قضايا المرأة

كم هو حضور الزهراء والحوراء في ثقافة المرأة اليوم؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّّه رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



مرت قبل أيام ذكرى ولادة السيدة والحوراء زينب ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام ، ونحن نقترب من ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام.


وهنا نطرح سؤالا:
• كم هو حضور الزهراء والحوراء في ثقافة المرأة اليوم؟ – والحديث عن المرأة التي تنتمي إلى الإسلام وإلى مجتمعات المسلمين-.
• هذه المرأة في ثقافتها، في قيمها، في أعرافها، في أنماط سلوكها، هل أعطت للزهراء والحوراء حضورا يذكر؟ بمعنى آخر: هل نلمس في ثقافة هذه المرأة شيئا من ثقافة الزهراء والحوراء.
• وهل نلمس في قيم هذه المرأة شيئا من قيم الزهراء والحوراء؟
• وهل نلمس في أعراف هذه المرأة شيئا من أعراف الزهراء والحوراء؟
• وهل نلمس في أنماط سلوك هذه المرأة  شيئا من سلوك الزهراء والحوراء؟


في الإجابة عن هذه التساؤلات نحاول أن نصنف الواقع النسائي المعاصر في مجتمعاتنا الإسلامية إلى عدة أصناف:
الصنف الأول: نمط من النساء تنكرت كلّ التنكر للإسلام وثقافته وأعرافه وكل توجيهاته واتجهن إلى الثقافة الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية والقيم الدخيلة، والأعراف الدخيلة، والأنماط السلوكية الدخيلة.
هذا النمط من النساء يمثلن حالات ((التغريب الثقافي)) وحالات (( التغريب الأخلاقي)) بما يعبر عنه هذا التغريب الثقافي والأخلاقي من مصادرة لهوية المرأة المسلمة وانتمائها وأصالتها.
وقد اعتمد هذا الخط التغريبي مجموعة أدوات ومناهج وأساليب للعبث بثقافة المرأة وقيمها وأعرافها وأنماط سلوكها الأصيلة، وتحت شعارات خادعة وكاذبة تزعم أنها تدافع عن حقوق المرأة وكرامة المرأة، وتزعم أنها تريد النهوض بالمرأة وإنقاذها من واقع التخلف والجهل، ومن واقع الظلم والاستعباد.
وقد روجت لهذه التوجه التغريبي ((سياسات الأنظمة)) الحاكمة والتي لا تريد للإسلام الحقيقي أن يكون حاضرا في حياة الشعوب المسلمة، صحيح أن هذه الأنظمة تنتمي إلى الإسلام، وتحمل دساتيرها التأكيد على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة تشكل مصدرا من مصادر التشريع عندها، إلا أن واقع هذه الأنظمة يبرهن بكل  وضوح على حالات التنافي مع الإسلام، ولست في حاجة أن اطرح الأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة، فها أنتم تشاهدون الانتهاكات الصارخة لأحكام الإسلام وقيم الإسلام في ظل أنظمة الحكم التي تهيمن على مجتمعات المسلمين.
وحتى البقية الباقية مما ترك للإسلام ولأحكام الشريعة، بدأ السطو عليه تحت مسمى (( التقنين)) كما هو الأمر مع (( الأحوال الشخصية)) والتي تم إخضاعها للمؤسسة الوضعية في الكثير من مجتمعات المسلمين مما أنتج أحكاما تتنافى مع أحكام الشريعة.
وقد قلنا مرارا وتكرار إننا لا نعارض أن تصاغ (( الأحكام الخاصة بالأحوال الشخصية)) صوغا قانونيا، إلا أننا طالبنا ولا زلنا نصير أن توفر الضمانات التي تحمي الأحكام من العبث والتغيير والتبديل، وقد حددنا هذه الضمانات بكل وضوح.
لست هنا في صدد معالجة هذا الموضوع، ما أريد أن أقوله أن سياسات الأنظمة الحاكمة مارست دورا كبير في الترويج لثقافة التغريب، وقيم التغريب، وأعراف التغريب، وأنماط السلوك المتغرب، من خلال المناهج، والإعلام، وكل المؤسسات الثقافة والاجتماعية والسياحية.
إلى جانب سياسات الأنظمة الحاكمة، كان للجمعيات النسائية التي تنتهج النهج التغريبي دورها الكبير في الترويج لثقافة التغريب، وقيم التغريب، مما أنتج أعدادا كبيرة من نساء متغربات ثقافيا وأخلاقيا.
ومن الطبيعي جدا أن هذا النمط من النساء لا يشكلن الدين، ولا لنماذج الدين حضورا في ثقافتهن ولا في قيمهن، ولا في أعرافهن، ولا في أنماط سلوكهن.
إلا  بالمقدار الذي لا يضعهن أما صادمة حادة أمام المجتمعات التي تنتمي للدين وثقافتها، ومن الطبيعي أيضا أن لا يكون للزهراء والحوراء  أي حضور في واقع هذا النمط من النساء ثقافةً وقيماً أعرافاً وسلوكاً.


الصنف الثاني من النساء: نمط ينتمي إلى الدين وثقافة الدين كما هي الغالبية من نساء المسلمين ، إلا انه مع الأسف لا نجد للزهراء والحوراء حضورا يذكر لذا هذا النمط، حتى على المستوى الثقافي ولعل هذا ناتج عن سبب مهم وهو سياسة التعتيم والإقصاء لمدرسة أهل البيت  عليهم السلام، مما شكل غيابا واضحا لثقافة هذه المدرسة ولرموز هذه المدرسة في واقع مساحة كبيرة جدا من أبناء المسلمين، ليس لان هؤلاء لا يحبون أهل البيت ولا يحترمون أهل البيت عليهم السلام،  كل المسلمين يحملون إلا من شذ يحملون كل الحب والتقديس لأهل البيت النبي صلى الله عليه وآله إلا أن سياسة التعتيم والإقصاء التي تمارسها أنظم حكم ويمارسها علماء متعصبون  ومؤسسات متطرفة وكتابات غير منصفة قد حالت بين هذه المساحة الكبيرة من المسلمين والاستفادة من مدرسة أهل البيت الكرام وإلا فكم هو الحضور لمدرسة أهل البيت ، وثقافة أهل البيت، وشخصيات أهل البيت في مناهج التعليم،  وفي برامج الإعلام وفي خطب المساجد؟
مدارس تحتضن منتمين لمدارس أهل البيت (عليهم السلام) بنسبة ( مائة في المائة) لا يدرسون فقه الإمام الصادق عليه السلام وإنما يدرسون الفقه المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي، أنا لا أتحدث بلغة طائفية، فهذه اللغة ممقوتة ومدمرة، وإن هذا النمط من السياسة الذين يمارس الإقصاء المذهبي هو الذي يكرس الطائفية البغيضة.


 لقد طالبنا بتعديل المناهج الدينية في المدارس بما ينقيها من بعض الإساءات المذهبية، وبما يجعلها عادلة ومنصفة، قالوا:  لقد شكلت لجنة لإعادة كتابة المناهج قالوا قدموا كل ملاحظاتكم، دودنا كل الملاحظات وقدمناها للجهات المسؤولة، صدرت المناهج الجديدة المعدلة ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر.
وإذا تحدثنا ورفضنا قالوا: أنكم تتحدثون بلغة طائفية، وهذا يسيء إلى وحدة أبناء هذه الوطن، وإذا طالبنا بالحقوق والمساواة، قالوا: لا يوجد في ((هذا البلد تمييز))  ولا يوجد في هذا البلد إقصاء ولا يوجد في هذا البلد طائفية، ارجوا أن تشرحوا لنا معنى التمييز، ومعنى الإقصاء، ومعنى الطائفية.


• أن تشكيل لجنة لإعادة كتابة المناهج الدينية تضم أكثر من عشرين شخصا، ليس فيهم إلا واحد من أبناء الطائفة، إذا كان لا يمثل تمييزا وإقصاء، فماذا يعني؟
• أن تصدر مناهج معدلة دون أن يعطى لهذه الطائفة أي حق إذا كان هذا لا يمثل تمييزا وإقصاء وطائفية، فماذا يعني؟
• ولا أريد أن أتحدث عن الوظائف فهي تحمل أرقاما صارخة على التمييز ولا الإقصاء والطائفية.
• ولا أريد أن أتحدث عن الانتخابات، والدوائر الانتخابية وما فيها من جور فاحش يعبر عن أسوء أشكال التمييز والإقصاء والطائفية بحيث تصبح دائرة انتخابية تضم أكثر من عشرين ألف ناخب يساوي دائر انتخابية تضم ثلاثة آلاف ناخب وربما أقل الأمر الذي أنتج أكثرية برلمانية تملك ( 35%) من الأصوات، وأقلية برلمانية تملك (65%) من الأصوات.
إذا كان لا يمثل تمييزا وإقصاء وطائفية، فماذا يعني إذا؟ والأمثلة كثيرة وكثيرة؟
ولم يكتف البعض باتهام حديثا المطالب بالحقوق والمساواة، بأنه حديث طائفي، بل تجاوز إلى اتهام هذا الحديث بأنه تحريض سياسي ضد النظام، وإنه تحرض أمني يدفع في اتجاه العنف والشغب والفوضى.
كم تمنينا أن تكون هناك حوارات ولقاءات تغنينا عن هذه  الخطابات، توجد بعض اللقاءات إلا أنها للاستهلاك والتحذير وإضاعة الوقت، حينما تغيب اللقاءات والحوارات مع المسؤولين، وحينما تتحول هذه اللقاءات إلى أدوات استهلاك وتخدير وإضاعة للوقت، فما هو المطلوب منا؟
وحتى الكلمة أصبحت استهلاكا، فقد أدمنا الكلام، والشكوى والبكاء لما أصابنا من ظلم وجور واعتداء، واخشي ما نخشاه أن تصبح الكلمة خيارا فاشلا ، وأن يصبح الخطاب أسلوبا مستهلكا وان تصبح الاحتجاجات نهجا فاشلا، فماذا بعد ذلك؟
• هل يقبع الناس في البيوت صادمتين خانعين مستسلمين؟
إذا استمر هذا بعض، فلن يتمر كل الناس، وإذا سكنت إلى هذا نفوس فلمن تسكن إليه كل النفوس،  فلا تضعوا الناس – أيها المسؤولون – أمام الخيارات الأصعب، وأما الخيارات الباهظة.
أعود للقول: إن سياسة التعتيم والإقصاء والتمييز قد حرفت نسبة كبيرة من أبناء هذه الأمة من أن تستفيد من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومن استحضار رموز وشخصيات هذه المدرسة في واقع الثقافة التي توجه حياة المسلمين، لذلك لا نجد للزهراء والحوراء وهما النموذجان الإسلاميان اللذان يشكلان القدوة والأسوة والمثل الأعلى لكل نساء الأمة، لا نجد لهما الحضور الحقيقي في الثقافة التي تربي أجيال المرأةـ وتصوغ قيمها، وتؤصل حركتها، وتحصن كل واقعها في مواجهة ثقافات التغريب والمصادرة.


عن النهوض الحقيقي بمسيرة المرأة المسلمة في هذا العصر، يفرض استدعاء واستحضار نماذج الإسلام الأولى من أمثال الزهراء وخديجة  وزينب ابنة  أمير المؤمنين، وإن الإصرار على تغييب هذه النماذج  الأولى  يشكل خللا كبيرا في مشروع النهوض النسوي وفي إنتاج الواقع الأصيل في حركة المرأة المسلمة المعاصرة.
وهذا الاستدعاء والاستحضار يحتاج إلى قراءة جادة وواعية لحياة النماذج الكبيرة .


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين
للاستماع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى