الضِّيافة الرَّبَّانيَّة

تاريخ: 21 شعبان 1444هـ | الموافق: 14 مارس 2023 | مأتم القائم – إسكان عالي

الضِّيافة الرَّبَّانيَّة

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين.

 

  • موسم نداءات التَّوبة والضِّيافة الرَّبَّانيَّة

موسم نداءات التَّوبة يضعنا في مسار الضِّيافة الرَّبَّانيَّة؛ بكلِّ ما يفرضه هذا المسار من استعدادات روحيَّة.

فما هي هذه الاستعدادات التي تجعلنا ضيوف الله في شهر الله؟

  • جاء في الخطبة الرَّمضانيَّة للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله». (1)

1- الخطبة الرَّمضانيَّة تُمنهج أوقاتنا في الشَّهر الفضيل.

واظبوا على قراءة هذه الخطبة:

أ- قبل الشَّهر الفضيل

ب- مع بداية الشَّهر

ج- وفي أثناء الشَّهر

ضرورة أنْ نمنهج أوقاتنا في هذا الشَّهر.

المَنهجة: توظيف الأوقات والطَّاقات.

 

2- الضِّيافة الرَّبَّانيَّة

  • المصلُّون ضيوف الله
  • الصَّائمون ضيوف الله
  • الحجَّاج والمعتمرون ضيوف الله
  • الطَّائعون المتَّقون ضيوف الله

 

  • شروط الضِّيافة الرَّبَّانيَّة

الشَّرط الأوَّل: الإخلاص (صدق النِّيَّة)

  • «فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ».

روافد الإخلاص:

أ- حبُّ الله تعالى

ب- الحياء من الله تعالى

ج- الخوف من الله تعالى

د- الطَّمع في ثواب الله تعالى

 

الشَّرط الثَّاني: طهارة القلب

  • الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلاَوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْعَظِيمِ».
  • وعنه (صلَّى الله عليه وآله): «مَن أدرَكَ شَهرَ رَمَضانَ فَلَم يُغفَر لَهُ فَأَبعَدَهُ اللهُ، ومَن أدرَكَ لَيلَةَ القَدرِ فَلَم يُغفَر لَهُ فَأَبعَدَهُ اللّهُ». (2)

 

طهِّروا قلوبكم في شهر الله.

 

الشَّرط الثَّالث: طهارة البطن من الحرام

  • الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «…، مَن أكَلَ الحَرامَ سُوِّدَ قَلبه، وخلف دِينه، وضعفت نَفسه، وحَجب اللهُ دَعوته، وقلَّت عِبادته». (3)
  • «مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَومًا نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ، وأجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ».(4)

 

الشَّرط الرَّابع: طهارة الجوارح عن المعاصي والذُّنوب

  • أَمِيرُ المُؤمنين (عليه السَّلام): «مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلَّا لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَمَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلَّا لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ». (5)
  • أَمِيرُ المُؤمنين (عليه السَّلام): «كَيْفَ يَجِدُ لَذَّةَ اَلْعِبَادَةِ مَنْ لَا يَصُومُ عَنِ اَلْهَوَى». (6)
  • جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صلوات الله عليه)، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ حُرِمْتُ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام): «أَنْتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنُوبُكَ». (7)

  • قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطفِّفين/14)

 

  • الذنوب تحرق الطاعات
  • قال الإمام الصَّادِقُ (عليه السَّلام): «الغِيبَةُ حَرَامٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ، …، وَالغِيبَةُ تَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كما تَأْكُلُ اَلنَّارُ الحَطَبَ، …». (8)

 

  • الذنوب تمنع قبول الاعمال
  • {… إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. (المائدة: الآية 27)

 

  • لنُحيي قلوبنا بالموعظة
  • رُوِيَ عن [الإمام] عَلِيِّ بنَ الحُسَينِ (عليه السَّلام) أنَّه جاءَهُ رَجُلٌ وقالَ: أنَا رَجُلٌ عاصٍ ولا أصبِرُ عَنِ المَعصِيَةِ، فَعِظني بِمَوعِظَةٍ.

فَقالَ (عليه السَّلام): افعَل خَمسَةَ أشياءَ وأذنِب ما شِئتَ.

فَأَوَّلُ ذلِكَ: لا تَأكُل رِزقَ اللهِ، وأذنِب ما شِئتَ.

وَالثَّاني: اخرُج مِن وِلايَةِ اللهِ، وأذنِب ما شِئتَ.

وَالثَّالِثُ: اطلُب مَوضِعًا لا يَراكَ اللهُ، وأذنِب ما شِئتَ.

وَالرَّابِعُ: إذا جاءَ مَلَكُ المَوتِ لِيَقبِضَ روحَكَ فَادفَعهُ عَن نَفسِكَ، وَأذنِب ما شِئتَ.

وَالخامِسُ: إذا أدخَلَكَ مالِكٌ فِي النَّارِ فَلا تَدخُل فِي النَّارِ، وأذنِب ما شِئتَ». (9)

 

الشَّرط الخامس: أداء الحقوق

أ- حقوق الله

ب- حقوق الناس

  • قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
  • عن الإمام الصَّادق) عليه السَّلام (أنَّه قال: «للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة له من الله عزَّ وجلَّ والله سائله عمَّا صنع فيها:
  1. الإجلال له في عينه، والود له في صدره.
  2. والمواساة له في ماله.
  3. وأن يحبَّ له ما يحبُّ لنفسه.
  4. وأن يحرِّم غِيبته.
  5. وأن يعوده في مرضه.
  6. ويشيِّع جنازته.
  7. ولا يقول فيه بعد موته إلَّا خيرًا». (10)

 

الشَّرط السَّادس: تصفية الخلافات

  • قال (صلَّى الله عليه وآله): «…، وَمَنْ بَاتَ وَفِي قَلْبِهِ غِشٌّ لِأَخِيهِ اَلْمُسْلِمِ بَاتَ فِي سَخَطِ اللهِ تَعَالَى، وَأَصْبَحَ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَتُوبَ وَيَرْجِعَ، وَإِنْ مَاتَ كَذَلِكَ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ اَلْإِسْلاَمِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَلا وَمَنْ غَشَّ مُسْلِمًا فَلَيْسَ مِنَّا قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، …». (11)
  • قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لا يحلُّ لمسلم أنْ يهجر أخاه فوق ثلاثة أيَّام، والسَّابق يسبق إلى الجنَّة». (12)
  • قال (صلَّى الله عليه وآله): «أيَّما مُسْلِمَيْنِ تهاجرَا، فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلَّا كانا خارجين من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية، فأيُّهما سَبَق إلى كلام أخيه كان السَّابق إلى الجنَّة يوم الحساب». (13) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «…، فَإِذا كانَ في لَيلَةِ القَدرِ غَفَرَ اللهُ بِمِثلِ ما غَفَرَ في رَجَبٍ، وشَعبانَ، وشَهرِ رَمَضانَ إلى ذلِكَ اليَومِ، إلَّا رَجُلٌ بَينَهُ وبَينَ أخيهِ شَحناءُ، فَيَقولُ اللهُ (عزَّ وجلَّ): أَنظِروا هؤُلاءِ حَتَّى يَصطَلِحوا». (14)
  • قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «…، فَإِذا كانَت لَيلَةُ القَدرِ أمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) جبرئيل (عليه السَّلام)، فَهَبَطَ في كَتيبَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلَى الأَرضِ …

فَإِذا طَلَعَ الفَجرُ نادى جَبرَئيلُ (عليه السَّلام): يا مَعشَرَ المَلائِكَةِ، الرَّحيلَ الرَّحيلَ.

فَيَقولونَ: يا جَبرَئيلُ، فَمَاذا صَنَعَ اللهُ تَعالى في حَوائِجِ المُؤمِنينَ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ [صلَّى الله عليه وآله]؟

فَيَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى نَظَرَ إلَيهِم في هذِهِ اللَّيلَةِ، فَعَفا عَنهُم، وغَفَرَ لَهُم إلَّا أربَعَةً.

قال: فقالَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): وهؤلاء الأربعة: مُدمِن الخَمرِ، وَالعاقُّ لِوالِدَيهِ، وَالقاطِع الرَّحِمِ، وَالمُشاحِن». (15)

 

الشَّرط السَّابع: الاشتغال بالطَّاعات

شهر الله موسم الطَّاعات.

(1) العبادات: الصَّلاة، الدُّعاء، الذِّكر، التِّلاوة.

 

(2) حضور مجالس العلم والوعظ والإرشاد.

  • قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إذا جَلَسَ المُتَعَلِّمُ بَينَ يَدَيِ العالِمِ فَتَحَ اللهُ لهُ سَبعينَ بابًا مِنَ الرَّحمَةِ، ولا يَقومُ مِن عِندِهِ إلَّا كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ، وأعطاهُ – اللهُ – بِكُلِّ حديثٍ عِبادَةَ سَنَة، ويبني له بكلِّ ورقة مدينة مثل الدُّنيا عشر مرَّات». (16)
  • جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ إلَى النَّبِيِّ (صلَّى اللّه عليه وآله)، فقال: يا رَسولَ الله، إذا حَضَرَت جَنازَةٌ، أو حَضَرَ مَجلِسُ عالِمٍ، أيُّهُما أحَبُّ إلَيكَ أنْ أشهَدَ؟

فَقالَ رَسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله): «إنْ كانَ لِلجَنازَةِ مَن يَتبَعُها ويَدفِنُها، فَإِنَّ حُضورَ مجلس العالِمِ أفضَلُ مِن حُضورِ ألفِ جَنازَةٍ، ومِن عِيادَةِ ألفِ مَريضٍ، ومِن قِيامِ ألفِ لَيلَةٍ، ومِن صِيامِ ألفِ يَومٍ، …». (17)

(۳) إعالة البؤساء والمحرومين.

  • قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «…، ولَأَنْ أعولَ أهلَ بَيتٍ مِن المسلِمينَ، أَسُدَّ جَوْعَتَهُمْ، وأَكْسُوَ عَوْرَتَهُمْ، فأكُفَّ وُجوهَهُم عَنِ النَّاسِ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أحِجَّ حجَّةً وحجَّةً [وحجَّةً] ومِثْلَهَا، ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا، ومِثْلَهَا ومِثْلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّبْعِينَ». (18)

(4) دعم البرامج الدِّينيَّة ماديًّا ومعنويًّا.

 

  • كلمة أخيرة: متى تحقِّق نداءات التَّوبة أهدافها؟

نداءات التَّوبة تحقِّق أهدافها:

أوَّلًا: حينما يحتضنها العقل.

فالعقل يُعطي هذه النِّداءات وعيًا وبصيرة.

ثانيًا: حينما يحتضها الوجدان.

فالوجدان يُعطي لهذه النِّداءات وهجًا وروحًا.

ثالثًا: حينما يحتضنها السُّلوك.

فالسُّلوك يُعطى لهذه النِّداءات مصداقيَّة وتمثُّلًا.

رابعًا: حينما يحتضنها النَّشاط.

فالنَّشاط يُعطي هذه النِّداءات فاعليَّةً وحَراكًا، والفاعليَّة والحَراك قمَّة التَّمثُّل لنداءات التَّوبة.

هنا تُصنع المواقف الرِّساليَّة في مواجهة كلِّ الواقعِ الفاسدِ، وكلِّ الواقعِ المنحرف، فما أحوجنا في هذه المرحلة المشحونة بالتحدِّيات الصَّعبة إلى هذه المواقف، حيث الزَّحف المدمِّر لقيمنا وأخلاقنا ولكلِّ دينِنا، تقودُه قُوى توحَّدت في حربها ضِدَّ الدِّين، وضِدَّ قِيمِ الدِّين، قوى تحمل مفاهيمَ وافدةً من الغرب، ومفاهيم وافدةً من الشَّرق، وتمازجت مع مفاهيم انتجتها خبثُ صهاينة تمرَّسوا في العبث بالأخلاق والقِيم، هؤلاء الذين هيمنوا على فلسطيننا وقُدْسنا، وبدأوا يُثبِّتون أقدامهم في بعض أوطاننا، فلنكن حرَّاسًا أمناء لديننا وقِيمِنا وأخلاقِنا، هذا ما تفرضه نداءات التَّوبة الصَّادقة.

 

———————————–

الهوامش

1- الصَّدوق: الأمالی 1/93.

2- الرَّيشهري: حكم النَّبي الأعظم (ص) 6/30، ح 8473.

3- التَّويسركاني: لئالئ الأخبار 1/3.

4- الفيض الكاشاني: المحجَّة البيضاء 3/204.

5- الصَّدوق: علل الشَّرائع 1/81.

6- الآمدى: غرر الحكم، ص 517، ح 12.

7- الكليني: الكافي 3/450، ك: الصَّلاة، ب: صلاة النَّوافل، ح 34.

8- مصباح الشَّريعة 1/204.

9- الشَّعيري السَّبزواري: جامع الأخبار (معارج اليقين في أصول الدين)، ص 359، ف 89: في الموعظة، ح 1001/3.

10- الصَّدوق: الخصال، ص 351، باب السَّبعة، ح 27.

11- الصَّدوق: ثواب الأعمال 1/284، عقاب مجمع عقوبات الأعمال.

12- الطُّوسي أمالي الطُّوسي، ص 344، المجلس 14، ح853.

13- الكليني: الكافي 2/345، ك: الإيمان والكفر، ب: الهجرة، ح5.

14- الصَّدوق: عيون أخبار الرِّضا 2/ 76، (31 – ب: فيما جاء عن الرِّضا عليه السَّلام من الأخبار المجموعة)، ح 331.

15- المفيد: الأمالي، ص 202، م 27، ح 3.

16- السَّيِّد القبانجي: مسند الإمام علي (عليه السَّلام) 1/44، (مبحث العلم والعلماء، ب 1: في فضل العلم)، ح 119/71.

17- الفتَّال النّيسابوري: روضة الواعظين، ص17، ب: الكلام في ماهيَّة العلوم، وفضلها.

18- الكليني: الكافي 2/ 195، (ك: الإيمان والكفر، ب: قضاء حاجة المؤمن)، ح 11.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى