حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 126: مراسيم العيد بين الشكل والمضمون(2) – لماذا هذه الضجة المفتعلة؟ – كلمات ظالمة

بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء ولمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يا أحبة الإيمان نتابع معا هذه العناوين:
• مراسيم العيد بين الشكل والمضمون(2)
• لماذا هذه الضجة المفتعلة؟
• كلمات ظالمة


مراسيم العيد بين الشكل والمضمون(2):
يستمر بنا الحديث حول هذا العنوان، ففي الحلقة السابقة تناولنا الأسباب التي تؤدي إلى تعطيل دور العبادة و أكدنا على سببين:
– الفهم الخاطئ للعبادة
– التطبيق الخاطئ
في هذه الحلقة نحاول أن نقرأ (مراسيم العيد شكلا و مضمونا).


1- زكاة الفطرة:
مقدار من المال يعطى للفقراء و المحتاجين في ليلة العيد أو في يوم العيد، و هذه العملية عبادة تحتاج إلى نية القربة الخالصة لله تعالى، هذه الفريضة المالية تحمل مضمونين هامين:
أولا: المضمون الروحي
فهي تمثل تزكية و تطهيرا للنفس، القيمة الحقيقية لهذه العبادة بمقدار ما تنتج من “تزكية و تطهير” فهل توفرنا على “المنهج الروحي” و نحن نمارس هذه الفريضة، لعلى الكثيرين لا تتجاوز ممارستهم مجرد “أداء التكليف” من المهم جدا أن نستشعر في داخلنا “مسؤولية التكليف” و “قلق التكليف” فمن خلال هذا “الاستشعار” نحرص على “الالتزام و التطبيق” ، و لو مات  لدين” حسّ التكليف” لفرطّنا في الكثير من الواجبات والمسؤوليات الشرعية، ولتورطنا في الكثير من المخالفات ألا ترون أن من يموت بداخله “الشعور بالإثم” لا يبالي بفعل المعاصي والمحرمات، وكلما قوى هذا الشعور كان ذلك محرضا على مجانبة الذنوب وعاصما من ممارسة المعاصي.
– قال رسول الله صلى الله عليه وآله:”من أذنب ذنبا وهو ضاحك دخل النار وهو باك”
– وعنه صلى الله عليه وآله:” أربعة في الذنوب شر من الذنب: الاستحقار والافتخار والاستبشار والإصرار”
– وعنه صلى الله عليه واله: ” من سرته حسنته وساءته سيئته فهو منّ”
– وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”لانتظروا إلى صغير الذنب ولكن انظروا إلى ما اجترأتم”


الشعور بالإثم وحس التكليف له قيمته الكبيرة جدا غير أن غياب ” الوعي بمضمون التكليف” يحول هذا التكليف إلى شكل فارغ من الدلالات والمعطيات، فحينما نمارس أداء (زكاة الفطر) فنحن نؤدي تكليفا شرعيا، إلا أن قيمة هذا التكليف تتحدد من خلال فهمنا لمضمونه و من خلال تجسيدنا عمليا هذا المضمون…. فزكاة الفطر تزكية و تطهير، و بمقدار ما تزكو قلوبنا و أخلاقنا، و تطهر أفعالنا وكل ممارساتنا، نكون قد أخرجنا زكاة فطرتنا حقيقة و إلا ندفع مقدارا من المال، و قلوبنا تحمل كل الغش، و أرواحنا تحمل كل القذارة، و أخلاقنا تحمل كل التلوث، و أفعالنا تحمل كل الشين،فأي قيمة لإعطاء هذا المقدار من المال…


(2) المضمون الاجتماعي:
زكاة الفطرة تعبر عن الرحمة و العطف و المواساة و تحسس آلام الآخرين… إنه التكافل الاجتماعي الذي أكد عليه الإسلام من أجل حماية أوضاع الناس المعيشية، في الظروف التي لا يملكون فيها قدرة “العمل” و قدرة “التكسب” أو في الظروف التي يعجز العمل أن يوفر لهم ما يكفي لتغطية حاجاتهم المعيشية، فقد حمل الإسلام “الدولة” و المجتمع مسؤولية توفير هذه الحاجات المعيشية، فالدولة مسؤولة من خلال ما يسمى بـ”الضمان الاجتماعي” أن توفر وضعا معيشيا ملائما لكل مواطن، بما يشمل السكن و العلاج و جميع حاجات المعيشية….. و إذا قصرت الدولة فمن حق كل المحرومين أن يرفعوا أصواتهم عالية مطالبين بهذا الضمان، كما يجب على كل القوى الدينية و الاجتماعية و السياسية أن تطالب بقوة من أجل حماية أوضاع الناس المعيشية و الحياتية… كما يجب على هذا القوى أن تطالب بقوة من أجل حماية أوضاع الناس الدينية و الاجتماعية و السياسية….
و المجتمع كذلك مسؤول من خلال ما يسمى ب “التكافل الاجتماعي” أن يوفر وضعا معيشيا ملائما لكل المحتاجين…
هذه بعض روايات تؤكد هذا المعنى:
– عن رسول الله صلى الله عليه و آله:
– “من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا نظر الله إليه برحمته فنال بها الجنة، و فرج الله عن كربه في الدنيا و الآخرة”
– و عنه صلى الله عليه و آله : “من فرج عن مؤمن كربة الدنيا، فرج الله عنه اثنين و سبعين كربه من كرب الآخرة، و اثنين و سبعين كربة من كرب الدنيا أهونها المغفرة”
– و عنه صلى الله عليه و آله: “من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه من هم و كربة و ورطة كتب الله عشر حسنات و رفع له عشر درجات، و أعطاه ثواب عتق عشر نسمات، و دفع عنه عشر نقمات، و أعد له يوم القيامة عشر شفاعات”
– و سئل صلى الله عليه و آله : أي الأعمال أحب إلى الله عز و جل؟
قال (ص): إتباع سرور المسلم.
قيل: يا رسول الله و ما إتباع سرور المسلم؟
قال صلى الله عليه و آله: شبع جوعته، و تنفيس كربته، و قضاء دينه”
– و عنه صلى الله عليه و آله: ” ما عمل أفضل عند الله عز و جل من سرور تدخله على مؤمن، أو تطرد عنه جوعا، أو تكشف عنه كرا، أو تقضي عنه دينا، أو تكسوه ثوبا”
– و عن الإمام الباقر عليه السلام: “لأن أعول أهل البيت من المسلمين: أسد جوعتهم، وأكسو عورتهم، و اكف وجوههم عن الناس أحب إلي من أن أحج حجة و حجة و حجة و مثلها و مثلها و مثلها حتى بلغ عشرا و مثلها و مثلها حتى بلغ السبعين”
و في المقابل هذه الروايات روايات أخرى تحذر من التقصير في قضاء حوائج الإخوان.
– و عن رسول الله صلى الله عليه و آله:
” ما آمن بي من بات شبعان و أخوه المسلم طاو”
– و عنه صلى الله عليه و آله : ” من منع طالبا حاجة و هو قادر على قضائها فعليه مثل خطيئة عشار….
فقام إليه عوف بن مالك فقال :ما يبلغ خطيئة عشار يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه و آله : “على العشار في كل يوم و ليلة لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، و من يلعنه الله فلن تجد له نصيرا”
– و عن الإمام زين العابدين عليه السلام:
” من كان عنده فضل ثوب فعلم أن بحضرته مؤمنا محتاجا إليه فلم يدفعه إليه، أكبه الله تعالى في النار على منخريه”
– و عن الإمام الصادق عليه السلام :
“أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه و هو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله عز و جل يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه، فيقال :
هذا الخائن الذي خان الله و رسوله، ثم يؤمر به إلى النار”
نتابع الحديث في اللقاء القادم بإذن الله تعالى


لماذا هذه الضجة المنفعلة؟
أن تملك إيران قدرة نووية و لو من أجل أغراض سلمية أمر محرم حرمة مغلطة في الفقه الأمريكي و في اجتهاد بوش، لأنه مطلوب أن تبقى الدولة العربية و الدولة الإسلامية هي الأضعف، و من حق أمريكا، و من حق فرنسا، و من حق دول الغرب، و من حق إسرائيل، امتلاك القدرة النووية في أعلى مستوياتها، و من أجل الاستحقاقات الحربية و العسكرية، و من حق هذه الدول أن تهدر باستعمال هذه القدرة النووية في أي وقت تشاء و ضد أي جهة تشاء، و بأي أسلوب تشاء، أما أن تملك دولة إسلامية مثل إيران قوة نووية لا من أجل الدمار و لا من أجل الإرهاب، بل من أجل السلم، و من أجل البناء فمسألة محظورة كل الخطر، و يجب أن تواجه، و يجب أن تتحرك المناورات البحرية و البرية و الجوية ضدها، و يجب أن تتكاتف كل القوى لإسقاطها، و يجب أن يستنفر كل الأعلام للتنديد بها، …. هكذا سياسة الهيمنة الأمريكية، وهكذا سياسة الإذلال، و سياسة المصادرة، و سياسة الإرهاب و العنف…


في الوقت الذي تدعى أمريكا أنها تحارب العنف و تحارب الإرهاب، أن تهدد أمريكا إيران عسكريا اقتصاديا أمنيا أمر مشروع، و أمر لا يمثل إرهابا، و لا يمثل عنفا…. أن تحشد أمريكا دولا كبيرة و دولا صغيرة ضد إيران، و ضد مشروعها النووي السلمي، و ضد نهوضها العلمي، وضد قدرتها الأمنية، و ضد حركتها الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، مسألة لها مبرراتها.


أمريكا تصر على استشارة الرعب لدى أنظمة الحكم في المنطقة بسبب المشروع النووي الإيراني، كلما تنافى هذا الرعب لدى حكومات المنطقة كان التواجد الأمريكي له مبرراته ومسوغاته وكان الاحتقانات بالقواعد العسكرية له ضروراته، ومؤكداته.


المناورات البحرية الأخيرة تحمل أكثر من رسالة تهديد باعتماد الخيار العسكري ضد إيران، استعداد دول كثيرة أن تكون حليفة مع أمريكا في اعتقاد هذا الخيارا، الموقف الخليجي المساند لأي هجوم أمريكي محتمل ضد إيران ، أو لأي قرارات تفرض حصارا اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا على إيران.


من الثوابت التي لا يمكن التفريط فيها أبدا “الحفاظ على أمن المنطقة” إلا أن هذا الأمن لاتصنعه قرارات من خارج المنطقة، ولا تعززه مناورات واستنفارات، ولا تقوية استعداءات وتحريضات.
الحفاظ على أمن المنطقة تصنعه الإرادات الحرة في داخل المنطقة، وتحميه النوايا الصادقة لدول المنطقة، وتعززه التلاحمات المتينة بين أنظمة المنطقة، وشعوب المنطقة، وتقوية سياسات الإصلاح الحقيقية بين بلدان المنطقة، فبدلا من أن تخبر بعض دول المنطقة على استعداء ضد إيران بفعل التحريض الأمريكي مطلوب أن تتكرس روح المحبة والوئام والتعاون والتلاحم والتقارب، وان تتكاتف الجهود والإرادات والقوى من أجل حماية أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها ومن أجل الدفاع عن عزتها وكرامتها وشرفها، ومن أجل تعزيز وحدتها  ، وتواصلها، وقوتها.


كلمات ظالمة:
في زحمة الأجواء التي تشهدها الساحة المحلية،ونحن على أبواب انتخابات نيابية وبلدية، يفقد الكثيرون الضابط الشرعية والأخلاقية حينما يطلقون كلمات غير مسؤولة تسيء إلى آخرين يختلفون معهم في الرأي، لا مشكلة في الاختلاف ومن حق أي إنسان أن يشكل قناعاته كما يشاء إذا كان قد اعتمد”المعايير الصحيحة” في صوغ القناعات، وإلا كانت المسألة مجرد نزوات وشهوات وحماقات، أقول لا مشكلة في الاختلاف، ولكن أن يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف وصراع ومعاداة، أن يتحول إلى مهاترات وتهريجات وإساءات واتهامات، أن يتحول إلى ظلم وكذب وبهتان وافتراء فهذا مرفوض كل الرفض ، وهذا يعبر عن جهل وحماقة، وعن تدني في مستوى التدين والالتزام والورع.، فحذار حذار أيها الأحبة أن نسقط في هذه المنزلقات وأن نضحي بديننا وقيمنا وأخلاقنا من أجل أن نكسب موقفا هنا أو موقفا هناك، فالدين أثمن من كل شيء، والقيم والأخلاق أغلى من بهرجات الدنيا الزائفة، وأغلى من التهويلات الكاذبة.


في هذا السياق نقف مع واحدة من الكلمات الظالمة، قرأنا في أحد المنشورات التي تروج لمقاطعة الانتخابات كلاما مسيئا جدا للعلماء، لا تزعجنا قناعة أصحاب هذا المنشور بالمقاطعة فهذا أمرهم يتحملون مسؤوليته إذا كانوا يملكون المؤهلات الفقهية والسياسية والتقوائية في اتخاذ القرار، ولا يهمنا هنا أن نناقش حيثيات المقاطعة كما جاءت في المنشور، وقد تناولنا ذلك في الكثير من الخطابات والبيانات والحوارات، ومن الجميل أن ينشط الحراك الفكري والسياسي إذا كان حراكا نظيفا موضوعيا.


ما أزعجنا في هذا المنشور بعض كلمات ظالمة وغير منصفة أساءت للعلماء الذين التقوا ملك البلاد مؤخرا.
اعتبرت الكلمات هذه الزيارة قد انطلقت من عقلية المشاركة، أي أنها جاءت في سياق الاستحقاقات الانتخابية.
كما تجرأت الكلمات بلا دليل ولا برهان لتقول بالحرف الواحد أن الملك قال للعلماء:”أنا اعتمد عليكم في السيطرة على الشارع”، وهذا يعني أن العلماء قد تحولوا إلى ضباط أمن ، كم هو مشى أن تصدر هذه الكلمات التي لا تملك تقوى القول، وتقوى النقل.


نقول لهؤلاء ولغيرهم:
أولا: أن اللقاء لا علاقة له إطلاقا بمسألة المشاركة أو المقاطعة، أنه لقاء فرضته ووقتته مستجدات خطيرة وعلى رأسها (تقرير البندر) جاء اللقاء في سياق خطوات ضرورية ومستعجلة ولو تأخر هذا اللقاء لكان  فاقدا لهدفه ومبرراته، لقد وجد العلماء أن مسؤوليتهم الشرعية تفرض عليهم أن يمارسوا مجموعة مبررات وبالتعاون مع قوى سياسية معروفة في الساحة في التصدي لقضايا الساحة الراهنة.


ثانيا: ما أسوء أن يتصور إنسان أن علماء في مستوى السيد الوداعي والشيخ عيسى قاسم والشيخ النجاتي والشيخ التسري يتحولون وبهذه الصورة الهابطة إلى “ضباط أمن” بيد السلطة، أو بيد الملك، لم نسمع بهذه الكلمة في هذا اللقاء إطلاقا، فلا ندري كيف وصلت إلى أصحاب المنشور ، إلا أن تكون السلطة هي التي أوصلت إليهم هذا الكلام من أجل إسقاط العلماء، أن صح هذا فهم شركاء مع السلطة في تشويه سمعة العلماء.


لقد بدأت تتكشف مخططات رهيبة خارجية وداخلية تستهدف الرموز العلمائية وتستهدف المرجعية الدينية، وهذا ما قراناه مؤخرا في تقرير منشور يتحدث عن مخطط أمريكي لمواجهة الرموز العلمائية والمرجعيات الدينية في العالم الإسلامي.
لا يعني هذا إننا نتهم أي نقد ومحاسبة للرموز والمرجعيات الدينية بأنه يصب في اتجاه هذا المخطط ، فهذه الرموز والمرجعات ليست فوق النقد والمحاسبة، وإلا إن هذا يفرض وجود كفاءات وقدرات ومؤهلات تسمح محاسبة هذا النقد والمحاسبة.
ما نتحدث عنه هنا حملة من التشكيكات والاتهامات الباطلة، والإساءات المعمدة بهدف نحاصره الرموز والمرجعيات الدينية، وبهدف فصل القواعد الشعبية عن عذع القيادات، وهذا ما تسعى إليه تلك المخططات التي أصبحت واضحة ومكشوفة.


أنا أسألكم بالله أن العلماء في هذه الساحة الذي حركوا مسيرات شعبية ضخمة جدا وأقاموا ندوات جماهيرية كبيرة جدا،
وأصدروا بيانات قوية جدا ، وأطلقوا خطابات ساخنة لها تأثيراتها في تحريك الشارع، هؤلاء العلماء يمكن أن يتحولوا إلى ضباط أمن لدى السلطة، فليتق الله الذين يروجون لهذه المقولات أن كانوا يملكون شيئا من خوف الله، ومن خشية الله، فأمام الإنسان عتاب وحساب وعقاب”ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”، وقفوهم أنهم مسئولون”
عصمنا الله من الزيغ والشطط والزلل وفحش القول وسوء العمل.


وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


استمع للمحاضرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى