حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة147:في ذكرى رحيل الإمام الخميني – هكذا أرواح الناس رخيصة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلوات على سيد الأنبياء و المرسلين محمد و على آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


في ذكرى رحيل الإمام الخميني:




تمر بنا هذه الأيام الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني رضوان الله عليه، و لا يصح أن تمر الذكرى مرورا عابرا، فالإمام الخميني ليس الإنسان العابر في تاريخ هذه الأمة، كان الوجود المتجذر، و كان المنعطف الكبير، و كان الحدث المتميز في هذا العصر، لقد عشقته ملايين القلوب، و انجذبت إليه ملايين الأرواح..لماذا؟؟
ليس لأنه مجرد فقيه يرتدي عمة سوداء تعبر عن انتمائه إلى الذرية النبوية الطاهرة، فالفقهاء كثيرون كثيرون،  و المنتمون إلى الذرية النبوية كثيرون كثيرون، غير أن الإمام الخميني نمط خاص من الفقهاء، ونمط خاص من المنتمين إلى النسب المبارك.


أي سر يملكه  هذا الإنسان العظيم؟
كل من التقى الإمام الخميني يدرك أي هيبة ربانيه متميزة يحملها هذا الرجل، حينما يجلس، حينما يمشي، حينما يتكلم، رغم أن الذين يشاهدون الإمام الخميني في التلفاز يستشعرون هذه الهيبة، إلا أن الذين يلتقونه مباشرة هم الأقدر على الإحساس بتلك الهيبة الربانية التي تفرض نفسها على القلب و الوجدان و على كل المشاعر.
من مظاهر هيبة الإمام الخميني انك لا تستطيع أن تحدق في عينيه و أنت تجالسه، يقول احد عشاق الإمام: “من النعم الجليلة التي حظيت بها في حياتي هي مجاورة بيت الإمام..و قد لا استطيع – بحكم صغر سني يوم ذاك- أن أتحدث عن عظمة شخصيته بكل إبعادها و صفاتها المعنوية و الإلهية السامية و لكنها رغم ذلك نفذت أبعادها إلى أعماق روحي و قلبي منذ طفولتي إلى درجة أصبح معها الإمام أسوة كاملة لي في مراحل حياتي اللاحقة، لقد كان شديد الالتزام بالمسائل الشرعية في ابسط الشؤون الحياتية، كما كان يتابع القضايا الاجتماعية، و كنت اشعر – حتى في طفولتي – بالهيبة و الوقار الخاص متجلين فيه، ولذلك لم نستطع مثلا  التحديق في عينيه أبدا، بل وحتى النظر المباشر لهما ولو لفترة قصيرة”
كل شيء في الإمام الخميني يجسد الهيبة، حتى صمته يحمل الهيبة، عُرف عنه انه كثير الصمت، و لكن إذا فرضت الوظيفة الشرعية أن يتكلم، كان المتحدث الصلب و كان المتكلم البليغ، لا تستهويه رغبة الحديث كما تستهوي الكثيرين ممن ينزعون إلى الشهرة و التباهي ، الكلمة عند الإمام رسالة ومسؤولية و ليس رغبة و طموح و شهوة.
كان “الصامت” و في صمته تأمل، و في صمته تخطيط، و في صمته جهاد، تحدث احد ملازميه عنه فقال:
“كان الإمام قليل الكلام، لكن إذا تكلم كان كلامه جامعا شافعا، و عموما فإن من صفاته البارزة الصمت إلا في موارد الضرورة”
و قال عنه آخر من مريديه:
“كان الإمام وقورا رزينا هادئا، إذا جلس التزم الصمت و السكوت مهما طال جلوسه مالم يكلمه احد فيجيبه”
و قال عنه احد العلماء الكبار:
“زرت الإمام في بدايات إقامته في النجف فوجدته ذا هيبة مميزة، يلتزم عادة الصمت في المجلس إلا أن يسأله أحد سؤالا فيجيبه”
و قال عن أحد المقربين منه:
“امتاز الإمام بحالة خاصة من الوقار و السكينة و الهيبة المقترنة بغاية التواضع، و كان صامتا قليل الكلام في معظم أوقاته، لا يتكلم إلا بمقدار الضرورة، و كلامه كان محسوبا بدقة، و موزونا و قصيرا، و كان في غير اللقاءات العامة التي يخطب فيها يقلل الكلام و يكثر التفكر، تراه متفكرا في جميع أحواله، و يستفيد من أوقاته بأقصى مقدار ممكن”


هنا نطرح هذا السؤال:
ما سر هذه الهيبة الربانية عند الإمام؟

إنه الارتباط الحقيقي مع الله سبحانه، انه الذوبان و الانصهار و العشق الإلهي..
 إنه الصدق و الإخلاص و الفناء في الله..
إنه السمو الروحي..
إنه الطاعة المتناهية في خط الله..
إنه الإرادة و الصمود و الشموخ من أجل الله..
إنه الجهاد و العطاء و التضحية في سبيل المبدأ و الحق..


هكذا أرواح الناس رخيصة:
بعيدا عن تهديدات الصحة بمقاضاة النائب البرلماني “المزعل” الذي فضح وجود ظاهرة خطيرة في قسم الطوارئ السلمانية، هذه الظاهرة هي أن أحد الموظفين في قسم المختبر اعتاد أن يمارس عمله تحت تأثير المسكرات وقد تكررت هذه الممارسة حسب شهادة العاملين في هذا القسم.
كم هو مقلق و مخيف هذا الأمر، المختبر في قسم الطوارئ، و الذي تناط به تحديد “التشخيصات” التي تحدد مصير “المريض” هذا القسم يمارس العمل فيه شخص مخمور، إنه جريمة كبرى في حق المرضى الذين يقعون تحت رحمة هذا المخمور. هكذا تكون أرواح الناس رخيصة؟؟؟


من المسؤول عن ذلك؟
حسب المعلومات أن هذه الحالة تتكرر بالنسبة لهذا العامل، و هذا يعني أن المسئولين عن هذا القسم يعلمون بذلك، فلماذا هذا التغاضي؟ و لماذا هذا الصمت؟ و لماذا محاولات التعتيم و التستر؟
هنا احتمالان:
• الاحتمال الأول: أن هذا العامل مدعوم بإدارة لا تقهر، و تتحدى كل ما حولها. وهكذا يعبث الفساد في المؤسسات و  الدوائر و المواقع الرسمية و لا يجرأ أحد أن يحاسب العابثين و المفسدين ما داموا محصنين بحماية الإرادات الكبيرة.
• الاحتمال الثاني: عدم المبالاة بأرواح الناس، فليحدد مصيرهم مخمور لا يدري ماذا يعمل، و ماذا يشخص، و ماذا يكتب، ثم يأتي العلاج، و تأتي الوصفات حسب هذا الشخص المحكوم لتأثير السكر، فكم عقد هذا أوضاعا صحية، و كم أزهق هذا أرواحا بريئة؟


فماذا بعد افتضاح هذا الأمر، و الحديث عنه في الصحافة؟
هل سوف تشدد الرقابة على هذه المواقع الحيوية التي تتحكم في أرواح الناس؟
هل سيعاقب هذا العامل و أمثاله بما يتناسب و خطورة هذا الجرم؟
أم أن ملف هذه القضية سوف يطوى و يغلق كما طويت و أغلق ملفات خطيرة و خطيرة؟


إن مسؤولية نواب هذا الشعب أن يلاحقوا كل الأوضاع الفاسدة في هذا البلد إذا كانوا صادقين مخلصين، و إذا كانوا أمناء على قضايا هذا الشعب.
مضى من عمر هذا المجلس الجديد ثمانية أشهر و الناس تترقب و تنتظر و لا زال الأفق قاتما،  و لا زالت المؤشرات تبعث على القلق،  صحيح ما مات الأمل بعد، و صحيح أن الفرصة مفتوحة رغم أن التجربة محاطة بحصار خانق و رغم أن الحكومة لم تعبر بعد عن نية جادة في التعاطي مع العملية السياسية، و رغم أن عددا من الكتل النيابية لم تبرهن على استقلالية واضحة و تحرر من الاملاءات العليا.


نأمل أن لا ينفذ صبر الناس.
 و كم أكدنا أن ما يحدث من انفلاتات لدى البعض، ليس بداعي العبث والفوضى والتخريب بمقدار ما هي ردات فعل يائسة، فلن تقوى المواجهات الأمنية المفرطة على معالجة الأمور، لن يعالجها إلا التصدي الحقيقي للأزمات و المشكلات، و لن يعالجها إلا الحوار الصادق، و الشفافية المنفتحة، ولن يعالجها إلا المبادرات الجادة من قبل السلطة و ما عدا ذلك فهو مزيد من التعقيد و مزيد من الاحتقان، و مزيد من التأزم.


وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى