الكلمة السادسة: الكذبُ مفتاح كلِّ شرٍّ
هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد تمَّ بثُّها يوم الأحد بتاريخ: (7 شعبان 1442 هـ – الموافق 21 مارس 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا، ورحمة الله وبركاته.
عنوان الكلمة: الكذبُ مفتاح كلِّ شرٍّ
•«رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) – لَمَّا قال له رجل: أَسْتَسِرُّ بخِلال أربع: الزِّنا، وشرب الخمر، والسَّرق، والكذب، فَأيَّتهنَّ شئت تركتها لك -: دع الكذب، فلمَّا ولى همَّ بالزِّنا، فقال: يسألني، فإنْ جحدت نقضت ما جعلت له، وإنْ أقررت حددت، ثمَّ همَّ بالسَّرق، ثمَّ بشرب الخمر، ففكَّر في مثل ذلك، فرجع إليه، فقال: قد أخذت عليَّ السَّبيل كلَّه، فقد تركتهنَّ أجمع» (ميزان الحكمة 3/2674، محمَّد الريشهري)!
جاء رجل إلى النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، فقال: «أَسْتَسِرُّ بخِلال أربع: الزِّنا، وشرب الخمر، والسَّرق، والكذب، فَأيَّتهنَّ شئت تركتها لك».
هذا الرَّجل جاء إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، قال: أنا مبتلى بأربع صفات، لا أستطيع أنْ أتركها، وهي: الزِّنا، وشرب الخمر، والسَّرقة، والكذب، وقد طلب من الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) أنْ يحدِّد له واحدة فقط من هذه الصِّفات، وهو مستعدٌّ لأنْ يتخلَّى عنها، فهو لا يستطيع أنْ يتخلَّى عن كلِّ هذه الصِّفات.
فقال له النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «دَعْ الكذب»!
اترك الكذب، وبقيَّة الصِّفات أنت حرٌّ فيها!!
فلمَّا ولَّى هذا الرَّجل وَهَمَّ بِالزِّنا، «فقال: يسألني»، يعني: يسألني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، «فإنْ جَحَدْتُ»، وقلت: لم أَزْنِ، «نقضت ما جعلتُ له»، فأنا قلت له: لن أكذب، «وإنْ أَقررتُ» أُقِيمَ الحدُّ عليَّ!
ولذا ترك الزنا.
«…، ثمَّ همَّ بالسَّرق، ثمَّ بشرب الخمر، ففكر في مثل ذلك».
إذا أنكرت كذبت، وإذا اعترفت أقيم الحد علي.
ففكَّر في مثل ذلك، «فرجع» إلى النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، «فقال: قد أخذت عَليَّ السَّبيل كلَّه، فقد تركتُهنَّ أجمع»!
لاحظوا كيف أنَّ الكذب خطير، يوقع الإنسان في كلِّ المآزق، وكلِّ الإشكالات، وكيف أنَّ الصِّدق يربِّي الإنسان في المسار الصَّحيح.
الآثار المدمِّرة للكذب
الكذب خصلة مدمِّرة، مرعبة، تحطِّم كلَّ كيان الحياة، وهنا سأتناول – باختصار جدًّا – الآثار المدمِّرة للكذب.
الأثر الأوَّل – من آثار الكذب -: إنَّه مفتاح كلِّ شرٍّ
الكذب مفتاح كلِّ شرٍّ.
في الحديث: «خُطَّت الخبائث في بيت، وجعل مفتاحه الكَذِب» (ميزان الحكمة 3/2674، محمَّد الريشهري).
هذا أوَّل أثر من الآثار المدمِّرة للكذب، أنَّه مفتاح كلِّ شرٍّ.
الأثر الثَّاني: الكذب عنوان الخِيانة
•عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «كبرت خيانة أنْ تحدِّث أخاك حديثًا هو لك مصدِّقٌ وأنت به كاذب» (ميزان الحكمة 3/2672، محمَّد الريشهري)!
خيانة بأنْ تتحدَّث مع أخيك بحديث، هو يظنُّك صادقًا وأنت تستبطن في داخلك كَذِبًا، فأيُّ خِيانة أكبر من هذه الخيانة؟!
إذن، الكذب خيانة.
الأمر الثَّالث: الكذب أعظم الخطايا!
•في الحديث: «أعظم الخطايا اللِّسان الكذوب» (ميزان الحكمة 3/2672، محمَّد الريشهري)!
توجد خطايا.
يوجد زنا.
توجد سرقة.
يوجد بهتان.
توجد كثير من الخطايا.
لكن أعظم الخطايا الكذب!
أعظم الخطايا اللِّسان الكذوب.
الأمر الرَّابع: الكذب يهدي إلى الفجور!
•في الحديث: «إيَّاكم والكذب، فإنَّه يهدي إلى الفجور، وهما في النَّار» (ميزان الحكمة 3/2672، محمَّد الريشهري)!
الكذب والفجور في النَّار.
الأمر الخامس: الكذب باب من أبواب النِّفاق!
الكذَّاب منافق، لأنَّه يقول شيئًا، ويستبطن شيئًا آخر.
ما معنى النِّفاق؟
النِّفاق: أنْ تظهَر بشكلٍ، وتستبطن شكلًا آخر!
هناك شخصيَّتان: شخصيَّة باطنة، وشخصيَّة ظاهرة، هذا هو المنافق!
المنافق يحمل شخصيَّتين متناقضتين، الظَّاهر منها غير الباطن.
إذن، الكذب لون من النِّفاق، ومن أسوأ ألوان النِّفاق الكذب، حيث يُبرز الإنسان شخصيَّة، ويستبطن شخصيَّة أخرى.
فالكذب إذن باب من أبواب النِّفاق.
الأمر السَّادس: الكذب شرُّ الأخلاق
بأي مقدار تكون الأخلاق الفاسدة السَّيِّئة سوءًا، وشرًّا، ودمارًا، وهلاكًا!
فإنَّ شرَّ هذه الأخلاق الفاسدة هو الكذب.
•في الحديث: «شرُّ الأخلاق الكذب، والنِّفاق» (ميزان الحكمة 3/2673، محمَّد الريشهري)!
النِّفاق لونٌ من الكذب أيضًا، حيث المنافق يبرز بشخصيَّة، ويحمل في داخله شخصيَّة أخرى، هذا هو المنافق.
إذن المنافق كذَّاب، فـ«شرُّ الأخلاق الكذب، والنِّفاق».
الأمر السَّابع – من الآثار المدمِّرة للأخلاق -: الكذب لا يلتقي مع الإيمان
لا يمكن أنْ يكون فرد مؤمنًا وكذَّابًا.
لربما تلتقي بعض الصِّفات المنحرفة مع الإيمان، إلَّا أنَّ الكذب لا يلتقي مع الإيمان.
قال «رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) – لَمَّا سُئل: أيكون المؤمن جبانًا؟ -: نعم.
قيل له: أيكون المؤمن بخيلًا؟
قال: نعم.
قيل له: أيكون المؤمن كذَّابًا؟
قال: لا» (ميزان الحكمة 3/2673، محمَّد الريشهري)!
سئل النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أيكون المؤمن جبانًا»؟
قال (صلَّى الله عليه وآله): «نعم».
لربما يوجد مؤمن ويكون جبانًا، ليست لديه شجاعة.
«قيل له: أيكون المؤمن بخيلًا»؟
«قال: نعم».
«قيل له: أيكون المؤمن كذَّابًا؟
قال: لا».
الأمر الثَّامن: الكذب يُفسد الدِّين
الدِّين الذي يدخل فيه الكذب ينخره نخرًا، ويدمِّر الدِّين، ويهدم الدِّين، ويفسد الدِّين، ويحطِّم الدِّين!
الأمر التَّاسع: الكذب يقتل الثِّقة
إذا شاع الكذب بين النَّاس ماتت الثِّقة، فكيف أثق وأنا أجد الكذب منتشرًا؟!
مع الكذب تبقى الثِّقة مهزوزة، وربما تموت هذه الثِّقة.
الأمر العاشر: الكذب يقود إلى النَّار
في الحديث: «الكذب في العاجلة عارٌ، وفي الآخرة عذاب النَّار» (ميزان الحكمة 3/2677، محمَّد الريشهري)!
جواز الكذب في الإصلاح
توجد موارد يجوز فيها الكذب، لستُ هنا في صدد تناولها، ومنها جواز الكذب في الإصلاح:
•قال (صلَّى الله عليه وآله): «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أحبَّ الكذب في الصَّلاح، وأبغض الصِّدق في الفساد» (ميزان الحكمة 3/2680، محمَّد الريشهري)!
في باب (الإصلاح) بين الأخوين المؤمنين يمكن للإنسان أنْ يكذب؛ من أجل الإصلاح.
•وقال (صلَّى الله عليه وآله): «ليس بالكاذب مَنْ أصلح بين النَّاس، …» (ميزان الحكمة 3/2680، محمَّد الريشهري)!
•«المصلح ليس بكاذب» (ميزان الحكمة 3/2680، محمَّد الريشهري)!
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.