آخر الأخبارشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 596: الحديثُ مستمرٌ حول عُطلةِ الصَّيف – أخلاقيات هذه الأسفار الدَّينيَّة – حُبُّ الأَوطانِ من الإيمان

حديث الجمعة 596 | تاريخ: 23 ذو القعدة 1443هـ | الموافق: 23 يونيو 2022 م | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين

بسم الله الرَّحمن الرّحيم

الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

 

السِّياحة الدِّينيَّة

 

الحديثُ مستمرٌ حول عُطلةِ الصَّيف

أكَّدتْ الكلمةُ في الجمعةِ الماضيةِ على ضرورة توظيفِ العُطلةِ الصَّيفيَّةِ توظيفًا جادًا وهادفًا وسليمًا، وحسب ما تقدَّمَ القولُ أنَّ واحدًا من أهم برامج الصَّيف هو (السِّياحة الدِّينيَّة) وتعني السَّفر إلى الأماكن المقدَّسة المعروفة، وهذه السِّياحة الدِّينيَّة هي عبادة، كما هي استجمام روحي ونفسي يُخَفِّف من أتعاب الحياة.

ولكي تُحقِّقُ هذه الأسفارُ الدِّينيَّةُ أهدافها بنجاح مطلوب:

أوَّلًا: إدارات ناجحة

ولا يعني النَّجاح مجرَّد توفير الاستعدادات الماديَّة (السَّكن، المأكل، وسائل النَّقل)، وإن كان هذا مطلوب، وإنَّما توفير الاستعدادات لكي تؤدِّي هذه الأسفار أهدافها الدِّينيَّة بنجاح.

 

ثانيًا: إرشاد ناجح

(كفاءات إرشاديَّه/ برامج ممنهجة)

هناك تصوُّر خطأ: لا حاجة للإرشاد إلَّا في الحجِّ والعمرة.

هذا التَّصوَّر خطأ وذلك لأنَّ:

أ- أسفار الزِّيارة لها أحكامها الفقهيَّة.

ب- أسفار الزِّيارة لها أهدافها الرُّوحيَّة، والثَّقافيَّة، والأخلاقيَّة، والسُّلوكيَّة، والاجتماعيَّة، والرِّساليَّة.

ج- أسفار الزِّيارة تحتاج إلى رقابة دينيَّة مكثَّفة.

 

ثالثًا: مطلوب من الزوَّار أنفسهم: أن يتمثَّلوا أهداف هذه الأسفار الدِّينيَّة، وأن يتوفَّروا على الاستعدادات

المطلوب:

  1. خلوص النِّيَّة
  2. طهارة القلب
  3. طهارة البطن
  4. اجتناب المعاصي

المعلومات التي تصل عن أجواء بعض الحملات تقول بوجود ظواهر منفلتة.

 

في البقاع المقدَّسة يتضاعف الثَّواب والعقاب

فكما يتضاعفُ في البقاعِ المقدَّسةِ ثوابُ الطَّاعاتِ كذلك يتضاعفُ عقابُ المعاصي.

(1) الصَّلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة، وقيل ألف ألف صلاة.

– وكذلك ثواب كلِّ الطَّاعات: الصِّيام، تلاوة القرآن، الدُّعاء، الصَّدقة.

– المعاصي في مكَّة عقابها مُغلَّظ، فأصغر الذُّنوب تتحوَّل كبائر {… وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.(1)

وفي الحديث عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):

«كلُّ الظُّلمِ فيه إلحادٌ، حتى لو ضَربتَ خادِمكَ ظُلمًا خَشِيتُ أنْ يكونَ إلحادًا»(2)، وفي الأخبار أنَّ أدناه الكِبر.

 

(2) وكذلك الأمر في المدينة المنوَّرة:

– يتضاعف ثواب الطَّاعات.

– ويتضاعف عقاب المعاصي.

 

(3) وهكذا في بقيِّة البقاع المقدَّسة:

(النَّجف، كربلاء، الكاظميَّة، سامراء، مشهد…).

 

فالحذر الحذر من ارتكاب المعاصي في أسفار تحمل عنوانًا مقدَّسًا.

هذا لا يعني أنَّ الأسفار الأخرى يجوز فيها ارتكاب المعاصي.

ما أعنيه أنَّ الأسفار إلى العتبات المقدَّسة تفرض التزامًا أكبر، وتفرض حذرًا أشدّ من السُّقوط في منزلقات المعاصي.

وهنا أحذِّر من بعض الظَّواهر التي تتعرض لها أجواء الرَّحلات الصَّيفيَّة إلى العتبات المقدَّسة:

– الاختلاط غير المنضبط بين الرِّجال والنِّساء، وبين الشَّباب والشَّابات.

– الحذر كلُّ الحذر من النَّظرات المحرَّمة.

– الحذر كلُّ الحذر من الكلمات غير المنضبطة.

– الحذر كلُّ الحذر من التَّساهل في السِّتر والحجاب لدى النِّساء والبنات.

– الحذر كلُّ الحذر من كلِّ الممارسات والسُّلوكيَّات التي تُسيئ إلى قداسة هذه السَّفرات.

فليتحمَّل المرشدون، ومسؤولو الحملات، والغيارى على الدِّين المسؤوليَّة في إعطاء هذه السَّفرات قيمتها الدِّينيَّة الإيمانيَّة.

 

أخلاقيَّات هذه الأسفار الدِّينيَّة

وكما هو مطلوب في هذه الأسفار الدِّينيَّة (أسفار حجٍّ، أسفار عمرة، أسفار زيارة) الابتعاد عن كلِّ المخالفات الشَّرعيَّة، مطلوب الالتزام بمجموعة (أخلاقیَّات):

(1) حُسْنُ الخُلُق

  • عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): «ما يُعبَأُ بمَن سَلَكَ هذَا الطَّريقَ إذا لَم يَكُنْ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ:

وَرَعٌ يَحجِزُهُ عَن مَعاصِي اللهِ، وحِلمٌ يَملِكُ بِهِ غَضَبَهُ، وحُسْنُ الصُّحبَةِ لِمَن صَحِبَهُ».(3)

(2) التَّعاون وخدمة الآخرين

فمن أخلاقيَّات هذه الأسفار الرَّبانيَّة أنْ لا يبخل الإنسان بجهده وطاقاته في تقديم الخدمات تطوُّعًا وطمعًا في ثواب الله، ولا عبادة أعظم من خدمة الآخرين، وهي أعظم حتى من الطَّواف المندوب حول بيت الله.

(۳) المحبَّة والصَّفاء والتآلف والتَّسامح

ففي هذه الأسفار يجب أنْ تسمو النُّفوس، وأن تنقى القلوب، وأن تتعانق الأرواح ممَّا يجعلها أقرب إلى رحمة الله وإلى فيوضاته.

(4) التَّأدُّب والوقار

التَّأدُّب والوقار في هذه البقاع المقدَّسة، وهذه الأماكن المشرَّفة احترامًا وتعظيمًا لها.

(5) الانشغال الدَّائم بذكر الله تعالى وبالطَّاعات

فهي الفرصة الكبرى للتِّجارة الرَّابحة مع الله سبحانه، فثواب الأعمال مضاعف، فحذارِ حذارِ من الغفلة والكسل والتَّفريط في هذه الأوقات الرَّبانيَّة المباركة.

 

◊ كلمة أخيرة: (حُبُّ الوطن من الإيمان) (4)

هكذا قالت الكلمةُ الصَّادرةُ عن النَّبيِّ الأعظمِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم).

ولا ترتقي كلُّ الكلماتِ والشِّعاراتِ التي تتحدَّث عن الوطن إلى مستوى هذه الكلمةِ النَّبويَّة، والتي جعلتْ الولاءَ للوطن في درجةِ الإيمانِ باللَّه، والإيمانِ بالدِّين، فمتى فرَّط الإنسانُ في حبِّه لوطنه فقد فرَّط في إيمانِهِ باللَّه، وفي إيمانِهِ بالدِّين.

فلا يُحصِّن الولاءَ للأوطانِ شيئ كما يُحصِّنه الإيمانُ.

فإذا أرادتْ أنظمةُ الحكمِ في أوطانِ المسلمين أنْ تُقوِّي ولاءَ الشُّعوبِ لأوطانهم، فمطلوبٌ من هذه الأنظمة أنْ تُقوِّي الايمانَ باللَّهِ، وأنْ تُقوِّي ثقافة الدِّين، وأخلاق الدِّين.

ولا تملك كلُّ أدواتِ التَّعبئةِ الوطنيَّة التي يُمارسها إعلام الأنظمةِ ما يملكه خطابُ الإيمانِ، وخطابُ الدِّينِ، وخطابُ الأخلاق، هذا الخطابُ الذي يعتبر (حبَّ الوطن) موازيًا إلى (حبِّ الإيمان).

والأوطانُ لها حقوقٌ على سُكَّانِها وقُطَّانِها وشعوبها، فيما هو الحفاظ على دينها وقِيَمها وأمنِها وأمانِها، ورخائِها وازدهارِها ووحدتِها وتآلفها، وتسامحِها، وكلِّ ما يُعزِّز قوَّتها وعزَّتها.

وإذا كانَ للأوطانِ حقوق فإنَّ للمواطنين على الأوطانِ حقوقًا.

فمطلوب أنْ توفِّر الأوطان لسكَّان الأوطانِ كلَّ الأمنِ والاستقرار.

وأنْ توفِّر لهم كلَّ العيشِ والرَّخاء.

وأن توفِّر لهم كلَّ العدل والإنصافِ.

  • في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لا خَيرَ في قول إلَّا مع الفعل، …، ولا في الوَطَنِ إلَّا مَع الأمنِ والسُّرورِ».(5)
  • وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «شَرُّ الأَوطانِ مَا لَمْ يَأمَنْ فيهِ القُطَّانُ».(6)
  • وقال (عليه السَّلام): «…، خَيْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ».(7)
  • وقال (عليه السَّلام): «الغِنَى فِي الغُرْبَةِ وَطَنٌ، والفَقْرُ فِي الوَطَنِ غُرْبَةٌ».(8)
  • وقال (عليه السَّلام): «لَيسَ فِي الغُربَةِ عارٌ؛ إنَّمَا العارُ فِي الوَطَنِ الِافتِقارُ».(9)

وهكذا يجب أنْ تتوازن الحقوق بين الأوطانِ والمواطنين، فإذا كانت مسؤوليَّة القائمين على الأوطانِ هي توفيرُ كلِّ الأجواءِ الصَّالحةِ لبناءِ الأوطانِ، وتوفيرُ الخير والرَّفاهِ والأمنِ والأمانِ، والمحبَّةِ والتَّسامحِ وجميع أسباب الرَّفاهِ والعيشِ الرَّغيد، وإنهاءِ كلِّ أشكالِ التأزُّمِ والبُؤسِ والفقر والحرمانِ، والقهر والعناءِ فكذلك هي مسؤوليَّةُ أبناءِ الأوطانِ أن يكونُوا الأمناءَ على سلامةِ الأوطانِ، ووحدةِ الأوطانِ، وأمنِ الأوطان، وعزَّة الأوطانِ، وخَيرِ الأوطانِ، وصلاحِ الأوطانِ، وبناءِ الأوطانِ، وقوَّة الأوطان.

 

نسأل الله تعالى أن يُسدِّد كلَّ الخُطى في طريق الخير والصَّلاح والهداية والرَّشاد.

وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وآلِهِ الطَّاهرين.

———————–

الهوامش:

1- سورة الحج: الآية 25.

2- الطُّوسي: تهذيب الأحكام 5/978، (ك: الحج، ب: الزِّيادات في فقه الحج)، ح 6696.

3- الحرُّ العاملي: وسائل الشِّيعة 12/10، (ك: الحجِّ، أبواب أحكام العِشرة في السَّفر، ب 2: – استحباب حسن المعاشرة والمجاورة والمرافقة)، ح (15508) 4.

4- القمِّي: سفينة البحار، 8/525، (باب الواو بعده الطَّاء).

5- الطَّبرسي: مكارم الأخلاق، 413، (ب 12: في نوادر الكتاب، ف 3: في وصيَّة النَّبيّ (ص) لعليّ (ع)).

6- الآمدي التَّميمي: غرر الحِكَم ودرر الكَلِم، ص 410، (ف 41: ممَّا ورد من حِكَم أمير المؤمنين (ع) في حرف الشِّين)، ح 40.

7- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع) (تحقيق صالح)، ص 554، ح 442.

8- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع) (تحقيق صالح)، ص 478، ح 56.

9- الآمدي التَّميمي: غُرر الحِكَم ودرر الكَلِم، ص 560، (ف 41: ممَّا ورد من حِكَم أمير المؤمنين (ع) في حرف اللَّام)، ح 66.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى