حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 178: بعد وداع الشهر الفضيل – التطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوض بكل أشكاله

بسم الله الرحمن الرحيم


   الحمد لله رب العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


   لقد عاش المؤمنون الشهر الفضيل بكل فيوضاته الربانيّة وبكل بركاته وعطاءاته الإلهيّة (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله)..
والسؤال المطروح هنا: ماذا حملنا معنا من عطاءات هذا الشهر بعد أن ودّعناه؟
   لعلّ البعض لا يحمل معه إلّا الذكريات الجميلة الحلوة لأجواء هذا الشهر الكريم: المجالس، الزيارات، السّهرات الرمضانيّة، ألوان الأطعمة والمأكولات التي تزدحم بها موائد الإفطار، و(غبقات) السحور…
   ولعلّ الآخر يتذكّر الأجواء الروحانيّة ويحنّ إليها، الصلوات، الأدعية، التلاوات القرآنيّة، إحياءات القدر… وتبقى هذه الأمور مجرد صور جميلة في الذاكرة، ومجرد تمنيات ودعوات والطلب من الله سبحانه العودة إلى هذا الشهر في أعوام قادمة….
   وأنا هنا لا أتحدث عن أولئك الذين يضيعون بهذا الشهر الفضيل ويتمنون الخلاص عاجلًا، هؤلاء يهربون حتى من ذكريات الشهر وأجواءه.
   إذًا حديثنا عن المؤمنين الذين يعشقون شهر الله ويعشقون لياليه وايامه، ويعشقون أجواءه الربانية المباركة…
هؤلاء ماذا يحملون معهم بعد وداع هذا الشهر الفضيل؟
هل يكتفى منهم أن يبقى الشهر في ذاكرتهم فقط؟
أن تبقى ذكرياته الماديّة؟
أن تبقى ذكرياته الاجتماعيّة؟
أن تبقى ذكرياته الروحيّة؟
   جميلٌ جدًا أن تبقى ذكريات شهر الله حاضرة في حياة المؤمنين، في وجدانهم، في مشاعرهم، ولعلّ هذا الحضور يشدّهم إلى استرجاع شيء من دروس الشهر وعطاءاته ونفحاته الإيمانيّة المباركة…


 


أيّها الأحبة:
   لو قلنا بأنّ الاستحضار الذهني والإستحضار النفسي لأجواء هذا الشهر وذكرياته أمرٌ له قيمته وأهميته…
   إلّا أنّ المطلوب من المؤمنين شيءٌ أكبر من ذلك، المطلوب منهم أن يحرّكوا عطاءات هذا الشهر الفضيل في حياتهم، في سلوكهم، في كل واقعهم، أن يحرّكوا عطاءات هذا الشهر الروحيّة في عباداتهم، في صلواتهم، في أدعيتهم، في تلاواتهم للقرآن…
   صحيحٌ أنّ لأجواء شهر الله فيوضاته الروحيّة المتميزة، والتي لا توجد في أيّ شهر آخر (أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات)، (أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، ودعاؤكم فيه مستجاب)، (أبواب الجنان فيه مفتّحة، وأبواب النيران مغلقة، والشياطين مغلولة).
صحيحٌ كلّ هذا، وهو لا يتكرر بهذا المستوى في أيّ شهر آخر….
ولكنّ التعاطي مع هذه الأجواء الروحية الإستثنائية له فاعليته الكبيرة جدًا والتي لا تتوّفر في أيّ شهر آخر …
فإذا ماذا يعني هذا الكلام؟
   يفترض أن تكون الصلاة في شهر رمضان والتي تعادل سبعين صلاة في غيره من الشهور لها من القدرة الروحية ما يعادل سبعين صلاة، ولها من التأثير الأخلاقي ما يعادل سبعين صلاة .. ولها من القدرة على تحصين الإنسان وحمايته من الأهواء والشهوات والإنحرافات بما يتناسب مع قيمة الثواب العظيم لهذه الصلاة..
   من هنا يجب أن تتوّفر الصلاة الرمضانية على طاقة كبيرة من التعبئة الروحية بحيث يستمر تأثيراتها العملية إلى زمن طويل، وإلا كانت تعبئة مغشوشة، وصلاة فاشلة.. وكذا الأمر بالنسبة للذكر والدعاء.. فثواب الأذكار والأدعية في شهر الله مضاعف ومضاعف، وهذا يفرض أن تكون الأدعية والأذكار لها تأثيراتها الأخلاقيّة والسلوكيّة المضاعفة المضاعفة، والتي يجب أن تستمر طويلًا، وإلّا كانت أدعية وأذكارًا شكلية باهتة لا تحظى بالقيمة عند الله تعالى ..
وهكذا التلاوة القرآنيّة ..
   فإذا كان تلاوة آية قرآنيّة في شهر رمضان تعادل ختمة قرآنيّة في غيره من الشهور، فأيّ تلاوة هذه التي تملك هذا المستوى من الثواب الربّانيّ؟
   يفترض في تلاوة من هذا المستوى أن يكون لها عطاؤها الكبير الكبير على كل المستويات وإلّا كانت تلاوة لا قيمة لها ..
• من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى: (قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى).
أيّها الأحبة :
   بمقدار ما حدّد الله تعالى من ثوابات مضاعفة وكبيرة في شهر رمضان .. يجب أن تكون تأثيراتها العملية مضاعفة وكبيرة ..


للحديث تتمة بإذن الله تعالى


التطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوض بكل أشكاله:
   ما صدر من تصريح على لسان بعض المسؤولين في هذه الدولة من الدعوة إلى إنشاء منظمة تضم دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل، وذلك حسب ما جاء في الكلمة التي ألقاها هذا المسؤول بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي.. هذا الأمر يبعث على القلق والإنزعاج، وقد أثار هذا التصريح ردود فعل محلية وأقليمية رافضة ..
   من المؤسف جدًا أن تصدر تصريحات من هذا النوع وعلى لسان مسؤول كبير يمثّل دولة ترفض أيّ شكلٍ من أشكال التطبيع مع إسرائيل ..
   وما جاء في الرّد الرسمي دفاعًا عن هذا التصريح من كون المقترح لا يتضمن أيّ تنازل عن الحقوق العربية المشروعة في كافة القضايا وبالأخص القضية الفلسطينية، وإنما هو دعوة للإجتماع والجلوس مع إسرائيل من أجل التفاوض والحوار وهو أمر مقر عربيًا ..
   هذا الرد غير المقنع في التدبير لهذا الإقتراح والذي يصب في إتجاه التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية، والمنتهك لحقوق الشعب الفلسطيني، والذي يمارس سياسة الإرهاب، والقمع، والتدمير، والقتل ومصادرة الحريات، والعبث بالكرامات، وتدنيس المقدسات، إنّ التطبيع مع هذا الكيان الغاضب يمثّل خيانة للقضية الفلسطينية، ولا يبرر لذلك تسابق بعض الأنظمة من أجل إقامة علاقات واتفاقات مع إسرائيل الغاصبة ..
  الموقف الذي يفرضه إسلامنا ومبادؤنا وكرامتنا وعزتنا، وهذا الموقف الذي تتبناه كلّ جماهير الأمة العربية والإسلامية، وتتبناه كل القوى الخيرية، هو موقف الرفض القاطع لكلّ أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب ..
   نطالب الموقف الرسمي في هذه الدولة أن لا يبرر الخطأ في هذا التصريح ووفق أي تفسير من التفسيرات، إنّ الأصرار على ذلك يدفع في إتجاه الريبة والشك حول الموقف الرسمي، وربما يعطي الحق لمن يريد أن يتهم هذا الموقف ..
   إنّنا مع كل ردود الفعل الرافضة محليًا وإقليميًا والتي عبّرت عن استيائها وقلقها تجاه هذا التصريح، وينطلق هذا الموقف الرافض دفاعًا عن كرامة هذا البلد، ودفاعًا عن كرامة هذا الشعب، فالدعوة إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي تسيء إلى البحرين ملكًا وحكومة وشعبًا


فهل نسمح بالإساءة إلى هذا البلد؟


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى