آخر الأخبارحديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 593: كيف نقوِّم مسار التَّعليم عن بُعد؟ – ماذا عن العطلة الصَّيفيَّة؟ – مَسِيرة الأَعلامِ واقتحامُ المسجدِ الأقصى انتهاكٌ صارخٌ – دعواتٌ سافلة تُروِّج للمِثليَّة والسَّحاقيَّة

حديث الجمعة 593 | التاريخ 2 ذو القعدة 1443 - الموافق 2.6.2022 | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

تتناول الكلمةُ في هذه اللَّيلة العنوان التَّالي:

وهكذا انتهى عامٌ دراسيٌّ وبدأت العطلة الصَّيفيَّة

وهنا أطرح تساؤلين:

التَّساؤل الأوَّل: كيف نقوِّم مسار التَّعليم عن بُعد؟

التَّساؤل الثَّاني: ماذا عن العطلة الصَّيفيَّة؟

 

التَّساؤُل الأوَّل: كيف نقوِّم مسار التَّعليم عن بُعد (يعني عبر الفضاء الالكتروني)؟

ربَّما جائحة الوَباء فرضت هذا المسار من التَّعليم والذي استمرَّ عدَّة سنوات.

وربَّما هذا المسار خفَّف الكثير من الإرهاقاتِ للطلَّابِ والطَّالباتِ (الإرهاقات الذِّهنيَّة، الإرهاقات النَّفسيَّة، الإرهاقات البدنيَّة).

وربَّما هذا المسار وفَّر الكثير من الوقت.

ولكنَّ السُّؤال المهم:

كيف نقوِّمُ [نقيِّم] هذا اللَّونَ من التَّعليم؟

مقارنةً بالتَّعليم الحضوري.

هنا بعض إشكالات أذكرُ منها هذين الإشكالين:

1- عدم الانضباط في متابعة الدُّروس

التَّعليم الحضوري أكثر انضباطيَّة من التَّعليم عن بُعد؛ والذي يُوفِّر للطلَّاب والطَّالبات فرصةً كبيرةً للتَّسيُّب وعدم الانضباط؛ لغياب الرَّقابة ولكون الأمر متروكٌ لجديَّة الطَّالب أو الطَّالبة، والغالبيَّة لا يملكون هذا الانضباط والجديَّة.

 

2- إشكاليَّة الامتحانات

وبسبب غياب الرَّقابة هل تعبِّر هذه الامتحانات عن مستوياتٍ حقيقيَّة للطُّلَّاب والطَّالبات؟

ما يُشاع أنَّ هناك انفلاتات كبيرة في هذه المسألة، فالكثير من الطُّلَّابِ والطَّالبات يتسلَّمون الإجابات جاهزة، بلا حاجة إلى مراجعة وبلا حاجة إلى جدٍّ واجتهاد!!

هذه الإجابات توزَّع عبر (الواتساب)، إذا كان هذا الأمر صحيحًا فهو في غاية الخطورة.

فمَنْ ينشرها؟

ومَنْ يُوزِّعها؟

ألا يعلم بذلك كوادر التَّعليم؟

ألا يعلم بذلك مُدراء المدارس؟

ألا يعلم بذلك مسؤولو التَّربية؟

من أجلِ خيرِ هذا الوطن، ومن أجلِ عِزَّةِ هذا الوطن، ومن أجلِ مستقبلِ هذا الوطنِ يجب أنْ يؤسَّس لإنتاج أجيالٍ مؤهَّلةٍ بأعلى مستويات التَّأهيل العلمي.

وهنا تكون مسؤوليَّة التَّعليم، فكلَّما ارتقى مستوى هذا التَّعليم، وكانت مُخرَجاتُه قويَّةً ومتقدِّمة وفَّر للوطنِ أرقى الكفاءاتِ والقُدُراتِ والمُؤهَّلاتِ، وهنا يكون الوطن قويًّا ومنيعًا وعزيزًا.

وبقدر ما ينحدر مستوى المخرجات التَّعليميَّة ينعكس سلبًا على أوضاع الوطن وعلى مستقبله وعلى مكانته بين الأوطان.

إنَّها مسؤوليةُ دولة.

ومسؤوليةُ مدراءِ مدارس.

ومسؤوليةُ أساتذة ومعلِّمين.

ومسؤوليَّةُ أولياءِ أمور من آباء وأُمَّهات.

ومسؤوليَّة طُلَّاب وطَالبات.

 

أيُّها الطُّلَّابُ والطَّالبات:

كونوا أمناءَ على مستقبلِ هذا الوطن.

كونوا أمناءَ على كفاءاتِ هذا الوطن.

كونوا أمناءَ على سُمعةِ هذا الوطن.

كونوا أمناءَ على ثقافةِ هذا الوطن.

كونوا أمناءَ على مستويات التَّعليم في هذا الوطن.

كونوا أمناءَ على عِزَّةِ هذا الوطن.

إذا غابت الرَّقابات على مساراتكم التَّعليميَّة، وعلى مسارات الامتحانات فرقابة الله العليم المُطَّلِع رقابةٌ حاضرة لا تغيب، أنتم تستطيعون أن تنفلتوا من كلِّ الرَّقابات إلَّا مِن رقابةِ اللهِ سُبحانه:

  • ﴿… إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.(1) 
  • ﴿… وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا.(2)
  • أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «طُوبَى لِمَنْ رَاقَبَ رَبَّهُ وَخَافَ ذَنْبَهُ».(3) 

والذي يجذِّر رقابة الله في داخلنا: 

  • خوف الله. 
  • الشَّوق إلى عطاء الله. 
  • الحياء من الله.
  • حُبُّ الله. 

وحبُّ الله هو أقوى المُجذِّرات لرقابة الله.

• ‹يُروي أنَّ [نبيَّ الله] عيسى بن مريم (عليه السَّلام) مرَّ بثلاثة نفرٍ قد نحلت أبدانُهم وتغيَّرت ألوانُهم، فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ 

فقالوا: الخوف من النَّار.

فقال [عليه السَّلام]: حقٌ على اللهِ أنْ يؤمن الخائف.

ثمَّ جاوزَهُم إلى ثلاثةٍ أخرى فإذا هُم أشدُّ نحولًا وتغيُّرًا. 

فقال لهُم: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟

فقالوا: الشَّوقُ إلى الجنَّة.

فقال [عليه السَّلام]: حقٌ على اللهِ أنْ يُعطيَكم ما تَرجونَ.

ثمَّ جاوزهم إلى ثلاثةٍ أخرى فإذا هم أشدُّ نحولًا وتغيُّرًا كأنَّ على وجوههم المرايا من النُّور، 

فقال [عليه السَّلام]: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟

قالوا: حبُّ الله عزَّ وجلَّ.

فقال [عليه السَّلام]: أنتُم المُقَرَّبونَ، أنتُم المُقَرَّبونَ›.(4) 

فما أحوج أجيالنا في هذا العصر أن يتزوَّدُوا بثقافة الإيمان، فهي المحصِّنُ الأقوى، والرَّافدُ الأنقى في مواجهة تحدِّيات الانفلات والعبث والتَّيه.

 

التَّساؤُل الثَّاني: ماذا عن العطلةِ الصَّيفيَّة؟

أمام أبنائنا وبناتنا في العطلةِ الصَّيفيةِ ثلاثةُ خيارات، خياران مرفوضان، وخيار مقبول.

أتحدَّثُ أوَّلًا عن الخيارين المرفوضين:

الخيار الأوَّل: توظيفُ العُطلةِ الصَّيفيَّةِ في ممارساتٍ غيرِ مشروعة 

مَنْ الذي يُحدِّد الممارساتِ المشروعةِ والممارساتِ غير المشروعة؟

كونُنا ننتمي إلى الإسلام، فإسلامُنا هو الذي يحدِّد لنا (الحلال والحرام) في كلِّ مساحاتِ الحياة: في العبادةِ، في الأخلاقِ، في السُّلوكِ، في الاقتصاد، في كلِّ المَسارات الفرديَّة والأُسريَّة والاجتماعيَّة…

وهنا أطرحُ بعضَ أمثلةٍ لتوظيفاتٍ غير مشروعةٍ في العطلةِ الصَّيفيَّة:

1- ارتيادُ الملاهي، وحضورُ الحفلاتِ الفاسقةِ.

2- البرامج الفاسدة (برامج الإنترنت، برامج التِّلفاز وكلّ ما تبتكره العقول الشَّيطانيَّة من أساليب تعبث بالقِيم).

3- تعاطي المُخدِّرات الظَّاهرة المُرعبة التي تهدِّد الأجيال، وتقتل العقول، وتفسد النُّفوس وتدمِّر الأخلاق.

4- اعتداءاتٌ وسرقاتٌ وسطوٌ وجرائم. 

5- ألعابٌ محرَّمةٌ.

6- قراءةُ كتبٍ ومجلَّاتٍ تروِّج للفساد الأخلاقي.

7- أسفارٌ ورحلاتٌ محرَّمة.

هكذا يَسْرقُ الشَّيطان أوقات وطاقات هذا البعض من الشَّباب والشَّابات، ويُدمِّر قدراتِهم العقليَّة والنَّفسيَّة والعمليَّة، ويقودهم إلى طُرق الغِواية والضَّلالة.

وهنا أوجِّهُ الكلمة النَّاصحة إلى هذه الشَّريحة من الأبناء والبنات:

حذارِ حذارِ من هذه الانزلاقات المُدمِّرة، فأنتم الطَّاقات التي تعتمدها الأوطان.

وأنتم آمالُ الشُّعوب، فلا تجعلوا أنفسكم سلعةً رخيصة في دروب الفساد، فإبليس اللَّعين لا يطمع في أحد كما يطمع في الشَّباب، فتمرَّدوا على الشَّيطان، وعودوا إلى طريق الله فأبواب الله مفتوحة لا تُغلق، فلا يأس من رحمته. 

  • ﴿… يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.(5) 

وفي لحظةِ توبةٍ صادقةٍ يتحوَّل هذا الإنسانُ المتمرِّد على الله إلى وليٍّ من أولياء الله.

أنقل إليكم هذه القصَّة:

في يومٍ من الأيام كان الإمام موسى الكاظم (عليه السَّلام) يسير في الطَّريق فمرَّ على منزلٍ فخمٍ لأحد الأغنياء، وكان صوتُ الغناءِ والموسيقى يُسمع منه، وأثناء مرور الإمام خرجت الخادمة من القصر لتُلقي بعضَ القِمامة فاقترب منها الإمام وسألها: لمن هذا القصر؟ 

قالت: لسيِّدي بِشر.

قال (عليه السَّلام): سيِّدُك هذا عبدٌ أم حرٌ؟

قالت: بلْ حرٌ.

قال (عليه السَّلام): نعم، لو كان عبدًا لأطاع مولاه.

وأكمل الإمام طريقه، وعادت الخادمة إلى القصر.

فسألها بِشر: لمَ تأخَّرتِ؟

قالت: مرَّ علينا رجلٌ من الصُّلحاء وسألني وأجبتُه.

وقال لي: سيِّدُك هذا عبدٌ أم حرٌّ؟

فقلت له: بلْ سيِّدي حرٌّ.

فقال: نعم لو كان عبدًا لأطاع مولاه.

وكان بشر يحمل بيده كأسًا به خمر فرمى الكأس وركض حافيًا، إلى أنْ رأى الإمام موسى بن جعفر وتاب على يديه، وانصرف للعبادة وأصبح من أصحاب الإمام، وأصبح يُضرب به المثل في الزُّهد إلى يومنا هذا، وله قبر معروف في مدينة بغداد يزوره النَّاس.(6) 

 

الخيار الثَّاني، والخيار الثَّالث سأؤجِّلهما إلى الحديث القادم.

 

◊ كلمة أخيرة: مَسِيرة الأَعلامِ واقتحامُ المسجدِ الأقصى انتهاكٌ صارخٌ

مَسِيرة الأَعلامِ واقتحامُ المسجدِ الأقصى انتهاكٌ صارخٌ يمارسُه الصَّهاينة ضمنَ مُخطَّطِ الانتهاكات المستمرَّة والتي تشكِّلُ تحدِّيًا صَارِخًا لهذه الأُمَّةِ ولإرادتِها وقِيَمِهَا. 

ورغمَ الاستنكاراتِ الرَّسميَّةِ والشَّعبيَّةِ فإنَّ الصَّلف اليهودي لا يعبأ بكلِّ ذلكَ، ممَّا يفرض أنْ تكون هناك مواقفُ صارمةٌ تؤكِّد حضورَ أُمَّتِنا، وحضور إرادتِها.

إنَّنا نشدُّ على أيدي أهلِنَا الصَّامدينَ في فلسطينَ الَّذين أثبتوا إيمانَهم بقضيَّتهم، وإصرارَهم على مواجهةِ كلِّ أشكال العبث الذي يمارسه اليهودُ.

إنَّ مسجدَنا الأقصى أمانة كبرى في عُنِقِ كلِّ المُسلمين، فكم هي وصمةُ عارٍ أنْ يُدنَّس هذا المسجد المقدَّسُ بمرأى ومسمعٍ مِن كلِّ المسلمين، وإذا كانت شعوبُ أُمَّتنا لا تملك إلَّا الاستنكار فإنَّ الأنظمة في بلدانِ المسلمين مطلوبٌ منها مواقف تتجاوز الاستنكار رغم القِيمة الكبرى لهذا الاستنكار.

وهكذا تُمتحنُ إرادةُ أُمَّتِنا، وإرادةُ أنظمتِنا. 

وأنْ لا نكونَ مصداقًا لقولِ نبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ من كلِّ أفق كما تَداعى الأكلةُ إلى قَصْعتِها.

قيل: يا رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله) فمنْ قلَّةٍ بنا يومئذٍ؟!

قال [صلَّى الله عليه وآلِهِ]: لا، ولكنَّكم غُثاءٌ كَغُثاءِ السَّيْلِ، يُجعل الوَهن في قلوبِكم، ويُنزع الرُّعب من قلوب عدوِّكم لحبِّكم الدُّنيا وكراهتكم الموت».(7) 

نعم حينما تموت الإرادة. 

وحينما يموت الانتماء إلى الهُويَّة.

وحينما تموت الوحدة، ويموت التَّآلف والتَّقارب؛ فنكون أشتاتًا ممزَّقين، نتعادى ونتحارب، ولا نُصغي إلى نداءِ الله:

  • ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ….(8) 
  • ﴿… وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ….(9) 

 

◊ كلماتٌ تقْطُرُ ألمًا وغضبًا

وأختم ببعض كلماتٍ تقْطُرُ ألمًا وغضبًا..

أليس من العار أن نسمع في هذا الوطن – العريق بدينه وقِيَمه – دعواتٍ تتحدَّى الدِّين، وتتحدَّى القِيَم، دعواتٍ سافلة تُروِّج للمِثليَّة والسَّحاقيَّة، هذه الممارسات التي تَمتهِن كلَّ العفَّة، وكلَّ الطُّهر، وكلَّ الفضيلة.

أفِي وطنٍ كالبحرين، وفي شعبٍ كهذا الشَّعب الأصيل في انتمائه للإسلام وقِيَمه، يُسمح لهذه الدَّعوات المملوءة بالعبث الأخلاقي، والمتحدِّية للهُويَّة الإيمانيَّة، وبشكلٍ فاضح، وبلغةٍ مبتذلة.

لكي نحافظ على هُويَّة هذا الوطن وقِيَمه وأخلاقه وأصالته يجب أن لا يُسمح لهذه الدَّعوات المتجرِّئة على الدِّين ومُثُلِهِ وقِيَمِهِ.

إنَّنا نُسجِّل هنا رفضنا وغضبنا لهذه الدَّعوات المرفوضة دينيًّا وأخلاقيًّا.

 

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

—————

الهوامش: 

1- سورة النِّساء: الآية 1.

2- سورة الأحزاب: الآية 52.

3- عبد الواحد الآمدى: غرر الحكم ودرر الكلم، ص 429، ح 3.

4- انظر: الفيض الكاشاني: المحجَّة البيضاء في تهذيب الإحياء 8/6.

5- سورة الزُّمر: الآية 53.

6- انظر: هيئة محمَّد الأمين: البرنامج التَّعليمي للأخلاق والآداب الإسلاميَّة، ص 93، 94. (بتصرُّف قليل)

7- المتَّقي الهندي: كنز العمَّال 11/58، (ك: الفتن والأهواء، ف 2: في الفتن والهرج)، ح 30913.

8- سورة آل عمران: الآية 46.

9- سورة الأنفال: الآية 46.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى