حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 388: الدرس الثاني الذي نستوحيه من قصة ملكة سبأ – استشارة أصحاب المؤهلات الصَّالحة – كلمة أخيرة: الحَرَاك والحوار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين وبعد فمع بعضُ عناوين…


• الدرس الثاني الذي نستوحيه من قصة ملكة سبأ.
• استشارة أصحاب المؤهلات الصَّالحة.
• كلمة أخيرة: الحَرَاك والحوار.


الدرس الثاني المستوحى من قصة ملكة سبأ:


هذا الدَّرس هو: أنَّ الاستشارةَ تعبِّرُ عن رُشدٍ سياسيّ…
فملكة سبأ وهي تحملُ كلَّ الرُشدِ السِّياسي كانت تمارسُ دائمًا (الاستشارة) وقد اعتمدتْ نخبةً من رجالِ الرأي والخبرةَ مستشارينَ دائمين في بلاطها..
فالمشورةُ تعبِّر عن رُشدٍ سياسي، وبصيرةٍ في الحكم وإدارة الأمور، وهي حاجةٌ لكلِّ مَنْ يكونُ في موقع القيادةِ – أيّ قيادة سياسية أو دينية أو اجتماعية –.


جاء في سورة آل عمران/ الآية 159 قوله تعالى:﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.{آل عمران/159}
ما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم في حاجةٍ إلى أنْ يشاورَهم، وهو المعصومُ المُسدَّدُ مِنْ قِبَلِ السَّماء.
وهذا ما أكَّدهُ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم حينما نَزلَ قوله تعالى:﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾،حيث قال: «أمَا أنَّ اللهَ ورسولَهُ لغنيان عنها [يعني المشاورة] ولكنْ جعلها الله تعالى رحمةً لأمَّتي، فمن استشارَ منهم لم يُعْدَمْ رُشْدًا، ومَنْ تركها لم يُعدَم غَيًّا».


لماذا المشاورة تعتبر رحمةً للأمَّة؟


ولماذَا المشاورة تُعدُّ رُشدًا، وأنَّ غيابَها يُعدُّ غيًّا؟
أوَّلًا: الالتزام بمبدأ المشاورة يعني إلغاءً لظاهرة الاستبدادِ في اتخاذِ القراراتِ المصيرية الخطيرة، ولاسيما في القضايا التي تتصل بالشَّأن السِّياسي، وبالأوضاع العامَّة.


ثانيًا: إنَّ ممارسة هذا المبدأ يوفِّرُ الفرصةَ لإعدادِ الكفَاءاتِ والقُدَراتِ المؤهلةِ للتصدِّي لمواقع القيادة في الأمَّة، ولمواقعِ الإشرافِ على شؤونها العامَّة.
ثالثًا: تنشيط الأمَّة – أو بحسب تعبيرنا المعاصر القواعد الشعبية أو الجماهير – ليكون لها حضورُها الفاعل في قضايا الشَّأن العام، ولتأتي القرارات مُمثلةً لإرادة الأمَّة أو لإرادة الشعوب حسب التعبير السَّائد في هذا الزمان.


إنَّ أرقى الأنظمةِ السِّياسيةِ الدُستورية في هذا العصرِ هي الأنظمة التي تعبِّر تعبيرًا حقيقيًا عن إراداتِ الشُّعوب.
هذا التعبيرُ الذي يتحقَّق من خلال:
– استفتاءاتٍ شعبيةٍ نزيهةٍ وعادلة.
– برلماناتٍ تشريعية كاملة الصَّلاحيات.
– حكوماتٍ تُمثِّل إرادات الشُّعوب.
أعود للقول بأنَّ مبدأ المشاورة يعبِّر عن أرقى أدواتِ التعبير عن الرشد السِّياسي…


وأستعين هنا بعدد من الروايات التي تؤكِّد القيمة الكبرى لهذا المبدأ على كلِّ المستوياتِ الفردية والاجتماعية والسِّياسية:


• قال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«ما من رجلٍ يشاورُ أحدًا إلَّا هُديَ إلى الرُّشد».
• وقال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«لن يهلكَ امرؤٌ عن مشورةٍ».
• وقال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«الحزمُ أنْ تستشير ذا الرأي وتطيعَ أمره».
• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«بعثنيرسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم على اليمن فقال وهو يُوصيني: يا عليُّ ما حار مَنْ استخار، ولا ندم مَنْ استشار».
• وقال عليه السَّلام:
«مَنْ شاورَ ذوي العقولِ استضاءَ بأنوار العقول».
• وقال عليه السَّلام:
«المشورةُ تجلبُ لكَ صوابَ غيرك».
• وقال عليه السَّلام:
«المستشيرُ مُتحصِّنٌ مِن السقط».
• وقال الإمامُ الحسنُ عليه السَّلام:
«ما تشاوَرَ قومٌ إلَّا هُدُوا إلى رُشدِهم».
• وفي الحديث:
«حقٌ على العاقلِ أنْ يضيف إلى رأيهِ رأيَ العُقلاء، ويضمَ إلى علمِهِ علومَ الحُكماء».



استشارةُ أصحابِ المؤهلاتِ الصَّالحة:


هنا تكونُ الضرورةُ في اختيارِ رجالِ المشورة ممَّن يملكونَ رُشدًا، وكفاءةً، وإخلاصًا، وصِدقًا، ونظافةً، ونزاهةً، واستقامةً، وصلاحًا.
وبقدرِ ما يملكُ رِجالُ المشورةِ من هذه المكوِّناتِ والمؤهلاتِ يكونُ دورُهُمْ فاعلًا ومؤثِّرًا في إنتاجِ القراراتِ الرَّشيدةِ، والصَّائبةِ، والبناءَةِ، والنافعةِ.
وبقدر ما تغيبُ هذه الكفاءاتُ والقُدراتُ تكونُ النتائجُ مُدمِّرةً ومُرعِبة وسيِّئة.


أكَّدت الرِّواياتُ على استشارةِ أصحابِ القدراتِ والكفاءاتِ الصَّالحة:
• قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«استرشدُوا العاقلَولا تعصوه فتندموا».
• وقال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«مشاورة العاقلِ الناصحِ رُشدٌ ويُمنٌ وتوفيقٌ من الله، فإذا أشار عليك الناصحُ العاقلُ، فإيَّاك والخلاف، فإنَّ في ذلك العطب».
• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«شاوِرْ في حديثك الذينَ يخافونَ الله».
• وقال عليه السَّلام:
«شاوِرْ في أمورِكَ الذينَ يخشون الله تَرشُدُ».
• وقال عليه السَّلام:
«مَنْ شاوَرَ ذوي الألبابِ دُلَّ على الصواب».
• وقال عليه السَّلام:
«أفضلُ مَنْ شاورتَ ذو التجارب».
• وقال عليه السَّلام:
«خيرُ مَنْ شاورتَ ذوو النّهى والعلم وأولو التجارب والحزم».



مُستشارو السَّاسةِ والقادةِ:
أستعين هنا ببعضِ كلماتٍ من عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام إلى مالكِ بن الحارث الأشتر النخعي حينما ولَّاهُ على مصر.
– مالكِ الأشتر من اليمن، وكان من أجلِّاء وعظماء أصحاب أمير المؤمنين، وعرف بالشجاعة والبسالة والقوة في الحرب، وهو من قُواد عليٍّ في معاركه.


رُوي أنَّ الطرماح لمَّا دخل على معاوية قال له معاوية: قل لابن أبي طالب أنِّي جمعت من العساكر بعدد حبِّ جاروس الكوفة وها أنا قاصده.
فقال له الطرماح: إنَّ لعليٍّ ديكًا أشتر يلتقط جميع ذلك، فانكسر معاوية من قوله.


كان أمير المؤمنين عليه السَّلام قدْ عيَّن محمَّدًا بن أبي بكر واليًا على مصر، إلَّا أنَّ الأوضاع قد اضطربت واستشهد محمدٌ بن أبي بكر، فكلَّفَ أمير المؤمنين مالكًا بن الحارث الأشتر النخعي بالذهاب إلى ولاية مصر وكتب إليه العهد المشهور،إلَّا أنَّ معاوية تمكَّنَ من دسِّ السُّمِّ إلى مالك وتمَّ اغتياله قبل أنْ يباشر عمله في إدارة الحكم في مصر.


إنَّ عهدَ الإمام أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر يُعدُّ أروع وثيقةٍ سياسيةٍ وحقوقيةٍ وإداريةٍ في بناءِ الدولة، كم هي حاجة السَّاسةِ والقادةِ والحُكَّام في هذا العصر أنْ يقرأوا هذا العهد وأنْ يُطبِّقوه.


أختار منه هنا بعضَ كلماتٍ تُمثِّل توجيهاتٍ عملية للحاكم حينما يريد أنْ يختارَ مُستشاريه ورجالَ بلاطِهِ والمقرَّبين لديه.


(الكلمةُ الأولى):
«وليكُنْ أبْعَدَ رعيَّتِكَ مِنْكَ، وأشنأَهُم عِندَكَ أطلَبَهُم لمعايب النَّاس».
يجب على الحاكم أنْ يُبْعِدَ عنه كلَّ أولئك الذينَ هَمُّهمُ التفتيشُ عن عثراتِ النَّاس وعيوبِهم وأخطائهم، وهكذا يَقتْلُ هؤلاءِ لدى الحاكم روح التَسامُحِ، ويُغذِّونَ عنده نزعةَ الانتقام.


(الكلمةُ الثَّانية):
«ولاتَعجلنَّ إلى تصديق ساعٍ، فإنَّ السَّاعيَ غاشٌ، وإنْ تشبَّه بالناصحين».
يجب على الحاكم أنْ يَحذَرَ السُعاةَ النَّمامينَ الذين همُّهمْ أنْ يُشوِّهُوا سمعةَ النَّاسِ لدى الحاكم، إنَّ مَنْ يُمارسَ التحريضَ ضدَّ الأبرياء رغبةً في التزلفِ والتقرُّبِ ليس ناصحًا للحكَّام، لأنَّه بهذا العمل يُعمِّق الفواصل بين الأنظمةِ والشعوبِ ويقتل الثقة لدى الحُكَّام ولدى المحكومين.


(الكلمةُ الثَّالثة):
«ولاتُدْخِلَنَّ في مَشُورَتِكَ بخيلًا يَعْدِلُ بِكَ عن الفَضْلِ، ويَعِدُكَ الفَقر».
إذا كان مستشارُ الحاكم بخيلًا فإنَّه يعملُ جاهدًا لمحاصرةِ كلِّ عطاءاتِ الحاكمِ التي يريد أنْ يُقدِّمها للمعوزين وذوي الحاجاتِ مِنْ أبناء الشعب، كما يُمارسُ دورًا خطيرًا في تعطيلِ حركةِ المشروعاتِ والاستثماراتِ والخدماتِ النافعة للبلاد والعباد وهكذا يكونُ دوره ضارًّا ومُعطِّلًا للمال والثروة كلُّ ذلك بحجة العجز والإفلاس.


(الكلمةُ الرابعة):
«[ولاتُدْخِلَنَّ في مَشُورَتِكَ] جَبَانًا يُضَعِّفُكَ عَن الأمُور».
وفي كلمة أخرى: «يُضيِّقُ عَليكَ المَخرج».
المستشار الجبانُ يُكرِّسُ لدى الحاكم الروحَ الانهزاميةَ في مواجهة القضايا المصيرية الخطيرة، ويُعطِّل عنده المبادرات الجريئة.
إذا كان الطَّيشُ صفةً تدفعُ نحو التهوراتِ وتقودُ إلى المَهالِك والمنزلقاتِ نتيجة القراراتِ المُستعجلةِ وغير الرَّشيدة، فإنَّ الجُبْنَ في المقابل يُمثِّلُ ضَعْفًا يُعطِّلُ القراراتِ الصَّائبةَ والرشيدة.


(الكلمةُ الخامِسة):
«[ولاتُدْخلَنَّ في مَشُورَتِكَ] حَرِيصًا يُزِّينُ لكَ الشَّرَه بالجور».
إذا كان المُستشارُ حريصًا، جَشِعًا، طمَّاعًا، مأسورًا للمالِ والثروةِ، فإنَّهُ يُزيِّنُ للحاكمِ الشَرَّهَ، والسَّطْوَ على الأموالِ، ونَهْبَ الثرواتِ، واحتكارَ كلَّ المصالح، وهكذا يتشكَّلُ الجورُ والظلمُ والقهرُ والاستبدادُ، وهكذا تتشكَّلُ المآزقُ والأزماتُ.


(الكلمةُ السَّادسة):
« شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلاْشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيرًا، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الاْثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاْثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ».
هذه الكلمةُ تؤكِّدُ مسألةً في غايةِ الأهميةِ والخطورةِ، وهي أنَّ الحاكمَ إذا أرادَ أنْ يختار وزيرًا أو مستشارًا فيجب أنْ يدرسَ تاريخهُ دراسةً متأنيةً بصيرةً، فإذا وَجَدَهُ تاريخًا مُلُوَّثًا، ومَمْلُوءًا بالظُلْم والفَسَادِ ومعاونِة الظَالِمينَ والمُفسْدِينَ، فيجب أنْ لا يتَورَّطَ في اعتمادِهِ وزيرًا أو مُسْتَشَارًا ففي هذا كلُّ الخطرِ على مصالحِ النَّاس وحُقُوَقِهم.


(الكلمةُ السَّابعةُ):
« أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ … مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ… فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ».
فالأمَّةُ غنيةٌ بنماذجَ نظيفةٍٍ ومستقيمةٍ، وأمينةٍ، لم يتلوَّث تاريخُها، ولم تكن من أعوانِ الظلمةِ والآثمين، هذه النماذجُ هي المؤهَّلةُ للوزارة والمشورةِ والمجالسة.


(الكلمةُ الثَّامنةُ):
« ثمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لاَوْلِيَائِهِ، وَاقِعًا ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ».
إنٍّ خيرَ المستشارين هُمْ الذين يُصَارِحُونَ الحاكم وإنْ كانَ في هذه المُصارحةِ ما يُواجهُ بعضَ رغباتِه وميولِهِ.
وإنَّ أسوءَ المستشارينَ هم الذينَ يداهنونَ الحاكم ويُزيِّنونَ له كلَّ الرَّغباتِ والمُمارساتِ التي تتناغم مع مشتهياته.


(الكلمةُ التّاسعة):
« وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ ..».
هنا يؤكِّد أمير المؤمنين على واليهِ أنْ يختارَ مستشاريه ووزرائه من أهلِ الورع والصِّدقِ فهم الحرَّاسُ والأمناءُ على مصالحِ النَّاس.


(الكلمةُ العاشرةُ):
« ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ».
أمير المؤمنين يُوجِّهُ واليهِ أنْ يروِّضَ مُستشاريهِ ومقرَّبيهِ أنْ لا يكونُوا مَدَّاحِينَ له بغير حقِّ، ورغبةً قي التزلفِ إليه إنَّ هذا اللونَ من السُّلوكَ يخلق لدى الوالي أو الحاكم غُرورًا، واستعْلاءً، وكبْريَاءَ، كما يُسقط مِنْ عِزَّتِهِ وكرامَتِهِ وهيبَتِهِ.


كلمةٌ أخيرة:
الحَراكُ والحِوارُ…


الحَرَاكُ السِّلمي لأيّ شعب عملٌ مشروعٌ بكلِّ تأكيد، إلَّا أنَّ النزوعَ نحو العُنف والتطرُّف فهو غيرُ مشروعٍ بكلِّ تأكيدٍ أيضًا…
أمَّا مشروعيةُ حَراكاتِ الشعوب السِّلمية فهي مستمدَّة من:
• مشروعية المنطلقات.
• مشروعية الأهداف.
• مشروعية الوسائل.



(1) مشروعية المنطلقات:
إنَّ الشَّرعَ والقانونَ يسمحان لأيِّ شعبٍ أنْ يمارسَ دوره في المطالبة بحقوقه العادلة وأنْ يعبِّر عن همومه وآلامه.


(2) مشروعية الأهداف:
مادامت الحَراكات هدفها الإصلاح السِّياسي، فلا إشكال أنَّ هذا الهدف يُعطي للحَراكاتِ المشروعيَّة، والحقَّ في أنْ تعبِّر عن أهدافها المشروعة.
وأمَّا إذا كان هدفها العبث والإفساد فهو هدفٌ غيرُ مشروع، ويُفقد الحَراكات مشروعيَّتها.


نعم ربَّما تختلفُ الرؤى فيما هو الواقع السِّياسي، فترى الأنظمة أنَّه واقعٌ سليمٌ لا يحتاجُ إلى إصلاح، وترى القوى المعارضة أنَّه واقعٌ فاسدٌ في حاجةٍ إلى إصلاح، وإذا كان من حقِّ الأنظمة أنْ تقرأ الأوضاع وفق قناعاتِها، فمن حقِّ القوى المعارضة أنْ تقرأها وُفقَ قناعاتِها أيضًا.
وهنا لابدَّ من الحوارات واللقاءات لاكتشاف ما هو الصحيح في قراءةِ الواقع السِّياسي لا أنْ يتخندقُ كلٌّ في مواقعه وتبدأ المواجهاتُ وتبادلُ الاتهامات وتتطوَّر الأمور إلى المصادمات.


ويجب على الأنظمة الحاكمة أنْ تقنع القوى المعارضة وأنْ تقنع الشعوبَ بسلامة الأوضاع السِّياسية القائمة من خلال الحوارات الجادَّة ومن خلال البرهنة العملية، لا من خلال استخدام أدوات القوة والعنف، لأنَّ اعتمادَ هذه الأدواتِ هو الذي يؤكِّد للشعوب وجودَ الخلل في المسار السِّياسي.


(3) مشروعية الوسائل والأدوات:
إذا كان من حقِّ الشعوب أنْ تمارسَ حَراكاتِها في المطالبةِ بالإصلاحاتِ السِّياسية، فإنَّ المسؤوليةَ الشرعية والقانونية تفرضانِ اعتمادَ الوسائلَ والأدواتَ السِّلمية وإلَّا فقدتْ الحَراكاتُ مشروعيَّتها.


إنَّ مشروعية المنطلقات والأهداف لا تعطي الحَراكاتِ المشروعيةَ إذا كانت الوسائلُ والأدواتُ غير مشروعة.


قد تختلف الرؤى حول مشروعيةِ بعض الوسائل والأدواتِ، إلَّا أنَّ الشيئ الذي لا جدلَ فيه أنَّ العنفَ محرَّمٌ، وإنَّ الاعتداءَ على الأرواحِ والأعراضِ والأموالِ عملٌ محرَّمٌ، وإنَّ الإضرارَ بمصالح النَّاس عملٌ محرَّم.


وأؤكِّد مرَّة أخرى أنَّ الحوار هو الطريق لمعالجة كلِّ الأوضاعِ المأزومةِ، فليس مِنْ صالح الأنظمة أنْ يغيبَ الحوار.
وليس مِنْ صالحِ الشعوبِ أنْ يغيب الحوار.
وليس مِنْ صالح القوى المواليةِ والمعارضةِ أنْ يغيب الحوار.
إنَّ المتضرِّر الأولَ لغياب هذا الحوار هو الأوطان… وإذا تضرَّرتْ الأوطان تضرَّرت كلُّ مكوِّناتها.


فمن مصلحة الأوطان يجب أنْ تتحرَّك الحوارات الجادَّة، الصَّادقة، المُخلصة، الحقيقية.


ولا يجوز إنتاج المعوِّقات فهذا عملٌ ضدَّ مصالح الأوطان.
فيجب أنْ تستيقظ الضمائر الوطنية لدى الجميع (الأنظمة والقوى والشعوب) وأنْ يفكِّر الجميع في خير الأوطان.


الطريقُ الطريقُ هو الحوار والتفاهُمْ والتقاربُ، وإلَّا فالنتائج مُرعبة، وبالتالي يتحمَّلُ الجميع المسؤولية.


الأوطان أمانة في أعناق الجميع، بدءًا من أنظمة الحكم وهي التي تتحمَّل المسؤولية الأكبر وبيدها كلُّ القدرات والإمكانات، وانتهاءً بكلِّ مواطن يحملُ ولاءً لوطنه، ويعشق كلَّ ذرة تراب في أرضه.


وحذارِ حذارِ من لغة المزايدات الكاذبة في الولاءاتِ للأوطانِ، وحذارِ حذارِ من لغة القذف وتوزيع الاتهامات، فبعض المتمصلحين يحسبونَ كلَّ الناسِ خونة وهم وحدهم الأوفياء للأرضِ والوطن، إنَّها لغةٌ سيِّئة تكرِّسُ الخلافات والصراعات، وتفتت اللحمة بين أبناء الوطن الواحد، وتقتل روحَ التسامح والمحبَّة بين النَّاس.


وآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى