حديث الجمعةشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 290: هكذا بقي الشهيدُ الصدر رمز شموخٍ وكرامة – لا زالت مؤشراتُ الأوضاعِ لا تتَّجه نحو الانفراج

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين..


هكذا بقي الشهيدُ الصدر رمز شموخٍ وكرامة:
إنَّها حكمةُ ربِّ السَّماء؛ أنْ ينتهي الطغاةُ أسوءَ نهاية، وأنْ يبقى الأولياءُ الصلحاءُ الشهداءُ رموزَ عزٍّ وكرامة…
ماذا كانت نهايةُ فرعونَ، الذي طغى وتجبَّر واستكبر، وأفسدَ وعبثَ ودمَّرَ، وفتكَ وبطشَ وقتلَ وأرعب؟
أخذه اللهُ أخذَ عزيزٍ مقتدر، فكان من المغرقين، وهكذا نهايةُ كلِّ الطغاةِ والمفسدين…
وأمَّا الأنبياءُ والأولياءُ والصلحاءُ والشهداءُ فهم باقون لا يبْلى ذكرُهم؛ عناوينَ فخرٍ، ورموزَ عزٍّ، ومشاعلَ هدايةٍ، ومناهجَ حياةٍ، وحَملَةَ قيم، وصُنَّاعَ إرادةٍ، وأدلَّاءَ على طريق الله…


نعم بقي الشهيدُ الصدرُ رمزَ شموخٍ وكرامة…
ومضى طاغيةُ العراقِ صدَّام إلى مزبلةِ التاريخ…


ليس مِن الصدفِ التائهة أنْ يتزامن يومُ سقوطِ نظام الطاغية في العراق مع اليوم الذي تمَّ فيه إعدامُ الشهيد الصدر، وإعدامُ أخته العَلَوية الشهيدة بنت الهُدى…


ففي التاسع من نيسان سنة 1980م تمَّ الإعدام…
وفي التاسع من نيسان سنة 2003م سقط نظام الطاغية في العراق…


وإذا كان الطاغيةُ صدَّام بيده الملوثة وجَّه رصاصاتِ الغدر إلى قلبِ الشهيد الصدر، وإلى رأسه الشريف فعلى يد تلامذةِ الشهيد الصدر تمَّ توجيه رصاصاتِ الإيمان إلى رأس وصدر الخائن المجرم صدَّام…
هذا هو قصاصُ الدنيا… وأمَّا القصاص الأكبر، فيوم يقف الشهيد الصدر وأخته العلوية بين يدي ربِّهما مضرَّجين بدمائهما، يشكوانِ ما أصابهما على يدِ طاغيةٍ أوغل في دماءِ الأولياء والصلحاء والعلماء والأبرياء…
على يدٍ طاغيةٍ مارسَ أقبح هتكٍ للأعراضِ…
ودفن الآلاف الأحياء في مقابر جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلًا…
وأذاب أجساد المجاهدين وهم أحياء في أحواض التيزاب….
وملأ السجون بعشراتِ الآلاف من الأحرار…
وأعدم وقتل وسفك الدماء، وسحق الكرامات، وصادر الحريات، وحارب الشعائر، ودمَّرَ المدن والقرى، وأدخل العراق في أسوء حروبٍ كان ضحيَّتها الملايين من البشر…


بين يدي محكمةِ العدلِ الإلهيَّةِ الكبرى يوم الحساب سوف يقفُ جلَّادُ وطاغيةُ العراقِ صدَّام موقفَ ذلٍّ وخزي وعار، وهو يستمعُ مرعوبًا مذعورًا إلى شهيد العراق السَّيد الصدر يقدِّم ظُلامَته، وظُلامة شعبٍ عانى القهرَ والعذابَ والظلمَ والفتكَ والاستبدادَ والحرمان…
ويصدُرُ الحُكْمُ العَدْل مِن ربِّ عدْلٍ أقسم بعزَّتِه وجلالِه أنْ لا تضيع لديه ظلاماتُ العباد، وأنْ لا يفلتَ من عقابِه صُنَّاعُ الظلمِ في الأرض، يصدرُ الحكم العدل في حقِّ طاغيةِ العراقِ وأمثاله من الطغاة والظلمة والمفسدين:
• ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾. (الدخان/ 47 – 49)
– ﴿فَاعْتِلُوهُ﴾: اسحبوه بعنف وقسوة.


كم سحب هؤلاء الطغاة أبرياء بكلِّ عنفٍ وقسوة، فجزاؤهم أن تسحبهم ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ يجرّونهم إلى النَّار جرًّا عنيفًا..
نعم يأتي النداء إلى الملائكة – ملائكة النَّار – أنْ يسوقوا المجرمين إلى النَّار بكلِّ عنف وشدَّة…


– ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾: كنت في الدنيا تعيش غرور الحكم والسلطان، تملك كلَّ وسائلَ العزِّ الزائف، والكرامة الكاذبة، فأين عزَّتُك وكرامتُك اليوم، وأين حرسُكَ وجيوشُك، وأين سلطانُك وجبروتُك، وكبرياؤُك وغرورُكَ؟
وأين بطشُكَ، وقمعُكَ، وإرهابُكَ…
فلا مَفرَّ، ولا مَهربَ لكَ اليوم مِن قبضةِ ملكٍ قهَّارٍ ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (غافر/ 16)، وكيف المفرُّ والمَهربُ وأنت مصفّدٌ بالسلاسلِ والأغلالِ ﴿إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾. (غافر/ 71 – 72)


• ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾. (الحاقة/ 30 – 32)
واللهُ أعلم كم مقاسُ هذا الذِراع؟
وقال بعضهم: كلُّ ذِراع سبعونَ باعًا، والباع أبعد ممَّا بين الكوفة ومكة…
وفي الأحاديث: لو أنَّ حَلْقةً مِن حَلقاتِ تلك السِّلْسِلة وُضِعتْ على جبلٍ لذاب مِن حرِّها…
وهكذا يتمنَّى كلُّ طاغٍ باغٍ أثيم أنَّه ماتَ الموتةَ القاضية التي لا بعث فيها…


﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾. (الحاقة/ 27 – 29)
أين القصورُ، أين الأرصدةُ، أين الخدَمُ والحشَمُ، أين الحرس والعسس، أين الأبهةُ والعظمة والسلطان؟
أيّ عذاب يواجه الطغاة والمجرمين؟
«قد شدَّت أقدامهم إلى النواصي، واسودَّت وجوههم من ظلمة المعاصي…».
﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا…﴾. (فاطر/ 36)
﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾. (فاطر/ 37)
كم ظلمتم، كم قتلتم، كم سفكتم، كم أرعبتم، كم هتكتم، فمن ينصركم، ويخلصكم مِن عذاب الله؟
﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾. (المؤمنون/ 106 – 107)
هيهاتَ هيهات، لا خروج ولا خلاص..
﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾. (المؤمنون/ 108)
وبعيونٍ ذليلةٍ خاسئةٍ يتجهون إلى زبانية جهنَّم:
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ﴾. (غافر/ 49)
﴿فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ .(البقرة/ 86)
فهل خفَّفوا في يومٍ مِن أيام الدنيا عن سجين، أو أسير، أو مظلوم، أو معذَّب؟
فاليوم لا يُخفَّفَ عنهم «بل يُكَبُّون على وجوههم مغلولين، النَّارُ مِن فوقهم، والنَّار من تحتهم، والنَّار عن يمينهم، والنارُ عن شمالهم، فهم غرقى في النَّار، طعامهم نارٌ، شرابهم نارٌ، لباسُهم نارٌ، مهادُهم نارٌ، فهم بين مقطِّعاتِ النيران، وسرابيلِ القطران، وضربِ المقامع، وثقلِ السلاسل، تغلي بهم النَّار كغلي القدور، ويهتفون بالويل والعويل والثبور، ومهما دعوا بالثبور يُصَبُّ مِن فوق رؤوسهم الحميم، يُصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع مِن حديد، وكلَّما نضجت جلودُهم بُدِّلوا جلودًا غيرها…».


ولعلَّ قائلًا يقول: وأين رحمةُ الله؟؟..
نقول له: إنَّ رحمةَ اللهِ واسعةٌ واسعةٌ واسعةٌ، وسوف تشملُ خلقًا كثيرًا كثيرًا كثيرًا…


﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏﴾. (‏سورة الزمر‏/ 53‏)
﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾. (الحجر/ 56)


هذا صحيح صحيح، إلَّا أنَّ شأنَ الظلمةَ وسفَّاكي الدماء ومنتهكي الحرماتِ وقتلةَ الأبرياء والأولياء فشأنٌ آخر، إنَّه عدل الله الذي قال: «وعزّتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم»، وقال: «اشتدَّ غضبي على مَنْ ظَلَم مَنْ لا يجد ناصرًا غيري» فكم استغاث المظلومون بالله، حيث لا ملجأ إلَّا إليه، «ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوتَ أخذه وهو له بالمرصاد» كما جاء في الكلمة عن أمير المؤمنين..


وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾. (السجدة/ 22)
المسألة مسألة العدل الإلهي فيما هو القصاص من الجناة والظلمة


قولوا لي بالله عليكم:
أيأتي يزيدُ الطاغية الذي أمر بسفك دم الحسين، سبط رسول الله، وريحانة الزهراء، وسيِّد شباب أهلِ الجنَّةِ، ليجد أبوابَ الجِنانِ مشرعةً أمامَه ؟!
أيأتي عمر بن سعد الذي قاد أبشع جريمة في التاريخ ضدَّ آل رسول الله صلَّى الله عليه وآله ليجد أبواب الجنان مشرعةً أمامه؟!
أيأتي شمر بن ذي الجوشن الذي ارتقى بنعله صدر الحسين، وحزَّ الرأسَ المقدَّس ليجد أبواب الجنان مشرعةً أمامه؟!


أيأتي أبو الحتوف الذي رمى جبهة الحسين بحجرٍ فسالت الدماءُ وجهه وكريمته، ليجد أبواب الجِنان مشرعةً أمامه؟!
أيأتي ذلك اللعين الذي صوَّبَ السهم المثلَّث إلى قلب المولى الحسين، ليجد أبواب الجنانِ مشرعةً أمامه؟!


أيأتي حرملة ابن كاهل الذي وجَّه سهمًا حاقدًا إلى نحر الطفل الرضيع فذبحه من الوريد إلى الوريد وهو بين يدي أبيه الحسين، ليجد أبوابَ الجنانِ مشرعةً أمامه؟؟!


أيأتي هؤلاء يوم الحساب وخصماؤهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وكلّ الأنبياء والأولياء والصلحاء ليجدوا أبواب الجنان مشرّعةً أمامهم ؟!!


قولوا لي بالله عليكم:
أيأتي سلطانٌ عبث بقدرات المسلمين، وامتلأت سجونه، وزنزاناته وطواميره بعشرات الآلاف من أبناء عليّ وفاطمة، ومن المؤمنين الصالحين، وواجهوا أقسى ألوان العذاب، والذلّ والهوان، ومات أكثرهم تحت سياط الجلَّادين الأشرار؟!!


أيأتي هذا الحاكم الطاغية المستبد الذي سجن الإمام موسى بن جعفر ما يقارب من عشرين عامًا، في أسوء سجونه، وعرَّضه إلى أقسى ألوان المعاناة، إلى أن قام لاغتياله وتصفيته؟!!
أيأتي هذا السلطانُ والحاكم لتستقبله ملائكةُ الرحمةِ في يوم الحساب ؟!!


قولوا لي بالله عليكم:
أيأتي طاغية مثل صدَّام، وقد أفرغ رصاصاتِ حقده في رأسِ الشهيد السَّيد الصدر، وفي قلب العَلَوية الطاهرة الشهيدة بنت الهدى، وأعدم الآلاف من العلماء والصلحاء والشرفاء من أبناء العراق، وضجَّت مقابرُه الجماعية بأرواح الذين دُفنوا أحياء بلا ذرَّةٍ مِن رحمة، واستغاثت حرائر العراق المؤمنات العفيفاتُ من انتهاكاته وتدنيساته وجرائمه، ودمَّرَ، وخرَّبَ، وعبث، وأرعب، وأرهب، أيأتي هذا الطاغية وهو يحمل على كاهله كلَّ هذا الظلم، وكلَّ هذه الدِّماء ليقال له في يوم القيامة ادخل الجنة بسلام وجاور الصفوة والصالحين والأخيار؟!
﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. (الحج/ 46)
وأيّ عمى أسوء من هذا العمى الذي يعطي صكوك الغفران لكلِّ الظلمةِ والطغاة، ولكلِّ القتلة والجُناة…
أعاذنا الله من هذا العمى والزيغ والضَّلال…


ماذا عن الشأن المحلِّي؟


لا زالت مؤشراتُ الأوضاعِ لا تتَّجه نحو الانفراج…
نُصبح ونُمسي نبحثُ عن الأمن والأمان، وننشد العدلَ والإنصافَ، ونطمع أن يكونَ هذا الوطنُ وطنَ المحبَّةِ والأخوةِ والمساواةِ، ويشدُّنا عزمٌ وإصرارٌ، وإرادةٌ وإيمان أنْ يتحرَّر هذا البلدُ مِن كلِّ الأزمات، وأنْ يتخلَّص من كلِّ النكباتِ، وأنْ ينجوَ من كلِّ المحنِ والفتن…


ما يتحرَّك على الأرضِ يقتل كلَّ الأماني والرغباتِ والتطلعات، ويحرق كلَّ الخيارات، ما دام خيار الأمن، والبطش، والفتك هو الخيار، وما دام رهانُ العسكر هو الرهان، وما دامتْ الحكمةُ ليس لها مكان، وما دامتْ إراداتُ التأزيم هي التي تحكم القرار، وما دامت شهوةُ الانتقام مستعرةً كلَّ الاستعار، وما دام الشحن الطائفي يؤجِّج أضغانًا، ويستنفر أحقادًا.


وهل المُشكلُ في هذا البلد مُشكلٌ طائفي؟
أبدًا ليس مشكلًا طائفيًا، فالبحرين تاريخٌ من المحبة والأخوة بين الطوائف والمذاهب والمكوِّنات…


صحيحٌ في بلدي تمييزٌ طائفي، وصحيحٌ في بلدي ظلمٌ طائفي، وصحيحٌ في بلد تسييسٌ طائفي وصحيحٌ في بلدي تجَّار فتنٍ طائفية؛ لأنَّهم مفلسون كلَّ الإفلاس إلَّا في أسواق الفتن والصراعات والخلافات…


كلّ هذا صحيحٌ في بلدي، إلَّا أنَّ المشكلَ مشكلٌ سياسي بامتياز، هذا المشكلُ هو المسئولُ عن كلِّ الأزماتِ وكلِّ التوتراتِ، وكلِّ الاحتقانات…


إلَّا أنَّ النظام مصرٌّ أنْ لا يعترف بذلك، من هنا تأتي كلُّ العلاجاتِ من قِبَلِ السُلطة خارجةً تمامًا عن السياقات الصحيحة، وتأتي كلُّ الطروحات عاجزة عن مقاربة المشكل، وتأتي كلُّ الحلول فاقدةً للمصداقية…


ما لم يتم الاعتراف بأساس المشكل سوف تبقى المساراتُ تائهةً، وسوف تبقى المحاولاتُ متخبِّطةً، وسوف تبقى المسافةُ كبيرةً بين ما يقدِّمه النظامُ من ترميماتٍ وترقيعاتٍ، وما يشكِّل مطالبَ الحَراكِ المتصاعد في الشارع، وما يشكِّلُ رُؤى وقناعاتِ القُوى السِّياسية المعارضة، وأستطيع القول أنَّ هذه الترميمات والترقيعات لا تستجيب حتَّى للحد الأدنى من تلك المطالب والرؤى والقناعات…


إنَّ الخروج من المأزق لن يكون بهذا الإصرار على تجاهل الأسباب الحقيقية، واستبدال ذلك بأسباب وهمية، ولن يكون بهذا العنادِ على رفض مطالبِ الشعبِ العادلةِ وعلى مواجهة حَرَاكات الشارع السلمية، وعلى الاستمرار في إنتاج التعقيدات، وفي خلق التأزّمات…


قد يقال: لماذا دائمًا يتِّهمُ خطابُكم السُلطة، ويُحمِّلها كلَّ المسؤولية، ويتغافل كلّ التغافل عن أخطاء القوى السِّياسية المعارضة، وتجاوزاتِ الرموز الدينيَّة الفاعلة، وانفعالاتِ الشارعِ المنفلتة؟!


إذا سلَّمنا بوجود أخطاء وتجاوزاتٍ وانفعالاتٍ فهي نتاج واقعٍ مأزومٍ خاطئ صنعته السُلطة، وهي نتاج سياساتٍ ظالمةٍ مارسها الحكم، وهي نتاجُ خياراتٍ فيها الكثير مِن القسوة والبطش والفتك…


وإن كنَّا نعتقد أنَّ مواقفَ القوى السِّياسية المعارضة معتدلةٌ كلَّ الاعتدالِ، وأنَّ طروحاتِ الرموز الدينية الفاعلة متوازنة كلَّ التوازن، وإنَّ غضب الشارع لا زال في مساراته العاقلة…


لا يعني هذا عدم وجود خطأٍ هنا أو هناك، أو عدم تجاوز لدى موقعٍ هناك أو هناك، أو عدم انفعال يفرضه حَراكٌ هنا أو هناك…


إلَّا أنَّ هذا لا يُشكِّل الظاهرة التي ترسم المشهد الشعبي، فمكوناتُ هذا المشهد فيما هي مواقفُ القوى المعارضة، وفيما هي توجيهاتُ الرموز الفاعلة، وفيما هي حراكات الشارع الراهنة، في مساراتها السليمة والحكيمة والمعتدلة والعاقلة…


وأخشى ما نخشاه أنْ يؤدِّي إصرارُ السلطة على خياراتها القائمة إلى أنْ ينفذ صبر النَّاس، ويموت في داخلهم الأمل، ويضيقُ بهم الخناق، وعندها يجب أن تتحمَّل السُلطةُ النتائج…


قلوبنا على هذا الوطن؛ يؤلمنا أنْ تأكلهُ المحنُ والفتن، أنْ تتأزم فيه الأوضاعُ، أنْ تُراق على أرضه دماءٌ، أنْ يُسجن فيه أحرارٌ، أن تُحاربَ أرزاقٌ، أنْ تُنتهَكَ أعراضٌ، أنْ تُقتلَ آمالٌ…


إلهي متى أرى وطني وطنَ محبةٍ وأمنٍ وأمان…
إلهي متى أرى وطني بلا سجونٍ، بلا زنزاناتٍ تلاحقُ الأحرار والشُرفاء…
إلهي متى أرى وطني معافى مِن كلِّ أشكالِ القهر والألم والمعاناة…
إلهي متى أرى وطني بلا تمييز، بلا طائفية، بلا محسوبية…
إلهي متى أرى وطني بلا سياسية تجنيسٍ تقتلُ أصالة شعب…
إلهي متى أرى وطني بلا جُوعٍ، بلا عراءٍ، بلا ضياع…
إلهي متى أرى وطني بلا فسادٍ، بلا عبثٍ، بلا سرقاتٍ…
إلهي متى أرى وطني لا تقمع فيه أصواتٌ، لا تسجن فيه كلماتٌ، لا تُشترى فيه ضمائر، لا يخونُ فيه إعلامٌ، لا ترتهن فيه صحافة، لا تُعتقلُ فيه أصواتُ رأيٍ، لا يُعذَّبُ فيه رجالُ كلمةٍ، لا يلاحقُ فيه أصحابُ موقف، لا تُدينه تقريرات، لا يُصنَّفُ ضمن الدول الأكثر تراجعًا في مجال حرية التعبير…


وأخيرًا يا إلهي متى أرى وطني ينعم أبناؤه بثرواتِه، بخيراته، بأراضيه، ببحاره، بسواحله، بكلِّ ما فيه…
ومتى أرى وطني تحكمه إرادةُ شعبِه…
ليس ذلك على الله بعسير، فهو سبحانه على كلِّ شيئٍ قدير…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى