حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 173: موسم الزهراء عليها السلام له أهمية كبيرة جدا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


موسم الزهراء عليها السلام له أهمية كبيرة جدا:
وهذه بعض جوانب هذه الأهمية:


– الجانب الأول: المعالجة العلمية لأحداث التاريخ:
هناك من يدعو إلى إغلاق بعض ملفات التاريخ المــؤلمــة التي شكلت (صراعات وخلافات ومواجهات دامية) ولاشك أن في تاريخ المسلمين الكثير من هذه الملفات فهل من الصالح فتح هذه الملفات؟
البعض يرى أن فتح ملفات التاريخ المؤلمة الدامية له أثار خطيرة ومدمرة على حاضر المسلمين ومستقبلهم.. لماذا؟
لأن استحضار خلافات وصراعات وعداوات التاريخ يؤسس لحالات الانقسام في الأمة، ولحالات الصراع والخلاف والعداء بين المسلمين.
إن أخطر ما يواجهه المسلمون في هذا العصر هو (مشروع الخلافات والصراعات) هذا المشروع الذي تغذيه القوى المعادية لهذه الأمة، وما استطاعت هذه القوى أن تهيمن على كل مقدرات المسلمين إلا من خلال هذا المشروع.
انطلاقا من هذا الأمر يبرر ذلك البعض دعوته إلى إغلاق الملفات التاريخية التي احتضنت خلافات المسلمين وصراعاتهم ومعاركهم الدامية، كون هذه الملفات تساهم بدرجة كبيرة في تأجيج الفتنة الطائفية، وفي إيقاظ العداوات  والصراعات بين المسلمين.
قد تبدو هذه الدعوة وجيهة جدا، خاصة في ظل الواقع المأزوم الذي تعيشه مجتمعات المسلمين في هذا العصر، بما يحمل هذا الواقع من مرارات وآلام ومعاناة صعبة، نتيجة الفتن الطائفية، التي قادت الأمة إلى أسوء المآسي والويلات.
نعم في ظل هذا الواقع المتأزم الخطير، تبدو الدعوة إلى إغلاق ملفات التاريخ الدامية دعوة وجيهة ومنطقية وصائبة، إلا أننا لنا بعض ملاحظات على هذه الدعوة.
– الملاحظة الأولى: إننا نرفض أن يوظف التاريخ وقضايا التاريخ، وأحداث التاريخ من أجل إحداث الفتنة والصراع والعداء في حاضر المسلمين، هذا التوظيف غير مشروع مهما كانت المبررات.


هناك من يحمل (مهمة تمزيق وحدة الأمة) وتأجيج صراعاتها وخلافاتها، هذا الفيصل يستعين بكل الوسائل المتاحة لديه من أجل هذه المهمة الدنيئة، لذلك تراه يبتكر الأساليب التي تزرع الفتنة والخلاف بين المسلمين، وهنا يأتي دور التوظيف التاريخي من أجل خلق كل أشكال الصراع في داخل الأمة.


– الملاحظة الثانية: إن إغلاق كل ملفات التاريخ ذات الطابع المأساوي فيه مصادرة خطيرة للحقائق التاريخية، مما يعني أن تنشأ أجيال وأجيال في ظل رؤية تاريخية ناقصة أو في ظل رؤية تاريخية مزورة، التاريخ بكل رموزه وأحداثه له دوره الكبير الكبير في صنع هوية الأجيال.


كل أمة تحرص كل الحرص على ( توثيق تاريخها) والأمة التي لا تملك (تاريخا موثقا) أمة ضائعة ، أمة بلا هوية، الشعب الذي لا يملك (تاريخا موثقا) شعب ضائع، وشعب بلا هوية، وكم حاولت أنظمة حاكمة، وسياسات مهيمنة أن تسرق تاريخ دول، وتاريخ شعوب، وتاريخ جماعات، وهذه السرقة تعتمد وسائل متعددة:
– تزوير التاريخ، وكم وظّف حكام، وكم وظّفت أنظمة حاكمة أقلاما من أجل كتابة التاريخ المزور، ومن اجل طمس الحقائق التاريخية، بما يخدم مصالح هؤلاء الحكام، وربما يخدم مصالح الأنظمة الحاكمة، والشواهد على ذلك في الماضي والحاضر كثيرة وكثيرة.


يوم وجد الحكام الأمويون، والحكام العباسيون أن مصالحهم السياسية تفرض أن يزوروا التاريخ، زوروا التاريخ واعتمدوا كوادر متخصصة لهذا لتزوير، واستخدموا كل الإغراءات التي سال لها لعاب أولئك الذين باعوا ضمائرهم وباعوا دينهم للسلطان، فكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله من اجل أن يرضوا هذا الحاكم أو ذاك، ومن اجل أن يسيئوا إلى هذا الرمز أو ذاك، ومن أجل أن يحرفوا ويزوروا ويعبثوا بهذا التاريخ أو ذاك، كل ذلك لكي يحصلوا على حفنة قذرة من المال أو يحصلوا على حظوة لدى سلطان، أو يحصلوا على موقع زائف.
يدخل احد سماسرة التزوير على واحد من الحكام الأمويين يطلب منه هذا الحاكم أن يروي نزول قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ،  وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } نزلت في علي بن أبي طالب، وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }قد نزلت في عبد الرحمن بن ملجم.
وجرت المساومات بين هذا السمسار والحاكم الأموي حتى بلغ العرض مستوى أقتنع سمسار التزوير فاستجاب وروى ذلك.
يدخل سمسار آخر على حاكم عباسي، وكان هذا الحاكم من هواة اللعب بالحمام.
قال السمسار: هل تحفظ في هذا شيء عن رسول الله؟
قال السمسار بلا تردد: نعم، حدثني هشام عن رسول الله عن أبيه عن عائشة: أن النبي كان يطير الحمام.
لا نسوق هذه الأمثلة للتندر، هذا هو واقع العبث بالتاريخ، والعبث بالنصوص الدينية، استجابة لرغبة سلطان أو حاكم.
دعونا من الماضي، فهذا هو الحاضر حافل بشواهد وشواهد، فما أكثر ما وظف حكام وأنظمة حكم ((سماسرة)) من أجل التزوير التاريخي والسياسي والثقافي والديني، ولذلك ضمت قائمة السماسرة: عمائم دين، ورجال سياسة، وأصحاب صحافة، وأبواق إعلام.


أخلص إلى القول: إن إغلاق بعض ملفات التاريخ، يشكل تزويرا للتاريخ، وطمسا لحقائق التاريخ، وعبثا بأوراق التاريخ.
– الملاحظة الثالثة: ولكي لا نسقط في مطبات التاريخ بما يؤسس للفتنة والخلاف والصراع، ولكي لا نساهم في تزوير التاريخ وطمس حقائقه والعبث بأوراقه نحتاج إلى تصدي مدروس وواعي لمعالجة قضايا التاريخ، فالمشكلة ليس في فتح ملفات التاريخ، وإنما المشكلة في طريقة المعالجة، فلو جاءت المعالجة علمية ومدروسة وواعية، وجاءت اللغة علمية وواعية ومدروسة، فلن يتحول الحديث عن قضايا التاريخ أداة للفتنة والخلاف والصراع، مهما كانت تلك القضايا حساسة وتمس رمزا كبيرة في التاريخ .


أمة لا تحاسب تاريخها أمة مكتوب عليها الضياع فمحاسبة التاريخ، وقضايا التاريخ، هو الذي يؤسس لحركة الوعي التاريخي، وحركة البصيرة التاريخية، وأمة تملك وعيا تاريخيا، تملك بصيرة تاريخية أمة مكتوب لها الديمومة والاستمرار.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى