حديث الجمعةشهر محرم

حديث الجمعة 184: في ذكرى شهادة الإمام زين العابدين (ع) – لجان من أجل مراقبة الخطب الدينيّة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين…
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته…


نقف في حديث الليلة مع بعض العناوين:


(1) في ذكرى شهادة الإمام زين العابدين عليه السّلام:
قلنا – فيما سبق من أحاديث- أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام تعدّدت أساليبهم، وتنوّعت أدوارهم، إلّا أنّهم جميعًا:
أ- ينطلقون من منطلق واحد وهو «التكليف الإلهي».
ب- ويتحرّكون في اتجاه هدفٍ مركزي استراتيجي واحد وهو «حراسة الإسلام والدّفاع عنه».
وتبقى هناك أهداف مرحليّة تختلف باختلاف الظروف الموضوعيّة المتحركة في كلّ عصرٍ وزمان.
وهنا نحاول – ونحن في ذكرى شهادة الإمام زين العابدين عليه السّلام- أن نقرأ بعض الأدوار التي مارسها حسب الظروف الموضوعيّة التي عاصرها.


الدّور الأول: إيصال صوت الثورة الحسينيّة:
الإمام الحسين وأنصاره صنعوا الثورة في يوم عاشوراء، وجاءت مرحلة ما بعد الثورة، ليتحمّل الإمام زين العابدين وعمّته زينب بطلة كربلاء مسؤوليّة هذه المرحلة، فإذا كانت الثورة في حاجة إلى أبطال يفجّرونها فإنّ بقاء الثورة وحركتها وامتدادها في حاجة إلى أبطال يمثلون امتداد الثورة… وإلّا انتهى دور الثورة…
فما هي المهام التي مارسها الإمام زين العابدين وعمّته زينب بطلة كربلاء من أجل امتداد الثورة وبقائها؟
المهمّة الأولى: التعريف بهويّة الثورة وأهدافها وأبطالها:
ومن الواضح أنّ إعلام السّلطة الأمويّة الحاكمة حاول بكلّ الوسائل أن يشوّه صورة الثورة الحسينيّة، وأن يشوّه صورة أبطالها ورجالها وصانعيها….
فتحوّل – في منظور هذا الإعلام المضلّل- ثوّار كربلاء وعلى رأسهم الحسين سبط رسول الله صلّى الله عليه وآله، تحوّل هؤلاء الثوّار الذين أعطوا دماءهم من أجل الإسلام إلى متمردين وإلى عصابات خارجة على السّلطة الحاكمة، وإلى دعاة فتنة وشغب وعنف… وإلى خوارج رفضوا البيعة لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية…
هكذا صوّر الإعلام الأموي الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره….
فليس غريبًا أن نسمع شيخًا كبيرًا من أهل الشّام، وقد مرّت أمامه في إحدى طرق دمشق قافلة الأسارى من آل محمد صلّى الله عليه وآله، وإذا به يرفع صوته بالدّعاء «الحمد لله الذي خذلكم وقتل رجالكم ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم» هذا رجلٌ ضلّله الإعلام الحاكم، هذا واحدٌ من ضحايا هذا الإعلام…
وها هو الإعلام في هذا العصر، إعلام الحكّام، وإعلام الأنظمة، وإعلام القوى المستكبرة يضلّل ويضلّل وقد سقطت شعوبٌ وشعوبٌ ضحايا هذا التضليل….
وكم حوّلت وسائل الإعلام المضلّل الحقائق إلى أباطيل، وحوّل الأباطيل إلى حقائق…
وكم جعل هذا الإعلام من العملاء وأزلام الأنظمة الحاكمة إلى أبطال ومجاهدين ووطنيّين، وحوّل الأبطال الحقيقيّين والمجاهدين عن المظلومين والمحرومين إلى مفسدين ومجرمين وعابثين…
انظروا كيف تتحدّث صحف الأنظمة الحاكمة؟
وكيف تبثّ قنوات الأنظمة؟
والويل كلّ الويل لمن لا يملكون مواقع من خلالها يدافعون عن أنفسهم…
نعم الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه – في نظر الإعلام الأموي – عصابة متمرّدة، خرجت عن طاعة الحاكم الشرعي وهو يزيد بن معاوية..
فهذا الشيخ المسكين والذي صنع عقله ووعيه وعواطفه إعلام النظام، من الطبيعي جدًا أن يتضرّع إلى الله تعالى حامدًا وشاكرًا أن نصر الله أمير المؤمنين يزيد وهزم هؤلاء المتمردين الخارجين عن الإسلام…
وهنا يتصدّى الإمام زين العابدين ليكشف زيف الإعلام المضلل، وليزيل الغشاوة عن عقل هذا الشيخ – الضحيّة – وليعرّفه بهويّة الثورة وهويّة الثائرين، وهويّة هؤلاء الأسارى المكبّلين بالسّلاسل والقيود…
– يا شيخ هل قرأت القرآن؟
وتبدأ المفاجئة لدى الشيخ الشامي، وتبدأ التساؤلات والخواطر تتحرك في داخله: هذا الأسير الخارجي يسأل عن القرآن، أتراه يعرف القرآن؟ وما علاقة المتمردين على الدين وعلى أمير المؤمنين بالقرآن؟…
ظلّ صامتًا يتأمّل، يفكر….
– كرّر الإمام زين العابدين عليه السؤال: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
– أجاب الشيخ والذّهول يسيطر عليه: نعم قرأت القرآن… ولكن ما شأنكم أنتم بالقرآن؟
استمر الإمام زين العابدين في طرح أسئلته: يا شيخ هل قرأت هذه الآية «قل لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودة في القربى».
– نعم قرأتها…
– قال الإمام: فنحن القربى يا شيخ…
وبدأت الدّموع تزدحم في عيني الشيخ.. وصرخ باكيًا: بالله عليك أنتم هم؟
وظلّ يكرر: أنتم هم، أنتم هم….. والدّموع الغزيرة تنهمر من عينيه…
أجاب الإمام: وحقّ جدّنا محمد إنّا لنحن هم..
فانفجر الشيخ باكيًا صارخًا: الله أكبر آل رسول الله أسارى.. الله أكبر آل رسول الله أسارى..
ثمّ هدأ والتفت إلى الإمام: هل لي من توبة؟
قال الإمام: إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا.
فصاح الشيخ: اللهمّ إنّي تائب، اللهمّ إنّي تائب..
وما إن أتمّ كلماته حتى أسرع أزلام النّظام الجواسيس الحقراء ليبلغوا أجهزة الأمن بكلّ ما حدث..
وصدر القرار بإعدامه فورًا لأنّه أصبح من الخونة أعداء النظام..
وما هي إلّا لحظات حتى سقط رأسه..
وهذا ثمن المواقف النبيلة الشريفة الجريئة..
نتابع الحديث في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى…


(2) لجان من أجل مراقبة الخطب الدينيّة:
صدر تصريحٌ من جهاتٍ مسؤولة، تحدّث عن تشكيل لجانٍ لمراقبة خطب المساجد…
هنا نطرح أكثر من تساؤل:
التساؤل الأول: ما هي المعايير المعتمدة لدى هذه اللجان؟
قد يقال: هناك معياران أساسيّان: الثوابت الدينيّة، والثوابت الوطنيّة…
فأيّ خطاب يتنافى مع هذين المعيارين، فيجب إيقافه وتجميده، ومحاسبة صاحبه، كونه تعدّى على الثوابت الدينيّة أو الثوابت الوطنيّة…
هذا أمرٌ لا غبار عليه، فكلّ من يتعدّى على هذه الثوابت فيجب أن يوقف…
ولكن هنا:
تساؤل آخر: من الذي يحدّد هذه الثوابت الدينيّة والوطنيّة؟
هل السلطة هي التي تحدّد هذه الثوابت؟
إذا كان الأمر كذلك، فسوف يتحوّل كلّ خطاب يعارض سياسة من سياسات السلطة إلى خطاب يتعدّى على الثوابت…
وسوف يتحول أيٌّ موقفٍ ناقدٍ أو محاسبٍ أو رافضٍ إلى موقف يتعدّى على الثوابت…
وسوف يتحوّل أيّ صوت جرئ يطالب بالحقوق المشروعة، ويندّد بكلّ أشكال الظلم الرسمي، والعبث الرسمي، والفساد الرسمي إلى صوت ينتهك الثوابت الدينيّة والوطنيّة…
إنّ الأنظمة السياسيّة الحاكمة – كما في التاريخ وكما في الحاضر- تحاول دائمًا أن تصوغ المعايير وفق مقاساتها… فالمعايير الدينيّة والوطنيّة يجب أن تصاغ وفق مقاسات الأنظمة الحاكمة….
دعونا نتفق على المعايير الدينيّة التي أرادها الله لا المعايير التي تريدها الأنظمة الحاكمة… ودعونا نتفق على المعايير الوطنيّة التي تعبّر عن مصالح الشعوب الحقيقيّة، وليست التي تعبّر عن مصالح الأنظمة الحاكمة…
وعندها فلتحاكم الخطب، ولتحاسب الكلمات، فنحن نريد لخطب المساجد أن تكون محكومة للضوابط الدينيّة الصّحيحة، وللضوابط الوطنيّة الحقّة…


ونطرح تساؤلًا ثالثًا: من الذي يشكّل لجان المراقبة؟
هل سيكون لعلماء الدين المعنيين بهذا الشأن أيّ دور في هذه اللجان؟
إذا كان الأمر شأنًا رسميًا بحتًا، وربّما يعطى لبعض علماء الدين الرسميين شيئًا من الدور…
إذا كان الأمر كذلك، فسوف تكون هذه اللجان محكومة لإرادة السلطة.. بل ستتحول إلى لجان أمنيّة، تراقب وتحاسب وفق معايير تضعها أجهزة الأمن…
وأيّ مصير أسود ينتظر المساجد وخطب المساجد حينما تكون خاضعة لقرارات الأمن وأجهزته…


تساؤل رابع: هل سيتحكّم المزاج الطائفي في عمل هذه اللجان؟
وفق السياسات الطائفيّة السائدة، والمتغلغلة في كلّ المفاصل، سيكون الجواب عن هذا التساؤل واضحًا… يوم نجد هذا البلد نظيفًا من سياسة التمييز الطائفي فسوف لن نعيش التوجّس والتخوّف والقلق تجاه أيّ مشروع يطرح، أمّا والأمر ليس كذلك فسوف تبقى هذه الهواجس… فقد أرهقتنا ممارسات التمييز..
بالله عليكم: ماذا تريدوننا أن نقول تجاه هذه اللجان؟
بالأمس القريب مارس خطيب جمعة أسوء سبّ وقذف وإساءة لطائفة كبيرة في هذا البلد… ووصفهم بالصهاينة…
ضبطنا الأعصاب، وقلنا للنّاس حذارِ من ردود الفعل المنفعلة… فالذين يحركون هذه الخطابات ينوون الشّر والدمار والفتنة لهذا الوطن…
وصدر توقيف هذا الخطيب من أجل درّ الرماد في العيون، ومن أجل تهدئة العواطف….
وما تمضي إلّا بضعة أيام ويصدر القرار الرسمي بإعادته إلى موقع الخطابة، ليقول القرار لكلّ أبناء الطائفة: موتوا بغيظكم… فلن تفرّط السلطة بابنها البّار الصادق في ولائه من أجل عيونكم…
هكذا تكافئ السلطة هذا المتمرّس في سبّ الطائفة وشتمها وقذفها….
فماذا تريدون أن نقول؟
وهل تريدون منّا أن نثق بهذه اللجان؟…
كان من اللياقة والحكمة والسلطة تطرح ما تسميه لجان المراقبة لخطب المساجد أن تبقي هذا الخطيب – ولو من أجل التمويه على النّاس – مدّة أطول، لا أن تعيده متزامنًا مع إطلاق هذا المشروع…
فهل يطلب منّا هؤلاء أن نصفق لمثل هذه المشروعات وصنّاعها يمارسون هذا اللون من التمييز الصّارخ، وهذا اللون من الإساءة الفاحشة.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى