الكلمة السابعة: عنوان الكلمة: مؤهَّلات إمام الجماعة
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد تمَّ بثُّها يوم السبت بتاريخ: (13 شعبان 1442 هـ – الموافق 27 مارس 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان الكلمة: مؤهَّلات إمام الجماعة
مَن يتصدَّى لإمامة الجماعة للصَّلاة يحتاج إلى مجموعة مواصفات، ويحتاج إلى مجموعة مؤهَّلات إذا غابت، أو غاب بعضها كان هذا التَّصدِّي فاشلًا وسيِّئًا.
ما هي أهم المؤهَّلات المطلوبة في إمام الجماعة، أو الجمعة؟
أوَّلًا: المؤهَّل الرُّوحيَّ (الرَّبَّانيَّة والرَّوحانيَّة)
ماذا تعني الرَّبَّانيَّة الرُّوحانيَّة؟
يجب أنْ يمتلك إمام الجماعة رَوحانيَّة أو رُوحانيَّة، فإذا كانت الكلمة من الرُّوح فرُوحانيَّة، وإذا كانت الكلمة من الرَّوح فرَوحانيَّة.
ما معنى أنْ يمتلك الإنسان المتصدِّي للإمامة – إمامة الجماعة، أو الجمعة – أنْ يمتلك روحانيَّة؟
المقصود امتلاك درجة عالية من الإخلاص لله تعالى.
هذه هي الروحانيَّة، كلَّما ارتقت درجة الإخلاص لله تعالى كلَّما ارتقت الروحانيَّة، وكلَّما انخفض مستوى الإخلاص تنخفض الروحانيَّة.
أنْ يكون الإنسان عالم دين، أو إمام جماعة، فهذا موقع له منزلقات خطيرة.
لماذا نحتاج إلى درجة عالية من الإخلاص في إمام الجماعة، وفي العالم، وفي المتصدِّي؟
هذا الموقع – موقع العالِميَّة، وموقع الإمامة، إمامة الجماعة، والجمعة، والخطيب – هذا موقع فيه منزلقات خطيرة جدًّا، ومدمِّرة: فيه شُهرة، فيه حبُّ جَاهٍ، وحُبُّ المدح والثَّناء، والرِّياء، والتَّكبُّر، فهذه عناوين خطيرة ينزلق فيها أصحاب هذا الموقع.
فمطلوب من إمام الجماعة، ومن إمام الجمعة، ومن الخطيب، ومن العالِم، ومن المتصدِّي لتوجيه النَّاس، وبناء النَّاس، وتربية النَّاس، مطلوب أنْ يراقب نيَّته باستمرار، فحينما يتحدَّث، وحينما يتكلَّم، وحينما يفعل، وحينما يقول، وحينما يتحرَّك أنْ يراقب نيَّته باستمرار؛ ليتوفَّر على الإخلاص.
•في الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «مَنْ تعلَّم لله، وعمل لله، وعلَّم لله دُعِي في ملكوت السَّماوات عظيمًا.
فقيل: تعلَّم لله، وعمل لله، وعلَّم لله» (ميزان الحكمة 3/2078، محمَّد الريشهري).
•في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله): «مَنْ تعلَّم العلم رياءً وسمعةً يريد به الدُّنيا نزع الله بركته، وضيَّق عليه معيشته، ووكله إلى نفسه، ومَنْ وكله الله إلى نفسه فقد هلك» (ميزان الحكمة 3/2079، محمَّد الريشهري).
هذا ما نسمِّيه بالمؤهَّل الروحيِّ، وهو تصفية النِّيَّة، وتصفية الباطن، وتصفية الدَّاخل.
ثانيًا – المؤهَّل الثَّاني من مؤهَّلات إمام الجماعة -: المؤهَّل الأخلاقيُّ
المؤهِّل، أو المؤهَّل الأخلاقيُّ، الأخلاق نموذج من السُّلوك النَّظيف.
إذا صنع المؤهَّل الرُّوحيُّ الباطنَ، فالمؤهَّل الأخلاقيُّ يصنع نمط السُّلوك، ونمط التَّهذيب، والتَّعاطي مع الآخر، والصِّدق، والأمانة، والنَّظافة، والطُهر.
•قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ نصب نفسه للنَّاسِ إمامًا، فعليه أنْ يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسلوكه قبل تأديبه بلسانه، ومعلَّم نفسه ومؤدِّبها أحقُّ بالإجلال من معلم النَّاس ومؤدِّبهم» (ميزان الحكمة 3/2092، محمَّد الريشهري).
إذا قلتُ للنَّاس: كونوا صادقين، فمطلوب مني أنْ أكون صادقًا قبل أنْ أقول للنَّاس بلساني: كونوا صادقين.
إذا قلت للنَّاس: لا تغتابوا أيُّها النَّاس، فأنا مطلوب ألَّا أمارس الغِيبة.
فإذا كنتُ أريد أنْ أؤدِّب النَّاس بلساني فمن الأولى والأفضل والأكمل والأهم والأعظم أنْ أربِّي النَّاس بسلوكي.
•«…، ومعلِّم نفسه ومؤدِّبُها أحقُّ بالإجلال من مُعلِّم النَّاسِ ومؤدِّبهم».
فيجب أنْ يكون إمام الجماعة نموذجًا للمُثل، والقِيم، والفضائل؛ لتنجذب إليه القلوب.
وليربي النَّاس من خلال طِباعه.
أمَّا إذا كان نموذجًا سيِّئًا فيما يحمل من خصال أفسدت أخلاق النَّاس.
فبقدر ما ترتقي أخلاق المتصدِّي لتربية النَّاس، ولتوجيه النَّاس، ولِصُنع النَّاس بقدر ما يرتقي مستوى الأخلاق عند هذا الإنسان، فسيستطيع أنْ يصنع النَّاس، ويستطيع أنْ يربِّي النَّاس، ويستطيع أنْ يهذِّب النَّاس، وإلَّا فالعكس، فإنَّه سيفسد ويدمر القِيم.
هذا المؤهل الثَّاني.
ثالثًا: المؤهَّل السُّلوكيُّ
يوجد صنع داخلي أسميناه مؤَّهلًا روحيًّا
ويوجد صنع أخلاق أسميناه مؤهَّلًا أخلاقيًّا.
كما يوجد صنع سلوك بشكل عامٍّ، وصنع تقوى، فهذا مؤهل سلوكيٌّ.
توجد تقوى، توجد ورع.
التَّقوى هي الالتزام بأوامر الله تعالى، واجتناب النَّواهي، واجتناب المعاصي، واجتناب الذُّنوب.
مطلوب أنْ يكون إمام الجماعة قدوة.
مطلوب من العالم المتصدِّي أنْ يكون قدوة للنَّاس.
مطلوب من الخطيب الموجِّه أنْ يكون قدوة للنَّاس.
وكلمَّا ارتقى مستوى التَّقوى كلَّما تجذَّر عنوان القدوة.
كما أنَّه ينهار عنوان القدوة، وينتكس، ويتذمَّر – هذا العنوان – حينما يهبط مستوى التَّقوى.
فإذن، هناك تزاوج بين القدوة وبين التَّقوى.
كلَّما يرتقي مستوى التَّقوى يرتقي مستوى القدوة، وكلَّما يهبط مستوى التَّقوى يهبط مستوى التَّقوى.
والذي يصنع تقوى النَّاس لا بدَّ أنْ يصنع التَّقوى في حياته، وإذا فَقَدَ التَّقوى كان كارثةً على الدِّين.
إنَّ عالمًا بلا تقوى كارثة على الدِّين.
إمام جماعة بلا تقوى كارثة على الدِّين.
خطيب ومبلِّغ وموجِّه بلا تقوى كارثة على الدِّين.
•ولذلك الإمام أمير المؤمنين يقول: «قصم ظهري عالم متهتِّك، وجاهل متنسِّك، فالجاهل يغشُّ النَّاس بتنسُّكه، والعالم – المتهتِّك – يغرُّهم بتهتكه» (مسند الإمام علي (عليه السَّلام) 9/190، السيد حسن القبانجي).
•في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «يطلع قوم من أهل الجنَّة على قوم من أهل النَّار، فيقولون: ما أدخلكم النَّار، وقد دخلنا الجنَّة لفضل تأديبكم، وتعليمكم؟!
فيقولون: إنا كنَّا نأمر بالخير، ولا نفعله» (ميزان الحكمة 3/2097، محمَّد الريشهري)!
«يطلع قوم من أهل الجنَّة على قوم من أهل النَّار…» في الآخرة، إذا حُكم لأهل الجنَّة بالجنَّة، وأهل النَّار بالنار، فيطلع جماعة من أهل الجنَّة على جماعة من أهل النَّار على قوم من أهل النَّار، «فيقولون: ما أدخلكم النَّار»؟ مستغربين.
«وقد دخلنا الجنَّة لفضل تأديبكم، وتعليمكم»؟!
ألستم أنتم أئمَّة الجماعة قد علَّمتمونا القِيم، والأخلاق؟
ألستم خطباء منبر أرشدتمونا، وهذَّبتمونا، وعلمتمونا الدِّين، فدخلنا الجنَّة بفضل تأديبكم، وتعليمكم، وتربيتكم، وتوجيهكم، أليس كذلك؟
فما أدخلكم النَّار؟ فقد دخلنا الجنة بفضل توجيهاتكم، بفضل تعليماتكم، فـ«ما أدخلكم النَّار؟!، وقد دخلنا الجنَّة لفضل تأديبكم، وتعليمكم؟!
فيقولون: إنَّا كنَّا نأمر بالخير، ولا نفعله».
إنَّنا نقول لكم: كونوا أتقياء صالحين إلَّا أنَّنا لا نطبق التَّقوى، والصَّلاح.
إنَّنا نقول لكم: لا تخونوا، ونحن كنَّا نخون.
إنَّنا نقول لكم: كونوا صادقين، ونحن كنَّا نكذب.
إنَّنا نقول لكم: لا تغتابوا، ونحن كنَّا نغتاب.
إذن، «كنَّا نأمر بالخير، ولا نفعله»!
أ-كم هو خطير حينما يمارس إمام الجماعة الغِيبة!
ب-أئمّة جماعة يمارسون إسقاط الآخرين، مع من يختلفون معهم، خاصَّة حينما تكون هناك نزاعات على مساجد، أو على مواقع إمامة، فتشتغل ألسن أئمَّة الجماعة، مع مَن يختلفون معهم!
ج- وحينما أئمَّة جماعة يتنازعون على موقع هنا وهناك!
د-أئمَّة جماعة يتحاسدون.
إذن، مطلوب من إمام الجماعة أنْ يملك مؤهَّلًا عمليًّا سلوكيًّا متمثِّلًا في التَّقوى.
رابعًا – من مؤهَّلات إمام الجماعة -: المؤهَّل العلميُّ
مَن يتصدَّى للإمامة، ومن يتصدَّى للتَّبليغ، ومن يتصدَّى للتَّوجيه، عليه أنْ يكون محصَّنًا بمستوى علميٍّ مركَّز، وإلَّا ضلَّ وأضلَّ النَّاس حينما يُخْطِئ عامدًا، أو جاهلًا، فإنَّه يؤدِّي إلى ضلال النَّاس، وإلى فساد النَّاس.
هنا الحاجة كبيرة إلى أنْ يتحصَّن تحصينًا علميًّا، توجد كفاءة حوزويَّة ضروريَّة، يجب أنْ تكون عنده دراسة حوزويَّة مركَّزة، ليتصدَّى للإرشاد، وليتصدَّى للإمامة، وليتصدَّى للتَّوجيه.
يجب أنْ تكون دراسته الحوزويَّة دراسة مركَّزة. ويجب أنْ تكون ثقافته الدِّينية في مجالات العقيدة، ومفاهيم الدِّين ثقافة مركَّزة.
وهكذا يستطيع أنْ يصنع وعي الآخرين، الوعي العقيديَّ.
والوعي الأخلاقيَّ.
والوعي السُّلوكيَّ.
والوعي الاجتماعيَّ.
ووعي الحياة.
ووعي الدِّين بكلِّ مفاهيمه.
إنَّ فاقد الشَّيئ لا يعطيه، فإذا كان هو لا يملك وعي الدِّين، فكيف سيصنع وعي النَّاس؟
إذا كان هو لا يملك ثقافة الدِّين، فكيف سيصنع ثقافة النَّاس؟
إذا كان لا يملك مفاهيمَ الدِّين، فكيف سيصنع مفاهيم النَّاس؟
هذا مؤهَّل علميٌّ ثقافيٌّ.
خامسًا: المؤهَّل الرِّساليُّ
عالم الدِّين، وطالب الحوزة يجب أنْ يتحوَّل إلى لسان ناطق باسم الإسلام، وباسم الدِّين.
وإلَّا لماذا يدرس؟، ولماذا يتعلَّم في الحوزة؟؛ أليس من أجل أنْ يبلغ.
•﴿… فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (سورة التَّوبة: الآية 122).
إنذار، تبليغ، توجيه، أنا لا أتعلَّم لأنْ أصنع نفسي، وإلَّا فلأقعد في البيت، وأقرأ الرِّسالة، وأُثقِّف نفسي، وانتهت المشكلة.
أنا مهاجر إلى الحوزة، أنا أدرس، أنا يُصرَف عليَّ من سهم الإمام (عليه السَّلام)؛ هل من أجل أنْ أتعلَّم كيف أصلِّي، وكيف أصوم، وكيف أحجُّ، وكيف أمارس الطَّاعات فقط؟
الجواب: لا، بل ﴿لِيُنذِرُواْ﴾؛ من أجل أنْ أُنذر النَّاس، وأُعلِّم النَّاس، وأربِّي النَّاس، وأصنع تقوى النَّاس، وأصنع وعي النَّاس، وأصنع سلوك النَّاس.
هذه رساليَّة، وإلَّا كنت كاتمًا للدِّين، إذ قد تعلَّمت العلم وكتمته في داخلي!
•﴿… إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (سورة البقرة: الآية 159).
إذا كنت تملك علمًا فبُثَهُ ما لم تكن هناك موانع قاهرة.
أنت تملك ثقافة الدِّين حرِّك هذه الثَّقافة.
أنت تملك فقه الدِّين حرِّك هذا الفقه.
أنت تملك أخلاق الدِّين حرِّك هذه الأخلاق، ولا تكتمها، وإلَّا ستكون ممَّن ﴿… يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى …﴾، فتكون حينئذٍ ملعونًا.
•الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «أيَّما رجلٍ آتاه الله (عزَّ وجلَّ) علمًا، فكتمه وهو يعلمه لقي الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار» (ميزان الحكمة 3/2076، محمَّد الريشهري)
إذا كانت توجد معلومة تعرفها والنَّاس محتاجون إليها، فمطلوب منك أنْ توصلها للنَّاس.
ضرورة التوفُّر على مجموعة قدرات
من أجل أنْ يتمكَّن طالب العلم، وطالب الحوزة، وإمام الجماعة، وإمام الجمعة أنْ يوصل رسالته إلى النَّاس، فمطلوب أنْ تكون عنده:
أ- قدرة خطابيَّة، وقدرة على الخطابة، وقدرة على المحاضرة.
ب- قدرة على التَّدريس، والتَّعليم.
ج-قدرة على الحوار.
د-قدرة على الكتابة.
إذا كان مطلوبًا منِّي أنْ أوصل رسالتي، فيجب أنْ أتوافر على أدوات.
إذا كان عالم، وخطيب لا يستطيع أنْ يتحدَّث، وأنْ يخطب، وأنْ يكلِّم الآخرين، وأنْ يُحاضر، وأنْ يكتب، فكيف له حينئذٍ أنْ يوصل رسالته؟!
لكي أوصل رسالتي إلى لنَّاس مطلوب أنْ أتوافر على مجموعة مؤهَّلات من الكفاءات تمكِّنني من أنْ أؤدِّي رسالتي كما يريد الله تعالى.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.