المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (5) الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل (الاستعداد الرابع: الاستعداد العملي (2))

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الخامسة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأحد بتاريخ: (5 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 18 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل
(3- الاستعداد العملي – 2)

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة ورحمة الله وبركاته.
نتابع الحديث حول التَّوبة النَّصوح، فقد تحدَّثنا عن ثلاثة شروط من شروط التَّوبة:
الشَّرط الأوَّل: أن تكون التَّوبة خالصة لله.
الشَّرط الثَّاني: النَّدم على فعل المعاصي.
الشَّرط الثَّالث: العزم على عدم العود.
الآن نتحدَّث عن الشَّرط الرَّابع وهو من أهمِّ الشُّروط.

الشَّرط الرَّابع: تدارك ما فرَّط فيه
التَّائب يجب أن يتدارك؛ لأنَّ المعصية هي مخالفات وتجاوزات قد صدرت منه، فيجب عليه أن يتدارك.
كيف يتدارك الإنسان التَّائب ما صدر منه من مخالفات ومعاصي وذنوب؟
وكيف يتدارك ما فرَّط فيه؟
هناك ألوان من التَّفريط، وكلُّ لون من التَّفريط له نوع وشكل من التَّوبة، وهنا سنذكر ألوان التَّفريط، والمخالفات، والمعاصي؛ حتى نتعرَّف على كيفيَّة التَّوبة من كلِّ لون.

ألوان التَّفريط، وكيفيَّة التَّوبة منها

اللَّون الأوَّل: ترك الطَّاعات الواجبة
التَّفريط هنا يتمثَّل في ترك الطَّاعات الواجبة من صلاة، وصيام، وزكاة، وخمس، وكفارة.
أي لم يكن يصلِّي، ولم يكن يصوم، ولم يكن يزكِّي، ولم يكن يخمِّس.

ما هي طريقة التَّوبة من هذا النُّوع من التَّفريط والمخالفات؟
طريقة التَّوبة أنْ يجتهد في قضائها.
إذا لم يكن يُصلِّي؟ عليه أن يبدأ من الآن بقضاء ما فرَّط فيه من صلوات ولو بالتَّدريج، وعليه أن يُخصِّص وقتًا يقضي فيه صلواته؟
ويوصي أن يُقضى عنه بعد وفاته إذا لم يقدر أن يكمل قضاءه.
وإذا لم يكن يُخمِّس عليه أن يبدأ من الآن مراجعة حساباته ويخمِّس، ويجري مصالحات مع الفقهاء.
وإذا لم يكن يصوم عليه أن يبدأ من الآن بقضاء ما عليه من صيام، وما يترتَّب عليه من كفَّارات.
هذا اللَّون الأوَّل من ألوان المخالفات وهو ترك الواجبات، من عبادات وواجبات ماليَّة، والتوبة منها بقضائها، وأدائها، وتداركها.
هذا هو اللَّون الأوَّل من ألوان التَّفريط.

اللَّون الثَّاني: فعل المحرَّمات التي بينه وبين الله ولا تتعلَّق بحقوق العباد
هنا ليس ترك واجبات، وإنَّما فعل محرَّمات، لكنَّ هذه المحرَّمات الَّتي تكون بينه وبين الله ولا تتعلَّق بحقوق العباد، وإنَّما بينه وبين الله.
مثل:
-شرب الخمر هذه معصية بينه وبين الله، وليس لها علاقة بالنَّاس، هذا نمط من المعاصي، ومن المحرَّمات التي بينه وبين الله.
-ضرب المزامير
-الكذب
-الزِّنا
-سماع الملاهي
-النَّظر المحرم
هذه نُسمِّيها معاصي بينه وبين الله، ولا تتعلَّق بحقوق العباد.
طريقة التَّوبة منها
كيف يتوب من هذا اللَّون من المعاصي؟
أوَّلًا: أنْ يندم على فعلها
مثلًا كان يمارس الكذب، وكان يستمع إلى اللَّهو، وكان ينظر نظرة محرَّمة، فيجب عليه أن يندم.
لماذا كنت أمارس هذا؟ لماذا كنت أنظر نظرات محرَّمة؟ لماذا كنت أفعل هذا العمل؟
هذا ندم داخلي.
وعليه أن يندم ندمًا حقيقيًّا جادًّا صادقًا على ما صدر منه من ذنوب ومعاصي بينه وبين الله.
هذا مطلوب أوَّلًا.

ثانيًا: أن يوطِّن قلبه على ترك العود إلى مثلها
مثلما قلنا في شروط التَّوبة، فإذا ندمت الآن على استماع الغناء المحرَّم، فيجب أن أوطِّن نفسي على عدم العود بعد ذلك، لا أن أندم على استماع الغناء في الصَّباح، وأعود له ليلًا، أو أندم في الليل وأعود إلى استماع الغناء في النَّهار، فهذه ليست توبة.
فيجب أن يوطِّن التَّائب نفسه، ويعطي نفسه طاقة وقوَّة على أن تتمرَّد على العودة إلى فعل المعصية، وأن يوطِّن قلبه على ترك العود إلى مثلها.

ثالثًا: أن يُكثِر من فعل الحسنات حتى يمحو تلك السَّيِّئات
قد توجد سيِّئات تراكمت عليه نتيجة فعل المعاصي، وتوجد ملفَّات كبيرة قد سُجِّلت عليه لارتكاب معاصي بينه وبين الله.
إنَّ التَّوبة تمحو الذُّنوب، لكنَّه يحتاج أن يُكثِّر من الطَّاعات، ويُكثِّر من فعل الحسنات حتى يمحو تلك السَّيِّئات.
{… إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ …} (هود/114)
إذا كان يكثر من النَّظر المحرَّم، فليكثر من النَّظر في آفاق الكون والتَّأمُّل، هذه النظرات العباديَّة الإيمانيَّة تمحو آثار تلك النَّظرات المحرَّمة.
وإذا كان يستمع إلى الغناء المحرَّم، فليكثر من الاستماع للقرآن الكريم وللدُّعاء، وكلَّما أكثر من الاستماع للقرآن الكريم وللدُّعاء كفَّر عن ذلك السُّماع المحرَّم.
وإذا كان يُكثِر من الذِّهاب إلى مجالس اللَّهو والباطل ومحلَّات الفساد، فليكثر من الذِّهاب إلى مواطن الطَّاعة، والعبادة، كالمساجد، والحسينيَّات، ومجالس الخير، ومجالس الذِّكر.
وهنا يكفِّر ويمحو الكثير من المعاصي والذُّنوب.
إذن، فالتَّائب يحتاج أن يُكثِّر فعل الحسنات؛ حتى يمحو تلك السَّيِّئات.
هذه طريقة التَّوبة من الأعمال المحرَّمة، والتي هي أعمال محرَّمة بينه وبين الله ولا علاقة للعباد بها:
1-أن يندم على فعلها.
2-أن يوطِّن قلبه على ترك العود إلى مثلها.
3-أن يُكثر من فعل الحسنات حتى يمحو تلك السَّيِّئات.
يبقى النَّمط الثَّالث من المحرَّمات والذُّنوب، وهي الأصعب، وهي الأخطر، الذُّنوب الَّتي بينه وبين العباد (حقوق النَّاس)، والتَّوبة منها تحتاج إلى جهد آخر.
يأتي الحديث في كلمة قادمة – إن شاء الله تعالى – عن التَّوبة من هذا النوع من الذُّنوب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى