حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 390: التفقُّهِ في الدِّين (المقدمة) – ونبقى نقولُ الكلمةَ – حول استمرارِ اعتقالِ سماحةِ الشيخ علي سلمان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ الميامين، وبعد فمع هذا الحديث النبوي:


• قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«إذا أردَ اللهُ بعبدٍ خيرًا فَقَّهَهُ في الدِّينِ، وألهَمَهُ رُشْدَهُ».
أتناول هنا مقدّمةً وبعضَ عناوين:


المقدّمة:


لا يُراد من «التفَقّهِ في الدِّين» في هذا الحديث «التفَقُّه الخاص» والذي ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ {التوبة/122}
هذا النّص القرآني يتحدَّث عن «التفَقّه التخصّصي» حيث يتفرَّغ جماعة لدراسة علوم الدِّين ثمَّ يمارسون دورَ الدعوة والتبليغ.
الحديثُ الذي أوردتُه يتكلَّمُ عن «تفَقُّهٍ عامٍ» مطلوبٍ من كلِّ النَّاس المنتمين إلى الدِّين.


أنت انتميتَ إلى هذا الدِّين، فيجب أنْ تفهم لماذا انتميت، وإلَّا كان انتماؤكَ ضعيفًا، مهزوزًا، مُعرَّضًا للانهيار.


أنتَ اقتنعت بمفاهيم هذا الدِّين، فيجب أنْ يكونَ اقتناعُك على أُسُس صحيحة، وليس على أُسُس خاطئة.


إنَّ نشوءَ الفُرقِ التكفيريةِ المتطرِّفةِ في تاريخ المسلمين، وكذلك ولادة جماعات الإرهاب في هذا العصر، ليس إلَّا نتيجة فهمٍ مغلوطٍ، وخاطئ، ومنحرف للدِّين، ولمفاهيم الدِّين، وهذا ما يفرض أنْ يبني الإنسانُ المسلم انتماءَه الدِّيني على أُسُسٍ صحيحة بصيرة.


فكما انتماؤكَ وإيمانُك في حاجةٍ إلى «ثقافةٍ دينيةٍ بصيرة»، فكذلك ممارساتُك العمليةُ في حاجةٍ إلى «رُشْدٍ فقهي» يُحصِّنُ هذه الممارساتِ من التشويهِ والانحرافِ.


فالممارساتُ غيرُ المُحصَّنةِ بالرُّشْدِ الدِّيني، تشوِّه صورة الدِّين، وصورة التديُّن.


• قال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«قصم ظهري عالمٌ مُتهتِّكٌ، وجاهلٌ متنسِّكٌ، فالجاهلُ يَغشُ النَّاس بتنسُّكِهِ، والعالمُ يُنفِّرهم بتهتّكه».


هذانِ النمطانِ مِنْ النَّاسِ يُشكِّلانِ خطرًا كبيرًا على الدِّين:


1- العالمُ المُتهتِّك (المرتكب للمخالفات الشَّرعية) هذا النمط من العلماء يشكِّلونَ كارثة عظمى على الدِّين، فبسلوكهم المنحرف يُبعدون النَّاس عن الدِّين.


ويقطعون الطريق إلى الله، ولذلك سمَّتهم بعضُ الأحاديث «قطَّاع طريق» أي طريق الله.


وقد جاء الذَّم الشديد لهذا النمط من العُلماء:


• قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«مَنْ تعلَّمَ العلمَ ولم يعملَ بِما فيهِ حَشَرَهُ اللهُ يومَ القيامةِ أعمى».


• وقال صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«رأيتُ ليلةَ أسريَ بي إلى السَّماءِ قومًا تُقرضُ شفاهُهُم بمقارضَ من نار ثمَّ ترمى، فقلت: يا جبرئيلَ مَنْ هؤلاء؟
فقال: خطباءُ أمَّتِكَ يأمرُونَ النَّاسَ بالبِّر وينسونَ أنفسَهُم وهم يتلونَ الكتابَ أفلا يَعقلُون».


• وقال صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«يَطَّلعُ قومٌ مِنْ أهلِ الجنَّةِ على قومِ مِنْ أهلِ النَّارِ فيقولونَ: ما أدخلكم النَّارَ وقد دخلَنا الجنَّةَ لفضلِ تأديبكم، فيقولون: إنَّا كنَّا نأمركم بالخير ولا نفعلُهُ».
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ {*} كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾{الصف/2-3}
أمَّا العلماءُ العاملون بعلمهم، والمعُلِّمون النَّاس الخيرَ والرشاد فهم «ورثةُ الأنبياء، يُحبُّهم أهلُ السَّماء، ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتُوا إلى يومِ القيامة».


وهم الذين إذا «وُزن يومَ القيامةِ مدادُهم ودماءُ الشهداءِ، رجح مدادُهم على دماء الشُهداء».
هذا ما أكَّدتهُ الروايات الصادرة عن رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم، وعن الأئمةِ من أهلِ بيتهِ صلوات اللهِ عليهم.


2- الجاهلُ المتنسِّك [كثير العبادة]:
هذا النمط من النَّاس هو الآخر يشكِّل ضررًا على الدِّين، حيثُ يُبرز الدِّين بشكلٍ مشوَّه، ومغلوط، ومن خلالِ ممارسات هؤلاءِ الجُهَّال المتنسكين تتراكم أفعالٌ خاطئة، وتصبح جزءًا من الدِّين في نظر عوام النَّاس، وما أكثر الأعراف التي تُنسب إلى الدِّين وهو منها بُراء.
وخاصة إذا سكتَ العلماءُ عن مواجهتها وتصحيحها، وربَّما تتحوَّل بمرور الزمن إلى (بِدَع) متأصِّلة، وماذا تعني البدعةُ؟
إدخالُ ما ليس من الدِّين في الدِّين.
إدخالُ ما ليس من المذهب في المذهب.
إدخالُ ما ليس من الشَّعائر في الشَّعائر.


• قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«ألا وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، ألا وكلُّ ضلالةٍ في النَّار».


• وقال صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«مَنْ تبسَّم في وجه مُبتدعٍ فقد أعانَ على هدم دينِه».


• وقال صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«إذا ظهرتْ البدع في أمَّتي، فليظهر العالمُ علمَهُ، فمن لم يفعل فعليهِ لعنةُ الله».


وبعد هذه المقدّمة أتناولُ بعضَ عناوين:


العنوان الأوّل:
أهميةُ التفقُّهِ في الدِّين:


أكَّدت الرِّواياتِ على أهمية التفقُّه في الدِّين:
1- قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«ما عُبِدَ اللهُ تعالى بشيئٍ أفضلُ مِن الفقهِ في الدِّين».
أنْ تُصلِّي أنت تُمارسُ عبادةً، أنْ تصومَ أنت تُمارسُ عبادةً، أنْ تحجَّ أنت تُمارسُ عبادةً، أنْ تقرأ القرآن أنت تُمارسُ عبادةً، أنْ تذكرَ الله أنت تُمارسُ عبادةً…


أمَّا أنْ تتفقَّه في دينك – بمعنى أنْ تتعلَّم أمور دينك – فأنت تُمارسُ أفضلَ وأعظم عبادة.
لماذا التفقُّهُ في الدِّينِ أفضلُ وأعظم عبادة؟
لأنَّالتفقُّه هو الذي يُعطي للعبادةِ قيمَتُها، ويُعطي للعبادة درجتها عند الله، ويُعطي للعبادة المعرفةَ بأحكامِها، وشروطِها، ومقوِّماتِها، وكيفية أدائها.


2- وقال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فقَّههُ في الدِّين وألهمه رُشْدَه».
– التفقّه في هذا الحديث – كما تقدَّم – هو امتلاك «ثقافة الدِّين».
(ثقافة العقيدة،ثقافة العبادة، ثقافة الأخلاق، ثقافة الأسرة، ثقافة العلاقات الاجتماعية، ثقافة المعاملات التجارية، بقية مجالات الحياة حتى السِّياسية)


3- وقال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«أُفٍّ لكلِ مسلم لا يجعل في كلِّجمعة [يعني في كلِّ أسبوع] يومًا يتفقَّه فيه أمر دينهِ، ويسأل عن دينه».
مطلوبٌ أنْ تبرمج وقتك، فما أكثر ما تضيع السَّاعات نتيجة «غياب البرمجة»، ونتيجة عدم «التخطيط للوقت»، الإنسان يملك فائضًا من الطَّاقاتِ، ويملك فائضًا من الوقت، فإذا توفَّر على خطةٍ مدروسة توازن بين فائض الطاقة، وفائض الوقت، فسوف يتمكَّن من استثمار ما يملك من أوقات، وبالتالي لا يخسر أيام عمره.


• قال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«ما أسرَعَ السَّاعاتِ في اليوم، وأسرَعَ الأيام في الشهر، وأسرَعَ الشهورِ في السَّنةِ، وأسرعَ السِّنين في العمر».


• وقال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«يفتح للعبد يومَ القيامةِ على كلِّ يوم مِنْ أيام عمره أربعةٌ وعُشرونَ خزانة عدد ساعات الليل والنهار،
– فخزانةٌ يجدُها مملوءةً نورًا وسُرورًا، فيناله عند مُشاهدَتِها من الفرحِ والسُّروُرِ ما لو وُزِّعَ على أهلِ النَّار لأدهشهم عن الإحساسِ بألم النَّار، وهي [هذه الخزانة] السَّاعة التي أطاع فيها ربَّهُ.
– ثُمَّ يُفَتحُ له خزانة أخرى، فيرها مُظلمةً مُنتنةً، مُفزِعةً، فينالُهُ عِنْدَ مُشاهدتِها مِنْ الفزعِ والجزعِ ما لو قُسِّمَ على أهلِ الجنَّةِ لَنَغَّصَ عليهم نعيمَها، وهي السَّاعة التي عصى فيها ربَّهُ.
– ثُمَّ يُفَتحُ له خزانة أخرى، فيراها فارِغَةً ليس فيها ما يَسرُّهُ، ولا ما يَسُوؤُه، وهي التي نام فيها، أو اشتغل فيها بشيئ من مُباحات الدُّنيا، فيناله من الغبنِ والأسفِ على فواتِها – حيث كان متمكنًا من أنْ يملأَها حسناتٍ – ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ…﴾{التغابن/9}
وهذا لا يعني أنَّ الإنسانَ المؤمن ممنوعٌ أنْ يُعطي نفسَهُ بعضَ الوقتِ للترويج والرَّاحة…


إنَّ الإسلام يسمح للإنسان المسلم أنْ يُرفِّه عن نفسه من خلال الوسائلِ المشروعةِ للترفيه إلَّا أنَّه يستطيع أنْ يُحوِّل هذا العمل الترفيهي المشروع ممارسةً عبادية، إذا قصد الاستعانة بهذا العمل على خلق الحيوية والفاعلية وتنشيط الرُّوح لديه.


• قال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«ينبغي للمسلمِ العاقلِ أن يكون له:
– ساعةٌ يقضي بها إلى عمله فيما بينه وبين الله عزَّ وجلَّ.
– وساعةٌ يلاقي إخوانَه الذين يفاوضهم ويفاوضونَه في أمر آخرته.
– وساعةٌ يُخلِّي بين نفسِهِ ولذاتِها في غير مُحرَّم فإنَّها عَوَنٌ على تلك السَّاعتين».


•  وقال الإمام الرِّضا عليه السَّلام:
«واجتهدوا أنْ يكون زَمَانُكم أربعَ ساعات:
– ساعة لله ومناجاته.
– وساعة لأمر المعاش.
– وساعة لمعاشرة الإخوان الثقاة، والذين يُعرفونكم عيوبَكم، ويخلصون لكم في الباطن.
– وساعة تخلون فيها لِلذَّاتكم [المشروعة] وبهذه السَّاعةِ تقدرونَ على الثلاث السَّاعات».
نتابع الحديث حول «وسائل التفقُّه في الدِّين» إنْ شاء الله تعالى.


ونبقى نقولُ الكلمةَ:


ونبقى نقولُ الكلمةَ، مادمنا واثقين كلَّ الثقةِ بأنَّ الكلمةَ صادقةٌ، وناصحةٌ، ومخلصةٌ لهذا الوطنِ، وداعيةٌ إلى المحبَّةِ والتسامحِ، والأخوَّةِ، والوحدةِ، والتقاربِ.


ربَّما توجد أصواتٌ تضيق بالكلمة التي نَقُولُها، تنزعج، تتوتَّر، وربَّما تجاوزت إلى الاتهام والإساءة والتخوين.


هذا أمر نأسفُ له كثيرًا، ونتمنى لو كانت اللغة غير هذه اللغة، لسنا معصومين، ولكن كم هو جميل أنْ تكونَ لغةُ المناصحةِ مملوءةً بالحبِّ، ففي الكلمةِ عن أمير المؤمنين عليه السَّلام: «النصحُ يُثمِرُ المحبَّة»و«النصيحةُ تثمِرُ المودَّة» ومتى يثمر النصحُ المحبَّة، ومتى تثمِرُ النصيحةُ المودَّة؟ حينما يكونُ النصحُ مملوءًا بالحبِّ، وحينما تكونُ النصيحةُ مملوءة بالمودَّة.
أمَّا النصحُ المعبَّأ بالكراهية، فلا ينتج إلَّا الكراهية، وأمَّا النصيحةُ المشحونةُ بالبغض فلا تنتج إلَّا البغض.


هذا إذا كان هناك نصحٌ أو نصيحةٌ لدى أولئك المنزعجين المتوترين مِنْ أيِّ خطابٍ، الموجود هو لغةٌ تنزعُ نحو الإساءةِ والتحريضِ ومسكونةٌ بروحِ الشَّك والرِّيبة.


يؤلمنا جدًا أنْ نتحدَّث بهذه الطريقة، وإلَّا فلماذا هذا الاستنفار في مواجهةِ كلمةٍ هنا، وكلمةٍ هناك لا تحمل إلَّا كلَّ الصِّدقِ والوفاءِ لهذا الوطن، فماذا تقول الكلمةُ في منابرنا؟


الكلمةُ تدعُو إلى المحبَّةِ، والتسامحِ، والوحدةِ، والتقاربِ.
الكلمةُ تدعُو إلى الحِوارِ والتفاهُمِ، والمُصالحةِ، والمُسالمةِ.
الكلمةُ تدعُو إلى البناءِ والإصلاحِ والأمنِ والأمان.
الكلمةُ تدعُو إلى نبذِ العُنفِ والتطرُّفِ والإرهاب.
الكلمةُ تدعُو إلى حبِّ الأرضِ والوطن.


المشكلة أنَّ هؤلاءِ يَرونَ كلَّ هذا لا يُمثِّل الحقيقة، إنَّه دجلٌ ونفاق، وكذبٌ وخداع، ووهمٌ وهُراء، وزيفٌ وافتراء… إنَّها العُقدة المستحكمةُ في النفوس، إنَّها الظنونُ السَّيئة، فمتى نجدُ وطنًا تتصافى فيه النوايا، وتتحررُ القلوبُ مِنْ كلِّ الضَغَائِن، وتتصافحُ الأرواح، وتموتُ كلُّ الظنونِ السَّيئةِ، وتتجذَّر الثقةُ في كلِّ النفوس.


ومهما قالوا ويقوُلوُنَ فلن نحمل حِقدًا تجاه أحدٍ من أبناءِ هذا الوطن، ولن نضمرَ سوءًا وشرًّا لأيِّ إنسانٍ، وإنْ قسى علينا وإنْ أساءَ الظنَّ فينا، فالجميع إخوتُنا في الدِّين والوطن.


ومهما قالوا ويقولون لن تَصمُتَ لدينا الكلمةُ الصَّادِقةُ المخلصةُ، تشتَّدُ تارةً، وتلين أخرى، وهي في الشدَّةِ واللين تحمِلُ كلَّ الوفاء للشعبِ والوطن، وليستْ المسألةُ توزّعَ أدوار، وليستْ المسألةُ استبدالَ أشخاص… وليستْ المسألةُ تكرارًا واجترارًا وتغييرَ عباراتٍ وكلمات…


المشكلةُ أنْ لا نعترف بوجودِ أزمةٍ في هذا البلد…المشكلةُ أنْ نعتقدَ أنَّ الأمورَ بألفِ خير…


نتمنَّى ومِنْ كلِّ قُلوبِنا أنَّ الأمورَ في هذا الوطنِ بألفِ خير، ولكنَّ العالمَ كلّ العالم يراقب المشهدَ هنا، ويقول إنَّ الأوضاع غير طبيعية في المسار السِّياسي والحقوقِي والأمني.


فما أشوقنا إلى اليوم الذي يتعافى فيه الوطن، وتُصبِحُ الأوضاع كلّ الأوضاع بخيرٍ وسلام، وتنتهي الظنون والشكوك، فلا نسمعُ أصواتَ فتنةٍ وفرقةٍ وتأزيم.


كَمْ تَمنَّينا أنْ لا تَنْشَغِلَ الكلمةُ هُنَا بسجالاتِ الدِّفاعِ عن النفسِ، لتتفرَّغ إلى مقاربةَ أوضاعِ السَّاحةِ، فمسؤولية هذه المنابر الاهتمامُ بشؤونِ النَّاسِ في كلِّ المساحاتِ العقيديةِ والثقافيةِ والفقهيةِ والروحيةِ والأخلاقيةِ والاجتماعيةِ والسِّياسية، صحيحٌ يجبُ أنْ تتجنَّبَ المنابرُ معتركاتِ السِّياسة، وتجاذباتِ السِّياسة، ومنزلقاتِ السِّياسة، وتلوُّثاتِ السِّياسة.


أمَّا النصحُ والتوجيهُ وتصحيحُ الأخطاءِ فهي من صميم المسؤوليات، فالمخلصونَ لهذا الوطن – في أيّ موقع كانوا ولا سيما موقع التوجيه الدِّيني – يجب أنْ يُمارسُوا دورَ النُصح وتصحيح الأخطاءِ لا الصمتُ أو تكريس الأخطاء.


وهذا ما يحمي الأوطانَ من الأزماتِ، والأخطارِ والمنزلقاتِ.
أمّا السكوتُ، الصمتُ، المجاملةُ، المداهنةُ، فهي الأمور التي تدفعُ إلى المزيدِ من الأخطاءِ والمنزلقاتِ السِّياسية.


• في الحديث عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«مَنْ لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومَنْ لم يُصبِحْ ويُمسي ناصحًا للهِ، ولِرسولِهِ، ولكتابِهِ، ولإمامِهِ، ولعامَّةِ المسلمينَ فليس منهم».


• وفي كلمةٍ لأمير المؤمنين عليه السَّلام خاطب بها بعض أصحابِهِ حيث قال:
«أنتم الأنصارُعلى الحقِّ، والإخوانُ في الدِّن، فأعينوني بنصيحةٍ خليَّة [جليّة] من الغش».


• وفي كلمة أخرى قال عليه السَّلام:
«ما أخلصَ المودَّةَ مَنْ لم ينصحْ».


كلمةٌ أخيرة:


باستمرارِ اعتقالِ سماحةِ الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق تتجهُ الأوضاعُ إلى المزيد من التعقيد، وإلى المزيد من التأزيم، وإلى المزيد من الإحباط…


ليس مبالغةً ولا تهويلًا، ولا تحريضًا نقولُ هذا الكلام، فكلَّ القراءاتِ للمشهدِ السِّياسي والأمني في هذا البلد تؤكِّد هذه المؤشرات.


ولا نريد أنْ نقتلَ الأملَ في داخِلنا، وأنْ نكونَ متشائمينَ، إلَّا أنَّ المُعطياتِ الموضوعيةِ لحدثٍ في حجم اعتقالِ الشيخ علي سلمان ليستْ معطياتٍ عاديةً وعابرةً، كونَ هذا الرَّجلِ أحدَ أعمدةِ المسارِ السِّلمي في حَرَاكِ هذا الشَّعبِ، وأحدَ صُنَّاعِ الرُشدِ السِّياسيِّ لدى قوى المعارضةِ.


فاستمرارُ اعتقالهِ، واستمرارُ محاكمتهِ يُحدثُ نكسةً في أيّ خيارٍ يتَّجهُ نحو التوافقِ والتقاربِ والتفاهم، هذا الخيارُ الذي بُذلتْ جهودٌ وجهودٌ، ولازالتْ تبذلُ من أجلِ إنعاشِهِ وكان سماحة الشيخ علي سلمان من أبرزِ العاملينَ المخلصين في هذا الاتجاه، فمنذ أنْ تصدَّى للدور السِّياسيَ كانَ الرشيدَ العاقلَ، والبصيرَ الحاذق، والحريصَ الصَّادقَ على أمنِ هذا الوطن، والمدافعَ المعتدلَ عن قضايا هذا الشعب.


وحتى في معتقله كان خطابُه إلى جماهيره أنْ تتحصَّن بالسِّلميةِ، وأنْ لا تفكِّرَ في أيِّ نزوعٍ نحوَ العنفِ والتطرُّفِ والإرهاب.


إنَّنا نؤكِّد إنَّ مشروعَ المصالحةِ والإصلاحِ إذا أريد له أنْ يتحرَّك بشكلٍ جادٍّ حقيقي فهو في أمسِّ الحاجة إلى مساهمةِ هذا الرَّمز الكبير وغيره من الرُّموز الغيارى على مصلحةِ هذا البلد، فموقعُه وأمثالُه ليس أقبية السُّجون، وإنَّّما في الصدارة من رجالِ هذا الوطن العاملين الصّادقين.


وآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى