حديث الجمعةشهر صفر

الوضع والتزوير في الأحاديث والحراك المشترك في الحفاظ على أمن البلد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تناولنا في أكثر من لقاء “دوافع التزوير واختلاق الأحاديث” وكان ذلك استطرادا ونحن نتحدث عن “جناية الأقلام التاريخية على شخصية الإمام الحسن عليه السلام”
وهنا نحاول أن نوجز أهم الأساليب التي أعتمدها الكتاب والمؤرخون المزورّون لتأكيد واحدة من المقولات المزعومة ضد الإمام الحسن عليه السلام وهي مقولة(الزواج والطلاق):
1. الأحاديث الموضوعة: وقد أشرنا إلى بعضها في حديث سابق.


2. وقائع مختلقة:


قالوا: أن الإمام الحسن عليه السلام مرّ على مجموعة من النساء، فأبرز رغبة في أن يتزوج إحداهن فأجبنه: كلنا مطلقات ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله).
أسلوب اختلاق الوقائع أعتمده الوضاعون من أجل دعم وتأكيد مقولاتهم الكاذبة. من أشهر الوضاعين في هذا المجال (سيف بن عمر) فقد أختلق وقائع وأحدث لا وجود لها في التاريخ، وهو صاحب (أسطورة عبدالله بن سبأ) حيث أختلق هذه الشخصية الوهمية ونسب إليها (نشوء التشيع)، ولست هنا في صدد مناقشة هذا الزعم الكاذب والاختلاق الزائف، فلهذا مقام آخر، ما يعنيني في هذا السياق الإشارة إلى نموذج من نماذج اختلاق الشخصيات والأحداث الموهومة، وقد أثبت المحقق السيد مرتضى العسكري في كتابة(خمسون ومائة صحابي مختلق) ومن خلال قراءة تاريخية متأنية.
 وجود عدد كبير من الشخصيات الصحابية المختلقة، وقد نسبت إليها روايات ووقائع وأحداث، ومثال آخر من أمثلة اختلاقات (سيف  بن عمر) الشخصية الوهمية (القعقاع)، حيث لاوجود لهذه الشخصية أصلا في تاريخ الإسلامي، في حين زعم سيف أن القعقاع وأحد من أبطال المسلمين، وقد شارك في (31 معركة حربية) وقتل فيها (700 ألف شخص) فالقعقاع شخصية وهمية، والمعارك معارك وهمية.


3. إحصائيات وهمية(أرقام وهمية):
من الأساليب التي اعتمدها الوضاعون  لتأكيد مقولاتهم الكاذبة ضد الإمام الحسن عليه السلام ، أسلوب (الإحصائيات والأرقام الوهمية)، وقد تعددت الأقوال في ذلك:
• أن الإمام الحسن عليه السلام تزوج(70 امرأة)
• أنه تزوج (90 امرأة)
• أنه تزوج (250 امرأة)
• أنه تزوج (300 امرأة)


وتعقيبا على هذه الأرقام والإحصائيات :
أولا: ما هي الوسائل العلمية التي اعتمدها هؤلاء في إحصائياتهم؟ ثم إن هذا الاختلاف الكبير في الأرقام دليل زيفها وكذبها.
ثانيا: لماذا لم يدّون لنا التاريخ أسماء زوجات الإمام الحسن عليه السلام؟
فلم يكن الإمام شخصا مغمورا، كما أن المصاهرة مع سبط رسول الله صلى الله عليه وآله شرف عظيم فأين هي أسماء زوجات الإمام الحسن عليه السلام؟ وليس لدينا من الأسماء إلا عدد محدد.
ثالثا: لماذا لم يدّون التاريخ أسماء مطلقات الإمام الحسن عليه السلام؟ اثنتان فقط من المطلقات ورد ذكرهن في كتب التاريخ


رابعا: ما عدد أولاد الإمام الحسن عليه السلام؟
العدد المدّون في كتب السيرة هو (15) وهذا العدد لا يتناسب وعدد الزوجات المزعوم، علما أن بعض زوجاته عليه السلام أنجبت له عددا من الأولاد.
خامسا: إن واضعي هذه الروايات وهذه الإحصائيات جماعة معروفة بالكذب والتزوير، ومن المحسوبين على البلاطات الحاكمة، من هؤلاء (المدائني) وكان من المقربين للبلاط الأموي، ومن هؤلاء أيضا(أبو طالب المكي) وكان من المتزلفين للبلاط العباسي، وقد ذكرنا أن البلاطات الحاكمة وظفت أقلاما ووظفت رواة أحاديث، ووظفت علماء سلطة، ووظفت وعاظ سلاطين من أجل إعطاء الشرعية للأنظمة الفاسدة، ومن أجل حماية أهداف الأنظمة الفاسدة، ومن أجل إجهاض دور القوى المعارضة، ومن أجل تخدير الجماهير.
إن علماء ووعاظ ورواة البلاطات يبررون للحكام ظلمهم، وعبثهم، وفسقهم، وانحرافاتهم، وفي هذا السياق يأتي دور هذا الكادر المتزلف للبلاطات في إسقاط سمعة الرموز الأصلية مادامت هذه الرموز مغصوبا عليها في نظر البلاطات الحاكمة، فليس غريبا أن يتعرض أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى حملة من التشويه والإساءة من أقلام البلاطات الحاكمة، هذه الأقلام التي استخدمت الدين، والفتوى، والأحاديث من أجل إرضاء الحاكم، الذي أفاض على هؤلاء المتزلفين من أقوال المسلمين.
وإذا كانت العمالة لأنظمة الحكم الجائرة  تشكل عملا قبيحا وسيئا وخطيرا، فإن هذا النمط من العمالة الذي يوظف الدين، ويوظف الفتوى، ويوظف الأحاديث والروايات هو الأقبح، وهو الأسوء وهو الأخطر.


سياسة إسقاط الرموز الإسلامية:
هذه السياسة اعتمدتها السلطة الأموية، والسلطة العباسية في مواجهة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وفي مواجهة كل الرموز النظيفة المعارضة للنظام الحاكم، كما أن الكثير من الأنظمة الحاكمة في كل عصر تعتمد هذا الأسلوب في مواجهة قوى المعارضة.
الرموز الإسلامية في عصرنا الحاضر تواجه ” حملات إسقاط وتشويه مكثفة ومدروسة” يشارك فيها:
1. أجهزة الأنظمة الإستكبارية في العالم وعلى رأسها (النظام الأمريكي)
2. الإعلام المضاد للإسلام والذي تحركه أجهزة الاستكبار وأجهزة الصهيونية
3. أجهزة إعلامية لأنظمة حاكمة في بلداننا العربية والإسلامية
4. اتجاهات وأحزاب ومؤسسات معادية للدين ولرموز الدين


 
إن مسؤوليتنا – أيها الأحبة – التصدي لهذه الحملات التشويهية والإسقاطيه، دفاعا عن ديننا وعن رموز ديننا.


الحراك المشترك في الحفاظ على أمن البلد:
أن يهتز  الأمن والاستقرار  في هذا الموقع أو ذاك الموقع من مساحات هذا الوطن أمر لانرضى به أبدا.
ومسؤولية كل من ينتمي إلى هذا الوطن أن يدافع عن أمنه واستقراره، مسؤولية الدولة، مسؤولية القوى الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية، مسؤولية المؤسسات والجمعيات الجماهير.


يتحرك هذه الأيام جدل حول ظاهرة (الشباب الملثمين) الذين يمارسون حرق الإطارات، ومواجهة قوات الأمن والشرطة، وتعدّدت المواقف والآراء:
• هناك من أتهم وزارة الداخلية حيث أفرطت في اعتماد أسلوب العنف في مواجهة هذه الظاهرة من خلال استخدام مسيلات الدموع بشكل كثيف مما يشكل عقابا جماعيا لقرى ومناطق وتشكل تهديدا خطيرا لسلامة الناس الآمنين من أطفال ونساء وشيوخ وأبرياء.
• كما أن هذا الاستنفار الأمني المبالغ فيه لا يتناسب وحجم الممارسات الصغيرة كحرق إطار، وإشعال حاوية قمامة، فهذا لا يبرر هذا الاستنفار، ولا يبرر إغلاق شوارع  حيوية ورئيسية مما يسبب اختناقات مرورية، وإرباكات صعبة للناس.
• وهناك من حمل الدولة مسؤولية هذه الانفلاتات، حيث أنّها تعبر عن وجود أزمات سياسية وأمنية ومعيشية، مما نتج عنها احتقانات أخذت تعبّر عن نفسها بمختلف الأساليب، حتى لو كانت أساليب الحرق والتخريب، وإثارة الفوضى مادامت الأساليب العاقلة والهادئة لم تحقق شيئا.
• وهناك من حمل قوى سياسية موجود في الساحة مسؤولية هذه الممارسات، حيث أن هؤلاء الشباب ينفذون توجيهات لتلك القوى والتي تبنت نهج العنف في التصدي والمواجهة باعتبار هذا النهج هو الخيار الأقدر على إجبار السلطة على معالجة الأوضاع والاستجابة لمطالب الناس، وحل الأزمات وإن كان بعض رموز هذه القوى ينفون علاقتهم بهذه الأعمال من دون تصحيح واضح بشجبها ورفضها.
• وهناك من شدّد الهجوم على هؤلاء الشباب، فيما يمارسونه من تخريب، وحرق، وفوضى، وإرباك لأمن الناس، وربما اعتبر البعض هذه الأعمال ممارسات صبيانية طائشة، وعبث مبرر، وأما إعلام السلطة، ومن يسير في فلك هذا الإعلام، فيتجه إلى التهويل والمبالغة إلى حد اعتبار هذه الممارسات جزء من مخطط كبير يستهدف كل أمن هذا البلد، وكل استقرار، ولعل الحديث عن “معسكرات التدريب” من الشواهد على هذا المنحى لدى إعلام السلطة


والسؤال المطروح هنا:
ماهو موقف العلماء من هذه الظاهرة؟ وما هي الأساليب الصحيحة لمعالجتها؟
يمكن أن نحدد موقفنا من هذه الظاهرة من خلال النقاط التالية:
1. من حق المواطنين أن يعبروا عن مواقفهم السياسية في المطالبة بحقوقهم، وفي معارضة أي شكل من أشكال السياسات الفاسدة، والممارسات الظالمة.
2. إن اختيار الأسلوب الصحيح في المطالبة بالحقوق، والدفاع عن القضايا، والمعارضة للأوضاع الفاسدة يجب أن يعتمد مجموعة حسابات:
• حسابات سياسية ( الرؤية السياسية)
• حسابات شرعية ( الروية الفقهية)
• حسابات موضوعية ( الروية الموضوعية)
إن غياب هذه الحسابات أو بعضها يجعل الأسلوب مرفوضا
3. من الذي يحدد تلك الحيثيات والحسابات وفي ضوئها يحدد الأسلوب الصحيح؟
يحددها من يتوفر على :
• الفهم السياسي الواعي
• الفهم الفقهي الشرعي البصير
• القدرة على قراءة الواقع الموضوعي وتشخيص النتائج والمعطيات
فأي جهة تفقد هذه المؤهلات أو بعضها فهي لا تملك صلاحية تحديد الموقف والأسلوب ، وفي ضوء هذا لا يصح أن تكون المواقف والأساليب انطلاقات فردية، ارتجالية، ولا يصح أن تكون بتوجيهات غير مؤهلة سياسيا ، وفقهيا ، وموضوعيا
4. من خلال ما تقدم نرى أن ما يحدث فعلا من ممارسات بعض الشباب غير خاضع للحسابات والحيثيات الآنفة، وهو مرفوض في تقيمنا  ورويتنا رغم أننا لا نتهم الشباب في دوافعهم وفي إخلاصهم. إلا أن ما نطلبه من هؤلاء الأبناء الأعزاء الإصغاء إلى توجيهات القيادات العلمائية البصيرة وعدم التورط في اندفاعات انفعالية ربما تغذيها عناصر غير واضحة، أو غير مؤهلة.
5. وإذا كنا نرفض تلك الممارسات فإننا في الوقت ذاته، وبدرجة أكبر وأشد نرفض الأسلوب الذي تعتمده وزارة الداخلية وقوات الأمن من اعتماد العنف غير المبرر في مواجهة الشباب، والشدة المفرطة في التصدي لهذه الظاهرة، وفي محاصرة قرى بكاملها، وفي إلحاق الأذى والضرر بالأطفال والنساء والشيوخ  وكل الأبرياء والآمنين في بيوتهم.
ثم ما هو الغرض من التهويل والاستعراض الكبير لقوات الشغب من أجل مواجهة أعمال صغيرة، وممارسات محدودة؟ وما هي المصلحة من إرباك أوضاع السير، وتعطيل مهام الموظفين القاطنين في هذه المناطق وهل أن الأسلوب هو الذي سوف يعالج هذه الظاهرة ، ما نعتقده أنه أسلوب  سوف يعّقد الأمور ويصعد الأوضاع
6. إننا نحمل الحكومة في سياستها وليست الداخلية فقط، مسؤولية هذه السلوكيات والممارسات و الانفلاتات، فالأزمات الخانقة والأوضاع المعيشية المتردية، وسياسات التمييز المكشوف، وغياب المشروع السياسي الصحيح الذي يملأ قناعات المواطنين، وصم الأذان أمام الاستغاثات والمطالبات، وإفشال دور الخيارات السلمية المتعقلة، هذا هو المأزق ، وهذا هو الذي يدفع في اتجاه الانفلاتات، والممارسات الغاضبة وردود الفعل المنفعلة، هذا لا يعني أننا نبرر لتلك الممارسات، الانفلاتات والانفعالات، فقد أكدنا أنها مرفوضة ،أنها مدانة. إلا أن العلاج الحقيقي ليس في استخدام عصا الأمن، وإنما إعادة النظر في مجمل الأوضاع والسياسات والأزمات.
7.  وأخير… المطلق الصحيح لحلحة هذا التأزم، ولعلاج كل التداعيات هو أن تقتنع الحكومة بـ ( خيار الحوار الجاد الصادق).
لا تنفعنا خطابات باتت مستهلكة
ولا تنفعنا بيانات باتت غير مقنعة
ولا تنفعنا عناوين كبيرة باتت خاوية
ولا تنفعنا لقاءات باتت فاشلة
ولا تنفعنا حوارات مخدرة


المطلوب حوار جاد وصادق وجرئ فإذا لم يكن الحوار جادا فهو للاستهلاك والتخدير، وإذا لم يكن الحوار صادقا فلن يحرك المياه الراكدة، ولن يصح الأوضاع الفاسدة، وإذا لم يكن الحوار جريئا فسوف يكون شكلا من أشكال النفاق والمداهنة الممجوجة.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى