حديث الجمعةشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 18: مَجموعةُ مَفاصل

حديث الجمعة 18 | 28 جمادى الأولى 1423 | 08 أغسطس 2002 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأحبة في الله أيها الإخوة والأخوات
تقتسم حديث في هذه الليلة إلى مجموعة مفاصل أحاول أن أتناولها حسب ما يتسع الوقت:
 المفصل الأول: ضرورة أن يهتم خطابنا بالمسألة الروحية والأخلاقية.
• المفصل الثاني: الشأن الفلسطيني.
• المفصل الثالث: الشأن السياسي المحلي.

المفصل الأول: ضرورة أن يهتم خطابنا بالمسألة الروحية والأخلاقية.
لازلت أصر على ضرورة أن يهتم خطابنا بالمسالة الروحية والمسالة الأخلاقية ومما يؤكد هذه الضرورة ما نشاهده من استنفار محموم للعبث بالقيم والأخلاقيات وضمن صيغ مدروسة وموجه وبأساليب متنوعة وبأشكال مكشوفة فاضحة.

أيها الأحبة: العبث الأخلاقي في هذا البلد أصبح يشكل ظاهرة مرعبة مخيفة سوف يكون ضحيتها أبناء هذا الجيل من الشباب والشابات والأطفال الصغار ولن يسلم بيت أو أسرة من هذا العبث المدمر مادمنا نعيش الصمت أو نكتفي بالكلمات الباردة الخجولة (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)َ
أيها الأحبة: المسالة في حاجة إلى غضبة إيمانية صادقة,جريئة, لا تعرف المهادنة ولا المجاملة والاستحياء, وإذا لم نغضب من أجل الدين والقيم كنا من الظالمين المشمولين بعذاب الله البئيس ( وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَة).ُ

هل تصدقون في بلدكم المسلم هذا تباع الخمور في وضح النهار وعلى أرصفة الشوارع وحتى أصبحت زجاجات الخمر تلقى جهاراً في الطرقات كتعبير وقح للاستخفاف بالدين ولمشاعر المتدينين ويكتفي الناس بالتأسف والتحسر على ماضي هذا البلد المعروف بالدين والاصالة والقيم، إلى هنا يتجمد الموقف وتستمر مسيرة العبث والفساد مدعومة، مدعومة بكل الوسائل والإمكانيات, وهاهي أوكار الدعارة تتحول إلى مراكز علنية ظاهرة وواضحة وامتدت إلى كل المدن والقرى وعلى مرئى ومسمع أجهزة الأمن والسلطة.

تصوروا وحدث هذا في إحدى مناطق البحرين، أن الأهالي وبدافع من الغيرة على الدين وحماية لأعراضهم تحركوا لمحاصرة أحد أماكن الدعارة المزروع في منطقتهم مما أوجب تدخل قوات الشرطة وكان الحل المخزي أن يطلب من القائمين على إدارة مركز الدعارة أن يبحثوا عن موقع أخر لا يجدون فيه مضايقات الفضوليين والذين يكدرون صفو الفساق والعاهرين وتم بالفعل توفير الموقع الآخر ليتمكن هؤلاء الباحثون عن الفجور من ممارسة العهر والفجور والدعارة بهدؤء وحرية بعيدا عن شغب المشاغبين وتشويش المشوشين، أما آن لنا أن نغضب لدين الله ! ولقيم الله! ولحرمات الله!
قد يقال: مضى لكم زمن طويل وأنتم في المساجد والمحاضرات والاحتفالات ومن خلال المنابر تتحدثون عن الفساد الأخلاقي فل تغير شيء؟ لماذا لا

 تفكرون في أسلوب أخر غير الكلام ؟
أقول: صحيح أن الكلام ما دام في هذه الأطر المحدودة قد لا يجدي في التغير ويجب التفكير في أسلوب آخر إلا أنه لا يجوز أبدا أن نجمد الكلمة, فمن خلال الكلمة في المسجد والمنبر والندوة والمحاضرة والاحتفال نحصن أجيالنا, ونعبىء جماهيرنا, ونأصل قيمنا, ونصوغ رؤيتنا, ونأكد مسؤوليتنا, فيجب أن تبقى الكلمة ناطقة, ويجب أن تتحول الكلمة إلى خطاب صريح مع المسئولين في السلطة, ويجب أن تتحول الكلمة إلى موقف جريء يعبر عن الرفض.

وهنا ندعوا إلى:
1. تشكيل لجنه من علماء الدين السنة والشيعة لصياغة خطاب موحد وموقف موحد في مواجهة هذا الأمر.
2.  القيام باتصالات جادة ولقاءات جادة مع المسئولين وعلى أعلى المستويات.
3. أن تمارس الجمعيات والمؤسسات الدينة والاجتماعية والثقافية دوراً كبراً في التصدي للفساد الأخلاقي, ويمكن أن تبادر أحدا الجمعيات لطرح هذا المشروع.
4. أن يصاغ موقف شعبي ضاغط وداعم على أن يتبنى الرموز الدينية صياغة هذا الموقف وتحديد مستوياته حسب الضرورة والحاجة.
5. أن تستمر المساجد والمنابر الدينة في التعبئة والإستنفار والمواجهة لمشروعات الفساد.
وبعد هذا لكل حادثة حديث

المفصل الثاني:الشأن الفلسطنة:
لازالت مهزلة هذا العصر تتابع فصوله المخزية, ولازال اليهود المجرمون يمارسون العبث والعنف والإرهاب والدمار والإبادة مستهزؤن بكل الشرائع والقيم والمبأدى الأعراف والقوانين, ولازالت إدارة بوش تقف بكل وقاحة إلى جانب القتلة والمجرمين, ولازالت منظمة الأمم المتحدة خاضعة للهيمنة الأمريكية الصهيونية.
ولازال الصمت الدول يعطي لشارون الجزار ألف ضوء وضوء من أجل أن يمارس أخس الجرائم.
ولازالت الأنظمة العربية والإسلامية غارقة في أحلام اليقضه تلهث وراء وهم السلام الكاذب وتنام في أحضان الذل والهوان.
وأما شعوبنا فقد عبرت عن بعض الحضور من خلال الدعم والتأييد، ومن خلال الرفض والغضب وهذا أقل الإيمان.
وهذه الشعوب محكومة لسياسات الأنظمة فهي لا تملك أكثر من هذا, وإذا كانت بعض الأنظمة قد سمحت بالتعيير من خلال مسيرة هنا أو اعتصام هناك فما هو إلا للتخفيف من حالات الاحتقان الشعبي والتنفيس عن غضب الجماهير وبالتالي فان الأنظمة تعلم أن هذا لن يغير شيء في المعادلة.
إن من مهزلة السياسة في هذا العصر أن يكون الفلسطينيون المدافعون عن النفس والمعرضة والأرض والمقدسات قتله وإرهابيين – حسب تعبير الرئيس الأمريكي بوش- وأن يكون الصهاينة المجرمون القتلة شرفاء ودعاة سلام, حفنة من اليهود الغاصبين يسقطون قتلى يهتز ضمير العالم يغضب بوش, تتحرك الاستنكارات, وشعب كامل يباد, تحرق أرضه, تنسف بيوته, تذبح أطفاله, تنتهك أعراضه, تصادر هويته, تدنس مقدساته, كل هذا يحدث وضمير العام يغط في سبات عميق،  وبوش يضحك ويتلهى, والإستنكارات صامتة.

المفصل الثالث:الشأن السياسي المحلي:
الساحة المحلية مشحونة بالكثير من التجاذبات السياسية والاختلافات حول المسألة الانتخابية وربما شط البعض فاتهم هذا الطرف أو ذاك بالخيانة أو بالتطرف وهذا يعبر عن جنوح ولوثة سياسية، فمن حق هذا الفصيل أو ذاك الفصيل أن يقبل وأن يرفض, ولكن ليس من حقه أن يتهم الطرف الأخر بالخيانة أو بالتطرف…

أيها الأحبة: في الساحة سؤال كبير يطرح بإلحاح:
• لماذا تأخر العلماء في إصدار القرار حول مسالة الانتخابات ؟
وقد أنتج هذا التأخر مجموعة إشكالات في أذهان الناس نحاول هنا أن نستعرض بعضها ونجيب عنها:
الإشكال الأول: إن مسالة اتخاذ القرار ليس بهذا المستوى من الغموض والصعوبة حتى يطّر العلماء والرموز أن يتأخروا في إعطاء الرأي وإصدار القرار.

نجيب عن ذلك:
1. إنه من السذاجة السياسية ومن التبسيط المسئول أن نعتبر المسألة خالية من الغموض والصعوبة, وحينما أقول الغموض لا أعني الغموض في فهم المشروع السياسي المطروح فالمسألة في هذا الحدود واضحة تماماً والصيغة المعدة تم فهمها واستيعابها وقرأتها بكل عمق, فالغموض والصعوبة إنما في التعاطي مع المبررات والحيثيات التي يتم من خلالها صياغة الموقف الذي يمكننا من إنتاج حالة هي أقدر على توفير المعطيات والتخفيف من المخاطر والدفع بالواقع الروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي في اتجاه الأجواء المتوائمة مع الأهداف والقيم والمبادىء, ولو كانت المسألة بهذا المستوى من الوضوح كما يقول الأشكال لما حدث هذا التجاذب الصعب في الآراء بين النخب السياسية والمثقفة.

2. من الصعوبات التي تواجه العلماء في اتخاذ القرار خطورة المسؤولية الشرعية التي يتحملها هؤلاء العلماء, فهذا الموقع الخطير يفرض مسؤولية خطيرة, وما كان اهوها واسألها من مسؤولية لو كانت أمام حاكم من حكام الدنيا, وهل يملك كل حكام الدنيا أن يمنعوا إنسانا من بطش الله وغضب الله, وهم الذين لا يملكون لاحول ولاقوه حينما يأخذهم الله العزيز الجبار أخذ عزيز مقتدر, وما أهونها من مسئولية أمام البشر كل البشر هؤلاء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.

أيها الأحبة إنها المسؤولية الكبرى مسؤولية الحساب الصعب بين يد الله الواحد القهار في يوم رهيب مرعب (يوم تكون القلوب واجفه والأبصار خاشعة والأصوات هامسة (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ).

أيها الأحبة إن مسؤولية الموقف فيما يحدد موقف شعب ووظيفة أجيال, مسؤولية صعبه وعسير وخطيرة, من السهل أن يقول أي رمز سياسي أو أي حزب سياسي أو أي جمعية سياسية نعم أو لا، ولكن أن يقول العلماء نعم أو لا فمسؤولية صعبة وصعبة وخطيرة خطيرة, لن يشكل ضغط السلطة مبررا للانحياز إلى خيار السلطة ولن يشكل ضغط الشارع مبررا للانحياز إلى خيار الشارع، المسؤولية الشرعية هي التي تحدد الخيار مسؤوليتنا أمام الله هي التي تحدد الخيار والموقف.

من خلال وضوح الرؤية والقناعة بالترجيحات هنا وهناك ويوم يجد العلماء أنفسهم أمام غموض حقيقي في الرؤية والقناعة فلن تخونهم الشجاعة أن يعلنوا تحفظهم في الموقف وإن سبب لهم هذا الكثير الكثير من الثارات والإشكالات, وإننا في ضراعة دائمة إلى الله العلي القدير أن يلهمنا البصيرة وأن يسدد طريقنا إلى الصواب وأن يفتح قلوبنا إلى ما يرضيه تعالى, وإذا أخطئنا الموقف فقصار العذر عند الله إننا بذلنا أقصى الجهد ولم نستعجل الرأي ولم نفرط في الاسترشاد والتشاور.

الإشكال الثاني: إن هذا التأخر قد يوحي للناس بوجود قصور وعجز أو بوجود إهمال وتراخي عند العلماء في اتخاذ القرار مما يضعف من قيمة وموقعية الرموز العلمائية عند الأمة.
ونجيب عن ذلك:
1. إن ما ذكرناه في الجواب عن الإشكال السابق يمكن أن يلقي ضوءا على خطاء وبطلان هذا لتصور في هذا الإشكال الثاني.
2. إن ثقة الجماهير المؤمنة بالرموز العلمائية والتي أثبتتها الكثير من المواقف لا نعتقد أنها تسمح بهذا اللون من الفهم أو بهذا اللون من الاتهام.
3. ثم من قال أن الاستعجال في طرح القرار هو مقياس الوعي السياسي أو معيار المصلحة السياسية, قد يكون العكس هو الصحيح.

الإشكال الثالث: إن هذا الصمت قد يؤدي إلى حالة من الانقسام والإنشطار في داخل الساحة.
1. إن ظاهرة التعدد في وجهات النظر ليست ظاهر سلبية بل هي ظاهرة إيجابية مادام في سياق تنضيج الرأي والتصورات وما دامت خاضعة للمعايير العلمية في النقد والاختلاف.
2. إن السبب في الانقسامات والانشطارات والصراعات الحادة هو:
• غياب المعايير الأخلاقية والإسلامية التي تحكم الاختلاف والتعدد والاختلاف
• غياب الوعي السياسي
فتأخر الموقف العلمائي لا يؤسس للصراع والإنشطار, خاصة إذا آمنت الأطراف المتعددة بان موقف العلماء  في الأخير يجب أن يحسم هذا الخلاف أما إذا لم تأمن بعض الإطراف بذلك فسوف تبقى مساحات من هذا الاخترف غير خاضعة لقرار العلماء.

الإشكال الرابع:  إن التأخر سوف يربك برنامج الإسلاميين الملتزمين بموقف العلماء فلو جاء الموقف بالمشاركة فلن يكون الوقت مناسب للإعداد والتهيئة لدخول الانتخابات.

ونجيب عن هذا الإشكال:
1. يفترض في القوى الإسلامية التي تريدان تدخل اللعبة السياسية أن تعد نفسها لك الاحتمالات فالمواقف السياسية محكوم بالكثير من المفاجآت والمتغيرات, فمن الغباء السياسي أن نحكم أنفسنا لخيار واحد.
2.  لازال الوقت كافي للتحرك والإعداد لو قدر أن القرار جاء بالمشاركة.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى