حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 279: الإيمانُ والعملُ أخوانِ شريكان (1) – المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة ودفع الظلم السِّياسي – استهداف فضيلة الشيخ علي سلمان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلواتِ على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداةِ الميامين..


نتناول:


الإيمانُ والعملُ أخوانِ شريكان:


هكذا عبَّرتْ الكلمةُ الصادرةُ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله حيث قالت:
«الإيمانُ والعملُ أخوانِ شريكانِ في قَرَنٍ، لا يُقبل أحدُهما إلَّا بصاحبه»[1].
– في قَرَنٍ: أي مقترنانِ متلازمانِ..
وهذا الاقترانُ التلازمُ يعني:


أولًا: إنَّ وجودَ الإيمانِ الصادقِ ينتج عملًا صالحًا، وإنَّ وجودَ العملِ الصالحِ يُعبّر عن إيمانٍ صادق…


ثانيًا: إذا افترقَ أحدُهما عن الآخرِ كان مرفوضًا عند الله تعالى؛ فلا قيمة لإيمانٍ لا يتحوّلُ عملًا صالحًا، ولا قيمة لعملٍ لا ينطلقُ عن إيمانٍ صادقٍ…


وهذا المعنى أكَّده حديثٌ آخر لرسول الله صلَّى الله عليه وآله حيث قال:
«لا يُقبل إيمانٌ بلا عمل، ولا عملٌ بلا إيمان»[2].


فإيمانٌ لا ينتج عملًا صالحًا هو إيمانٌ مخدوش…
وعملٌ لا يعبِّرُ عن إيمانٍ صادقٍ فهو عملٌ زائف…
قد يقالُ: هناك أعمالٌ صالحةٌ طيِّبةٌ نافعةٌ تصدرُ عن أناسٍ غير مؤمنين، وربَّما عن أناسٍ غير صادقين في إيمانهم…


العملُ الصالحُ في حسابِ الله، والذي يترتب عليه ثوابُ الله هو ما يصدرُ عن إيمانٍ وعن ارتباطٍ بالله.
فإذا صدر عملٌ طيِّبٌ نافعٌ للناسِ ممَّن لا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالآخرة، فهو عملٌ يُثمَّنُ وفق معايير الدنيا، إلَّا أنَّ صاحبه لا نصيب له في الآخرة.
وكذلك إذا صدر عملٌ طيِّبٌ نافعٌ ممَّن يؤمن باللهِ، إلَّا أنَّ العمل لم يكن بدافع التقرُّب إلى الله، فهو عملٌ قد يُسقطُ عقابًا، إلَّا أنّه لا يمنح ثوابًا..


توجد في الشريعة الإسلامية نوعان من التكاليف:


النوع الأول: تكاليفٌ عباديَّة ويُشترط في صحَّتها (نية القربة إلى الله).
مثال ذلك: الوضوء، الغسل، الصَّلاة، الصِّيام، الحج والعمرة، الزَّكاة، الخمس…
فهذه التكاليف إذا فقدت (نية القربة) كانت باطلة…


النوع الثاني: تكاليف توصليَّة لا يشترط في صحَّتها (نيةُ القربة إلى الله تعالى).
مثال ذلك: تطهير البدن والملابس من النجاسة، ردُّ التحية، الإنفاق على الزَّوجة، صلة الرَّحم، تعليم الأحكام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن…


فهذه الأمور إذا مارسها الإنسانُ بدون نية القربة إلى الله وقعت منه صحيحة، وسقط التكليف الشرعي، إلَّا أنَّه لا يحظى بثواب الله إذا قصد التقرُّب إلى الله.


فأيّ ممارسة في أيِّ مجالٍ من المجالات يمكن أن نحوِّلها إلى عبادةٍ متى ما قصدنا بها وجه الله تعالى..
– فقضاء حاجة مؤمنٍ عبادة إذا قصد بها وجه الله..
• في الحديث عن الإمام الباقر عليه السَّلام:
«مَنْ مشى في حاجةِ أخيه المسلم أظلَّه الله بخمسةٍ وسبعين ألف مَلَك، ولم يرفع قدمًا إلَّا كتب الله له حسنة وحطَّ عنه بها سيِّئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عزَّ وجلَّ بها أجرَ حاجٍّ ومعتمرٍ»[3].


– وإعالة أسرة محتاجةٍ عبادة إذا قصد بها وجه الله..
• في الحديث عن الإمام الباقر عليه السَّلام:
«لأن أعول أهل بيتٍ من المسلمين أسدُّ جوعتهم وأكسو عورتَهم، فأكفُّ وجوههم عن الناسِ أحبّ إليَّ من حجَّةٍ وحجَّةٍ [وحجَّةٍ] ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرًا، ومثلَها ومثلَها حتى بلغ السبعين»[4].


– والتعلُّم والتفقُّه عبادة إذا قصد بها وجه الله..
• في الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«إذا جلس المتعلِّم بين يدي العالم فتح الله له سبعين بابًا من الرَّحمة، ولا يقوم مِنْ عنده إلَّا كيوم ولدته أمّه، وأعطاه الله بكلِّ حرفٍ ثواب ستين شهيدًا، وكتب له بكلٍّ حديثٍ عبادة سبعين سنة»[5].


وفي هذا السياق يستوقفنا عنوانٌ مهمٌّ:


المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة ودفع الظلم السِّياسي:


وهنا نطرح سؤالين:


السؤال الأول:
هل أنَّ المطالبة بالحقوق السِّياسية ودفع الظلم السِّياسي مسؤوليَّة عينيَّة تتوجَّه إلى كلِّ الناس، أم أنَّها مسؤوليَّة من نوع التكاليف الكفائيَّة التي يُخاطب بها الجميع، إلَّا أنَّ التكليف يسقط بامتثال البعض، وإذا لم يتمثل أحدٌ يُعاقب الجميع؟


السؤال الثاني:
هل أنَّ ممارسة المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة ودفع الظلم السِّياسي من الأمور العباديَّة أو مِن الأمور التوصليَّة؟


أمَّا الجواب عن السؤال الأول:
فإنّ العمل السِّياسي متمثِّلًا في المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة ومواجهة الظلم السِّياسي، وبأيِّ أسلوبٍ مشروعٍ هو مِن المسؤوليَّات الكفائيَّة، فالخطاب موجَّه لكلِّ القادرين على هذا العمل قدرةً فكريَّة، وسياسيَّة وبدنيَّة، وماليَّة، وموضوعيَّة…
إلَّا أنَّه إذا تحقَّق الهدف من خلال قيام البعض سقط التكليف عن الباقين…
فإذا كان الهدف يتحقَّق بقيام العلماء وبعض القوى السِّياسيَّة، وبعض الناشطين سقط التكليف عن الباقين، وإلَّا وجب أن ينضم إلى الحراك المطالب بالحقوق والدافع للظلم السِّياسي العدد الذي يحقِّق الهدف…
وإذا كان الهدف لا يتحقَّق إلَّا بتحرك كلِّ الناس كان عليهم أن يتحرَّكوا جميعًا.


وإذا لم يتحرَّك أحدٌ من العلماء، والقوى السِّياسيَّة، والناشطين، وبقيَّة الناس من أجل المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة، ومواجهة الظلم السِّياسي وهم قادرون على ذلك فالجميع معاقبون عند الله تعالى.


وأمّا الجواب عن السؤال الثاني:
فإنَّ ممارسة المطالبة بالحقوق السِّياسية، والتصدِّي لدفع الظلم السِّياسي من الأمور التوصليَّة التي لا تحتاج في صحَّتها إلى نية القربة لله تعالى.
إلَّا أنَّنا هنا نشير إلى حالتين في هذه الممارسة السِّياسيَّة، وفي هذا التصدِّي السِّياسي:


الحالة الأولى:
أن تكون الممارسة، وأن يكون التصدِّي بغير نية القربة إلى الله، بل بدوافع أخرى وطنيَّة أو حقوقيَّة أو إنسانيَّة، أو شخصيَّة، أو اجتماعيَّة أو سياسيَّة أو أيّ دافعٍ آخر…
هنا يسقط التكليف، ويسقط العقاب الإلهي إلَّا أنَّه لا يُعطى هذا المُمارس، وهذا المتصدِّي أيَّ ثوابٍ أخروي، لأنَّه لم ينطلق من رغبةٍ في ثواب الله، أو خوفٍ مِن عقابه، أو حبًّا له تعالى…


الحالة الثانية:
أن تكون المطالبة بالحقوق السِّياسيَّة، والتصدِّي لدفع الظلم السِّياسي بنية امتثال التكليف الإلهي، وبنية التقرُّب إلى الله تعالى، حبًّا لله، أو خوفًا مِن عقابه أو طمعًا في ثوابه…
في هذه الحالات فقط يُكتبُ الثوابُ الأخروي بشرط أن تتوافر الضوابط الشرعيَّة في هذه الممارسة السِّياسيَّة، وفي هذا التصدِّي السِّياسي…


فمطلوبٌ منَّا ونحن نمارسُ الحراك السِّياسي المُطالب بالحقوق، والمُواجه لكلِّ أشكال الظلم أن نتوفَّر على:


(1) ارتباطٍ صادقٍ بالله تعالى..
وقد تقدَّم الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله بضرورة أن يرتبط العمل بالإيمان:
• «الإيمان والعمل أخوانِ شريكانِ في قَرَنٍ، لا يُقبل أحدهما إلَّا بصاحبه».
• «لا يُقبل إيمانٌ بلا عمل، ولا عملٌ بلا إيمان».
• وقال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«لو كان الإيمان كلامًا لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلالٌ، ولا حرام»[6].
• وقال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«ملعونٌ ملعونٌ مَنْ قال: الإيمان قولٌ بلا عمل»[7].
وكلمة (العمل) تعني أيَّ سلوكٍ، وأيَّ ممارسةٍ، وفي كلِّ مواقع الحياة…
فالعمل السِّياسي يفقد قيمته عند الله تعالى إذا تجرَّد عن علاقته بالإيمان…
فهل مطلوبٌ أن ترتبط الصَّلاة، الصِّيام، الحج… بالإيمان بالله تعالى؟
وتبقى قضايا الحياة الأخرى، قضايا الاجتماع، قضايا الاقتصاد، قضايا السِّياسة مفصولةً عن الإيمان، مفصولة عن الله؟


عمِّقوا كلّ حراكاتكم بالإيمان، بالله تعالى، إذا كنتم تطمعون في عطاء الله، وفي ثواب الله،… وإلَّا فأنتم وشأنكم مع أيِّ عطاءٍ آخر، وجزاءٍ آخر، فخاسرٌ كلَّ الخسران مَنْ خسر عطاء الله، وثواب الله..


(2) وعي وبصيرة..
فأيّ حراكٍ سياسي يجب أن يحكمه وعيٌ ديني، وبصيرةٌ إيمانيَّة، وإلَّا تاه وانحرف وزاغ عن الطريق..
• «العامل على غير بصيرةٍ كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السَّير إلَّا بُعدًا»[8].
• «ليس الأعمى مَنْ يعمى بصره، إنَّما الأعمى مَنْ تعمى بصيرته»[9].


وهذا ما أكَّده كتاب الله:
• قال تعالى:
﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. (الحج/ 46)
• وقال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾. (يوسف/ 108)


ثمَّ إنَّ الوعي الديني والبصيرة الإيمانيَّة يفرضانِ التوفُّر على (رؤيةٍ سياسيَّةٍ موضوعيَّةٍ صائبة» وإلَّا أخطأنا الموقف الفقهي، كما أنَّ الموقف السِّياسي ينحرف ويتيه حينما تغيب رؤية الفقه ورؤية الدِّين…


نتابع الحديث إن شاء الله حول عنوان (الإيمان والعمل) لنقف مع بعض آياتِ القرآن الكريم…



كلمةٌ أخيرة:


إنَّنا نستنكر بشدَّة استهداف فضيلة الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الإسلاميَّة، كما نستنكر بشدَّةٍ كلَّ هذا البطش والقمع الذي يطال أبناءَ هذا الشعب…


إنَّ استهداف الأمين العام لجمعية الوفاق رسالة صريحة أن لا خيار إلَّا خيار القمع، ولا حوار ولا تفاهم ولا مصالحة…


إلى أين سوف تنتهي الأمور؟ إلى مزيدٍ من التأزيم..


ما دام هناك إصرارٌ على هذا الخيار، وما دامت هناك أرواحٌ تُزهَق، وما دامت هناك انتهاكاتٌ، وما دامت السجونُ تزدحمُ بالمعتقلين والمحكومين…
وما دامت خطاباتُ الفتنةِ والكراهية تتحرَّك…


ربَّما نسمع تصريحاتٍ رسميَّة تتحدَّث عن مصالحةٍ وطنية، عن حوارٍ، عن تفاهمٍ، عن إصلاحات، عن تعديلات، عن رغبة إنقاذ البلد، وعن… وعن…


وتبقى هذه التصريحاتُ كلامًا للاستهلاك السَّياسي، والإعلامي، فالأمور في اتجاه التأزُّم أكثر، وفي اتجاه القمع أكثر، وفي اتجاه مصادرة الحقوق أكثر، إذا كان هذا رهانٌ على الوقت، من أجل أن يتعب الشعب، وأن يُرهق الشعب، وأن ييأس الشعب، ومن أجل مزيدٍ من التشهير وكيل التهم لتشويه سمعةِ الحراك الشعبي، ومِن أجل إنتاج الفتن الطائفية…


إذا كان هذا هو الرهانُ فهو رهانٌ خاطئٌ وخاسر، فشعبٌ يُطالب بحقوقه المشروعة، وهو يحمل عزمًا، وإصرارًا، وقناعةً، وإيمانًا لا يمكن أن تسقطه حملاتُ تشهيرٍ وتشويهٍ… ولا يمكن أن ينجرَّ إلى المعترك الطائفي…


فها هو عامٌ مضى، والإصرارُ هو الإصرارُ، والحماسُ هو الحماسُ، والعزيمةُ هي العزيمة، بل زاد الإصرارُ والحماس، واشتدَّتْ العزيمة…
فهل آن الأوان لأن يعيدَ النظامُ النظرَ في كلِّ حساباته، وفي كلِّ رهاناته، وفي كلِّ خياراته؟






الهوامش:
[1] الريشهري: ميزان الحكمة 1/ 193، حرف الألف، الإيمان والعمل. (ط1، التنقيح الثاني 1416هـ، دار الحديث، قم – إيران)
[2] المصدر السابق نفسه.
[3] الكليني: الكافي 2/ 197، كتاب الإيمان والكفر، باب السعي في حاجة المؤمن، ح3. (ط4، 1365ش، دار الكتب الإسلامية، طهران – إيران)
[4] الكليني: الكافي 2/ 195، كتاب الإيمان والكفر، باب قضاء حاجة المؤمن، ح11.
[5] الريشهري: العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ص 220. (ط1، دار الحديث الثقافية، قم – إيران)
[6] الريشهري: ميزان الحكمة 1/ 193، حرف الألف، الإيمان والعمل.
[7] الريشهري: المصدر السابق نفسه.
[8] الكليني: الكافي 1/ 43، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، ح1.
[9] الريشهري: ميزان الحكمة 1/ 266، حرف الباء، البصيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى