حديث عرفة 1446
مكتبة الإمام المنتظر (عج) الثقافيَّة – السِّهلة الشَّماليَّة | حديث عرفة 1446 هـ التاريخ: يوم الخميس 9 ذو الحجَّة 1446هـ الموافق: 5 يونيو 2025 م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم يا ضيوف الرَّحمن ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السَّلام عليكم يا وفدَ اللهِ.
أنظار المسلمين، وقُلوب المسلمين في كلِّ الدُّنيا في هذه اللَّحظات مشدودةٌ إليكم.
فهنيئًا، هنيئًا لكم، هنيئًا لكم، وألطاف الله تغمركم، وفيوضاته تحفُّكم.
فكيف تتحدَّثونَ مع ربِّكم في هذه اللَّحظات؟
الأرضُ أرضُ عرفة
واليومُ يومُ عرفة
والظَّهيرةُ ظهيرةُ عرفة
والضُّيوفُ ضُيوفُ الله [عرفة].
فماذا تطلبون مِن ربِّكم في هذه اللَّحظات؟
وبأيِّ لُغةٍ تتحدَّثون؟
المطلب: فكاك الرِّقاب مِن النَّار.
المطلب: الجنَّة، الجنَّة.
المطلب: صحبة الحبيب المصطفى، وعليٍّ، وفاطمة، والأئمَّة النُّجباء.
واللُّغة: لُغة الدُّموع، ولا لُغة أعظم مِن لُغة الدُّموع، ولا كلمات أصدق مِن العَبرات.
أترون ربذًا كريمًا رحيمًا عطوفًا يرى دموعكم، ويسمعُ تضرُّعكم فلا يرحمكم، ولا يكلأكم، ولا يستجيب لكم، ولا يكتبكم مِن الفائزين؟
أحسنوا الظَّن بربِّكم، بكرمه، بلُطفه، بإحسانه.
وكيف واليومُ يومُ عرفة، وكيف والأرضُ أرضُ عرفة.
والويلُ كلُّ الويل، لمن شكَّ ولو للحظة في كرمِ الله، في عَطفِ الله، في عَطاءِ الله… في يومِ الكرم الإلهيِّ، وفي يومِ العَطف الإلهيِّ، وفي يومِ العَطاء الإلهيِّ.
إنَّ دمعةً واحدة في هذا اليوم، وفي هذه اللَّحظات، وفي هذه الأرض تمسحُ تاريخًا مِن العصيان، وتاريخًا مِن الضَّياع، وتاريخًا مِن الشَّقاء.
اسمحوا لدموعكم أنْ تُخاطب ربَّكم.
اسمحوا لدموعكم أنْ تتوسَّل بين يدي خالقكم.
اسمحوا لدموعكم أنْ تشفع لكم.
ومع الدُّموعِ والعَبراتِ، والآهاتِ والزَّفراتِ، اجعلوا بينكم وبين ربِّكم الوسيلة، اقسمُوا على الله بحبيبه المصطفى (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وبآلهِ النُّجباء أنْ يَرحمكم، أنْ يمحو ذُنوبكم، أنْ يغفر لكم.
فدموعٌ ضارعة، وقلوبٌ متوسِّلة، في يومِ الضَّراعة والتَّوسُّل، وفي أرضِ الضَّراعة والتَّوسُّل، والرَّبُّ كريم، والرَّبُّ رحيم، فما ظنُّكم بربِّكم، فأحسنوا الظَّن، فالعطاء كبيرٌ كبير، والرَّحمة فائضةٌ فائضة، والثَّمن بعضُ قطراتٍ مِن دُموع، وبعضُ قطراتٍ مِن عبرات، وبعض آهاتٍ وحسرات.
كيف نستدعي الدُّموع والعَبرات؟
اذكروا الموتَ وشدائده.
اذكروا القبرَ ووحشته.
اذكروا المحشرَ وأهواله.
اذكروا الصِّراطَ يومَ تزِلُّ الأقدام.
اذكروا الميزانَ والحِساب.
اذكروا الجنَّةَ والنَّار.
- يقولُ إمامنا زين العابدين (عليه السَّلام) في الدُّعاء المعروف بدُعاءِ أبي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ:
«…، وَأَعِنِّي بِالبُكاءِ عَلى نَفْسِي، فَقَدْ أَفْنَيْتُ بِالتَّسْوِيفِ وَالآمالِ عُمْرِي، وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الآيِسِينَ مِنْ خَيْرِي، فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَءَ حالًا مِنِّي اِنْ أَنا نُقِلْتُ عَلى مِثْلِ حالِي إِلَى قَبْرٍ لَمْ أُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتِي، وَلَمْ أَفْرُشْهُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ لِضَجْعَتِي، وَمالِي لا أَبْكِي وَلا أَدْرِي إِلى ما يَكُونُ مَصِيرِي، وَأَرى نَفْسِي تُخادِعُنِي، وَأَيَّامِي تُخاتِلُنِي، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأْسِي أَجْنِحَةُ المَوْتِ، فَما لي لا أَبْكِي؟! أَبْكِي لِخُرُوجِ نَفْسِي، أَبْكِي لِظُلْمَةِ قَبْرِي، أَبْكِي لِضِيقِ لَحْدِي، أَبْكِي لِسُؤالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ إِيايَ، أَبْكِي لِخُرُوجِي مِنْ قَبْرِي عُرْيانًا ذَلِيلًا حامِلًا ثِقْلِي عَلى ظَهْرِي، أَنْظُرُ مَرَّةً عَنْ يَمِينِي وَاُخْرى عَنْ شَمالِي إِذِ الخَلائِقُ فِي شَأْنٍ غَيْرِ شَأْنِي ﴿لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ * وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ * ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ * وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ * تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ وَذِلَّةٌ، …».
أيُّها الأحبَّة [الواقفون في أرض عرفات]:
وأنتم الآن في هذه اللَّحظات، وحيث تزدحم الملائكة حولكم، تقفون على أرض عرفات، وفيوضات الله تغمركم، وألطافُه تحفُّكم.
فما أعظم مقامًا هو مقامُكم، وما أرفع شأنًا هو شأنُكم، مفتوحةٌ لكم أبوابُ السَّماء، وأبواب الجِنان.
تذكَّروا ولا يدري أحدُكم يعود إلى هذا المقام أو لا يعود، اسألوا ربَّكم الكريم أنْ لا يحرمكم مِن العود ثُمَّ العود إلى أنْ ينتهي العمر.
وهذا لا يعني أنْ لا يكون بكاؤُكم بكاءَ المودِّعِين، وأنْ لا يكون دُعاؤُكم دُعاءَ المودِّعِين.
وأنْ لا تكون صلاتُكم صلاة المودِّعِين.
نعم، إنَّه بكاء المودِّعِين، المملوء بأملِ العودة.
وإنَّه دُعاء المودِّعِين، المملوء بأملِ العودة.
وصلاة المودِّعِين، المملوءة بأملِ العودة.
ألحُّوا على ربِّكم إلحاحًا مملوءًا بالدُّموع والعَبرات، وممزوجًا بالآهاتِ والحَسرات أنْ تكون لكم عودة إلى بيت الله، إلى عرفات، إلى المشعر ومنى.
وإذا كانت هناك لُغة في هذا اليوم، فهي لُغة الدُّموع، ولا لُغة أصدق مِن هذه اللُّغة وأحبُّ إلى الله مِن هذه اللُّغة.
وعيشُوا الأملَ والرَّجاء.
وحذارِ حذارِ أنْ يتسرَّبَ شيئٌ مِن اليأسِ إلى قُلُوبكم، إنَّه الشَّقاء كلّ الشَّقاء إنْ تسرَّب إلى القُلُوب بعضُ يأسٍ أو قنوط.
وملائكةُ الرَّحمةِ تملأ أرضَ عرفات.
تصافح الباكين والدَّاعِين والمتضرِّعِين.
اللُّغة في هذا اليوم، وفي هذه الأرضِ هي لُغة الدُّموع.
وإذا كانت هناك كلمات فقِيمتها بمقدار ما تمتزجُ بالعَبرات، وبالآهاتِ.
دمعةٌ واحدة تضعكم في مقام المقرَّبين.
دمعةٌ واحدة تضعكم في مصافِّ الرَّبَّانيِّين.
دمعةٌ واحدة تضعكم في ظِلالِ عرش الله مع الأولياء والصِّدِّيقين.
الثَّمنُ في هذا اليوم هو الدُّموع الوالِهة بحبِّ الله، وبحبِّ أولياء الله.
الثَّمنُ في هذا اليوم عَبَراتٌ عاشقة.
الثَّمنُ في هذا اليوم خوفٌ ورجاء.
الثَّمنُ في هذا اليوم توبةٌ صادقة.
ما أصدقَ التَّوبةَ في يومِ عرفة، وعلى أرضِ عرفة، وفي ظهيرةِ عرفة.
بمحضر وليِّ الله الأعظم صاحب العصر والزَّمان، إنَّه – أرواحنا فداه – يشهدُ الموسم في كلِّ عام، يطوفُ مع الطَّائفين، ويسعى مع السَّاعين، ويقف في عرفاتٍ مع الواقفين، ويفيض مع الفائضين.
ولعلَّ فيضًا مِن فُيوضاتِ هذا الحضور المبارك يشمل بعضَ حُجَّاج بيت الله، وبعض الواقفين على أرض عرفات.
إمام العصر مستور في عصر الغَيبة الكبرى، فكيف تَحدُثُ فيوضات هذا الحضور؟
إنَّه غَيبٌ مِن غَيبِ الله.
وبقدر ما يرتقي مستوى الانقطاع إلى الله في هذا اليوم العظيم، وبقدر ما يرتقي مستوى العشق الإيمانيّ والذَّوبان والانصهار؛ تحدثُ فيوضاتُ الحضور المبارك.
أيُّها الواقفون على أرض عرفات
كلُّ المسلمين في العالم مشدودةٌ أنظارهم، وقُلُوبهم، وأرواحهم إليكم.
اسألوا الله ربَّكم في هذه اللَّحظات:
أنْ يجمع شمل المسلمين.
وأنْ يُصلح أوطان المسلمين.
وأنْ يدحر كيد الصَّهاينة الحاقدين.
وأنْ ينصر المجاهدين في فلسطين.
وأنْ يدفع عن أُمَّتِنا وشعوبِنا كلَّ البلاء، وكلَّ المِحن، وكلَّ الفِتن.
وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.