كلمة افتتاحيَّة لسماحة العلاّمة الغريفي في ملتقى الإمام الصَّادق (ع) بقرية الدير
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلام عليكم، ورحمة اللهِ وبركاته.
بكلِّ تقديرٍ ومحبَّةٍ أثمِّنُ هذا (الملتقى الطَّيِّب) والَّذي يُعبِّر عن جهدٍ علميٍّ مشكورٍ، وكم هي الحاجة كبيرةٌ جدًّا إلى تطوير (أدواتِ الإحياءِ) لهذهِ المناسباتِ الدِّينيَّة.
إنَّنا نمتلك تاريخًا غنيًّا بالمناسبات الدِّينيَّة.
ونمتلك أدواتٍ كثيرةً لإحياءِ هذه المناسباتِ:
نمتلك (المنبر).
ونمتلك (الاحتفالات).
ونمتلك (أدوات إعلام معاصرة).
فرغم القيمةِ كلِّ القيمة لما يمارسُهُ (المنبرُ)، ورغم القيمةِ كلِّ القيمة لما تؤدِّيه (الاحتفالاتُ)، ورغم القيمةِ كلِّ القيمة لدور أدوات الإعلام المعاصرة، فإنَّ (الملتقياتِ العلميَّةَ) تشكِّل ضَرُورةً تفرضُها أساليبُ هذا العصرِ، وخاصَّة أنَّ الأجيالَ المُثقَّفةَ تبحثُ عن (تجديدٍ) في الخطابِ الدِّينيِّ، وأدواتِه، ومناهجِهِ، ولغتِهِ، وأساليبِه في زحمةِ (إشكالاتٍ)، و(تحدِّياتٍ) تواجهُ هذا الخطاب.
وحينما نتحدَّثٌ عن (الخطاب الدِّينيِّ) – هنا – لا نتحدَّثُ عن (النَّصِّ الدِّينيِّ) مُمثَّلًا في (القرآن الكريم)، و(السُّنَّة المعصومة)، فهذا النَّصُّ فوق النَّقد، والمحاسبة، وإنَّما نتحدَّثُ عن (النَّتاجاتِ الصَّادرة عن غير المعصومين في فهم النَّصِّ الدِّينيِّ).
فالخطاب الدِّينيُّ ممثَّلًا في هذه النَّتاجات في حاجةٍ إلى تأصيلِ وتجديدٍ مستمرَّين، وفي حاجةٍ إلى مراجعةٍ، ومحاسبة، كلُّ ذلك يمارسه أصحاب الاختصاصِ والكفاءاتِ العلميَّة؛ من أجل إعطاءِ الخطابِ (فاعليَّةً)، و(حضورًا) في مواجهةِ تحدِّياتِ، وإشكالاتِ العصر.
وأيُّ تجديدٍ في الخطابِ (لغةً، ومضمونًا) يجب أنْ يكون مُحصَّنًا بالتَّأصيل في ارتكازِهِ على (ثوابت الدِّين).
فالمساراتُ التَّجديديَّةُ التي لا تنتمي إلى (الأصالة) هي مساراتٌ ضائعةٌ، ومنفلتةٌ، وفاقدةٌ للهُويَّةِ، والانتماءِ.
مقاربات عاجلة تمهِّد لمساهمات الملتقى
أيُّها الأحبَّة:
كلمتي هذه ليست إلَّا مقاربةً عاجلةً تُمهِّد لمساهماتِ هذا الملتقى، والَّذي آملُ أنْ يكونَ غنيًّا بعطاءاتِه الثَّريَّةِ، خاصَّة وأنَّ المشاركين نخبةٌ من الكفاءاتِ العلميَّةِ، والثَّقافيَّة.
في هذه المقاربةِ العاجلةِ أحاولُ أنْ أتناولَ عنوانين:
العنوان الأوَّل: إشكاليَّة تتَّهم هذا التَّعاطي مع (مناسبات أهل البيت) بأنَّه يُكرِّسُ (الحسَّ الطَّائفيَّ)، الأمر الَّذي يؤسِّس لخلافاتٍ وصراعاتٍ تضرُّ بوحدةِ المسلمين.
المناسبات التَّاريخيَّة الَّتي يتَّفق عليها المسلمون جميعًا، لا مشكلةَ في التَّعاطي معها، فهي تساهم في التَّأسيسِ للوحدة، والتَّقارب.
أنْ يحتفلَ المسلمون بذِكرى البعثة النَّبويَّة.
أنْ يحتفلَ المسلمون بذِكرى الإسراء والمعراج.
أنْ يحتفلَ المسلمون بذِكرى الهجرة.
أنْ يحتفلَ المسلمون بذِكرى فتح مكَّة.
أنْ يحتفلَ المسلمون بذِكرى بدر.
هذه مناسباتٌ تمثِّل (عنوان الإسلام)، فالاحتفاء بها يؤسِّسُ للتَّقارب بين المسلمين.
أمَّا أنْ تكون المناسباتُ خاصَّة بهذا المذهب أو ذاك المذهب، فالاحتفاء بها يؤسِّس لثقافة مذهبيَّة، ويعيد إلى ذَاكرة الأجيال (خلافات التَّاريخ) والتي يجب أنْ تُدفن!، خاصَّة والمسلمون في عصر ٍازدحمتْ الصِّراعاتُ والخلافاتُ الطَّائفيَّةُ، والمذهبيَّةُ، والثَّقافيَّةُ، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.
هذا الكلامُ في مساحةٍ منه لا نختلف عليه.
فاستدعاءُ ما يُفرِّقُ المسلمين أمرٌ مرفوض جدًّا.
وتنشيطُ الفتنِ الطَّائفيَّةِ، والمذهبيَّة أمرٌ مرفوضٌ جدًّا.
وتجذيُر (القواسم المشتركة) التي تُوحِّد المسلمين أمر مطلوبٌ جدًّا.
هذه المساحةُ تشكِّل مساحة يتوَّحد عليها المسلمون بكلِّ انتماءاتِهم المذهبيَّة، ولكنّ السُّؤال الَّذي يجب أنْ يطرح هنا:
•هل أنَّ الأئمَّة مِنْ أهلِ البيت (عليهم السَّلام) يُمثِّلُون (عناوين مذهبيَّة)؟
لم يفهمْ الأئمَّةَ مِنْ أهل البيت مَنْ يُريدُ أنْ (يُمذهبَهُمْ)
لا فرق في أنْ يكون هذا (الممذهِبُ) شيعيًّا، أو سنيًّا.
كلُّ هؤلاء (الممذْهِبين للأئمَّة من أهل البيت) لم يضعوهم في (مواقعهم) كما أراد لهم الإسلام.
أراد الإسلام لأئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) أنْ يكونوا لكلِّ المسلمين.
•في حديث الثَّقَلين – والَّذي دوَّنتْهُ أغلب مصادر المسلمين – يقول النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إنِّي تارك فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتابَ الله حبل ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتَّى يَرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». (كنز العمَّال 1/107، المتقي الهندي، سنن الترمذي 5/328، الترمذي)
رُوِي هذا الحديث بصِيغ متعدِّدة.
يقول الفقيه الكبير السَّيِّد محمَّد تقي الحكيم في كتابه: (الأصول العامَّة للفقه المُقارَن) في تعليقه على هذا الحديث: ‹…، وحسب الحديث لأنْ يكون موضع اعتماد الباحثين أنْ يكون من رواية كلُّ من: صحيح مسلم، وسننِ الدارمي، وخصائص النسائيِّ، وسنن أبي داود، وابن ماجه، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم، وذخائر العقبى، وحلية الأولياء، وكنز العمال، …، وغيرهم، وأنْ تُعنى بروايته كتبُ المفسِّرين أمثال: الرَازي، والثَّعلبيِّ، والنِّيسابوري، والخازن، وابن كثير، وغيرهم، بالإضافة إلى الكثير من كتب التأريخ، واللُّغة، والسِّيَر، والتَّراجم، وقد استقصت رسالة دار التَّقريب عشرات المؤلِّفين من هؤلاء وغيرهم، …›. (الأصول العامَّة للفقه المقارن، الصَّفحة 158، السَّيِّد محمَّد تقي الحكيم).
فهل يسع أحدٌ من المسلمين أنْ يضع (الأئمَّة من أهل البيت) في عناوين مذهبيَّة؟
خلاصة القول: إنَّ الاحتفاء بمناسبات الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) ليس احتفاءً مذهبيًّا، ولا يمكن أنْ يؤسِّس لصراعات مذهبيَّة وطائفيَّة إلَّا إذا انحرفنا بهذا الاحتفاء عن أهدافه ومنطلقاته.
العنوان الثَّاني: دور الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) في إنتاج (مشروع الوحدة والتَّقارب).
إنَّ استدعاءَ حياة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) يُشكِّل استدعاءً لهذا المشروع الكبير.
فنحن حينما نتعاطى مع حياة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) لا نحاول أنْ نرتمي في أحضان التَّاريخ.
صحيح أنَّ حياة الأئمَّة (عليهم السَّلام) في بعدها (الزَّمكاني) تشكِّل مقطعًا من التَّاريخ الَّذي مضى، وانتهى.
صحيح أنَّ الإمام عليًّا (عليه السَّلام) عاش في مقطع من التَّاريخ.
وصحيح أنَّ الإمام الحسين (عليه السَّلام) عاش في مقطع من التَّاريخ.
وصحيح أنَّ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) عاش في مقطع من التَّاريخ.
إلَّا أنَّ هذا النَّمط من الشَّخصيات يضيق بهم الزَّمان والمكان، فهم يُشكِّلون حضورًا دائمًا ومستمرًّا، وهم يملكون عمرًا رساليًّا أكبر من الزَّمان، والمكان.
فالتَّعاطي مع حياة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) يُشكِّل ضرورةً معاصرةً، وحاجة حاضرةً، وليس مجرَّد مقاربة تاريخيَّةً.
هنا نطرحُ الإمامَ الصَّادق (عليه السَّلام) نموذجًا لمشروع الوحدة والتَّقارب.
هذا المشروع الَّذي يُشكِّل ضرورة في هذا العصر ِالمثقلِ بالأزماتِ، والخلافات، والعصبيَّات، والخصومات.
ومطلوب أنْ تتلاقى كلُّ الجهود؛ لمواجهة أخطار الفتن الطَّائفيَّة، والمذهبيَّة؛ من أجل التَّصدِّي لمشاريع التَّجزئة، والتَّفتيت.
ولا شكَّ أنَّ هناك معوِّقاتٍ صعبةً، فالتَّعصب المذهبيُّ أنتج نهجًا متشدِّدًا تكفيريًّا رافضًا لأيِّ شكلٍ من أشكال التَّقارب.
هذا الموقف المتعصِّب المتشدِّد يرفضه كلُّ العقلاء، وكلُّ المخلصين لأمَّتهم، ولأوطانهِم، فأثمانُهُ باهظةٌ جدًّا كلَّفتْ المسلمين صراعاتٍ، وصداماتٍ، ودماءً، وأرواحًا.
الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) مشروعٌ نموذجيٌّ للوحدة والتَّقارب
الحاجة كبيرة أنْ نقرأ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) مشروعًا نموذجيًا للوحدة والتَّقارب.
مرتكزات مشروع الوحدة والتَّقارب
ويتشكَّل هذا المشروع من مجموعة مرتكزات:
المرتكز الأوَّل: خطابُ الوحدةِ والتَّقارب
مارس الإمام الصَّادق (خطابًا توحيديًّا) مكثَّفًا؛ من أجلِ تحصينِ الأمَّةِ في مواجهة كلِّ أشكال التَّصدُّعِ، والانقسام، والتَّشظِّي، والخلاف.
•كثيرًا ما كان يُسْأَل من قبل أتباع مدرستِهِ هذا السُّؤال: كيف نتعامل مع أتباع المدارس الأخرى من المسلمين؟
فكان جوابُه (عليه السَّلام) صريحًا، وقاطعًا: «…، عُودُوا مرضاهم، واحضروا جنائزهم، واشهدوا لهُمْ وعليهم، وصلُّوا في مساجدهم، …». (وسائل الشيعة 12/7، الحر العاملي).
أيُّ خطابٍ توحيديٍّ أوضع وأصرح من هذا الخطاب.
المرتكز الثَّاني: تأسيس المدرسة الفقهيَّة الفكريَّة العلميَّة الكبرى
أسَّس الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) مدرسة فقهيَّة، فكريَّة، علميَّة كبرى احتضنت كلَّ الانتماءات والمكوِّنات، ولم تضع أيَّة حواجز لإقصاء أحد مهما كان انتماؤه، أو عقيدته، أو مذهبه.
هذه المدرسة بلغ عدد المنتسبين إليها أربعة آلاف طالب.
ويكفي أنْ نعرف أنَّ من المنتسبين إليها:
1-الإمام أبو حنيفة – إمام المذهب الحنفيِّ -.
2-الإمام مالك بن أنس – إمام المذهب المالكيِّ -.
3-سيِّد الحفاظ سفيان الثَّوري أحد الأعلام الكبار، ومن رؤساء المذاهب الفقهية.
4-شعبة بن الحجَّاج من كبار أئمَّة الحديث، وربَّما أطلق عليه (أمير المؤمنين في الحديث).
هؤلاء القمم العلمية بكلِّ مشاربهم الفقهيَّة، وغيرهم كثير كثير ممَّن انتظموا في مدرسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، ممَّا أنتج تلاقحًا فكريًّا، وساهم في ترسيخ التَّقاربِ، والتَّواصل بين المسلمين؛ وممَّا شكَّل تصدِّيًا عمليًّا لمشروعاتِ التَّجزئة التي حاولت أنْ تؤجِّج الخلافات، والصِّراعات، والعداوات.
المرتكز الثَّالث: اعتماد منهج الحوار في كلِّ مجالات العلم، والمعرفة
ولم تقتصر حوارات الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) على شؤون العقيدة، والدِّين، والفقه، بل امتدَّت إلى شتَّى المعارف من طبٍّ، وفَلَكٍ، وكيمياء، وكلِّ شؤون الإنسان والحياة.
ومنهج الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) في الحوار هو منهج القرآن الكريم.
فما كان (عليه السَّلام) يتعقَّد من أيِّ حوار، بل كان يفتح له كلَّ قلبِهِ، وعقلِهِ حتَّى إذا كان هذا الحوار يتحدَّى ثوابت الدِّين، وثوابت مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
حاور الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أقطاب إلحادٍ، وزندقة.
وحاور علماء أديان.
وحاور فقهاء مذاهب.
وحاور رجال علم، ومعرفة.
وحاور كلَّ المستويات، والاتِّجاهات.
أسس محاورات الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)
معتمدًا في حواراتِه مجموعةَ أُسسٍ:
الأساس الأوَّل: الحوار بروح الحبِّ
حاور الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) بروح الحبِّ، وليس بروح الحقدِ، وما كان يتَّهم دوافع الآخرين.
كان يُحاور الأفكار، والقناعات تاركًا (الدَّوافع الدَّاخليَّة = النَّوايا) إلى الله سبحانه.
مشكلة الكثير ممَّن يُحاورون أنَّهم يُحاسبون (النَّوايا)، وهي من مختصَّاتِ الله سبحانه.
لك أنْ تحاسب أفكار الآخرين إذا كنت مؤهَّلًا لذلك، ولكن ليس من حقِّك أنْ تتَّهم الدَّوافع ما لم تتوفَّر على (مُثبتاتٍ قاطعةٍ).
حوارات الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) تحمل كلَّ النَّقاء، والطُّهر بعيدة كلَّ البعد عن (المَزَاجات الذَّاتيَّة) ممَّا أعطاها قدرةً كبيرةً على التَّأثير، واجتذابِ الآخر، واقتحامِ قناعاتِهِ.
الأساس الثَّاني: البحث عن الحقيقة
كان هدف الحوار عند الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) هو (البحث عن الحقيقة)، فما كان يحاور من أجل الحوار.
وما كان يحاور من أجل أنْ يؤكِّد ذاتَه، بل من أجل أنْ يؤكِّد الحقَّ.
وما كان يحاور من أجل أنْ ينتصر، وإنَّما من أجل أنْ تنتصر الحقيقة.
هكذا كان الحوار عند الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) (حوارًا موضوعيًّا) يوفِّر فرصة المحاسبة الذَّاتيَّة للأفكار، ولقَبول الأفكار الصَّائبة.
الأساس الثَّالث: التَّأكيد على نقاط الاتِّفاق أوَّلًا
هذا هو منهج القرآن الكريم في الحوار: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ …﴾. (سورة آل عمران: الآية 64).
حينما يبدأ الحوار بنقاط الاختلاف يتعقَّد.
وهنا، فإنَّ التَّأكيد على نقاط الاتِّفاق، والتَّلاقي:
أ-يخفِّف الكثير من التَّشنُّجات.
ب- يفتح القلوب، والعقول.
ج-يُزيل التَّعقيدات.
فحينما نريد أنْ نحرِّك الحوارات الفكريَّة، أو العقائديَّة، أو المذهبيَّة، أو السِّياسيَّة، فيجب (أوَّلًا) أنْ نقف على أرضٍ مشتركة، ثمَّ نبدأ الحوار.
هكذا اعتمد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) منهجه في الحوار مُتَرسِّمًا منهج القرآن الكريم.
الأساس الرَّابع: أخلاقيَّة الحوار
فكانت لغة الحوار عند الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) نظيفة كلَّ النَّظافة، بعيدةً كلَّ البُعدِ عن التَّشهير، والتَّسقيط، والسَّبِّ مترسِّمًا بذلك منهجًا قرآنيًا أصيلًا.
•﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾. (سورة النَّحل: الآية 125).
•﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾. (سورة العنكبوت: الآية 46).
•﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …﴾. (سورة الأنعام: الآية 108).
وكذلك كانتْ لغةُ الحوار عند الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) لغةً ليِّنة تفتح القلوب والعقول، وتعالج الاختلافات في جوٍّ هادئ، بعيدًا عن التَّوتُّرات، والتَّشنُّجات، وحسب وصايا القرآن الكريم:
•﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا …﴾. (سورة طه: الآية 44).
•﴿… وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ …﴾. (سورة آل عمران: الآية 159).
هذه مجموعةُ أسسٍ بارزةٍ في حوارات الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، استطاعت أنْ تساهم في بناء (مشروع الوحدة والتَّقارب) في مواجهة مشاريع التَّشظِّي، والتَّمزيقِ، والتَّفتيت، تلك المشاريع التي نَشَّطَتْ الخلافات، والصِّراعات، والمعارك بين المسلمين، وكلَّفتهم أثمانًا باهظة، وكان دور الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) هو إحياء (مشروع الوحدة والتَّقارب) انطلاقًا من توجيهاتِ الدِّين، وأوامر الشَّرع.
فمطلوبٌ منَّا – ونحن نقاربُ هذه المناسباتِ الدِّينيَّة – أنْ نوظِّفَها توظيفًا جادًّا وواعيًا في إنتاج (التَّقارب، والتَّآلف) بين المسلمين؛ لكي نحميَ واقعنا من كلِّ التَّمزُّقاتِ المدمِّرة، والمرهِقة لأمَّتنا، ولشعوبِنا، ولأوطانِنا.