حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 261: نتابع الحديث حول الكسل العبادي (2) – أخطر ما تصاب به الشعوب – ماذا عن أوضاع هذا الوطن الحبيب؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


نتابع الحديث حول الكسل العبادي:
العوامل التي تنتج الكسل العبادي كثيرة، وأول هذه العوامل (قسوة القلب)، وقلنا إنّ لهذه القسوة أسبابًا متعدّدة، تناولنا – فيما تقدّم من حديث – السبب الأول وهو (ارتكاب الذنوب والمعاصي) وهذا السبب كما يؤثّر في إنتاج الكسل العبادي من خلال ما يوجده في القلب من قسوة، فهو كذلك عامل مباشر في حدوث الكسل العبادي…


نتابع الحديث فيما هي أسباب قسوة القلب:
السبب الثاني:
أكل الحرام:
حينما نتحدّث عن (الأكل الحرام) نتحدّث عن الأكل والشرب..
وهذه بعض أحاديث تتناول (أكل الحرام):
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«مَنْ أكل لقمةً مِن حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»[1].
وربّما يفهم من هذه الحديث أنّ أكل الحرام سببٌ مباشر في عدم قبول الصلاة لمدة أربعين ليلة…


وهنا احتمال آخر وهو: إنّ أكل الحرام له أثر كبير في خلق (القسوة في القلب)، والقسوة تسبّب (إدبار القلب) في الصلاة لمدة أربعين ليلة، والإدبار – كما يأتي ذلك – يمنع قبول الصلاة…


• وقال صلّى الله عليه وآله:
«العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل [وقيل: على الماء]»[2].
تصوّروا بناءً يُقام على رملٍ أو على ماءٍ، هل يثبت هذا البناء، كلّا، وإذا ثبت بعض الوقت فسرعان ما ينهار، فعبادة مع أكل الحرام عبادة ليس لها ثبات وليس لها استقرار، عبادة تسقط وتنهار، بمعنى لا قيمة لها عند الله تعالى… فكما الجهد ضائع في البناء على الرمل أو الماء، فكذلك الجهد في الصلاة جهد ضائعٌ وخاسرٌ ما دام الإنسان مصّرًا على أكل الحرام…


• وفي الحديث:
«مَنْ أكل الحرام أسود قلبه، وضعفت نفسه، وقلّت عبادته، ولم تستجب دعوته».
من خلال هذا الحديث تتّضح بعض الآثار الخطيرة لأكل الحرام، من هذه الآثار:
(1)  اسوداد القلب:
وهو تعبير عن (ظلمة القلب) و(عمى القلب) فإذا اسوّد القلب أو أظلم أو عمي أصيب بالقسوةِ والتحجّر بل أشدّ قسوة من الحجارة ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾. (البقرة/ 74)


فالحجارة وهي تبدو صلبةً قاسيةً، إلّا أنّها تتفجّر أنهارًا تنشر الخصبَ والجمالَ، وتتشقّق ينابيع صغيرة تسقي ما حولها، ومَنْ حولها، وتهبط خاضعة خاشعة لله تعالى أمّا القلوب القاسية فهي:


– متحجّرة كلّ التحجّر لا تنفتح على الهدى والصلاح والخير والاستقامة، عمياء لا تملك الوعي والبصيرة..
– وهي خاوية خالية من الرحمة، والرفق، والمشاعر الإنسانية النبيلة.. يملأها الحقد والكراهية والعداوة والأنانية..
– وهي ناضبة كلّ النضوب من خشية والخشوع لله تعالى..
القلوب المتحجِّرة:
إنّ النماذجَ البشريةَ التي تملكُ تلك القلوبَ المتحجِّرةَ العمياءَ، الخاليةَ من الرحمةِ، المملوءةَ بالعدوانية الناضبةَ مِن خشية الله، نماذجُ تدمّرُ، تُشرّدُ، تسجنُ، تُعذّبُ، تقتل، تمارسُ العنفَ، تنشر الفساد، تزرع الخوف في الأرض، تصادر العدل والحرية والكرامة، تعبث بكلّ القيم…


(2)  ضعف الإرادة الإيمانية:
الأثر الثاني من أثار الحرام (ضعف الإرادة الإيمانية) في داخل النّاس، فيسقط أمام شهوات النفس، وأمام إغراءات الشيطان، وأمام مضلَّات الفتن، كما يعيش الانهزام حينما يواجه التحدِّيات النفسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية والسّياسية، 


أخطر ما تصاب به الشعوب:
إنّ أخطر ما يصاب به الإنسان، وما تصاب به الشعوب هو (انهزام الإرادة) أو (انسحاق الإرادة) وهذا ما يسعى لإنتاجه الأنظمة السّياسية الحاكمة ولكي تستمر في هيمنتها على الشعوب فيجب أن تبقي هذه الشعوب (مكسورة الإرادة)، (مسلوبة الإرادة) خانعة مستسلمة، مقهورة، لأنّ تحرّر الإرادة، وصحوة الإرادة يجعلها تتمرّد على الواقع المأسور، ويجعلها تثور وتغضب، وتكسر كلّ القيود..


أمّا الأنظمة العادلة والديمقراطية، والمتصالحة مع شعوبها، فلا تخشى حينما تمنح للشعوب كلّ الحرية في التعبير عن إرادتها، وعن مطالبها، وعن مواقفها، وعن محاسباتها لكلّ سياسات الأنظمة…
إنّ شعوبًا تملك الإرادة في أن تقول الكلمة، وأن تحاسب الأنظمة، وأن تدافع عن حقوقها المشروعة، بلا أن تواجه البطش، والقمع، والقتل، إنّ هذه الشعوب لن تعادي الأنظمة، ولن تتمرّد عليها، ولن تثور ضدّها، ولن تدفع أثمانًا باهضة من دماء وأرواح وأعراض وأموال، ومن أوضاع مأزومة، ومن غياب مرعب للأمن والأمان..


إنّ أنظمة الحكم والسّياسة بين خيارين: أن تتصالح مع شعوبها تصالحًا حقيقيًّا، فتجد نفسها شريكًا حقيقيًّا في الحكم، وعندها فسوف تدافع هذه الشعوب بكلِّ صدقٍ وإخلاصٍ وتفانٍ عن الأنظمة الحاكمة، وعندها لن تحدث أزمات، وصراعات، وثورات، ممَّا يكلِّف الأوطان أبهض الأثمان، وممَّا يقتل الأمن والأمان..


والخيار الآخر أن تتخاصم الأنظمة مع الشعوب، فيحدث ما يحدث من انهيارات مدمِّرة في أوضاع الأمن، والسِّياسة، والاقتصاد، والعلاقات…
وما عادت الشعوب قادرة أن تصبر على هذا الخيار، وليست الثورات المتفجِّرة في المنطقة إلَّا شاهد صارخ على غضبة الشعوب…


وماذا عن أوضاع هذا الوطن الحبيب؟
وإذا أردنا أن نتحدّث عن أوضاع هذا الوطن الحبيب..
فنحن في حاجةٍ إلى درجةٍ عاليةٍ من الصراحة، فالصمت، والمجاملة، والمداهنة، أمور ضارّة كلّ الضَّرر بهذا الوطن…
والصراحة لا تعني التحريض، ولا تعني السبّ والقذف، بقدر ما تعبِّر عن الصدق في المناصحة حمايةً لهذا الوطن، فالكلمة الخرساء، والكلمة المنافقة، والكلمة الهوجاء، كلّها كلمات لا تحمل حبًّا وإخلاصًا للوطن، وكلّها كلماتٌ تدفع إلى مزيدٍ من الأخطاء السِّياسية الفاحشة، وبالتالي تدفع إلى مزيدٍ من التأزيم والفساد والاحتقان…
أوضاع الوطن لا زالت مقلقة ومؤلمة…
نخدع أنفسنا إن قلنا أنّ الأمور بخير، أنا لا أدعو هنا إلى اليأس والقنوط..
إنّ التفاؤل غير المبرّر جهل وحماقة.
كما أنّ التشاؤم الذي يقود إلى اليأس هزيمةٌ وانتحار..
لا زال الحلّ المنقذ غائبًا، إنّ مبادرة جادّة في الاتفاق على (خارطة طريق) لإنقاذ الوضع أمرٌ ليس مستحيلاً، إنّ الإصرارَ على المعالجاتِ الفاقدة للقدرة على الإنقاذ ضَرْبٌ مِن الوهم لن يزيد الأوضاع إلاّ سوءًا، وإلاّ تعقيدًا، وإلاّ تأزيمًا..


إنّ خيار الأمن والعسكرة خيارٌ فاشلٌ فاشل، ومرهقٌ كلّ الإرهاق للنظام وللشعب وللوطن، وإنّ إصلاحاتٍ ترقيعيةً قاصرةً، تشكّل إضاعةً للوقت، وهدرًا للجهود.
ما لم تتحرّك خطواتٌ محسوبةٌ في اتّجاه الإصلاح الحقيقي، فإنّ الواقع المأزوم بكلّ تعقيداته وتداعياته سوف يتكرَّس، وإنَّ أيَّ يومٍ جديدٍ يُضاف يحمل معه مزيدًا من العناء لهذا الشعب، فالعقل والحكمة يفرضان أن تتحرَّك الجهود المخلصة لانتشال الوطن من مستقبلٍ مُرعب، ومن مآلاتٍ مخيفة..


أكرر القول ما لم توضع خارطةُ طريقٍ واضحةٌ وصريحةٌ، ومقنعةٌ، ومُرضيةٌ، وصادقةٌ، وجادّةٌ، فإنّ المشهد السِّياسي في هذا البلد سوف يزداد سوءًا، وعُقمًا، وتعقيدًا، وأخشى ما نخشاه أن تموت في داخل النّاس أيُّ بارقةِ أملٍ، والويل كلّ الويل لوطنٍ يموت فيه الأمل، أمل الإصلاح، وأمل التغيير.


لا خيار أمام أنظمة الحكم إلاّ الإصلاحات السِّياسية الحقيقية، لكي تتجنّب غضباتِ الشعوب، ولكي تحمي أوطانها من عواصف مدمِّرة، ومِن طوفاناتٍ تأتي على كلِّ شيئ..


ما أسهلَ طريق الإصلاح، وما أقلّ كلفته، وما أصعب طريق الاستبداد، وما أبهض كلفته، ووفق حسابات الأرباح والخسائر، فإنّ مسارات الإصلاح السيّاسي الحقيقي، هي المسارات الرابحة كلّ الربح، وإلاّ فالخسائر محقّقة، وربّما تكون الأنظمة الحاكمة ضحية الفساد السّياسي..
فنهج الإصلاح الجادّ الحقيقي هو النهج الحكيم وهو النهج الرابح لمن وعى دروس السّياسة في الماضي والحاضر.






الهوامش:
[1] الريشهري: ميزان الحكمة 1/ 597، حرف الحاء، أكل الحرام. (ط1، 1416هـ ، دار الحديث، قم – إيران)
[2] المصدر نفسه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى