حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة148:العطلة الصيفية.. مسؤولية من؟ من المسؤول عن تحديد هوية العطلة الصيفية؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله لطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



هكذا بعد كل عام دراسي يستقبل الطلاب والطالبات عطلة الصيف، وهكذا يتنوع التعاطي مع هذه العطلة:
• فقد تكون عطلة الصيف موسم فراغ وركود وشلل.
• وقد تكون موسم ضياع وانحراف وفساد.
• وقد تكون موسم عطاء وبناء ونهوض.


وهنا نطرح هذا السؤال:
من المسؤول عن تحديد هوية العطلة الصيفية؟
يتحمل هذه المسؤولية عدة جهات:


(1) سياسة الدولة:
سياسة الدولة تعلب دوراً كبيراً ومؤثراً في توجيه مسار العطلة الصيفية، بما تتوفر عليه الدولة من إمكانات مادية، وقدرات إعلامية، ووسائل من رسمية، ففي أي اتجاه تتحرك هذه السياسة؟
الشعار الكبير الذي تحمله (برامج الدولة الصيفية) هو (شعار البناء والنهوض).
 فهل ما يتحرك على الأرض من برامج (برامج صيفية) ترعاها الدولة، ومؤسسات الدولة يصّب في هذا الاتجاه؟
يؤسفنا أن نقول (لا)، ليس لنا أيّ عداء مع (برامج الدولة)، ونتمنى أن تكون هذه البرامج جادة وهادفة وبناءة… ولكن ما نراه ليس كذاك.
يطغى على (برامج الدولة) محاولة إغراق الطلاب والطالبات في (أجواء اللهو) بكلّ أشكاله وألوانه حتى المحرمة منها. نحن لا نرفض (برامج الترفيه والاستجمام النفسي) فهذا جزء من توجيهات الدين التربوية.


• في الحديث عن الإمام الصادق(ع):” ينبغي للمسلم العاقل أن يكون له: ساعة يقضي بها عمله فيما بينه وبين الله عز وجل، وساعة يلاقي فيها إخوانه الذين يفاوضهم ويفاوضونه في أمر آخرته، وساعة يخلّي بين نفسه ولذاتها في غير محرم فإنها عون على تلك الساعتين”.


• وفي حديث آخر للإمام الرضا(ع) أنّه قال:” اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات والذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم، وبهذه الّساعة تقدرون على الثلاث ساعات”.
فما يشاع ضد المتدينين أنّ لديهم عقدة من “الترفيه والاستجمام” لا أساس له، وهو إشاعة كاذبة، نعم الذوق الديني الملتزم يرفض (أشكال الترفيه المحرّمة) و (برامج التسلية غير المشروعة)، أمّا إذا كانت أساليب الترفيه وبرامج التسلية مباحة شرعا فلا مانع من ذلك، بل يضعها الدين ضمن برنامجه.
أعود للقول: أن برامج الدولة لاستثمار الصيف يطغى عليها (الأجواء اللاهية) فالطرب والغناء يشكل عصب هذه الأجواء، وحسبكم ما تقرأونه وتشاهدونه في الصحافة والإعلام من استعدادات لموسم الصيف، بما تحمله هذه الاستعدادات من  ترويج لأشهر فرق الطرب والرقص والغناء العربية والأجنبية، وإذا اعترضت على ذلك انبرى سماسرة الفن العابث ليتهمونك أنّك ضد الفن والإبداع ولثقافة، هكذا يتلوّث الذوق، وهكذا تنحرف السليقة، وهكذا تنقلب المعايير.
فاعتماد البرامج اللاهية المحرمة يعد استثمارا خطيرا لموسم العطلة الصيفية، مما ينعكس سلبا على طلابنا وطالباتنا، ومما يشكل ضررا روحيا وأخلاقيا وسلوكيا على تنشئة أبنائنا.


وفي سياق البرامج المحرمة تأتي الرحلات المختلطة المتجردة من الضوابط الشرعية ويأتي التعاطي المنفلت مع الإنترنت والفضائيات.
وثمة برامج أخرى قد لا تكون محرّمة في ذاتها إلاّ أنّها تمثّل “استهلاكا وضياعا” للأوقات والطاقات، كما في حالات الاستغراق في “العاب الرياضة” وفي “العاب التسلية” وهذا ما تشجع عليه سياسات الأنظمة من أجل تخدير الطاقات وإبعادها عن التوظيف الهادف الجاد، ومن أجل تفريغ شحنات الرفض والغضب التي قد تتوجه إلى سياسات الحكم، وممارسات السلطة.


(2) المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية:
تلعب هذه المؤسسات دورا كبيرا في تحديد شكل التعاطي مع موسم العطلة الصيفية من خلال ما تنشره من برامج وأنشطة وفعّاليات.
فالمؤسسات الرسمية أو الخاضعة للتوجيه الرسمي هي امتداد طبيعي لسياسة الدولة فيما تدفع به من برامج وأنشطة صيفية.
 والمؤسسات المتحررة من الهيمنة الرسمية، برامجها الصيفية محكومة لهوية هذه المؤسسة، وهوية القائمين عليها، فإن كانت ذات هوية غير ملتزمة دينيا، جاءت برامجها وأنشطتها وفعالياتها غير خاضعة للضوابط الشرعية، فالجمعيات والنوادي والفرق والمراكز التي لا تحكمها ضوابط الدين تحمل برامجها طابع التسيب والانفلات.
 وإذا كانت هوية المؤسسات هوية التدين والالتزام بضوابط الشرع، وقيم الإسلام، فلا شك أن البرامج والأنشطة والفعاليات سوف تكون ذات طابع ملتزم.
وهكذا تتصارع البرامج الصيفية بين الالتزام والانفلات، وإن كانت المؤسسات غير المنطبعة بطابع الدين لا تقبل أن توسم بالانفلات وتصرّ على أنها تمارس دورا تربويا اجتماعيا ثقافيا، إلا أنّ الواقع يبرهن على وجود التمايز الواضح بين منتجات البرامج المنطبعة بصبغة الدين، والبرامج الأخرى التي لا تحمل هذه الصبغة.


(3) المساجد – المآتم – الحوزات الدينية:
هذه المواقع لها تأثيراتها الفاعلة في توجيه البرامج الصيفية، وفي حمايتها وصونها من كل الانحرافات.
فخطاب المسجد، وخطاب المنبر، وخطاب الحوزة يتحمل مسؤولية كبيرة جدا في ترشيد البرامج الصيفية، وفي إعداد الكوادر المؤهلة لإدارة هذه البرامج، وفي إنتاج القائمين على شؤون التعليم والتربية والتوجيه في هذه الفعاليات، لا يسمح لهذه المواقع أن تترخى في أداء دورها في التوجيه، والرعاية، والإعداد، والتأهيل، وفي زحمة التحديات التي تواجه المشروعات الدينية الملتزمة.
مطلوب من العلماء والخطباء وكلّ الحوزويين أن يتواصلوا مع كلّ المواقع الأخرى المؤثرة في توجيه “البرامج الصيفية” حتى تتكامل الجهود والقدرات، وحتى تتمكن المشروعات الدينية الملتزمة من تحقيق أهدافها في حماية هذا الجيل من أبنائنا وبناتنا في زحمة التجاذبات الثقافية والتربوية والاجتماعية والسّياسية.


(4) دور الآباء والأمهات ودور الأسرة:
تتحمل الأسرة، ويتحمل الآباء والأمهات أدوارا مهمة في مواسم العطلة الصيفية، وتتجسد هذه الأدوار في المسؤوليات التالية:
• حماية الأولاد والبنات من الوقوع في هيمنة البرامج الفاسدة والمنحرفة، وفي هيمنة البرامج الاستهلاكية.
• الاحتضان الهادف للأولاد والبنات من خلال البرامج النظيفة والملتزمة والموجهة روحيا وأخلاقيا وفقهيا.
• التعاون الحقيقي مع المواقع الأخرى المتصدية لرعاية هذا الجيل من الأبناء والبنات وحمايتهم من كل المؤثرات المضادة.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى