حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة224: الدعاء وخصوصيّة المكان (7) – مسجد ضرار عنوانًا لكلّ المواقع المشبوهة التي تتستّر بالإسلام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطّاهرين…


نتابع الحديث حول الدعاء وخصوصيّة المكان:
للمكان خصوصيّة في إعطاء الدّعاء قيمته، بمعنى أنّ بعض البقاع لها شرفها ومكانتها عند الله تعالى ممّا يجعلها مظانًا لإجابة الدعاء، وهكذا تتفاوت البقاع بحسب هذا الشرف والمكانة…
فبيت الله «الكعبة المشرّفة» هو أفضل وأشرف بقاع الأرض كما تقدّم…
ويليه في المكانة والشرف والمنزلة:


(2) المسجد النبويّ:
فالصّلاة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله تعدل ألف صلاة، وفي روايةٍ أخرى تعدل عشرة آلاف صلاة، وفي روايةٍ ثالثة تعدل خمسين ألف صلاة..
وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وآله: »من صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النّار ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق«.
وفي المسجد النبوي بقعة تسمّى »الرّوضة« لها شرفها ومكانتها العظيمة..
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: »ما بين قبري [أو بيتي] ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعةٍ من ترع الجنّة«.


(3) مسجد قباء:
• {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
سُئل الإمام الصّادق عليه السّلام عن المسجد الذي أسّس على التقوى قال: مسجد قباء
والصّلاة في هذا المسجد تعادل عمرة.
ففي الأحاديث الصحيحة أنّ من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى في مسجد قباء ركعتين كانت له عمرة.
حينما وصل النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة مهاجرًا نزل في منطقة قباء، ولعلّ السبب في توقّفه صلّى الله عليه وآله في منطقة قباء هو أمران:
الأمر الأول: التعرّف على أوضاع يثرب.
الأمر الثاني: انتظار وصول الإمام عليّ (عليه السّلام) ومن معه، فقد خلّفه رسول الله صلّى الله عليه وآله في مكّة للمبيت على فراشه واصطحاب الفواطم، وردِّ الودائع وقد صرّح رسول الله صلّى الله عليه وآله عن سرّ التأني في دخول يثرب حيث قال: »لست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله وأحبّ أهل بيتي إليّ فقد وقاني بنفسه من المشركين«.
وقصّة المبيت على الفراش من القضايا الثابتة تاريخيًا، ولا يعتريها شبهة ولا إشكال، فحينما أجمعت قريش على قتل رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاة عمّه وحاميه أبي طالب رضوان الله عليه، وعلم بذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله خرج عندما اختلط الظّلام وخلّف عليًا على فراشه – القصّة المعروفة-
وهكذا لم تمض إلّا بضعة أيامٍ على نزول النبيّ صلّى الله عليه وآله في منطقة قباء حتى وصل عليّ (عليه السّلام) إلى قباء ونزل إلى جوار النبيّ صلّى الله عليه وآله….
ثمّ إنّ النبي صلّى الله عليه وآله اشترى أرضًا ووضع عليها أساس مسجد قباء…
وقد شارك رسول الله صلّى الله عليه وآله في حمل الحجر لبناء مسجد قباء، وممّن بذلوا جهدًا كبيرًا في بناء المسجد الصحابة سلمان الفارسي والمقداد وعمار بن ياسر، وكذلك شاركت النساء فكنّ يأتين بالحجر ليلاً، ويشتغل الرّجال نهارًا في بنائه…


وفي السنة التاسعة للهجرة حينما خرج الرسول صلّى الله عليه وآله في غزوة، وجدها المنافقون فرصة فبنوا في قبال مسجد قباء مسجدًا آخر ليحيكوا من خلاله المؤامرات ضدّ الإسلام والمسلمين ولكي يضفوا المشروعيّة لهذا المسجد قاموا بتوجيه دعوة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله لحضور المسجد والصّلاة فيه فأوحى الله تعالى إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 107 – 108]
وبعد نزول هذه الآية أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بهدم المسجد المذكور الذي عُرف فيما بعد بمسجد ضرار فهدمه المسلمون ومن ثمّ أحرقوه…
وهكذا أصبح مسجد ضرار عنوانًا لكلّ المواقع المشبوهة التي تتستّر بالإسلام والدّين والإيمان وتُخفى وراء ذلك أهدافًا عدوانيّة ضدّ الإسلام والدّين والإيمان وهذه المواقع أشدّ خطورة من الواقع المكشوفة، إنّ القوى المعادية للدّين في هذا العصر اقتنعت بأنّ أساليب المواجهة المكشوفة لم تعد قادرة على أن تحقّق أهداف تلك القوى في محاربة الدّين، فعمدوا إلى محاولات الاختراق واعتماد عناوين تحمل اسم الإسلام والدّين لإحداث إجهاض من الدّاخل ومن أخطر أساليبهم محاولات الهيمنة على المواقع الدينيّة، من أجل صياغة المشروع الدّيني المزوّر، ومن أجل إنتاج الخطاب الديني المحرّف…
وربّما لا يكون التدخّل والاختراق مباشرًا، وإنّما عبر أنظمة حكم، ومؤسّسات وجمعيّات، وقوى ثقافيّة ومجتمعيّة في بلدان المسلمين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى