات على حبِّ آل محمدٍ مات شهيدًا..
ألا ومَنْ مات على حبِّ آل محمدٍ مات مغفورًا له..
ألا ومَنْ مات على حبِّ آل محمدٍ مات مؤمنًا مستكمل الإيمان..
ألا ومَنْ مات على حبِّ آل محمدٍ مات على السُّنة والجماعة..
ألا ومَنْ مات على بغض آل محمدٍ جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله..


ألا ومَنْ مات على بغض آل محمدٍ لم يشم رائحة الجنة…».
فلسنا غلاة ولا متجاوزين ولا متطرفين حينما أعلنا الولاء لآل محمد صلَّى الله عليه وآله.


ولسنا واهمين ولا تائهين ولا خاطئين حينما تمسَّكنا بحبل العترة الطاهرة.
منذ أنْ تجذَّر هذا الولاء وهذا الانتماء تصدى حكَّامُ سياسةٍ، ووعَّاظُ سلاطينَ، وحملةُ أقلامٍ لمواجهة هذا الخط حربًا، وقتلًا، وفتكًا، وبطشًا، ومطاردةً، ومحاصرةً، وتزويرًا، وتشويهًا…


وبقي هذا الخط صامدًا، ثابتًا، صلبًا، قويًّا، وإن كان الثمن في ذلك كبيرًا وباهظًا، وإن كان الثمن دماءً، وأرواحًا، وسجونًا، وزنزانات…
تُحدِّثنا وثائق التاريخ أنَّ حكَّام السِّياسة بدءًا من الأمويين تتبعوا كلَّ المنتمين إلى هذا الخط فقتلوهم تحت كلِّ حجرٍ ومدر، وأخافوهم، وقطعوا الأيدي والأرجل، وسملوا العيون، وصلبوا على جذوع النخل، وطردُوا وشرَّدُوا…
إلَّا أنَّ سياسةَ القتلِ والذبحِ والسجونِ، ونهبِ الأموال، وهدمِ الدور، وهتكِ الأعراض ما استطاعت أن تنهي هذا الولاء.
بل زادته شموخًا، وعنفوانًا، وثباتًا، وتجذُّرًا …
لم يكن أصحاب ورموز هذا الانتماء يعيشون غبشًا في الرؤية، ونزقًا في الموقف، وطيشًا، وتطرفًا…
كانوا أصحابَ بصيرةٍ، ورجالَ مبدأ، وحملةَ دينٍ، فيهم صحابة أجلَّاء، وتابعون صلحاء، وعبَّاد أتقياء.
كان حِجرُ بن عَدِي – أحد رموز هذا الخط – من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله، ومن أصحاب عليٍّ والحسن عليهما السَّلام، وكان زاهدًا عابدًا، وقد قيل عنه أنَّه راهبٌ من أصحاب محمدٍ صلَّى الله عليه وآله، وكان بطلًا شجاعًا، حارب في الجيش الذي فتح الشام، والجيش الذي فتح القادسية، وشهد مع الإمام عليٍّ يوم الجمل، وصفين، والنهروان… اعتقله النظام الأموي، وطلبوا منه البراءة من عليٍّ عليه السَّلام، فرفض بكلِّ شموخٍ وإصرار، فقتلوه مع جماعة من أصحابه…
وكان عمرو بن الحمق – وهو أحد رموز الولاء – صحابيًا جليلًا، وممَّن أسلم قبل الفتح، كان مقرَّبًا لدى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله، وقد دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبلغ الثمانين من العمر، ولم تبيض له شعرة واحدة، تابعه جلاوزة النظام الأموي فهرب منهم، فاعتقلوا زوجته، وسجنوها ثمَّ تعقَّبوه حتى ظفروا به، وقطعوا رأسه وبعثوا به إلى زوجته في السجن وألقوه في جحرها…


وكان رشيد الهجري من تلاميذ الإمام عليٍّ وخواصه، عرضوا عليه البراءة واللعن فأبى، فقطعوا يديه، ورجليه، ولسانه، وصلبوه خنقًا في عنقه…
هذا مقطع من التاريخ يرسم أبشع الصور لسياسة البطش والفتك والتنكيل، وقد بارك هذه السِّياسة وشرعن لها وعاظُ دينٍ، وحملةُ حديثٍ، وأصحابُ منابر، وهؤلاء أشدُّ ظلمًا من الحكام والسلاطين، لأنَّهم وظفوا الدِّين في ظلم العباد، وباعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان، وحرَّفوا الكلم عن مواضعه، وخانوا الأمانة، فسفكوا الدِّماء، وهتكوا الأعراض، وضيَّعوا الأموال…


قد يُقال: لماذا هذا الإصرار على استدعاءِ التاريخ، وملفاتِه، وأحداثِه، وخلافاتِه، وصراعاتِه، أليس في هذا الاستدعاء التاريخي تغذية لحالات الشتات والانقسام والتفتت، خاصة والأوضاع الراهنة متأزمة جدًا بسبب الشحن الطائفي والمذهبي؟


هذا الاعتراض وجيه، إذا كان استدعاء التاريخ من أجل إنتاج الفتن والخلافات والصراعات، أما إذا كان الهدف هو (العبرة والتذكير واستلهام المواقف المبدئية) فهذا أمرٌ مطلوب وقد أكَّد عليه القرآن:
• ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾. (يوسف/111)
• ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. (الأعراف/176)
فالأجيال مطلوبٌ منها أن تقرأ التاريخ بإيجابياته وسلبياته، بانتصاراته وانتكاساته، بحقائقه وتزويراته، برجالِه المبدئيين، ورجالِه الفاسدين، بإشراقاته وظلماتِه، بحقِّه وباطله…


فكما حدَّثنا القرآن عن الأنبياء والأولياء والصلحاء والشهداء، حدَّثنا عن الطغاة والفراعنة والجبابرة، والفسَّاق والفجَّار والعصاة والمتمردين وعبَّاد الشيطان…


وحدَّثنا القرآن عن الصراع عبر التاريخ بين خط الأنبياء وخط الطواغيت، بين خط الله وخط الشيطان، بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال…
 هذه سنَّةُ اللهِ في الأرضِ إلى اليوم الموعود.
حينما ينتصر خط الأنبياء، وينتصر الحق والهدى، فتملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملأت ظلمًا وجورًا، وذلك على يد المخلِّص القائم من آل محمد صلَّى الله عليه وآله.


وإذا كنا نعيش الانتظار لدولة العدل الكبرى، دولة الإمام المهدي أرواحنا فداه فهذا لا يعني أن نتكلَّس ونتبلَّد رساليًّا وجهاديًّا وسياسيًّا، وأن نعطِّل كلَّ نشاطٍ ثقافي واجتماعي وحركي بدعوى أنَّ ذلك مؤجَّل حتى ظهور الإمام المنتظر عليه السَّلام، هذا فهمٌ يحمل إفلاسًا وغباءً وانحرافًا وتشويهًا…


إنَّ أعداء هذا الخط المبارك، خط الانتظار يُسوِّقون لهذا اللون من الفهم المغبوش من أجل أن يحقِّقوا هدفين:
الهدف الأول: أنْ يشوِّهوا الصورة الحقيقية لمسألة الإمام المهدي عجَّل الله فرجه، وقد دأب هؤلاء المعادون لقضية الإمام المهدي عبر التاريخ على محاربة هذه القضية بكلِّ الوسائل.


وقد نتسائل: لماذا هذا الإصرار على محاربة قضية الإمام المهدي، وهي قضية مسلَّمة وثابتة وقد أكَّدتها الروايات الصحيحة المتواترة والمدوَّنة في أهم المصادر الإسلامية لدى جميع المذاهب؟
ربَّما يقف وراء هذه الحرب عاملان:


العامل الأول: العامل السِّياسي.. 
فالسلطات الحاكمة عبر التاريخ جنَّدت الكثير من الأقلام المأجورة لمحاربة الفكرة، وتشويهها، وإجهاضها…


لماذا هذه الحرب ضدَّ قضية الإمام المهدي من قِبَل أنظمة السِّياسة؟


لأنَّ عقيدة الإمام المنتظر بشكلها الواعي الأصيل تمثِّل قوة رافضة لكلِّ الكيانات السِّياسية الفاسدة، ولكلِّ القيادات المنحرفة عن خط الإسلام.
فإذا عاشت هذه العقيدة في روح، ووعي الجماهير تحوَّلت هذه الجماهير إلى قوةٍ رافضة لتلك الكيانات والسِّياسات والقيادات الفاسدة.


فالفكرة في مضمونها الأصيل, ودلالاتها الواعية, ومساراتها الهادفة تشكِّل خطرًا حقيقيًّا على كلِّ الوجودات السِّياسية والقيادية التي تتناقض مع الخط السِّياسي والقيادي في الإسلام.


ومن هنا وجدت تلك الكيانات نفسها مضطرة لمحاربة الفكرة, والمحاربة لهذه القضية أخذت اشكالًا متعددة (رفض الفكرة/ تحريفها/ تفريغها من مضمونها/ محاربة العنف والإرهاب ضدَّ المؤمنين بها)
هكذا واجهوا الفكرة والقضية مستخدمين شتَّى الأساليب, ومختلف الوسائل الفكرية والسِّياسية والاجتماعية والإعلامية, والقمعية والإرهابية, لأن المسألة في وعي هذه القوى تمثِّل تحديًا مصيريًّا خطيرًا, وتناقضًا منهجيًا وأيديولوجيًا لا يسمح لها بالتسالم والتعايش مع الفكرة, وهذا ما يُفسر لنا قوة الإصرار وشدَّة التصدي…


وأمَّا العامل الثاني: فالعامل المذهبي..
رغم أن الاعتقاد بالإمام المهدي لا يحمل صبغة مذهبية, وإنما يحمل صبغة إسلامية عامة, غير أنَّ المعطى الحقيقي لهذا الاعتقاد هو تأكيد خط الإمامة والذي يمثِّل الإمام المهدي آخر حلقة في هذا الخط, فالمهدي وِفق الروايات الثابتة لدى المسلمين هو من (عترة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله) لا يختلف في ذلك أحد من المسلمين, وإنْ تعدَّدت الرؤى حول (ولادته) أو عدمها, فالجميع يعتقدون أنَّه من (أهل البيت) وأنَّه (الإمام) الذي يُصلح العالم في آخر الزمان، هذا المفهوم حينما يترسَّخ في وعي المسلمين لا شكَّ أنَّه يؤسِّس لمفهوم (الإمامة) وِفق الرؤية التي يؤمن بها أتباع مدرسة أهل البيت, الأمر الذي دفع البعض إلى رفض الفكرة من أساسها، أو تكييفها بما لا يتنافى مع المسلَّمات المذهبية…


نخلص إلى القول بأن الهدف الأول لتسويق الفهم المغبوش لقضية الإمام المهدي هو محاولة التشويه…


وهدف آخر هو (تعطيل الحراك الرسالي والسِّياسي والجهادي)
فالإيمان الأصيل والواعي بقضية الإمام المهدي ينتج – كما تقدَّم القول- حراكًا رافضًا لكلِّ أشكال الظلم والفساد والانحراف, وما يقلق الأنظمة الحاكمة هو التصدي للظلم السِّياسي, والفساد السِّياسي، والانحراف السِّياسي، فإذا عجزت هذه الأنظمة عن (إلغاء قضية الإمام المهدي) في وعي المسلمين, وفي تراث المسلمين، فلتمارس دور المصادرة لمضمونها الأصيل, ولتعمل على تكريس (الفهم السلبي) الذي يُعطِّل دورها الجهادي والرسالي والسِّياسي والاجتماعي.


وهل استطاعت الأنظمة أن تُعطِّل هذا الدور؟
لا نعتقد أنها استطاعت, رغم أنَّ مساحةً من اتباع (خط الانتظار) تكلَّس لديهم الحسَّ الجهادي والرسالي والسِّياسي, إلَّا أنَّ مسار التصدِّي ظلَّ حيًّا وناهضًا ومتحرِّكًا, فالحراكات الجهادية والسِّياسية الأصيلة والنظيفة والواعية هي تعبير عن بقاء هذا المسار…


وحينما نقول(الحراكات الأصيلة والنظيفة والواعية) فليس كلّ حراكٍ جهادي وليس كلّ حراكٍ سياسي هو أصيل ونظيف وواعي فما أكثر الحراكات الجهادية والسِّياسية الفاقدة للأصالة, والمنحرفة عن أهداف الدِّين, والتي تعيش الغبش والطيش والانفلات، والساحة المعاصرة حافلة بالكثير من هذه النماذج الزائفة, والأشكال المزوَّرة, والصيغ المنفلتة…


  وهذا ما يفرض أن يتوفَّر أيّ حراكٍ جهادي أو سياسي على بصيرة إيمانية, ورؤية فقهيَّة, وحصانة روحية, وقيادة ربَّانية, وإلَّا انفلت هذا الحراك وزاغ وطاش…


فالحراكات الجهادية, والمواقف السِّياسية في حاجةٍ إلى (محصِّنات) ولا تُترك إلى (مزاجات) شخصية…
أنْ نقول (نعم) أو (لا) لهذا المشروع السِّياسي أو ذاك…
أنْ نؤيِّد أو نعارض…
أنْ نتكلم أو نصمت…
أنْ نشارك أو نقاطع…
أنْ نتحرك أو نتوقف…


مواقف لا يجوز أن تحكمها (مزاجات فردية)، ولا يجوز أن تصنعها (توجهات مجهولة)، ولا يجوز أن تفرضها (قناعات مرتجلة)، ولا يجوز أن تصوغها (إرادات مشبوهة).


في الساحة قيادات مخلصة كلّ الإخلاص, واعية كلّ الوعي, نظيفة كلّ النظافة, صادقة كلّ الصدق, أمينة كلّ الأمانة, كفوءة كلّ الكفاءة, ناصحة كلّ النصح, مضحيَّة كلّ التضحية, هي القادرة أن تحدد الرؤية.
المسألة مصلحة شعب, وإرادة شعب، وحقوق شعب، وخيار شعب، وكرامة شعب، وحرية شعب، وموقف شعب…
فإذا كان في هذا البلد أزمة سياسية حادَّة، فإنَّ الأساس في هذه الأزمة هو (تغييب إرادة الشعب) في جميع مفاصل العملية السِّياسية..
ومتى لم يكن لإرادة الشعب حضورًا حقيقيًّا في العملية السِّياسية كانت هذه العملية مزوَّرة، وفاقدة للصدقية، ومنتجة للأزمات.
فمطلوب أنْ يكون الدستور ممثلًا لإرادة الشعب، وأن تكون الانتخابات ممثلة لإرادة الشعب، وأن تكون السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ممثلة لإرادة الشعب.
هكذا يجب أنْ يبدأ التفكير في علاج المأزق السِّياسي الذي أدخل البلد في أزمات وأوضاع قلقة جدًا.



إنَّنا على مشارف انتخابات، فهل تعبِّر الصيغة الانتخابية، وكذلك بقية سياقات العملية السِّياسية عن حضور حقيقي لإرادة الشعب؟.
الجواب عن هذا التساؤل هو الذي سوف يحدِّد المشاركة أو المقاطعة في هذه الانتخابات.
ولا يمكن أن يفرض على الشعب خيارات تزوِّر إرادته الحقيقية، وتصادر طموحاته المشروعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى