قضايا الشباب

خصال كمال العقل عند الإنسان المؤمن:كيف نمارس النقد الذاتي؟ 2

أسس النقد الذاتي:


لكي نؤسس لحركة النقد الذاتي لابد من معالجة مشكلة “الأنا” في داخل الإنسان، وتتم هذه المعالجة من خلال “الترشيد الروحي للنزعة الذاتية”…
“الأنا وحب الذات” من المكونات الغريزية الفطرية التي أودعها الله سبحانه في داخل الإنسان، فمن الطبيعي – وفق هذه الفطرة الإلهية – أن يحب الإنسان ذاته، أن يحب لها البقاء، الراحة، اللذة، الكمال… وحتى حب الأولاد هو تعبير عن حب الذات، فمن خلال الأولاد يتشكل البقاء والامتداد للإنسان… لا مشكلة في كل هذا مادام هو استجابة لنداء الفطرة الإلهية…
المشكلة حينما تتحول هذه الغريزة “الأنا وحب الذات” إلى “نزعة ضد الآخر” وحينما تتحول إلى “أنانية” لا تحب الخير إلا إلى النفس…


كيف عالج الإسلام هذه المشكلة؟
عالجها من خلال “الترشيد الروحي للنزعة الذاتية” عند الإنسان، إن التربية الإسلامية لم تصادر هذه “الغريزة”؛ كونها جزءا من الفطرة الإلهية…
فماذا صنعت التربية الإسلامية لمعالجة المشكلة؟
إنها أعطت لهذه النزعة “الأنا وحب الذات” مضمونا آخرويا، ومن خلال هذا المضمون تحول “حب الآخر” بما يحققه من عطاء آخروي كبير إلى “حب للذات” فبحسب الأحاديث والروايات أن “النفع لعباد الله” من أعظم الأعمال التي تقرب الإنسان إلى الله زلفى، وتسكنه في أعلى الجنة غرفا، فالنتيجة أن “النفع للآخر” يصب في مصلحة “النفع للذات” إلا أنه نفع آخروي وكذلك – بحسب الأحاديث والروايات – فإن “الضرر لعباد الله” من أشد الأعمال التي تبعد الإنسان عن الله تعالى، وتعرضه لغضبه وأقسى عقوباته فتكون النتيجة أن “الضرر الآخر” يصب في “الإضرار بالذات” من خلال عذاب الآخرة.


ووفق هذه الرؤية الروحية يتم التوافق بين “الأنا” و”الآخر”، ربما دفعت “روح الإيثار” الانسان المسلم إلى ان يقدم “الآخر” على “الذات” “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” “الحشر: 9”.
وعن رسول الله “ص” قال: “من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة الجنة”.
وعن أمير المؤمنين “ع” قال: “الإيثار أعلى الإيمان”.
في غزوة أحد سقط نفر من أصحاب رسول الله “ص”، وكانت فيهم بقية حياة، فجيء لأحدهم بماء ليشرب فأشار إلى آخر في جانبه، جيء بالماء إلى الثاني فأشار إلى ثالث… والثالث أشار إلى رابع… وهكذا إلى السابع، فلما جيء بالماء إلى السابع حوله إلى الأول… جيء به إلى الأول فوجدوه ميتا… أتوا به إلى الثاني فإذا هو ميت… وهكذا الثالث… إلى السابع، فما وجدوا واحدا منهم حيا…
هذه تربية الإيمان….
فإذا ارتقى الإنسان إلى هذا المستوى من التربية الإيمانية والروحية فلن تتحول “الأنا وحب الذات” في داخله إلى “نزعة ضد الآخر” ولن تتحول إلى “أنانية” تحتكر الخير للنفس…


وعندها سيقف الإنسان من ذاته “وقفة نقد” جريئة، ووقفة “استبطان” صريحة، مادام ذلك يحقق له “نفعا آخرويا” ولن يتردد لحظة واحدة في متابعة “أخطاء الذات”، وإلا كان جانيا على نفسه كل الجناية وهو يعرضها لعقوبة الله تعالى، ويدفع بها إلى نار جهنم…
“ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه” “النساء: 111”
“من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها” “فصلت: 46”
“ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” “الطلاق: 1”
“وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله” “البقرة: 110”
“إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها…” “الإسراء: 7”
للحديث متابعة ومواصلة في لقاء مقبل إن شاء الله تعالى…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى