آخر الأخبارالإمام أمير المؤمنين (ع)

في ذكرى الغدير .. لماذا لا نغلق ملف الصِّراعات التَّاريخيَّة؟

7 يوليو 2023 - 17 ذو الحجة 1444 - مأتم أنصار العدالة بقرية الدراز

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد وعلى آله الطيِّبين الطاهرين.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

أهنِّئكم بهذه الذِّكرى الغرَّاء، سائلًا المولى القدير أن يجعلها ذكرى خيرٍ وأمن وسلام على كلِّ أوطاننا وشعوبنا.

ونحن نحتفل بذكرى الغدير يواجهنا إشكال، وهذا الإشكال يقول: 

لماذا لا نغلق ملف الصِّراعات التَّاريخيَّة؟

قد يُقال: 

في التاريخ ملفَّات ساخنة أنتجت صراعات هذه الملفات يجب أن تُغلق 

  • قضية الغدير
  • قضية كربلاء
  • وقضايا أخرى

نحن في عصر تواجهنا تحدِّيات كبرى

  • تحدِّيات عقائديَّة وثقافيَّة 
  • تحدِّيات روحيَّة وأخلاقيَّة
  • تحدِّيات سلوكيَّة وعمليَّة

فما أحوجنا أنْ نوحِّد صفوفنا

استدعاء قضايا التَّاريخ الخلافيَّة لقضيَّة الغدير يؤزِّم أوضاعنا 

مطلوب أنْ نجدِّد عوامل التقارب والتآلف وهي كثيرة

 

لنا تعقيب على هذا الكلام

 

أوَّلًا: لسنا مع إنتاج الأزمات

  • الأزمات الطائفيَّة
  • الأزمات الثقافيَّة
  • الأزمات الاجتماعيَّة
  • الأزمات السِّياسيَّة

 

ثانيًا: ولكن هذا لا يعني أنْ لا نعالج:

  • قضايانا المذهبيَّة
  • قضايانا الثَّقافيَّة 
  • قضايانا الاجتماعيَّة 
  • قضايانا السِّياسيَّة

 

ثالثًا: الفارق كبير بين إنتاج الأزمات ومعالجة الأزمات

(1) أن نُنتج أزمات مذهبيَّة، وأن نعالج الأزمات المذهبيَّة.

(2) أن نُنتج أزمات ثقافيَّة، وأنْ نعالج الأزمات الثقافيَّة.

(3) أن نُنتج أزمات اجتماعيَّة، وأن نعالج الأزمات الاجتماعيَّة.

(4) أنْ نُنتج أزمات سياسيَّة، وأن نعالج الأزمات السَّياسيَّة.

 

رابعًا: مَنْ يتبنَّى (خيار السَّقيفة)، ويتبنَّى (مبدأ الشُّورى في اختيار الخليفة) من حقِّه أنْ يتحدَّث عن هذا الخيار، ومن حقِّه أنْ يدافع عنه.

وكذلك من يتبنَّى (خيار الغدير) من حقِّه أن يطرح هذا الخيار، ومن حقِّه أنْ يدافع عنه. 

لا مشكلة في الاختلاف.

المشكلة حينما يتحوَّل الاختلاف إلى خلاف وصراع، وربَّما إلى قتال.

 

خامسًا: إذا كان من حقِّ هذا الخيار أو ذاك أن يطرح خياره، وأن يدافع عنه (فيجب أنْ يكون الطَّرح وأن يكون الدِّفاع علميًّا وموضوعيًّا).

(كتاب المراجعات للسَّيِّد عبد الحسين شرف الدِّين) نموذج لأرقى حوار، فقد كان: 

  • قمَّة في الموضوعيَّة 
  • قمَّة في النَّزاهة 
  • قمَّة في المحبَّة 
  • قمَّة في التَّسامح

 

ماذا يعني أن يكون الطَّرح وأن يكون الدِّفاع علميًّا وموضوعيًّا؟

 

أنْ نعتمد أسلوب الحكمة في الطَّرح والحوار:

(1) أن نتحاور بروح المحبَّة وليس الحقد.

  • {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ …}. (آل عمران: الآية 159) 

 

(2) أنْ لا نتهم دوافع الآخر.

ما يصدر عن الآخر له جنبتان: 

أ- الجنبة الموضوعيَّة (الواقع الخارجي)

ب- الجنبة النفسيَّة (الواقع الدَّاخلى – النيَّة) 

لا يمكن أن نحاسب النَّوايا وأن نتَّهم الدَّوافع. 

 

(3) أن لا نلغي الآخر

نحن على صواب مطلق والآخر على خطأ مطلقًا.

المنهج القرآني: 

{… وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. (سبأ: الآية 24) 

  1. هذا الأسلوب يجتذب الآخر.
  2.  يخفِّف من الحساسيات الفكريَّة أو المذهبيَّة أو السياسيَّة.

 

(4) أخلاقيَّة الحوار

أولًّا: أن تكون لغة الحوار نظيفة

  • {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ…}. (الأنعام: الآية 108)

 لغة السَّب تعبِّر عن عجز، وتؤزِّم:

  • {… وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…}. (النَّحل: الآية 125)

 

ثانيًا: أنْ تكون لغة الحوار لغة ليِّنة

  • {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا …}. (طه: الآية 44)
  • {… وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ …} (آل عمران: الآية 159)

 

ثالثًا: أدب الاختلاف 

حينما نختلف يجب أن نملك (أدب الاختلاف).

وحينما نعجز أنْ نتَّفق فيجب أنْ نتعلَّم كيف نختلف. 

ومن أدب الاختلاف احترام الرَّأي الآخر.

ونحن نحتفل بذكرى عليٍّ (عليه السلام) دعونا نأخذ درسًا واحدًا من عليٍّ (عليه السَّلام):

  • سمع عليٌّ (عليه السلام) قومًا من أصحابه يسبُّون أهل الشَّام أيام حرب صفِّين 

فقال: «إنِّي أكره أن تكونوا سبَّابين ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم اللَّهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم».

السَّب والشَّتم ليس من خُلق مدرسة عليٍّ (عليه السَّلام)، وليس من خُلُق مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، ولكن يمكنكم انتقادهم نقدًا علميًّا يكشف خطأهم وزيفهم ومسارهم الضَّال المنحرف.

فمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تعلمنا النظافة والنبل والطهر، «إنِّي أكره أن تكونوا سبَّابين» أو «لعَّانين»

«ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر».

النَّقد غير السَّب، فللإنسان الحقُّ في انتقاد الآخر ومحاسبته، فعند الاختلاف المذهبي مثلًا للإنسان الحقُّ في الحوار والنِّقاش وإثبات حقَّانيّة الإنسان وخطأ الآخر، وكذلك عند الاختلاف السِّياسي فللإنسان الحقُّ في إثبات خطأ الخيار الآخر، ولكن ليس من حقِّ الإنسان أن يسب ويشتم الآخر أو أن يستخدم كلمات سيِّئة فهذا أمر مرفوض في مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، «إنِّي أكره أن تكونوا سبَّابين».

«ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم اللَّهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم».

الله أكبر علي بن أبي طالب مع معاوية مع هذا الجيش الذي خرج من أجل أن يرتوي من دماء علي وأصحاب علي، نرى الإمام (عليه السَّلام) يقول: «اللَّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم».

إذًا هذه مدرسة الغدير ليست مدرسة من أجل إنتاج الصراعات، وإنَّما هي مدرسة من أجل إنتاج التقارب والمحبَّة والثَّقافة، نتعلَّم من الغدير كيف نكون المبدأيين الحق، الذين يؤمنون بالمبدأ ويدافعون عنه بوعي وبصيرة وثبات وإيمان.

 

خطاب الغدير وخطاب عاشوراء

ونحن نستقبل عاشوراء هنا يأتي دور وقيمة الخطاب العاشورائي الذي يحمل وعي عاشوراء، ووهج عاشوراء، ووجدان عاشوراء، وقيم عاشوراء، وتقوى عاشوراء، وجهاد عاشوراء.

هنا يلتقي خطاب الغدير مع خطاب عاشوراء، ويلتقي مع خطاب أئمَّتنا (عليهم السَّلام).

إنَّ خطابنا سيبقى خطاب الإسلام، ونواجه كلَّ التحدِّيات التي تواجه الإسلام. 

 

صرخات الدِّفاع عن القرآن

ونِعْم ما طُرح اليوم في هذا المكان من انطلاق صرخات الدِّفاع عن القرآن، في زمن تزدحم فيه المؤامرات ضدَّ الإسلام والقرآن والمقدَّسات، هنا يجب أن ترتفع صرخاتنا بكلِّ إيمان وعزيمة وقوَّة دفاعًا عن كتاب الله، وجماهيرنا تشكِّل موقفًا صلبًا في مواجهة هذا الامتهان لكرامة كتاب الله.

وهنا العلماء مطلوبٌ منهم أن يقولوا كلمة.

والخطباء مطلوبٌ منهم أن يقولوا كلمة.

والمفكِّرون والمثقَّفون مطلوبٌ منهم أن يقولوا كلمة.

وجماهيرنا المؤمنة مطلوبٌ منها أن تقول كلمة.

وأنظمتنا الحاكمة مطلوبٌ منها أن تقول كلمة، وأن تمارس دورها.

حتى يبقى القرآن في عقولنا، وفي كلِّ وجداننا، وفي كلِّ ضمائرنا، وفي كلِّ حياتنا، وفي كلِّ ثقافتنا، وفي كلِّ أخلاقنا، وفي كلِّ حركتنا.

 وحينما تموت العلاقة مع القرآن تموت هذه الأمَّة.

مطلوبٌ من هذه الأمَّة أن تبقى على ارتباط مع القرآن والعترة.

«إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

فمتى تمسَّكت الأمَّة بالكتاب والعترة فمسارها إلى خير، ومتى تخلَّت الأمَّة عن القرآن وعن العترة فمسارها إلى ضلال، وباطل.

 

الملتقيات والاحتفالات الناجحة

يجب أن تُعمِّق هذه الملتقيات والاحتفالات العلاقة مع القرآن، والعلاقة مع خطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام)، فبمقدار ما تستطيع هذه الملتقيات أن تعمِّق هذه العلاقة تكون ملتقيات ناجحة.

فنجاح هذه الملتقيات والاحتفالات ليس بكثافة الحضور – وإن كان مطلوبًا –، وليس بكثافة البرامج – وإن كان مطلوبًا –، وإنَّما نجاحها حينما تخلق وتصنع وتنتج مسارات مرتبطة بخطِّ الله والقرآن والإسلام وبخطِّ النبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) ومنهج وخطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام). 

إذا استطاعت هذه المناسبات أن تحقِّق هذه المعطيات فهي مناسبات ناجحة، وإلَّا تصبح مناسبات إعلاميَّة، فقد تكون نجحت على مستوى تحشيد الحضور وعلى مستوى الخطاب وعلى مستوى الكلمات، ولكن هل نجحت على مستوى المنتجات؟ هل أنتجت جيلًا مرتبطًا بالله وبالإسلام وبخطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام)؟

بماذا خرجتم؟ ماذا تحملون في عقولكم وقلوبكم وأرواحكم؟ إن وجدتم نقلة وتغيُّرًا في عقولكم وقلوبكم وأرواحكم وسلوككم فإذا احتفالكم وحضوركم ناجح.

فقيمة هذا الحضور حينما ينتج فيكم ارتباطًا حقيقيًّا بالذكرى والمناسبة، كم ارتبطتم وفهمتم ووعيتم الغدير؟ وكم استطعتم أن تكونوا من عشَّاق الغدير؟ ومن حملة فكر الغدير؟

هذه مناسباتنا التي تستطيع أن تصنع أجيالنا، ويوم تموت أهداف هذه المناسبات يموت الإنتاج.

نسأل الله لنا ولكم كل الخير والسداد والتأييد، وأن يعيد علينا هذه المناسبات في أحسن حال، وأن يربطنا بخطِّ ومدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وأن يجعلنا من عشَّاق القرآن، ومن حملة القرآن، ومن المدافعين عن القرآن. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى