حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث 463: مسؤوليَّتُنا حينما نواجه أوضاعًا خاطئة – وفاءً للوطن أحملُ شعارَ (المناصحة)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.

وبعد، فيستمرُّ بنا الحديث حول هذا العنوان:

مسؤوليَّتُنا حينما نواجه أوضاعًا خاطئة

هنا بعضُ تساؤلاتٍ:
ما مسؤوليَّتُنا حينما نواجُهُ أوضاعًا دينيَّةً خاطئة؟
ما مسؤوليَّتُنا حينما نواجُهُ أوضاعًا اجتماعيَّةً خاطئة؟
ما مسؤوليَّتُنا حينما نواجُهُ أوضاعًا سياسيَّةً خاطئة؟
وهكذا في كلِّ مواقعِ حياتِنا.

هذه تساؤلاتٌ، وليستْ تلاعبًا بالألفاظِ، والمفردات.
وليست ترفًا فكريًّا، واستهلاكًا خطابيًّا.
وليست من أجل إضاعةِ الوقتِ، وإثارةِ الجدلِ بلا هدفٍ، كما هي الكثير من الإثاراتِ المتحرِّكة في إعلامٍ، وصحافةٍ، وأدواتِ تواصلٍ، وفي أوساطِ النَّاسِ.

إنَّها تساؤلاتٌ جادَّةٌ، صادقةٌ، هادفةٌ، باحثةٌ عن إجاباتٍ صريحةٍ في مواجهة أوضاعٍ خاطئةٍ متحرِّكة في كلِّ واقعنا الدِّينيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ، والثَّقافيِّ.

إنَّ توجُّهاتِ الدِّين، والعقل، والضَّمير تؤكِّد دائمًا على:
•صلاحِ الإنسان والحياة.
•حمايةِ المُثُل، والقِيم النَّظيفة.
•محاربةِ كلِّ أشكالِ العبثِ، والفساد.
•رفضِ التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب.
•تكريسِ الأمنِ والأمانِ، والمحبَّة والتَّسامح، والرِّفق والاعتدال.
هذه هي توجيهاتُ الدِّينِ، والعقلِ، والضَّمير، وأيّ توجيهاتٍ تدعو إلى:
•فسادِ الإنسان والحياةِ.
•والعبثِ بالمثل، والقِيم، والأخلاقِ.
•وإنتاجِ السُّوء، والشَّر.
•وتكريس التَّطرُّفِ، والعنف، والإرهاب.
•وقتلِ المحبَّةِ، والتَّسامحِ، والرِّفقِ، والاعتدال.
هذه توجيهاتُ من إنتاج الشَّيطان، ﴿… وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (سورة الأنعام: الآية43).

هكذا يُهندسُ الشَّيطانُ مناهج ورُؤًى، وأعرافًا وتقاليدَ، ونُظُمًا وقوانينَ، وأعمالًا وممارساتٍ، وأهدافًا وغاياتٍ، ووسائلَ وأدوات.

وربَّما أسماها الشَّيطان: أديانًا، عقائد، مبادئ، قِيَمًا، عِلمًا، تقدُّمًا، حضارة، وغيرها من التَّسميات التي انخدع بها الإنسان.

ويُركِّز الشَّيطانُ، وقُوى الشَّيطانِ في هذا العصرِ على إنتاجِ الفتنِ الدِّينيَّةِ، والطَّائفيَّةِ، والمذهبيَّةِ، وإنتاجِ الفتن الاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة.

وهكذا استطاع الشَّيطان مستعينًا بقواه في الأرضِ أنْ يقتل عند النَّاس كلَّ عناوينِ المحبَّةِ، والتَّسامحِ، والتَّآلفِ، وأنْ يدمِّرَ كلَّ العلاقاتِ، وأنْ ينشر كلَّ أشكالِ الغلو، والتَّعصُّب، والتَّطرُّف، وأنْ يصادر كلَّ ما تبقى من أمنٍ وأمان في داخل الأوطان.

فهل آنَ الأوان أنْ يستجيب المسلمونَ أنظمةً، وشعوبًا، وجماعاتٍ، ومكوِّناتٍ، ومذاهبَ، وطوائفَ أنْ يستجيبوا لنداء الله العظيم في كتابه المجيد:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (سورة البقرة: الآية208).

هذا نداءُ اللهِ تعالى إلى كافَّةِ المؤمنين
فهلْ تستجيب له أنظمةٌ تؤمن بالله تعالى؟
وهلْ تستجيبُ له شعوبٌ تؤمن بالله تعالى؟
وهلْ تستجيب له مكوِّنات، وجماعات، وطوائف، ومذاهب تؤمن بالله تعالى؟
وهلْ يستجيب له كلُّ الَّذين يؤمنونَ بقِيم العدلِ، والمحبَّة، والتَّسامح؟
إنَّ الَّذين ينتمون إلى منظومة الإيمانِ لا يمكن أنْ يعيشوا الأحقادَ، والضَّغائنَ، والفتنَ، والصِّراعات، والخلافات، فلا نزاع، ولا خصام ما دام الانتماء إلى الإيمان إلَّا أنْ يتدخَّل الشَّيطان في إنتاج ألوانٍ من الإيمان هو الذي يهندس لها، وهو الذي يصنعها، ويدفع بها في معتركات الصِّراع، والخلاف، والفتن، والاقتتال.

وإذا عدنا إلى السُّؤال المطروح: ما مسؤوليَّتنا حينما نواجه أوضاعًا خاطئة في كلِّ المجالاتِ الدِّينيَّة، أو الثَّقافيَّة، أو الاجتماعيَّة، أو السِّياسيَّة؟

منطلقنا هو:
(أنْ ندخل في السِّلم كافَّة).
(وأنْ لا نتبّع خُطُواتِ الشَّيطان).
مطلوبٌ أنْ نكرِّس (أجواء السِّلم) في كلِّ حياتنا الأسريَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والحقوقيَّة، والأمنيَّة.
ومطلوب أنْ لا نتبع خطواتِ الشَّيطان.
وخطوات الشَّيطان هي كلُّ مشاريعه في الأرض.

الشَّيطان لديه مشاريع دينيَّة تصنِّع جماعاتٍ مصبوغةً بصبغة الدِّين، ولكنَّها تنفذ أهداف الشَّيطان.
الشَّيطان لديه مشاريع ثقافيَّة تصنِّع مؤسَّسات في بلدان المسلمين تكرِّس أفكار ورؤى الشُّيطان.
الشَّيطان له مشاريع اجتماعيَّة، وله مشاريع سياسيَّة، …، إلى آخر مشاريعه المتنوِّعة، والمتجدِّدة، والمدمِّرة للإنسان والأوطان، وتبقى (مشاريع الفتنة) هي أخطر مشاريع الشَّيطان في بلدان المسلمين.

إذا كان الشَّيطان هو الذي يهندس لهذه المشاريع المدمِّرة، فمَنْ الذي يقوم بتنفيذها؟
تنفِّذها قوى في داخلِ أوطان المسلمين.

ويمارسها أبناء المسلمين.
وضحيتها كلُّ المسلمين!
كلُّ أوطانِ المسلمين!
وكلُّ أمنِ المسلمين!
وكلُّ وحدة المسلمين!
وكلُّ مصالح المسلمين!

وفاءً للوطن أحملُ شعارَ (المناصحة)

منذُ بدأتُ الخطابَ الدِّينيَّ في هذا الوطن كنتُ أحملُ شعارَ (المناصحة)، كوني مؤمنًا أنَّ الكلمةَ النَّاصحةَ متى وجدَتْ طريقها إلى القلوبِ والعقول كانت لها منتجاتُها الكبيرةُ جدًّا في إصلاحِ الوطنِ، وحمايةِ أوضاعه، والدِّفاعِ عن قضاياه، وبناء المحبَّة، والتَّآلف، والتَّسامح بين أبنائه.
والنَّصيحة كما أؤمن بها هي في الأساس تعني: (الخلوص والنَّقاء، وعدم الغشِّ).
النَّصيحة لله تعالى: إخلاص النِّيَّة في الاعتقاد، والعبادة.

النَّصيحة لكتاب الله تعالى: التَّصديق به، والعمل بما فيه.
النَّصيحة لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): التَّصديق بنبوَّته، والانقياد لما أمر.
النَّصيحة للمسلمين: العمل بما فيه خيرهم، وصلاحهم.
يقال (توبة نصوح): يعني توبة صادقة.
يقال (رجل ناصح الجيب): يعني نقي القلب.

أخلص إلى القول:
إنَّ الكلمة النَّاصحة إذا لم تكن صادقةً، نقيَّةً، طاهرة، مخلصةً، مقربة، موحِّدة، فهي ليست نصحًا، وكانت دَجَلًا، وكذبًا، ونفاقًا، وتدليسًا، وخداعًا.

هكذا آمنت بالنُّصح، والنَّصيحة، والمناصحة.
وما فكَّرتُ في يوم من الأيَّام أنْ أعتمد الكلمةَ أداةَ فِتنةٍ، وتأزيمٍ، وتحريضٍ على الكراهية، وإنتاجٍ للتَّطرُّفِ، والعنفِ، والإرهابِ، وعبثٍ، وإفسادٍ، وإرباكٍ لأوضاع الأوطان، لأنَّ كلَّ هذا يتنافى مع مضمون وأهداف وقِيم (النُّصح، والمناصحة)، و(المحبَّة، والتَّسامح).
وكم يؤسفني أنْ أقرأ بعض إشاراتٍ، أو تصريحات تتَّهم الكلمة في خطابي، وتوحِي بكونها رسائل خاطئة، فيما تحمله من إثارات ضارَّة بأوضاع الوطن.

وأنا لا يقلقني أيُّ نقدٍ، أو محاسبةٍ ما دامت المنطلقات نزيهة، وما دامت اللُّغة نظيفة.
ربما لا أتَّفق مع هذه القراءة أو تلك القراءة، إلَّا أنَّني لا أحمل أيَّ عقدة تجاهها ولا أتَّهما، ولا أبرِّئ نفسي، فربَّما أصبتُ، وربَّما أخطأت!

نعم أنا مؤمن كلُّ الإيمان بأيِّ حوار جادٍّ ونظيف، يؤسِّس لوعي سياسيٍّ أصيل، ولتفاهمات تصبُّ في مصلحةِ هذا الوطن، وتعمل على إنتاج قناعاتٍ صائبة، أمَّا المجاذَبَات، والتَّقاذف بالكلمات؛ من أجل الإثارات، وتسويق الاتِّهامات، فأمر أتمنَّى أنْ نتعالى عليه جميعًا، مع امتلاك كلِّ إنسانٍ الحقَّ في التَّعبير عن رأيه، والدِّفاع عن قضايا وطنه، وأعتقد أنّنا جميعًا نتَّفق على مساحةٍ كبيرة من هذه القضايا، والاهتمامات.

وهنا أؤكِّد أنَّ أيَّ تفسير لخطابٍ، أو لموقفٍ، أو لممارسة يجب أنْ يضع في حسابه ثابتًا إيمانيًّا ومبدئيًّا رافضًا لأيِّ شكلٍ من أشكالِ التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب مهما كانت الأسبابُ والمبررات.

إشكالٌ قد يطرح!
يقول هذا الإشكال: إنَّ خطابكم – دائمًا – يلقي بالمسؤوليَّة في معالجة الأوضاع على الدَّولة، ولا نجد له أيَّ نقدٍ، أو محاسبة لأخطاء الجماعات السِّياسيَّة، وكذلك لأخطاء الشَّارع، وما تصدر عنه من أعمالٍ ضارَّة بأمنِ هذا الوطن!

هنا بعض ملاحظات:
الملاحظة الأولى:
إنَّ غياب المناصحة في أيِّ مفصل من هذه المفاصل له مردوداتٌ سلبيَّة كبيرة جدًّا، مع وجود تفاوتٍ واضح بين هذه المفاصل فيما هي الإمكانات، والقُدُرات، والمسؤوليَّات، وفيما هي المبادرات.

الملاحظة الثَّانية:
ليس صحيحًا أنّ الخطاب لم يمارس نقدًا ومناصحة للجماعة السِّياسيَّة، فهي ليست فوق النَّقد والمحاسبة، وليست فوق التَّوجيه والمناصحة، فإنَّ مداهنة قوى السِّياسة النَّاشطة في أخطائها وإخفاقاتها، وسلبيَّاتها أمر يُشكِّل خطرًا كبيرًا على مساراتِ السِّياسة، وعلى أوضاع الوطن.

فمطلوبٌ جدًّا من هذه الجماعات السِّياسيَّة أنْ تحاسِب باستمرار كلَّ أخطائها، وإخفاقاتِها، ونواقصها وسلبيَّاتها.
ومطلوبٌ جدًّا من هذه الجماعات السِّياسيَّة أنْ تراجع باستمرار كلَّ أوضاعِها، ومساراتها، وخطواتها.

وأنْ تراجع باستمرار كلَّ أهدافها، وكلَّ برامجها، وكلَّ استراتيجياتها، وكلَّ سياساتها.
لكي تبقى مواقع بناءٍ وإصلاح، لا مواقع هدم وإفساد.
ولكي تبقى مُنْتجات أمن وأمان، لا أدوات توتير وتأزيم وإرباك.

الملاحظة الثَّالثة:
أمّا الشَّارعُ، وجماهيرُه، وحراكاته، فهو – أيضًا – ليس فوق النَّقد، والمحاسبة..
من حقِّ الشَّارع أنْ يعبِّر عن مطالبه ما دامت عادلة ومحقَّة، وما دامت تعتمد وسائل نظيفة، وأدوات مشروعة!

فنحن نتحدَّث عن هذا المنحى، وليس عن أيِّ منحًى خارج هذه السِّياقات!
ثمَّ إنَّه مطلوبٌ جدًّا وباستمرار ترشيد هموم الشَّارع، وحَرَاكاته، وأدواته، ووسائله، وشعاراتِه، وأخطائِه.

وهذا التَّرشيد يشكِّل ضرورة؛ من أجل أنْ تستمرَّ الأهداف العادلة، والمطالب المحقَّة، والأدوات النَّظيفة، ولكي لا تحدث أيُّ انزلاقات ضارَّة بأوضاع الوطن.

الملاحظة الرّابعة:
أمَّا مناصحة الدَّولةِ، فهي المفصلُ الأهم، وفيها كلُّ الخير والصَّلاح لهذا الوطن ما دامت مناصحةً صادقةً، مخلصةً، رشيدةً، نظيفة، نقيَّةً، مُنصفة.

إنَّ غيابَ مبدأ المناصحةِ، والمصارحةِ، والمفاهمة يؤدِّي إلى تراكم الأخطاءِ، وتكرُّس النَّواقص، ممَّا يدفع في إنتاج أزمات صعبة، وأوضاع قلقة، وربما تحوَّلت إلى مآزق سياسيَّة، وأمنيَّة يجب أنْ يُحمى الوطن منها.

كلُّ الأنظمة في حاجة إلى المكاشفة، والمصارحة، والمناصحة لحمايتها، واستقرارها، ونجاحها في إنجاز مشروعاتها الجادَّة في الإصلاح، والبناء، والتغيير.

وحينما أدعو إلى المناصحة، والمكاشفة، والمصارحة لا أدعو إلى (اعتماد لغة القَذْف، والشَّتم)، فإذا كان المطلوب في الكلمة النَّاصحة أنْ تكون جريئةً، واثقةً، واضحةً، صريحةً، فمطلوب منها قبل ذلك أنْ تكونَ عاقلةً، حكيمةً، نظيفةً، صادقةً، منصِفةً، معتدِلةً، متسامِحةً، لا تنزع إلى تطرُّف، ولا تدفع نحو عنف، ولا تؤسِّس إلى فتن، وصراعاتٍ، وتوتُّرات.

هكذا يجب أنْ تكون لغة الخطاب الدِّينيِّ، والسِّياسيِّ.
أمَّا اللُّغةُ المشبَّعة بالانفعالات، والتَّشنُّجاتِ، والمشاتَماتِ، والمقاذَفَات فهي لا تصلح أن تكون لغة دِين، ولا لغة سياسةٍ راشدة، سواء أجاءت من هذا الموقع أم ذاك الموقع، موالية أم معارضة، راضية أم غاضبة.

وحينما أقول هذا الكلام ليس تصنُّعًا، أو رغبةً في أنْ أقتحم عقلًا هنا أو عقلًا هناك، هذه هي القناعة، وهذا هو النَّهج الذي رَسَمَتْه لنا مدرسةُ الدِّين، والعقل، والضَّمير.
في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “…، أمَّا علامةُ النَّاصح، فأربعة:
يقضى بالحقِّ.

ويعطي الحقَّ من نفسِهِ.
ويرضى للنَّاسِ ما يرضاه لنفسِهِ.
ولا يعتدِي على أحدٍ، …” (بحار الأنوار1/120، العلَّامة المجلسي).

وحتَّى إذا تغايرت الرُّؤى، والقناعات الدِّينيَّة، أو الثَّقافيَّة، أو السِّياسيَّة، وحتَّى إذا تأزَّمت، وتوتَّرت، العلاقات، وتصاعدتْ الخلافات، فيجب أنْ تبقى الكلمةُ نظيفةً كلَّ النَّظافة، نازعة إلى الخير كلِّ الخير، وإلى المحبَّة كلِّ المحبَّة، وإلى التَّسامح كلِّ التَّسامح.

وهنا أَذْكُر نصًّا لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) يرسم منهجًا راقيًا في التَّعامل مع مَن خالفوه، وحاربوه، ووقفوا ضدَّه، جاء في نهج البلاغة أنَّه (عليه السَّلام) سمع قومًا من أصحابِهِ يسبُّون أهلَ الشَّام أيَّام حربهم بصفِّين، فقال لهم: “…، إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، …”! (نهج البلاغة، الصَّفحة323، خطب الإمام علي عليه السَّلام)، هذه لغة لا تنسجم مع مبادئ عليٍّ (عليه السَّلام)، وهي مبادئ الإسلام.

وارتقى (عليه السَّلام) في شفافيَّتِهِ، ونبلِهِ، وسمُّوه، وأريحيَّتِهِ، وأخلاقيَّته إلى أكثر من ذلك حينما قال لأصحابه: “…، وقلتم مكانَ سبِّكم إيَّاهم: اللَّهُّمَّ، أحقِن دماءَنا، ودماءَهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، …” (نهج البلاغة، الصَّفحة323، خطب الإمام علي عليه السَّلام).

إنَّه أرقى منهج عرفته الدُّنيا في التَّعامل مع الآخر الدِّينيِّ، أو المذهبيِّ، أو الثَّقافيِّ، أو السِّياسيِّ.

هذا هو نهج علي بن أبي طالب الَّذي مثَّل الحقَّ كلَّ الحقِّ، والرُّشدَ كلَّ الرُّشد، والإنصاف كلَّ الإنصاف، والنَّظافةَ كلَّ النَّظافة.

وحينما نرفض لغة القذف والسُّباب لا يعني أنْ نجامل الأوضاع الخاطئة، بل لا بدَّ أنْ نقول الكلمة النَّاصحة، والمصحِّحة، والمحاسِبة، متى كانت هذه الكلمة صادقةً، بصيرة، نظيفة.
ويجب أنْ لا يضيق بهذه الكلمة أحد، إلَّا أنْ يكون ضائقًا بالإصلاح، والتَّصحيح، والبناء، والتَّغيير، وبكلِّ ما فيه خير الوطن.

نعم، من حقِّ أيِّ مخلص لهذا الوطن أنْ يحاسب الكلمة، والرَّأي، والموقف بشرط أنْ تكون المعايير أصيلة، ونظيفة، ومنصِفة، وراشدة، وليس بالضَّرورة أنْ تكون المحاسَبة صائبة، وحسب الإنسان أنْ يكون معذورًا ما دام قد اعتمد معايير الحقِّ، والعدل، والإنصاف، وكان هدفُه خيرَ البلاد، والعباد.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى